صـور مـحـطـة قـطـار بـغـداد 1917

الـدّكـتـور صـبـاح الـنّـاصـري

هنود في محطة القطار 1917

بـدايـات الـقـاطـرة الـبـخـاريـة والـسّـكـك الـحـديـديـة :

تـبـدأ قـصـتـنـا في عـام 1804، عـنـدمـا صـمـم الـمـهـنـدس الـبـريـطـاني ريـشـارد تـريـفـيـثـيـك   Richard Trevithick  أوّل قـاطـرة بـخـاريـة، فـقـد كـان الاحـتـيـاج مـلـحّـاً في أوربـا لإيـجـاد وسـيـلـة نـقـل سـريـعـة وعـمـلـيـة لـتـزويـد الـمـعـامـل والـمـصـانـع الّـتي كـانـت قـد بـدأت تـنـمـو وتـتــزايـد، بـالـمـواد الأولـيـة الّـتي تـحـتـاجـهـا ولـنـقـل الـبـضـائـع الـمـصـنّـعـة مـنـهـا.

وفي 21 آذار مـن ذلـك الـعـام إسـتـطـاعـت قـاطـرة تـريـفـيـثـيـك أن تـجـرّ وراءهـا عـدّة عـربـات ركـب فـيـهـا أوائـل الـمـسـافـريـن عـلى الـسّـكـك الـحـديـديـة !

ولاقـت الـقـاطـرة نـجـاحـاً سـريـعـاً وأنـشـئـت شـركـة The Middleton Steam Railway عـام 1812 قـرب مـديـنـة   Leedsفي  وسـط مـهـد الـتّـصـنـيـع الـبـريـطـاني. ثـمّ اسـتـمـرّ مـنـهـدسـون آخـرون في تـحـسـيـن الـقـاطـرة الـبـخـاريـة لـتـزداد سـرعـتـهـا وقـدرتـهـا عـلى سـحـب عـربـات كـثـيـرة وأحـمـال ثـقـيـلـة. وفُـتـح في 1925 أوّل خـطّ حـديـدي مـنـظّـم لـنـقـل الـمـسـافـريـن في إنـكـلـتـرة بـيـن Stockton و Darlington .  وكـانـت تـلـك بـدايـة تـغـطـيـة سـطـح الـكـرة الأرضـيـة بـمـلايـيـن الـكـيـلـومـتـرات مـن الـسّـكـك الـحـديـديـة.

خـطّ قـطـار بـرلـيـن ــ بـغـداد :

وكـانـت تـتـقـاسـم الـعـالـم آنـذاك عـدّة إمـبـراطـوريـات اسـتـولـت عـلى مـنـاطـق واسـعـة مـن الـعـالـم واسـتـعـمـرتـهـا. وكـانـت كـلّ واحـدة مـنـهـا تـحـاول الـمـحـافـظـة عـلى مـكـتـسـبـاتـهـا والـدّفـاع عـنـهـا ضـدّ أطـمـاع الأخـريـات، وتـحـاول أيـضـاً تـوسـيـع تـجـارتـهـا ومـدّ سـيـطـرتـهـا الإقـتـصـاديـة. وهـكـذا أصـبـحـت شـبـكـة الـسّـكـك الـحـديـديـة وسـيـلـة جـديـدة مـن وسـائـل الـتّـوسّـع وتـوسـيـع الـنّـفـوذ والـسّـيـطـرة.

وقـد اقـتـرح الـمـهـنـدس الألـمـاني فـون بـريـسـل Von Pressel عـلى حـكـومـتـه في سـبـعـيـنـيـات الـقـرن الـتّـاسـع عـشـر مـشـروع مـدّ خـطّ سـكـك حـديـديـة بـيـن بـرلـيـن وأراضي الـدّولـة الـعـثـمـانـيـة لـكي تـتـوصـل ألـمـانـيـا إلى الـتّـغـلـغـل في مـنـاطـق الـشّـرق. وكـان الـخـطّ يـخـدم مـصـالح الـعـثـمـانـيـيـن أيـضـاً، فـقـد كـان يـتـيـح لـهـم الـفـرصـة لـلـحـصـول عـلى هـذه الـتّـقـنـيـات الأوربـيـة الـحـديـثـة لـتـحـسـيـن سـيـطـرتـهـم عـلى الـولايـات الـخـاضـعـة لـهـم.

ومـنـح الـسّـلـطـان الـعـثـمـاني عـبـد الـحـمـيـد الـثّـاني عـام 1903 امـتـيـازاً مـدتـه 99 سـنـة لـشـركـة سـكـك حـديـد الأنـاضـول (أو أنـاطـولـيـا كـمـا كـان يـكـتـبـهـا الـعـثـمـانـيـون)، والّـتي كـانـت شـركـة ألـمـانـيـة، لإنـشـاء الـجـزء الـشّـرقي مـن الـمـشـروع : خـطّ بـغـداد ــ قـونـيـا (في تـركـيـا). ولـكـنّ تـنـفـيـذ الـمـشـروع الـذّي أسـمـاه الأتـراك خـطّ  “أنـاطـولي عـثـمـانـلي “،

شعار شركية أناظوليا

وأسـمـاه الألـمـان : « Bagdadbahn »، والّـذي عـرف بـعـد ذلـك تـحـت اسـم خـطّ بـرلـيـن ــ بـغـداد، اسـتـغـرق زمـنـاً طـويـلاً، فـقـد طـالـت الـمـفـاوضـات لـحـلّ الـمـشـاكـل الـرّئـيـسـيـة الّـتي واجـهـهـا الـمـشـروع وخـاصـة تـمـويـلاتـه الـمـالـيـة.

وقـد شـرع الألـمـان عـام 1912 في الـعـمـل عـلى خـط الـسّــكّـة الـحـديـديـة الـعـريـض مـن بـغـداد بـاتـجـاه الـشّـمـال بـعـد وضـع الـحـجـر الأسـاس في مـحـطـة “بـغـداد  Bagdad”  في جـانـب الـكـرخ.  ووصـلـت الـصّـنـاديـق الّـتي تـحـتـوي عـلى قـطـع الـقـاطـرات مـن هـامـبـورغ، وركّـبـت في الـمـحـطـة.

ولـكـنّ الـخـطّ لـم يـتـقـدّم كـثـيـراً عـنـدمـا بـدأت الـحـرب الـعـالـمـيـة الأولى، ولـم يـكـن قـد تـجـاوز بـغـداد ــ سـامـراء عـنـدمـا وصـلـت الـقـوّات الـبـريـطـانـيـة أمـام أسـوار بـغـداد في آذار 1917.

وقـد اسـتـقـلّ آخـر ولاة بـغـداد الـعـثـمـانـيـيـن خـلـيـل بـاشـا قـطـاراً تـاركـاً مـحـطّـة الـكـرخ نـحـو سـامـراء قـبـل أن يـدخـل الـبـريـطـانـيـون بـغـداد.

وبـعـد أن دخـلـتـهـا الـقـوات الـبـريـطـانـيـة في 11 آذار 1917، إحـتـلّـت كـتـيـبـة مـن The Black Watch مـحـطّـة الـقـطـار.

ونـرى في الـصّـورة الّـتي وضـعـتـهـا في بـدايـة الـمـقـال (والـمـحـفـوظـة في الـمـتـحـف الإمـبـراطـوري لـلـحـرب في لـنـدن) مـحـطـة بـغـداد وأمـامـهـا عـدد مـن الـجـنـود الـهـنـود الّـذيـن دخـلـوا بـغـداد مـع الـقـوّات الـبـريـطـانـيـة.

كـمـا الـتـقـط أحـد الـضّـبّـاط صـوراً فـوتـوغـرافـيـة لـلـمـحـطـة، نـشـرتـهـا الـمـجـلّـة الإنـكـلـيـزيـة الـمـصـوّرة The Illustrated في نـفـس الـشّـهـر.

نـرى في واحـدة مـنـهـا مـحـطـة بـغـداد وأمـامـهـا ضـابـط بـريـطـاني وجـنـدي هـنـدي :

محطة قطار بغداد 3

وفي الـثّـانـيـة صـورة مـقـرّبـة لـلـمـحـطّـة :

محطة بغداد 11

وقـد وجـد الـضـبّـاط الـبـريـطـانـيـون وجـنـودهـم الـهـنـود عـلى جـدران الـمـحـطّـة رسـمـاً جـداريـاً نـفّـذه الـجـنـود الألـمـان قـبـل انـسـحـاب الـقـوات الـتّـركـيـة الّـتي كـانـوا يـحـاربـون بـجـانـبـهـا،  ويـمـثّـل مـنـطـاد زبـلـن يـحـلـق في سـمـاء لـنـدن ويـرمي عـلـيـهـا بـقـنـبـلـة !

محطة بغداد 13

وجـمـلـة مـكـتـوبـة بـالـلـغـة الألـمـانـيـة :  Gott strafe England أي لِـيـعـاقـب الـرّب إنـكـلـتـرة !

محطة بغداد 12

أمّـا جـنـود فـصـيـلـة لايـسـيـسـتـرشـيـر  فـقـد نـقـلـوا جـرس الـمـحـطّـة مـعـهـم إلى إنـكـلـتـرة، ومـازال في مـتـحـف فـصـيـلـة لايـسـيـسـتـرشـيـر الـمـلـكـيـة  The Royal Leicestershire Regiment.

وقـد تـوجـهـت قـوات بـريـطـانـيـة نـحـو سـامـراء في 21 نـيـسـان 1917، وفي الـطّـريـق واجـهـتـهـا الـقـوات الـتّـركـيـة الّـتي كـانـت قـد انـسـحـبـت مـن بـغـداد، ودامـت الـمـنـاوشـات إلى يـوم 23 نـيـسـان. وفي ذلـك الـيـوم، إسـتـطـاع الـبـريـطـانـيـون الإسـتـيـلاء عـلى مـحـطـة قـطـار سـامـراء الّـتي كـان فـيـهـا 16 قـاطـرة و250 عـربـة مـحـمّـلـة بـالـمـعـدّات.

وقـد وجـدت في عـدد صـدر عـام 1917 مـن نـفـس الـمـجـلّـة الإنـكـلـيـزيـة الـمـصـوّرة The Illustrated صـورة لـمـحـطـة بـيـن بـغـداد وسـامـراء :

محطة بين بغداد وسامراء 1917 (2)

وصـورة لـمـحـطـة سـامـراء عـنـدمـا وصـلـهـا الـبـريـطـانـيـون :

محطة سامراء 1917 (2)

كـمـا وجـدت صـورة ثـانـيـة لـمـحـطـة سـامـراء يـبـدو أنّـهـا الـتـقـطـت بـعـد ذلـك :

محطة سامراء 2

 

©   حـقـوق الـنّـشـر مـحـفـوظـة لـلـدّكـتـور صـبـاح كـامـل الـنّـاصـري

يـرجى طـلـب الإذن مـن الـكـاتـب قـبـل إعـادة نـشـر هـذا الـمـقـال.

نُشرت بواسطة

alnasserys

صـبـاح الـنّـاصـري، دكـتـور في الآداب، مـقـيـم في مـنـطـقـة الـنّـورمـانـدي في فـرنـسـا

أضف تعليق