الـمـقـالات الـمـنـشـورة في مـدونـة “بـيـن دجـلـة والـفـرات” بـيـن 2015 و 2024

قـائـمـة تـحـتـوي عـلى 164 مـقـالاً نـشـرت في مـدونـة “بـيـن دجـلـة والـفـرات” بـيـن آذار (مـارس) 2015  وآذار (مـارس) 2024.

وقـد رتّـبـت تـرتـيـبـاً زمـنـيـاً حـسـب مـواضـيـعـهـا مـن الأكـثـر حـداثـة وإلى الأقـدم تـاريـخـيـاً. وتـجـدون في بـدايـة كـلّ تـلـخـيـص لـلـمـوضـوع عـنـوان الـمـقـال وقـد خـطّ تـحـتـه خـطّ بـالـلـون الأسـود الـثّـخـيـن. ويـمـكـنـكـم الـضّـغـط عـلى الـعـنـوان لـقـراءة الـمـقـال بـكـامـلـه، فـالـعـنـوان هـو الـرّابـط الّـذي يـوصـل إلى الـمـقـال الأصـلي  :

تـمـثـالان لآشـوربـانـيـبـال وجـلـجـامـش في سـان فـرانـسـيـسـكـو وسـيـدني

آشوربانيبال سان فرنسيسكو 2

نـصـب تـمـثـال آشـوربـانـيـبـال في سـان فـرانـسـيـسـكـو، كـالـيـفـورنـيـا (الـولايـات الـمـتّـحـدة الأمـريـكـيـة) عـام 1988، وتـمـثـال “جـلـجـامـش” في جـانـب مـن حـديـقـة جـامـعـة سـيـدني في أسـتـرالـيـا عـام 2000. ولـكـن هـل هـمـا يـمـثّـلان حـقّـاً آشـوربـانـيـبـال وجـلـجـامـش ؟

طـبـعـات الأكـفّ والأجـسـاد الـمُـفـرغـة والـمـلـيـئـة في الـفـنّ الـحـديـث

دفاتر الحرب مساء الجمعة

نـجـد عـلى جـدران كـهـوف مـا قـبـل الـتّـاريـخ طـبـعـات أكـفّ مـفـرغـة ومـلـيـئـة. وقـد أدخـل عـدد مـن فـنّـاني الـفـتـرات الـحـديـثـة (مـنـذ الـقـرن الـتّـاسـع عـشـر وإلى أيّـامـنـا هـذه) هـذه الـتّـقـنـيـات في أعـمـالـهـم الـفـنّـيـة. وقـد اخـتـرت لـكـم تـجـربـتـيـن إحـداهـمـا لـفـنّـان فـرنـسي مـن مـنـتـصـف الـقـرن الـمـاضي : إيـف كـلان، والأخـرى لـفـنّـان عـراقي مـن الـنّـصـف الـثّـاني لـذلـك الـقـرن وبـدايـة قـرنـنـا هـذا : رافـع الـنّـاصـري  …

خـمـسـة فـنّـانـيـن عـراقـيـيـن في سـاو بـاولـو

Iraqi Pavilion 5

شـارك خـمــسـة فـنّـانــيـن عـراقـيـيـن : ضـيـاء الـعـزّاوي، رافـع الـنّـاصـري، نـوري الـرّاوي، عـامـر الـعـبـيـدي وشـاكـر حـسـن آل سـعـيـد، في “الـبـيـنـالي الـعـالـمي الـخـامـس عـشـر” الّـذي أقـيـم في مـديـنـة سـاو بـاولـو  في الـبـرازيـل، مـن 3 تـشـريـن الأوّل إلى 9 كـانـون الأوّل عـام 1979، ونـجـد في الـدّلـيـل الّـذي نـشـر عـنـه جـزءاً مـخـصـصـاً لـلـفـنّـانـيـن الـعـراقـيـيـن الـخـمـسـة الّـذيـن عـرضـت لـهـم 22 لـوحـة.

ويـحـتـوي الـدّلـيـل عـلى سـيـرة قـصـيـرة لـكـلّ واحـد مـنـهـم، وعـلى قـائـمـة بـلـوحـاتـه الـمـعـروضـة. ونـجـد في قـسـمـه الأخـيـر صـورة فـوتـوغـرافـيـة بـالأبـيـض والأسـود لـلـوحـة اخـتـيـرت مـن بـيـن الأعـمـال الـمـعـروضـة لـكـل فـنّـان مـنـهـم …

ديـوك إلـيـنـغـتـون في بـغـداد عـام 1963

إلينغتون

مـرّ ديـوك إلـيـنـغـتـون بـبـغـداد عـام 1963، وأقـام حـفـلـة “مـوسـيـقى جـاز” مـع فـرقـتـه في قـاعـة الـخـلـد، يـوم 12 تـشـريـن الـثّـاني. وكـانـت مـحـطـة تـلـفـزيـون بـغـداد قـد اسـتـعـدّت لـنـقـل جـزء مـن الأمـسـيـة، ولـكـنّـهـا قـررت بـعـد ذلـك تـغـيـيـر بـرامـجـهـا وبـث الأمـسـيـة بـكـامـلـهـا ابـتـداءً مـن الـسّـاعـة الـسّـابـعـة والـنّـصـف مـسـاءً. وفي الـيـوم الـتّـالي، حـدثـت اضـطـرابـات سـيـاسـيـة في بـغـداد، وطـلـبـت سـكـرتـاريـة الـدّولـة لـلـشـؤون الـخـارجـيـة، أي وزارة الـخـارجـيـة الأمـريـكـيـة، مـن ديـوك إلـيـنـغـتـون وفـرقـتـه أن يـتـركـوا بـغـداد بـأسـرع مـا يـمـكـنـهـم. وألـغـيـت الـحـفـلـة الـمـوسـيـقـيـة الـثّـانـيـة الّـتي كـان يـنـبـغي أن تـقـام في مـسـاء يـوم 13 تـشـريـن الـثّـاني …

يـوم مـع عـبـد الـكـريـم قـاسـم

Kassim 30

أرسـلـت مـجـلّـة لايـف الأمـريـكـيـة  Life magazine الـصـحـفي دونـالـد بـرك Donald Burk و الـمـصـور الـفـوتـوغـرافي  James Burke إلى بـغـداد في كـانـون الـثّـاني 1959. وقـد اسـتـطـاعـا الـحـصـول مـن رئـيـس الـوزراء عـبـد الـكـريـم قـاسـم، عـلى مـوافـقـة لإجـراء لـقـاء مـصـور مـعـه في أواخـر شـهـر شـبـاط، وقـضـاء يـوم كـامـل يـتـابـعـونـه فـيـه في مـكـتـبـه وكـذلـك في تـنـقـلاتـه.

وقـد نـشـرت مـجـلّـة لايـف الأمـريـكـيـة بـعـد ذلـك في عـددهـا الـصّـادر في 23 آذار 1959 مـقـالاً قـصـيـراً عـن هـذا الـلـقـاء، كـمـا أن لـديـنـا مـجـمـوعـة كـبـيـرة مـن الـصّـور الّـتي الـتـقـطـهـا James Burke  لـعـبـد الـكـريـم قـاسـم في بـدايـة عـام  1959 مـا زالـت مـجـلّـة لايـف الأمـريـكـيـة تـحـتـفـظ بـهـا …

الـسّـنـوات الـبـغـداديـة لـمـارغـو كـيـرتـيـكـار

Margo K

نـشـرت مـارغـو كـيـرتـيـكـار عـام 2011، كـتـاب ذكـريـات بـالـلـغـة الإنـكـلـيـزيـة عـن “بـغـداد في الـمـاضي، عـقـداهـا الـذّهـبـيـان في أربـعـيـنـات [الـقـرن الـمـاضي] وخـمـسـيـنـاتـه”. ويـبـدأ الـكـتـاب في ربـيـع 1959 عـنـدمـا كـانـت مـارغـو تـسـتـعـد لـمـغـادرة بـغـداد لـلـدّراسـة… ولـكـنّ عـاصـفـة عـجـاج عـاقـت الـطّـائـرة عـن الإقـلاع، وعـادت مـارغـو  مـع أهـلـهـا إلى الـدّار. ثـمّ تـتـكـلّـم عـن “كـيـف جـاءت الأقـدار بـالـحـبّ في ربـيـع 1939” عـنـدمـا الـتـقى أبـوهـا الـهـنـدي، الّـذي كـان قـد اسـتـقـرّ في بـغـداد بـعـد أسـفـار طـويـلـة بـأمّـهـا الـسّـوريـة … وتـسـتـمـرّ مـارغـو في ذكـريـاتـهـا عـن بـغـداد وحـيـاتـهـا الـسّـعـيـدة فـيـهـا …

الـسّـنـوات الـبـغـداديـة في مـسـيـرة رومـان أرتِـمـوفـسـكي الـفـنّـيـة

Roman Artymowski 3

أقـام الـفـنّـان الـبـولـنـدي رومـان أرتِـمـوفـسـكي أو أرتـيـمـوفـسـكي   Roman Artymowski  في بـغـداد عـدّة فـتـرات طـويـلـة بـيـن عـامَي 1959 و 1979، ودرّس في مـعـهـد الـفـنـون الـجـمـيـلـة ثـمّ في أكـاديـمـيـة الـفـنـون الـجـمـيـلـة.

وقـد صـل رومـان أرتِـمـوفـسـكي في شـهـر حـزيـران مـن عـام 1959، إلى بـغـداد لـيـنـظّـم فـيـهـا مـعـرضـاً عـن الـفـنّ الـبـولـنـدي الـمـعـاصـر. وفي بـغـداد، تـعـاقـد مـعـه مـعـهـد الـفـنـون الـجـمـيـلـة لـيـدرّس فـنّ الـغـرافـيـك (الـحـفـر والـطّـبـاعـة) …

خـطـيـبـة الـمـلـك فـيـصـل الـثّـاني

Paris match 485 (238x317)

نـشـرت مـجـلّـة “بـاري مـاتـش” الـبـاريـسـيـة في عـددهـا الّـذي صـدر بـعـد اثـني عـشـر يـومـاً عـلى ثـورة 14 تـمّـوز 1958 في الـعـراق مـقـالاً عـنـونـتـه : “بـيـروت، عـمّـان، بـغـداد، مـراسـلـونـا عـلى جـبـهـة الـشّـرق الأوسـط”، ثـمّ تـحـتـه بـحـروف بـيـضـاء عـلى خـلـفـيـة سـوداء : “كـان يـنـبـغي أن تـتـزوّج الأمـيـرة الـصّـغـيـرة فـاضـلـة  Fazilet  بـفـيـصـل، مـلـك الـعـراق في شـهـر تـشـريـن الأوّل، ولـكـنّـهـم أُخـبـروهـا بـمـوتـه في غـرفـتـهـا في الـمـعـهـد الإنـكـلـيـزي الّـذي تـدرس فـيـه. وعـلى جـدار الـغـرفـة صـورة خـطـيـبـهـا”. ونـقـرأ في الـصـفـحـتـيـن 12 و 13 مـقـالاً عـنـوانـه : “في الـقـسـم الـدّاخـلي لـمـعـهـد أسـكـوت Ascot، فـاضـلـة الـرّائـعـة الـجـمـال تـبـكي خـطـيـبـهـا الـمـقـتـول” …

الـخـزّاف الـبـريـطـاني إيـان أولـد في بـغـداد

auld_portrait

وصـل الـفـنّـان الـبـريـطـاني إيـان أولـد إلى بـغـداد في عـام 1954. وتـعـاقـد مـع مـعـهـد الـفـنـون الـجـمـيـلـة لـيـدرّس فـيـه. وفـتـح فـرعـاً لـلـفـخـار/  الـخـزف (الـسّـيـرامـيـك) تـرأسـه مـن عـام 1955 إلى عـام 1957.

وكـان إيـان أولـد مـن روّاد الـعـمـل الـفـنّي الـيـدوي، واسـتـعـمـل طـريـقـة الـسّـلاب slab-building technique ، أي تـقـنـيـة تـركـيـب الـشّـرائـح، لإنـتـاج أعـمـال فـنّـيـة فـريـدة (أي بـنـسـخـة واحـدة) مـن الـقـنـاني والأواني والـصـحـون …

مـلـعـب لـو كـوربـوزيـيـه الـرّيـاضي في بـغـداد

لوكوربزييه 5

بـعـد أن أنـشئ “مـجـلـس الإعـمـار” في بـغـداد عـام 1950، تـبـنّـت الـحـكـومـة الـعـراقـيـة في 1955 مـشـروع تـوسـيـع مـديـنـة بـغـداد وتـحـديـثـهـا. وقـد طـلـبـت مـن أهـمّ الـمـعـمـاريـيـن الـعـالـمـيـيـن وأشـهـرهـم في تـلـك الـفـتـرة الـمـشـاركـة فـيـه. وهـكـذا رسـم الـمـعـمـاري الأمـريـكي فـرانـك لـويـد رايـت مـخـطـطـاً عـامـاً لـمـركـز الـمـديـنـة، كـمـا صـمـم دار أوبـرا، وصـمـم الـمـعـمـاري الألـمـاني فـالـتـيـر غـروبـيـوس، مـؤسـس الـبـاوهـاوس، مـديـنـة جـامـعـيـة شـاسـعـة … أمّـا الـمـعـمـاري الـسّـويـسـري  الـمـشـهـور بـاسـم لـو كـوربـوزيـيـه  فـقـد عـهـد إلـيـه بـتـصـمـيـم مـديـنـة أولـمـبـيـة في بـغـداد تـضـمّ مـلـعـبـاً ريـاضـيـاً مـفـتـوحـاً  ومـلـعـبـاً مـغـلـقـاً (أي مـسـقّـفـاً) وهـو مـايـسـمى بـالـجـمـنـازيـوم  ومـسـبـحـاً أولـمـبـيـاً لـخـمـسـة آلاف مـشـاهـد …  ولـم يـشـيّـد الـمـلـعـب الـرّيـاضي الّـذي صـمـمـه لـوكـوربـوزيـيـه لـبـغـداد إلّا بـعـد خـمـسـة وعـشـريـن عـامـاً، أي في عـام 1980 ! …

فـيـصـل الـثّـاني في أمـريـكـا  ــ  الـقـسـم الأوّل

فيصل لايف 8

نـشـرت مـجـلّـة لايـف الأمـريـكـيـة مـقـالاً في عـددهـا الـصّـادر في 25 آب 1952 عـن زيـارة الـمـلـك الـشّـاب فـيـصـل الـثّـاني (الّـذي كـان في الـسّـابـعـة عـشـرة مـن عـمـره). وقـد تـبـعـه كـاتـب الـمـقـال ومـصـوّر الـمـجـلّـة الـفـوتـوغـرافي في جـولـتـه، وخـاصـة في نـيـويـورك …

فـيـصـل الـثّـاني في أمـريـكـا ــ الـقـسـم الـثّـاني

فيصل الثاني في أمريكا

دامـت زيـارة الـمـلـك فـيـصـل الـثّـاني لـلـولايـات الـمـتّـحـدة الأمـريـكـيـة خـمـسـة أسـابـيـع، مـن 12 آب إلى 8 أيـلـول 1952. وقـد وصـل فـيـصـل الـثّـاني ومـرافـقـوه إلى نـيـويـورك في يـوم الـثّـلاثـاء 12 آب. وفي الـيـوم الـتّـالي، أي الأربـعـاء 13 آب، جـرى حـفـل اسـتـقـبـالـه في بـلـديـة نـيـويـورك، ثمّ حـضـر مـبـاراة كـرة الــبـيـسـبـول في مـلـعـب في بـروكـلـيـن. وبـعـد أن زار مـعـالـم نـيـويـورك ذهـب إلى واشـنـطـن لـيـلـتـقي بـمـضـيّـفـه الـرّئـيـس الأمـريـكي هـاري تـرومـان. ثـمّ شـرع في جـولـة حـول الـولايـات الـمـتّـحـدة الأمـريـكـيـة …

شـاكـر حـسـن آل سـعـيـد  و »جـمـاعـة بـغـداد لـلـفـنّ الـحـديـث »

Bagdad lil

كـتـب شـاكـر حـسـن آل سـعـيـد مـقـالاً في غـايـة الأهـمّـيـة بـعـنـوان : “بـمـنـاسـبـة مـرور ربـع قـرن عـلى ظـهـور جـمـاعـة بـغـداد لـلـفـنّ الـحـديـث”، ونـشـره في مـجـلّـة  “آفـاق عـربـيـة” الـعـراقـيـة، الـعـدد الـثّـاني، 1978، يـروي فـيـه بـسـرد مـمـتـع بـدايـة إنـشـاء الـجـمـعـيـة ثـمّ نـمـوّهـا، ويـتـكـلّـم عـن الـفـنّـانـيـن الّـذيـن انـضـمّـوا إلـيـهـا ومـعـارضـهـا الّـتي شـاركـوا فـيـهـا …

ثـلاثـة بـريـطـانـيـيـن في أهـوار جـنـوب الـعـراق

Thesiger XXIII

وصـل الـبـريـطـاني ولـفـريـد ثـيـسـجـر إلى الأهـوار في أواخـر عـام 1951، وسـقـط حـالاً في دائـرة سـحـرهـا، وأقـام فـيـهـا عـدّة مـرّات ولـمـدة أشـهـر طـويـلـة حـتّى حـزيـران 1958. وفي بـدايـة 1952، إلـتـقى بـغـافـن يـونـغ الّـذي كـان بـريـطـانـيـاً هـو الآخـر، ويـعـمـل في شـركـة في الـبـصـرة، وتـحـدّث لـه عـن الأهـوار، فـذهـب إلـيـهـا يـونـغ مـعـه. ثـمّ رجـع إلـيـهـا يـونـغ عـدّة مـرّات بـعـد ذلـك وأقـام فـيـهـا فـتـرات طـويـلـة، إلى أن تـرك عـمـلـه وغـادر الـعـراق. كـمـا أنّ ولـفـريـد ثـيـسـجـر اصـطـحـب مـعـه إلى الأهـوار في 1956 عـالـم الـطّـبـيـعـيـات الإسـكـتـلـنـدي غـافـن مـاكـسـويـل …

بـغـداد كـمـا صـوّرهـا كـارتـيـيـه ــ بـريـسـون

كارتييه بريسون 1

تـوقّـف الـمـصـوّر الـفـورتـوغـرافي الـشّـديـد الـشّـهـرة : هـنـري كـارتـيـيـه ــ بـريـسـون عـام 1950 في بـغـداد في طـريـق عـودتـه إلى فـرنـسـا راجـعـاً مـن إقـامـة طـويـلـة في الـشّـرق الأقـصى.  وقـد الـتـقـط في بـغـداد عـدداً كـبـيـراً مـن الـصـور الـفـوتـوغـرافـيـة بـالأبـيـض والأسـود. وكـان يـفـضـل تـصـويـر الـنّـاس عـلى تـصـويـر مـعـالـم الـمـديـنـة. وحـاول الـتـقـاط صـور “طـبـيـعـيـة” يـخـتـلـس لـحـظـات لا يـنـتـبـه الـنّـاس إلـيـه فـيـهـا لـيـظـهـرهـم كـمـا كـانـوا في حـيـاتـهـم الـيّـومـيـة  …

لـورنـا والـتّـراث الـمـعـمـاري الـبـغـدادي

Lorna 32

عـنـدمـا وصـلـت الـشّـابـة لـورنـا هـيـلـز مـن لـنـدن إلى بـغـداد في شـهـر آب 1950، كـان في انـتـظـارهـا شـاب بـغـدادي كـانـت قـد تـعـرّفـت عـلـيـه في لـنـدن، في مـعـهـد سـلـيـد لـلـفـنّ الّـذي درسـا كـلاهـمـا فـيـه. وكـان قـد طـلـب يـدهـا مـن أبـيـهـا قـبـل أن يـعـود إلى الـعـراق في الـعـام الـسّـابـق، 1949. وهـا هي تـلـحـق بـه في بـغـداد …

وكـانـت بـغـداد مـا تـزال تـحـتـفـظ بـكـثـيـر مـن أبـنـيـتـهـا الـقـديـمـة ومـنـازلـهـا الـتّـراثـيـة الّـتي جـذبـت بـأصـالـة أنـمـاطـهـا وأسـالـيـبـهـا هـذه الإنـكـلـيـزيـة الّـتي لـم تـكـن قـد رأت مـثـلـهـا مـن قـبـل، فـكـان مـن الـطّـبـيـعي أن تـرسـمـهـا وأن تـعـيـد رسـمـهـا. وهـذا مـا أودّ أن أتـكـلّـم لـكـم عـنـه في هـذا الـعـرض …

مـن يـتـذكّـر دزمـونـد سـتـيـوارت ؟

دزموند ستيوارت

حـصـل دزمـونـد سـتـيـوارت عـلى الـمـاجـسـتـيـر في الآداب مـن جـامـعـة أوكـسـفـورد في نـهـايـة الـعـام الـدّراسـي 1948. وفي خـريـف ذلـك الـعـام وصـل إلى بـغـداد بـعـد أن تـعـاقـد مـع كـلـيـة الآداب لـيـدرّس فـيـهـا الأدب الإنـكـلـيـزي.  ونـشـر في 1952 : The Memoirs of Alcibiades،وهي رغـم عـنـوانـهـا سـيـرة ذاتـيـة روائـيـة عـن حـيـاتـه في الـعـراق. كـمـا نـشـر أشـهـر كـتـبـه عـن الـعـراق، وهي روايـتـه : The Unsuitable Englishman. ونـشـر كـتـبـاُ ومـقـالات أخـرى عـن الـعـراق والأدب الـعـراقي … كـمـا عـاش في بـيـروت والـقـاهـرة وزار مـخـيـمـات الـلاجـئـيـن الـفـلـسـطـيـنـيـيـن وكـتـب كـتـبـاً تـاريـخـيـة وقـام بـتـرجـمـات  …

الـبـيـت الـتّـراثي كـمـا وصـفـتـه أربـع أجـنـبـيـات

البيت التراثي

أربـع نـظـرات ألـقـتـهـا أجـنـبـيـات عـلى بـيـوتـنـا الـقـديـمـة : فـرنـسـيـة زارت الـعـراق بـصـحـبـة زوجـهـا في نـهـايـة 1881 وبـدايـة 1882، وأمـريـكـيـة جـاءت إلى بـغـداد مـع زوجـهـا عـام 1924 لـفـتـح مـدرسـة لـلـبـنـيـن، وسـكـنـت في عـدّة بـيـوت بـغـداديـة حـتّى عـام 1947، وإنـكـلـيـزيـة وصـلـت الـعـراق أوّل مـرّة عـام 1928، ثـمّ عـادت إلـيـه مـراراً وسـكـنـت في بـيـوت بـغـداديـة أسـهـبـت في وصـفـهـا، وانـكـلـيـزيـة أخـرى شـديـدة الـشّـهـرة سـكـنـت بـيـتـاً بـغـداديـاً يـطـلّ عـلى دجـلـة، وتـكـلّـمـت عـن بـيـوت عـراقـيـة في روايـتـيـن مـن روايـاتـهـا وفي كـتـب ذكـريـات …

سـريـالي مـن بـغـداد

s.alexandrian

ولـد لـوسـيـان إسـكـنـدريـان في بـغـداد. وأصـيـب في طـفـولـتـه بـمـرض أصـاب سـاقـيـه، مـمـا دفـع والـديـه لإرسـالـه إلى فـرنـسـا عـنـد جـدتـه، أمّ أمّـه، ولـم يـكـن قـد بـلـغ الـسّـادسـة مـن عـمـره. وفي عـام 1947، وكـان في سـنّ الـعـشـريـن، إلـتـقى في بـاريـس بـأنـدريـه بـرُتـون، رئـيـس الـحـركـة الـسّـريـالـيـة … وبـدأت عـلاقـاتـه بـالـحـركـات الـطّـلائـعـيـة، الأدبـيـة مـنـهـا والـفـنّـيـة، الّـتي نـشـر عـنـهـا أعـداداً مـن الـكـتـب بـالـلـغـة الـفـرنـسـيـة بـاسـمـه الأدبي : “سـاران ألـكـسـنـدريـان” …

الـفـنّـان كـيـنـيـث وود في الـعـراق

كينيث وود

طـالـمـا قـرأنـا في الـكـتـب والـمـقـالات الّـتي نـشـرت عـن الـفـنّ الـعـراقي عـن الـعـلاقـات الـودّيـة الّـتي أقـامـهـا الـفـنّـان الإنـكـلـيـزي كـيـنـيـث وود  William Kenneth Wood (ويـكـتـب الـبـعـض اسـمـه : “كـنـيـث وود” و “كـنـث وود”) مـع الـفـنّـانـيـن الـعـراقـيـيـن الـشّـبـاب، وخـاصّـة مـع جـواد سـلـيـم خـلال سـنـوات الـحـرب الـعـالـمـيـة الـثّـانـيـة. وكـان كـيـنـيـث وود يـقـيـم مـع بـعـض الـفـنّـانـيـن الـبـريـطـانـيـيـن الآخـريـن في بـغـداد في تـلـك الـسّـنـوات.

وأتـكـلّـم في هـذا الـمـقـال عـن كـيـنـيـث وود، وإقـامـتـه في بـغـداد، ومـا وجـدتـه مـن أعـمـالـه الـفـنّـيـة الّـتي نـفّـذهـا عـن الـعـراق …

إنـشـاء “قـاعـة الـصّـور” في بـغـداد عـام 1943

Picture G.

أنـشـأت مـديـريـة الآثـار الـقـديـمـة عـام 1943 “قـاعـة الـصّـور”، ونـشـرت “دلـيـل قـاعـة الـرّسـوم الـوطنـيـة لـسـنـة 1943” بـالـلـغـتـيـن الـعـربـيـة والإنـكـلـيـزيـة. ونـقـرأ فـيـه أنّ الـمـديـريـة كـانـت قـد بـدأت بـجـمـع “الـصّـور الـمـعـروضـة في هـذه الـقـاعـة” مـنـذ أكـثـر مـن سـنـتـيـن، وأنّـهـا تـضـمّ “صـور أشـخـاص ومـنـاظـر رسـمـت بـالـزّيـت أو بـالألـوان الـمـائـيـة أو بالـقـلـم الـرّصاص أو بـالـفـحـم عـدا مـا تـتـضـمّـنـه مـن الـرّسـوم الأولـيـة (اسـكـتـشـات) الـمـخـطوطـة بـالـمـداد”. والّـتي اخـتـيـرت “إمّـا لـمـزايـاهـا الـفـنّـيـة أو لأهـمـيـتـهـا، إذ تـمـثّـل طـبـيـعـة الـبـلاد وتـصـوّر أخـلاق أهـلـهـا”. ..

نـادي الـصّـيـد الـمـلـكي في الـحـارثـيـة

club de chasse

أنـشـأ الـوصي عـبـد الإلـه عـام 1943 “نـادي الـصّـيـد الـمـلـكي” في الـحـارثـيـة. ووصـلـت كـلاب الـصّـيـد مـن إنـكـلـتـرة بـالـبـاخـرة، وشُـيّـد لـهـا وِجـار قـرب قـصـر الـزّهـور. وكـان الـوصيّ عـبـد الإلـه يـمـارس صـيـد الـثّـعـالـب وبـنـات آوى (كـمـا يـفـعـل الإنـكـلـيـز في ريـفـهـم !)، يـطـاردهـا بـصـحـبـة ضـبـاط الـحـرس الـمـلـكي وضـبـاط الـقـوات الـبـريـطـانـيـة في الـعـراق …

جـامـوسـة هـايـدي

Hydie 2

“الـجـامـوسـة”  واحـدة مـن الـمـنـحـوتـات الـنّـادرة الّـتي نـفّـذتـهـا “هـايـدي، Hydie “، زوجـة عـالـم الآثـار الـشّـهـيـر سـيـتـون لـويـد،  في رخـام الـمـوصـل خـلال إقـامـاتـهـا الـطّـويـلـة مـع زوجـهـا في الـعـراق بـيـن عـامَي 1943 و 1949. تـلـك الـسّـنـوات الّـتي درّسـت فـيـهـا الـرّسـم والـنّـحـت، واشـتـغـلـت في الـمـتـحف الـعـراقي  …

لـوحـات عـطـا صـبـري ورسـومـه عـن شـمـال الـعـراق عـام 1942

ata-sabri-6

أرسـلـت مـديـريـة الآثـار الـقـديـمـة الـعـامّـة في بـغـداد عـام 1943 الـفـنّـان عـطـا صـبـري  بـسـفـرة فـنّـيـة إلى الـشّـمـال، إلى مـنـطـقـة بـعـشـيـقـة وبـاعـذرا والـشّـيـخ عـادي،  خـلال فـتـرة احـتـفـال الـيـزيـديـيـن بـأعـيـاد الـرّبـيـع. وأمـضى مـعـهـم عـطـا صـبـري  45 يـومـاً، رسـم خـلالـهـا مـجـمـوعـة مـن الـصّـور والـلـوحـات الـزّيـتـيـة والـتّـخـطـيـطـات …

رسـوم إدوارد بـاوديـن لـلـعـراق

1944باودن الشيخ مظهر القصيد

عـيّـن الـفـنّـان الـبـريـطـاني إدوارد بـاوديـن رسـامـاً حـربـيـاً في بـدايـة الـحـرب الـعـالـمـيـة الـثّـانـيـة. وفي عـام 1942، وصـل إلى الـعـراق ونـفّـذ مـجـمـوعـة مـن الـرّسـوم بـالألـوان الـمـائـيـة عـن الأهـوار وسـكّـانـهـا. وأرسـل إلى الـعـراق مـن جـديـد في أيـلـول 1943، وأقـام في بـغـداد عـدّة أشـهـر نـفّـذ خـلالـهـا رسـومـاً كـثـيـرة، ثـمّ عـاد إلى مـنـطـقـة سـوق الـشّـيـوخ في الأهـوار عـام 1944 لـيـرسـم “حـيـاة أهـل الـبـلـد الـيـومـيـة” …

أجـاثـا كـريـسـتي في الـعـراق

British author (Agatha Christie) have breakfast on the balcony from hotel (Maud) to its owner (Mikhail Zia) Baghdad.

جـاءت الـكـاتـبـة الـبـريـطـانـيـة أجـاثـا كـريـسـتي إلى الـعـراق أوّل مـرّة عـام 1929، وزارت الـتّـنـقـيـبـات الأثـريّـة في أور. والـتـقـت بـعـالـم الآثـار مـاكـس مـالـوان، الّـذي أغـرم بـهـا وتـزوّجـهـا. وقـد صـاحـبـت أجـاثـا زوجـهـا مـاكـس بـعـد ذلـك إلى الـمـواقـع الأثـريـة. وبـدءا في 1931/ 1932 أوّل مـواسـم تـنـقـيـبـاتـهـمـا في نـيـنـوى، ثـمّ اسـتـمـرّا في ذلـك سـنـوات طـويـلـة كـانـت أجـاثـا كـريـسـتي تـكـتـب خـلالـهـا روايـاتـهـا الـبـولـيـسـيـة الـشّـديـدة الـشـهـرة، وتـنـشـرهـا في لـنـدن. وكـان لـهـمـا في بـغـداد دار تـركـيـة قـديـمـة في الـصّـوب الـغـربي لـدجـلـة … وتـتـكـلّـم أجـاثـا كـريـسـتـي عـن الـعـراق خـاصـة في أربـعـة كـتـب : روايـتـيـن بـولـيـسـيـتـيـن : روايـة “جـريـمـة في بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن” وروايـة ، وفي كـتـابَـيـن تـسـرد فـيـهـمـا ذكـريـاتـهـا : “تـعـال اخـبـرني كـيـف تـعـيـش الّـذي صـدر في 1946، وفي سـيـرتـهـا الـذّاتـيـة …

روايـة «جـريـمـة في بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن Murder in Mesopotamia» لأجـاثـا كـريـسـتي.

murder 2

نـشـرت أجـاثـا كـريـسـتي روايـتـهـا الـبـولـيـسـيـة الأولى هـذه الّـتي تـدور أحـداثـهـا في الـعـراق عـام 1936. والـقـصّـة تـرويـهـا مـمـرضـة جـاءت إلى بـغـداد تـصـاحـب امـراة إنـكـلـيـزيـة. ولـكـنّـهـا، بـعـد انـتـهـاء مـهـمـتـهـا، قـبـلـت أن تـعـتـني بـانـكـلـيـزيـة أخـرى، لـويـز زوجـة عـالـم الآثـار الـسّـويـدي الـدّكـتـور إريـك لايـنـدر في مـوقـع تـنـقـيـبـات أثـريـة. وتـحـدث جـريـمـة ، ويـنـبـغي إيـجـاد الـقـاتـل …

روايـة : «مـوعـد في بـغـداد They Came to Baghdad» لأجـاثـا كـريـسـتي.

they 5

نـشـرت أجـاثـا كـريـسـتي روايـتـهـا الـثّـانـيـة الّـتي تـدور أحـداثـهـا في الـعـراق  في 1951. وهـذه الـرّوايـة مـلـيـئـة بـوصـف أمـاكـن عـديـدة في الـعـراق. ونـلـتـقي فـيـهـا بـعـدد مـن “الـعـراقـيـيـن”. وهي في الـحـقـيـقـة لـيـسـت روايـة بـولـيـسـيـة بـالـمـعـنى الـمـتـعـارف عـلـيـه : أي جـريـمـة غـامـضـة يـجـد لـهـا الـحـلّ مـحـقـق ذكي يـسـتـنـتـج مـن أحـداثـهـا الـمـبـعـثـرة كـيـفـيـة حـدوثـهـا ويـتـوصـل إلى كـشـف الـمـجـرم الّـذي قـام بـهـا. ولـنـقـل إنّ هـذه الـرّوايـة تـقـتـرب كـثـيـراً مـن روايـات الـتـجـسـس فـفـيـهـا تـآمـر ضـدّ أمـن الـبـشـريـة ومـجـرمـون يـحـاولـون الـسّـيـطـرة عـلـيـهـا. وقـد اسـتـغـلّـت الـكـاتـبـة خـوف الـغـربـيـيـن مـن انـدلاع حـرب عـالـمـيـة ثـالـثـة لـتـألـيـفـهـا …

«صـنـدوق الـدّنـيـا» كـمـا وصـفـتـه أجـاثـا كـريـسـتي

صندوق الدنيا

تـصـف أجـاثـا كـريـسـتي في روايـتـهـا : “مـوعـد في بـغـداد”  الّـتي صـدرت عـام 1951، كـيـف الـتـقـت بـطـلـة الـقـصّـة بـرجـلـيـن يـحـمـلان “صـنـدوق الـدّنـيـا” : وهي آلـة مـن الـخـشـب بـداخـلـهـا صـور يـمـكـن رؤيـتـهـا مـن خـلال ثـقـبـيـن فـيـهـا …

سـيـسـيـل بـيـتـون يـصـوّر فـيـصـل الـثّـاني صـبـيّـاً

C. Beaton 4

كـان سـيـسـيـل بـيـتـون واحـداً مـن أشـهـر الـمـصـوريـن الـفـوتـوغـرافـيـيـن في الـقـرن الـعـشـريـن. وقـد صـوّر تـتـويـج الـمـلـكـة إلـيـزابـيـث الـثّـانـيـة، وكـلّ أفـراد عـائـلـتـهـا الـمـلـكـيـة، ونـبـلاء الأرسـتـقـراطـيـة الـبـريـطـانـيـة. وصـوّر أهـمّ مـلـوك دول الـعـالـم ورؤسـائـهـا ونـخـبـة رجـالـهـا الـسّـيـاسـيـيـن، كـمـا صـوّر ألـمـع نـجـوم الـسّـيـنـمـا والـمـسـرح والـمـوسـيـقى والـرّيـاضـة، وأكـبـر الـكـتّـاب والـشّـعـراء …

وعـنـدمـا انـدلـعـت الـحـرب الـعـالـمـيـة الـثّـانـيـة، إرتـدى سـيـسـيـل بـيـتـون الـزّي الـعـسـكـري وحـمـل آلات تـصـويـره عـلى كـتـفـه، وانـطـلـق يـصـور جـنـود جـبـهـات الـقـتـال ومـآىسـيـهـا. و قـضى في عـام 1942 عـدّة أشـهـر في الـشّـرقـيـن الأدنى والأوسـط. ووصـل في ربـيـع ذلـك الـعـام إلى بـغـداد لـيـصـوّر الـمـلـك فـيـصـل الـثّـاني الّـذي كـان في الـسّـابـعـة مـن عـمـره  …

« تـان تـان » والـمـلـك فـيـصـل الـثّـاني

tintin couverture

نـشـر الـرّسّـام هـيـرجـيـه بـيـن أيـلـول 1939 وأيّـار 1940 قـصّـة سـرديّـة بـرسـوم في خـانـات مـتـتـابـعـة في مـجـلّـة “صـغـيـر الـقـرن الـعـشـريـن ” الـبـلـجـيـكـيـة  تـحـت عـنـوان : “تـان تـان في بـلاد الـذّهـب الأسـود”. وكـانـت رسـومـهـا بـالأبـيـض والأسـود. ثـمّ أعـاد نـشـرهـا في مـجـلّـة “تـان تـان” ولـكـن بـالألـوان هـذا الـمـرّة بـيـن 1948 و1950. ونـشـر قـصّـتـه الـمـرسـومـة هـذه بـالألـوان في ألـبـوم عـام 1950. ويـذهـب فـيـهـا بـطـلـهـا الـصّـحـفي الـشّـاب “تـان تـان” ومـعـه كـلـبـه الـصّـغـيـر “مـيـلـو” لـلـتـحـقـيـق في قـضـيـة : قـوّة أجـنـبـيـة تـريـد الـسّـيـطـرة عـلى آبـار الـنّـفـط وعـلى مـخـزونـه في الـعـالـم لـتـسـتـطـيـع احـتـكـاره في حـالـة انـدلاع حـرب … ونـجـد في أحـد رسـوم الألـبـوم صـورة طـفـل مـنـقـولـة بـتـفـاصـيـلـهـا وجـزئـيـاتـهـا عـن صـورة فـوتـوغـرافـيـة لـفـيـصـل بـن غـازي، الّـذي تـوّج بـعـد ذلـك تـحـت اسـم فـيـصـل الـثّـاني، مـلـك الـعـراق  …

الـجـنـاح الـعـراقي في مـعـرض بـاريـس الـعـالـمي عـام 1937

الجناح العراقي

شـارك الـعـراق في مـعـرض عـالـمي أقـيـم في بـاريـس مـن 25 أيّـار إلى 25 تـشـريـن الـثـاني عـام 1937، أسـمي : “الـمـعـرض الـعـالـمي لـلـفـنـون والـتّـقـنـيـات الـمـطـبّـقـة عـلى الـحـيـاة الـحـديـثـة”. وقـد عـهـد بـتـصـمـيـم الـجـنـاح الـعـراقي إلى الـمـعـمـاري الـفـرنـسي ألـبـيـر لابـراد، وسـاعـده الـمـعـمـاري لـيـون بـزان. وعـيّـنـت الـحـكـومـة الـعـراقـيـة الـمـعـمـاري أحـمـد مـخـتـار مـسـتـشـاراً مـعـمـاريـاً لـلـمـشـروع، وأرسـلـتـه إلى بـاريـس لـيـشـرف عـلى تـنـفـيـذه. وقـد نـشـر بـالـلـغـة الـفـرنـسـيـة : “دلـيـل الـجـنـاح الـعـراقي” الّـذي وزّع عـلى زوّار الـجـنـاح. كـمـا نـشـر مـلـف عـلى شـكـل كـتـيـب بـأربـع وعـشـريـن صـفـحـة يـحـتـوي عـلى مـعـلـومـات شـديـدة الأهـمـيـة عـن الـعـراق في تـلـك الـسّـنـوات …

بـدايـة اهـتـمـام الـعـراقـيـيـن بـآثـارهـم الـقـديـمـة

بداية اهتمام العراقيين بآثارهم

أنـشـأ الـجـيـش الـبـريـطـاني في 1918 وظـيـفـة لآثـاري يـلـحـق بـه، مـهـمـتـه مـراقـبـة آثـار الـبـلـد وحـمـايـتـهـا، وكـذلـك الإشــراف عـلى الـتّـنـقـيـبـات فـيـه. وقـد اسـتـولـت سـكـرتـيـرة الـشـؤون الـشّـرقـيـة الـمـس جـيـرتـرود بـيـل بـعـد ذلـك عـلى إدارة الآثـار. وشـرعـت بـكـتـابـة مـسـودة لـنـصّ قـانـوني لـتـنـظـيـم الـتّـنـقـيـبـات أرادت إصـداره. وقـد تـبـنّـت الـمـس بـيـل مـنـذ عـام 1923 مـشـروع تـأسـيـس مـتـحـف وطـني عـراقي لـحـفـظ الـمـجـمـوعـات الأثـريـة الّـتي تـراكـمـت عـامـاً بـعـد عـام في قـاعـات الـسّـراي الـقـديـمـة. وفـتـح الـمـتـحـف أبـوابـه لـلـزوّار في حـزيـران 1926. وفي عـام 1936، صـدر قـانـون آثـار جـديـد يـنـصّ عـلى أن يـحـتـفـظ الـعـراق بـكـلّ الـقـطـع الأثـريـة الّـتي لـم يـعـثـر مـنـهـا إلّا عـلى نـسـخـة واحـدة، أمّـا إذا كـانـت مـتـعـددة الـنّـسـخ فـيـتـقـاسـمـهـا مـع الـمـنـقـبـيـن …

صـور عـن الـعـراق في دعـايـة لـشـركـة فـرنـسـيـة عـام 1936

pupier irak 1

أصدرت شـركـة بـوبـيـه الـفـرنـسـيـة لـلـشـوكـولاتـة  عـام 1936 ألـبـومـاً دعـائـيـاً مـصـوّراً لـقـارة آسـيـا، خـصـصـت فـيـه صـفـحـة لـلـعـراق وضـعـت فـيـهـا تـسـعـة رسـوم بـالألـوان …

خـارطـتـان لـمـديـنـة بـغـداد 1929 و1933

خارطة بغداد 1929 (2) (640x577)

أصـدرت مـديـريـة الأشـغـال الـعـمـومـيـة في بـغـداد عـام 1929 خـارطـة بـالـلـغـة الإنـكـلـيـزيـة لـمـديـنـة بـغـداد طـبـعـت في لـنـدن. وظـهـرت نـفـس الـخـارطـة تـقـريـبـاً مـع تـغـيـيـرات طـفـيـفـة وبـالألـوان في دلـيـل كـوك Cook الـسّـيـاحي لـسـنـة 1934. ويـمـكـنـنـا أن نـزور أحـيـاء بـغـداد كـمـا كـانـت في ذلـك الـزمـن ومـعـالـمـهـا الّـتي كـانـت مـا تـزال قـائـمـة بـمـتـابـعــتـنـا لـهـا عـلى الـخـارطـة …

صـور الـعـراق في مـجـمـوعـة إريـك مـاتـسـون

Matson Ir 57

تـضـمّ مـجـمـوعـة صـور الأمـريـكي ج. إريـك مـاتـسـون و زوجـتـه إديـث  أكـثـر مـن 22 ألـف زجـاجـيـة ومـسـودّات صـور وشـفـافـيـات كـان قـد بـدأ بـتـنـفـيـذهـا قـسـم الـتّـصـويـر لـلـمـسـتـعـمـرة الأمـريـكـيـة في الـقـدس، ثـمّ أكـمـلـتـهـا “خـدمـات مـاتـسـون الـتّـصـويـريـة”. وتـضـمّ الـمـجـمـوعـة أيـضـاً أكـثـر مـن ألـف صـورة مـطـبـوعـة وأحـد عـشـر ألـبـوم صـور. ونـجـد في هـذه الـمـجـمـوعـة أعـداداً كـبـيـرة مـن الـصّـور الـفـوتـوغـرافـيـة الّـتي ذُكـر في تـصـنـيـفـهـا أنّـهـا الـتـقـطـت في الـعـراق عـام 1932، ولا شـكّ في أنّ الـقـسـم الـمـخـصـص لـلـعـراق يـحـتـوي عـلى صـور أقـدم دخـلـت في الـمـجـمـوعـة واخـتـلـطـت بـصـور 1932 …

حـفـلـة في حـديـقـة قـصـر الـمـلـك

Maston F 29

مـن بـيـن الـصّـور الّـتي تـضـمّـهـا مـجـمـوعـة الأمـريـكي ج. إريـك مـاتـسـون وزوجـتـه إيـديـث عـن الـعـراق، نـجـد 29 صـورة الـتـقـطـت أمـام “قـصـر” الـمـلـك فـيـصـل الأوّل وفي حـديـقـتـه، في 6 تـشـريـن الأوّل 1932. وقـد جـرت في ذلـك الـيـوم، احـتـفـالات بـدخـول الـمـمـلـكـة الـعـراقـيـة في “عـصـبـة الأمـم” انـتـهـت بـحـفـلـة في “قـصـر” الـمـلـك، أي “الـبـلاط الـمـلـكي” في الـكـسـرة، وفي حـديـقـتـه الـواسـعـة. ويـمـكـنـنـا مـن تـحـلـيـل تـفـاصـيـل صـور إريـك مـاتـسـون الّـتي الـتـقـطـت في ذلـك الـيـوم اقـتـراح تـرتـيـب زمـني لـهـا يـبـدأ مـن الـصّـبـاح ويـنـتـهي وقـت الـغـروب  …

رابـنـدرانـاث طـاغـور في بـغـداد

2طاغور

بـعـث مـلـك الـعـراق فـيـصـل الأوّل بـدعـوة لـشـاعـر الـهـنـد الـكـبـيـر رابـنـدرانـاث طـاغـور لـزيـارة الـعـراق. وأقـام طـاغـور في بـغـداد مـن 19 إلى 30 آيّـار 1932. وقـد أقـيـمـت لـه ولائـم، ودعي إلى احـتـفـالات، وزار مـعـالـم الـمـديـنـة، وأعـدّ لـه الـمـلـك سـفـرة إلى مـضـارب عـشـيـرة أعـراب وأكـل الـهـبـيـط مـعـهـم … وقـد سـجّـل طـاغـور سـرد رحـلـتـه في كـتـاب نـشـره بـعـد عـودتـه إلى الـهـنـد …

الـقـبّـانـجي في مـؤتـمـر الـمـوسـيـقى الـعـربـيـة الأوّل عـام 1932

مؤتمر الموسيقى العربية الأوّل

أقـيـم في الـقـاهـرة في شـهـرَي آذار ونـيـسـان 1932 الـمـؤتـمـر الأوّل لـلـمـوسـيـقى الـعـربـيـة. وشـاركـت فـيـه دول عـديـدة مـنـهـا مـصـر وسـوريـا والـعـراق. كـمـا شـارك فـيـه عـدد مـن عـلـمـاء الـمـوسـيـقى الـمـصـريـيـن والـعـرب والأجـانـب. وأرسـل الـعـراق مـحـمّـد الـقـبّـانـجي بـصـحـبـة جـالـغي بـغـدادي أضـيـفـت إلـيـه آلـتـان مـوسـيـقـيـتـان مـن الـتّـخـت الـشّـرقي : عـود وقـانـون.

وقـد سـجـلـت لـمـحـمّـد الـقـبّـانـجي وفـرقـتـه 31 أسـطـوانـة، أي 62 جـانـبـاً، بـ  78 دورة في الـدّقـيـقـة / 25 سـنـتـمـتـر. سـجّـلـت أوّلاً عـلى قـوالـب شـمـع، وبـعـثـت  لـتـحـفـرهـا شــركـة غـرامـوفـون في إنـكـلـتـرة عـلى الأسـطـوانـات …

شـارع الـرّشـيـد كـمـا رأتـه مـاري بـاركـر في 1930

شارع الرشيد باركر

رسـمـت الإنـكـلـيـزية مـاري بـاركـر عـام 1930 لـوحـة “شـارع الـرّشـيـد”. وجـمـعـت فـيـهـا في نـفـس الـمـكـان وفي نـفـس الـوقـت كـلّ الـمـشـاهـد الـغـريـبـة عـلـيـهـا الّـتي رأتـهـا في شـوارع بـغـداد …

مـجـمـوعـة آثـارعـراقـيـة قـديـمـة يـعـلـوهـا الـغـبـار في مـتـحـف فـرنـسي صـغـيـر

نص غوديا 001

نـقّـب الـفـرنـسي، الأب دو جُـنـويّـاك  في تـلّـو (تـلّ لـوح) أي مـوقـع مـديـنـة غـرسـو الـقـديـمـة في دويـلـة لـغـش (بـلاد سـومـر) مـن عـام 1929 إلى عـام 1931، لـحـسـاب مـتـحـف الـلـوفـر و وزارة الـتّـعـلـيـم الـعـام الـفـرنـسـيـة. وقـد أهـدى قـبـل وفـاتـه إلى مـتـحـف الآثـار  في مـديـنـة روان في مـنـطـقـة الـنّـورمـانـدي، شـمـال فـرنـسـا، مـجـمـوعـة تـحـتـوي عـلى 650 قـطـعـة أثـريـة مـن بـيـن مـا كـان قـد عـثـر عـلـيـه في تـنـقـيـبـاتـه في الـعـراق أو مـا اشـتـراه مـن مـهـربي الآثـار. والـغـالـبـيـة الـمـطـلـقـة مـن هـذه الـقـطـع نـصـوص بـالـكـتـابـة الـمـسـمـاريـة. ومـا زالـت هـذه الـقـطـع تـرقـد في أقـبـيـة هـذا الـمـتـحـف …

فـريـا مـادلـيـن ســتـارك والـعـراق

فريا ستارك

وصـلـت الـبـريـطـانـيـة فـريـا مـادلـيـن سـتـارك إلى بـغـداد عـام 1929. وقـد اسـتـفـزت الأوربـيـيـن، وخـاصـة الـبـريـطـانـيـيـن عـنـدمـا اخـتـارت لـهـا سـكـنـاً في حي شـعـبي لـتـسـتـطـيـع أن تـخـتـلـط بـالـنّـاس وتـحـسّـن لـغـتـهـا الـعـربـيـة الّـتي كـانـت قـد تـعـلّـمـتـهـا في مـعـهـد الـدّراسـات الـشّـرقـيـة في لـنـدن. كـمـا تـابـعـت دروسـاً في الـقـراءة والـكـتـابـة في مـدرسـة مـع بـنـات صـغـيـرات. وعـمـلـت مـحـررة في Baghdad Times في 1932، وفـيـهـا نـشـرت مـقـالات جـمـعـتـهـا بـعـد ذلـك في كـتـاب نـشـرتـه تـحـت عـنـوان “إسـكـيـتـشـات بـغـداديـة  Baghdad sketches ” … وفي أواخـر سـنـوات حـيـاتـهـا، أعـدّت مـخـتـارات مـن رسـائـلـهـا الّـتي كـانـت قـد كـتـبـتـهـا إلى أهـلـهـا ومـعـارفـهـا طـيـلـة حـيـاتـهـا والّـتي كـانـت قـد احـتـفـظـت بـنـسـخ مـنـهـا، ونـشـرتـهـا في ثـمـانـيـة أجـزاء، مـن 1974 إلى 1982. ونـجـد فـيـهـا مـعـلـومـات لا تـقـدر قـيـمـتـهـا عـن الـحـيـاة في الـعـراق عـنـدمـا عـاشـت فـيـه …

عـنـدمـا كـانـت الـرّطـبـة حـصـنـاً في وسـط الـصّـحـراء

الرطبة

حـفـرت آبـار في وسـط الـصّـحـراء الـعـراقـيـة ــ الـسّـوريـة، كـان يـسـتـقي مـنـهـا الـبـدو الـرّحـل، تـحـيـطـهـا تـلال في وسـطـهـا وادٍ جـاف. ودعـيـت الآبـار بـالـرّطـبـة، ثـمّ تـحـوّل الإسـم إلى “الـرُّطـبـة”. وصـارت طـرق الـقـوافـل تـمـرّ بـهـا وتـتـقـاطـع عـنـدهـا. وأنـشـأ الـبـريـطـانـيـون فـيـهـا قـاعـدة جـوّيـة ومـطـاراً عـسـكـريـاً فـيـه مـحـطـة إذاعـة لـلـمـراسـلات الـعـسـكـريـة. كـمـا كـانـت طـائـرات الـخـطـوط الـجـوّيـة لـلإمـبـراطـوريـة الـبـريـطـانـيـة تـتـوقّـف فـيـهـا في طـريـقـهـا إلى الـهـنـد. وفي عـام 1927 شـيّـدوا فـيـهـا حـصـنـاً : بـنـايـة مـربـعـة واسـعـة لـيـس لـجـدرانـهـا نـوافـذ تـنـفـتـح عـلى الـخـارج. في زوايـهـا الأربـع أربـعـة أبـراج. وألـصـق بـأحـد أضـلاعـهـا بـنـاء مـثـلـث زاويـتـه الـمـدبـبـة مـوجـهـة نـحـو الـخـارج لـيـقـاوم ريـاح الـفـيـفـاء ورمـالـهـا …

ألـبـوم صـور نـشـرتـه شـركـة حـسـو إخـوان عـام 1925

Hasso Brs 6

نـشـرت شـركـة حـسـو إخـوان عـام 1925 ألـبـوم صـور  ذُكـر فـيـه أنّ الـمـصـور الـفـوتـوغـرافي  أ. كـريـم  كـان قـد الـتـقـط الـصّـور في بـدايـة عـشـريـنـيـات الـقـرن الـمـاضي. والـمـقـصـود بـه عـبـد الـكـريـم إبـراهـيـم يـوسـف تـبـوني الّـذي كـان مـسـيـحـيـاً كـلـدانـيـا مـن الـبـصـرة، سـافـر إلى الـهـنـد في نـهـايـة الـقـرن الـتّـاسـع عـشـر ودرس في بـومـبـاي. وقـد اشـتـرى هـنـاك آلـة تـصـويـر عـاد بـهـا إلى الـبـصـرة وفـتـح اسـتـوديـو تـصـويـر فـيـهـا …  ويـحـتـوي الألـبـوم  عـلى 73 صـورة فـوتـوغـرافـيـة بـلـون بـنّي، طـبـعـت 35 صـورة مـنـهـا كـلّ واحـدة عـلى صـفـحـة كـامـلـة، والـبـاقـيـة صـورتـيـن أو أربـعـة في كـلّ صـفـحـة …

إيـدا سـتـاوت ومـدرسـة الـبـنـيـن الأمـريـكـيـة في بـغـداد بـيـن 1924 و1947

المدرسة الأمريكية

عُـهـد إلى الأمـريـكـيـة إيـدا سـتـاوت وإلى زوجـهـا عـام 1924 مـهـمّـة فـتـح مـدرسـة أمـريـكـيـة لـلـبـنـيـن في بـغـداد.  وكـانـت إيـدا في الـتّـاسـعـة والأربـعـيـن مـن عـمـرهـا. وأقـامـت مـع زوجـهـا في بـغـداد الّـتي أحـبّـتـهـا كـثـيـراً إلى عـام 1947، وهـو مـا تـرويـه في كـتـاب نـشـرتـه عـنـهـا …

رسـوم بـاب الـمـعـظّـم وصـوره

melville IV

أقـدم مـا لـديـنـا مـن رسـوم لـبـاب الـمـعـظّـم نـفّـذهـا الـرّسّـام الاسـكـتـلـنـدي أرثـر مـيـلـفـيـل الّـذي مـرّ بـبـغـداد، وأقـام بـهـا مـن نـهـايـة شـهـر نـيـسـان إلى نـهـايـة شـهـر أيّـار عـام 1882 م. ثـمّ أرتـنـا إيـاه صـور فـوتـوغـرافـيـة كـثـيـرة. ويـمـكـنـنـا أن نـتـابـع عـلى هـذه الـصّـور الـتّـغـيـيـرات الّـتي طـرأت عـلى الـبـاب وهـدم أجـزائـه الـواحـد بـعـد الآخـر إلى أن أزيـل عـام 1923 لـيـمـرّ شـارع عـريـض بـمـكـانـه …

حـرامي بـغـداد

حرامي بغداد 1924 (2)

مـن بـيـن الأفـلام الّـتي أخـرجـت عـن حـرامي بـغـداد نـجـد أربـعـة أ لـهـا نـفـس الـعـنـوان، أخـرجـت في سـنـوات 1924 و 1940 و 1961 و 1978، مـا عـدا الـفِـلـم الألـمـاني الّـذي أخـرج في 1952 كـصـيـغـة مـحـلـيـة لـفِـلـم 1940، والـفِـلـم الـهـنـدي الّـذي أخـرج في  1977… وكـلّ هـذه الأفـلام سـاذجـة الـمـحـتـوى بـسـيـطـة الـعـرض، هـدفـهـا تـسـلـيـة الـمـشـاهـد ونـقـلـه إلى أجـواء غـريـبـة عـجـيـبـة، لا عـمـق فـيـهـا ولا ابـتـكـار رغـم الـنّـجـاح الـسّـاحـق الّـذي لاقـتـه …

تـمـثـال جـرتـرود بـيـل في الـمـتـحـف الـعـراقي

تمثال جرترود

تـبـنّـت الـمـس جـرتـرود بـيـل مـنـذ عـام 1923 مـشـروع تـأسـيـس مـتـحـف وطـني عـراقي لـحـفـظ الـمـجـمـوعـات الأثـريـة الّـتي تـراكـمـت عـامـاً بـعـد عـام في قـاعـات الـسّـراي الـقـديـمـة. وشُـيّـدت لـه بـنـايـة في مـنـطـقـة “عـلاوي الـحـلّـة”. وفـتـح الـمـتـحـف أبـوابـه لـلـزوّار في حـزيـران 1926. وتـوفـيـت (الـخـاتـون)، كـمـا كـان الـبـغـداديـون يـسـمـون الـمـس جـرتـرود بـيـل، في بـغـداد عـام 1926. وقـد نـصـبـت في ذكـراهـا، في مـدخـل الـمـتـحـف الـعـراقي، لـوح مـن الـبـرونـز فـوقـه تـمـثـال لـهـا. وعـلى الـلـوح نـصّ بـالـلـغـة الإنـكـلـيـزيـة في نـصـفـه الأيـسـر، وتـرجـمـتـه إلى الـلـغـة الـعـربـيـة في الـنّـصـف الأيـمـن. وقـد أزاح الـمـلـك فـيـصـل الأوّل الـسّـتـارة عـنـه …

مـحـلّات أوروزدي بـاك في بـغـداد

أورزدي باك 2

إغـتـنـت عـائـلـة بـاخ الـيـهـوديـة مـن الـتّـجـارة في الإمـبـراطـوريـة الـنّـمـسـاويـة ـ الـمـجـريـة، ثـمّ تـشـاركـت مـع عـائـلـة يـهـوديـة أخـرى مـن أصـل نـمـسـاوي مـجـري : أوروزدي. واتّـفـق ولـدا أوروزدي مـع ابـنَي مـوريـس بـاخ عـلى تـسـمـيـة شـركـتـهـم : “أوروزدي ــ بـاخ”. وقـد فـتـح الـشّـركـاء الأربـعـة في بـاريـس عـام 1888 الـمـكـتـب الـرّئـيـسي لـشـركـتـهـم الـتّـجـاريـة بـعـد أن غـيّـروا كـتـابـة اسـم بـاخ Bach الألـمـاني (الّـذي يـلـفـظ  “بـاك” بـالـفـرنـسـيـة ) إلى Back، وأصـبـح اسـم الـشّـركـة : Orosdi- Back  … وقـد افـتـتـح مـحـل كـبـيـر لأوروزدي بـاك في بـغـداد في بـدايـة عـشـريـنـيـات الـقـرن الـمـاضي، ثـمّ آخـر في الـبـصـرة  …

صـور عـن الـعـراق مـن بـدايـة الـقـرن الـعـشـريـن (1) :

Abdulaly 2

أنـشـأ هـنـدي مـن الـرّعـايـا الـبـريـطـانـيـيـن في الـعـراق، عـبـدُ الـعـلي آدمـس مـؤسـسـة أسـمـاهـا “عـبـدُ الـعـلي اخـوانـا” (إخـوان). وكـان لـهـا نـشـاطـات مـتـنـوعـة في بـغـداد. وقـد طـبـعـت الـمـؤسـسـة بـطـاقـات بـريـديـة عـن صـور لـلـعـراق وبـاعـتـهـا خـلال سـنـوات طـويـلـة …

صـور عـن الـعـراق مـن بـدايـة الـقـرن الـعـشـريـن (2) :

إلدرورادو

وصـلـتـنـا أعـداد كـبـيـرة مـن صـور الـبـطـاقـات الـبـريـديـة الّـتي طـبـعـهـا اسـتـوديـو إلدورادو لـلـتّـصـويـر الـفـوتـوغـرافي، والّـذي كـان لـه مـحـل في شـارع الـرّشـيـد في بـغـداد في الـنّـصـف الأوّل مـن الـقـرن الـعـشـريـن. وكـانـت هـذه الـبـطـاقـات تـوضـع في ظـروف (وهـذا الـجـمـع أصـحّ مـن “مـظـاريـف”). كـمـا كـان يـعـرض لـلـبـيـع مـجـمـوعـات مـخـتـارة يـضـعـهـا في ظـروف كـبـيـرة. وتـصـوّر أغـلـب الـبـطـاقـات مـعـالـم بـغـداد، وتـصـور بـعـضـهـا أسـواق بـغـداد، وطـاق كـسـرى، والـبـصـرة والـعـشّـار …

صـور عـن الـعـراق (3) :

زفوبودا

وصـلـتـنـا صـور لـبـطـاقـات بـريـديـة عـن الـعـراق طـبـعـهـا إسـكـنـدر ج. زفـوبـودا. وهـو يـنـتـمي إلى عـائـلـة زفـوبـودا الـبـغـداديـة الّـتي بـدأت بـوصـول الـتّـاجـر الـمـجـري أنـطـون زفـوبـودا إلى بـغـداد في بـدايـة الـقـرن الـتّـاسـع عـشـر واسـتـقـراره فـيـهـا. وقـد تـزوّج أنـطـون عـام 1825 بـبـغـداديـة مـسـيـحـيـة مـن عـائـلـة أرمـنـيـة، وأنـجـب مـنـهـا أحـد عـشـر ولـداً وبـنـتـاً.  ويـبـدو أنّ إسـكـنـدر ج. زفـوبـودا هـو إسـكـنـدر ريـشـارد، إبـن جـوزيـف مـاتـيـا، الإبـن الـثّـاني لأنـطـون زفـوبـودا .وقـد ولـد إسـكـنـدر ريـشـارد في بـغـداد سـنـة 1878…

صـور عـن الـعـراق مـن بـدايـة الـقـرن الـعـشـريـن (4) :

Hoory 75

وصـلـتـنـا أعـداد مـن الـبـطـاقـات الـبـريـديـة الّـتي كُـتـب في أسـفـل يـمـيـن حـاشـيـتـهـا بـالـحـروف الـمـطـبـعـيـة :  J.S. Hoory , Baghdad. كـمـا كـتـب في أسـفـل يـسـار حـاشـيـتـهـا بـالإنـكـلـيـزيـة وبـالـحـروف الـمـطـبـعـيـة وصـف الـمـشـهـد الّـذي تـصـوّره. وأُضـيـف عـلى كـثـيـر مـنـهـا تـعـلـيـق مـخـطـوط بـالـعـربـيـة، في داخـل الـصّـورة ولـيـس عـلى الإطـار. وأغـلـب هـذه الـبـطـاقـات الـبـريـديـة تـصـوّر مـشـاهـد مـن مـديـنـة بـغـداد ومـا حـولـهـا أو الـمـوصـل أو كـركـوك أو أربـيـل أو الـبـصـرة، ومـعـالـمـهـا الـدّيـنـيـة والـمـدنـيـة …

فـيـصـل وجـرتـرود ــ الـقـسـم الأوّل

إلـتـقـت الـبـريـطـانـيـة جـرتـرود بـيـل بـالأمـيـر فـيـصـل بـن الـحـسـيـن في بـاريـس عـام 1919. ويـمـكـنـنـا أن نـتـابـع مـن خـلال الـرّسـائـل الّـتي كـتـبـتـهـا الـمـس بـيـل لأبـيـهـا ولـزوجـة أبـيـهـا، ومـن الـنّـصـوص الأخـري الّـتي تـركـتـهـا، عـلاقـات الـصّـداقـة والـثّـقـة الـمـتـبـادلـة الّـتي ربـطـت بـيـنـهـا وبـيـن الأمـيـر فـيـصـل مـنـذ هـذا الـلـقـاء، ودورهـا في اخـتـيـاره لـعـرش الـعـراق وتـتـويـجـه مـلـكـاً عـلـيـه في فـجـر الـثّـالـث والـعـشـريـن مـن آب عـام 1921 تـحـت اسـم “فـيـصـل الأوّل” …

فـيـصـل وجـرتـرود ــ الـقـسـم الـثّـاني

قـبـل أن يـنـتـهي الأسـبـوع الأوّل الّـذي تـلا تـتـويـجـه في آب عـام 1921، دعـا الـمـلـك فـيـصـل الـمـس جـرتـرود بـيـل لـيـسـتـشـيـرهـا في تـصـمـيـم الـعـلـم الـجـديـد وفي شـعـار الـمـمـلـكـة. وكـانـت جـرتـرود قـد أعـدّت لـلأمـيـر فـيـصـل سـكـنـاً في جـانـب مـن الـسّـراي وبـدأت بـإعـداد دار لـلـمـلـك تـطـلّ عـلى نـهـر دجـلـة. وكـانـت عـائـلـة الـمـلـك فـيـصـل قـد بـقـيـت في مـكّـة. وشـرع فـيـصـل في عـام 1924، بـجـلـب أفـراد عـائـلـتـه إلى بـغـداد. فـأتى بـشـقـيـقـه الأصـغـر زيـد، ثـمّ أتى بـعـد ذلـك بـابـنـه الـوحـيـد غـازي الّـذي كـان في الـثّـانـيـة عـشـرة مـن عـمـره …

عـبـد الـرّحـمـن الـنّـقـيـب وتـشـكـيـل الـحـكـومـة الإنـتـقـالـيـة عـام 1921

عبد الرحمن النقيب الدكتور صباح الناصري

عـهـدت الـحـكـومـة الـبـريـطـانـيـة لـجـرتـرود بـيـل، سـكـرتـيـرة الـشّـؤون الـشّـرقـيـة في بـغـداد، بـتـنـفـيـذ اسـتـفـتـاء حـول مـشـروع إنـشـاء دولـة مـوحّـدة لـلـولايـات الـثّـلاث : بـغـداد والـبـصـرة والـمـوصـل، يـكـون لـهـا اسـتـقـلالـهـا الـذّاتي ولـكـن تـحـت الإنـتـداب الـبـريـطـاني. ولـتـكـمـل الإسـتـفـتـاء، قـررت الـمـس بـيـل أن تـبـادر إلى الإلـتـقـاء بـوجـهـاء الـعـراق ورجـالـه الـمـهـمّـيـن لـتـسـتـشـيـرهـم في الأمـر. وقـد سـجّـلـت جـرتـرود بـيـل في الـمـلـحـق الّـذي أرسـلـتـه إلى مـؤتـمـر الـسّـلـم في بـاريـس نـصّ لـقـاءهـا بـالـسّـيّـد عـبـد الـرّحـمـن أفـنـدي الـكـيـلاني، نـقـيـب أشـراف بـغـداد في 6 شـبـاط 1920 …

دوس بـاسـوس في الـعـراق

قطار الشرق

قـام الـكـاتـب الأمـريـكي جـون دوس بـاسـوس، وهـو مـن أهـمّ أدبـاء الـقـرن الـعـشـريـن، بـرحـلـة مـن نـيـويـورك إلى إلـشّـرق بـالـبـاخـرة، ثـمّ بـقـطـار الـشّـرق الـسّـريـع إلى إسـطـنـبـول في عـام 1921. وزار بـلاد الأرمـن وبـلاد الـفـرس (إيـران الـحـالـيـة) ووصـل إلى بـغـداد عـن طـريـق خـانـقـيـن وزار بـابـل وسـامـراء، ثـمّ صـعـد إلى دمـشـق مـارّاً بـالـرّمـادي وكـبـيـسـة. ونـشـر سـرد رحـلـتـه هـذه عـام 1922 في كـتـاب صـغـيـر أسـمـاه “قـطـار الـشّـرق الـسّـريـع” …

إسـتـفـتـاء عـام 1921 بـيـن مـنـاصـر لـه ومـعـارض

جرترود بيل

بـعـد أن تـركـت الـحـكـومـة الـبـريـطـانـيـة مـشـروع اسـتـعـمـار الـعـراق وربـطـه بـحـكـومـة الـهـنـد الـبـريـطـانـيـة، طـلـبـت مـن إدارتـهـا الـمـدنـيـة ا في بـغـداد إجـراء اسـتـفـتـاء لآراء الـنّـاس في ولايـات بـغـداد والـمـوصـل والـبـصـرة، لإنـشـاء دولـة مـوحّـدة لـهـذه الـولايـات الـثّـلاث، لـهـا اسـتـقـلالـهـا الـذّاتي ولـكـن تـحـت الإنـتـداب الـبـريـطـاني. وقـد لاقى الـمـشـروع مـنـاصـرة الـبـعـض لـه ومـعـارضـة الـبـعـض الآخـر …

تـشـيـزمـان ومَـيـنـارد وطـوابـع الـمـمـلـكـة الـعـراقـيـة

طابع رسمي 2

بـدأ عـام 1921 مـشـروع إصـدار طـوابـع خـاصّـة بـالـمـمـلـكـة الـجـديـدة عـلـيـهـا اسـم “الـعـراق”. وقـد حـفـرت ألـواحـهـا وطـبـعـت اعـتـمـاداً عـلى رسـوم نـفّـذتـهـا انـكـلـيـزيـتـان كـانـتـا تـقـيـمـان في بـغـداد: فـلـورنـس إيـديـث تـشـيـزمـان ومـرجـوري جـوزفـيـن مَـيـنـارد.

واسـتـغـرق إكـمـال تـصـمـيـمـهـا وطـبـعـهـا وقـتـاً طـويـلاً. ولـم تـصـدر أغـلـب هـذه الـطّـوابـع إلّا في أوّل حـزيـران 1923. وصـدر طـابـع الـثّـلاث آنـات في أواخـر 1923، والـطّـابـع الأصـفـر بـروبـيـتـيـن في أوّل حـزيـران 1925 …

الـعـراق في رسـوم فـلـورنـس تـشـيـزمـان

Cheesman 2

وصـلـت فـلـورنـس إيـديـث تـشـيـزمـان إلى بـغـداد عـام 1921 مـع أخـيـهـا الـصّـغـيـر روبـرت الّـذي كـان كـولـونـيـلاً في الـجـيـش الـبـريـطـاني، واخـتـيـر سـكـرتـيـراً شـخـصـيـاً لـلـمـنـدوب الـسّـامي فـيـهـا، الـسّـيـر بـرسـي كـوكـس.

ورسـمـت فـلـورنـس إيـديـث تـشـيـزمـان في بـغـداد لـوحـات زيـتـيـة تـمـثّـل الـمـلـك فـيـصـل الأوّل أو دار جـرتـرود بـيـل أو حـسـن الـصّـقّـار، كـمـا نـفّـذت أعـداداً مـن الـرسـوم بـالألـوان الـمـائـيـة، نـشـر مـنـهـا 16 رسـمـاً في ألـبـوم عـام 1922 …

الـمـعـمـاري ج. م. ولـسـن في الـعـراق

المعماري ولسن

بـعـد أن شـارك الـمـعـمـاري الإسـكـتـلـنـدي جـيـمـس مـولـيـسـون ولـسـن في تـشـيـيـد عـاصـمـة جـديـدة في الـهـنـد الـبـريـطـانـيـة : نـيـو دلـهي، أي دلـهي الـجـديـدة، جـنّـد في جـيـش الـهـنـد عـام 1915. وتـرقّى إلى رتـبـة مـيـجـر. وبـعـد انـتـهـاء الـحـرب، عـيّـن عـام 1920 مـديـراً لـلأشـغـال الـمـدنـيـة في بـغـداد، وكـان في الـثّـالـثـة والـثّـلاثـيـن مـن عـمـره. ثـمّ مـديـراً لـلأشـغـال الـعـمـومـيـة. وصـمـم عـام 1921 مـسـتـشـفى مـود الـتّـذكـاري في الـبـصـرة، و“الـبـلاط الـمـلـكي” في الـكـسـرة عـام 1923، ثـمّ جـامـعـة آل الـبـيـت في بـغـداد، و مـكـاتـب مـيـنـاء الـبـصـرة، ومـيـنـاء الـبـصـرة الـجـوّي أي مـطـار الـبـصـرة. ولـكـن أهـمّ إنـجـازاتـه كـانـت ولا شـكّ “مـحـطّـة قـطـار بـغـداد الـعـالـمـيـة” الّـتي صـمـمـهـا عـام  1947 …

حـمّـودي والـتّـنـقـيـبـات الأثـريـة

Hammodi 3

عـنـدمـا نـقـرأ عـن الـتّـنـقـيـبـات الأثـريـة لا نـجـد غـالـبـاً إلّا أسـمـاء عـلـمـاء الآثـار الّـذيـن أشـرفـوا عـلـيـهـا وأحـيـانـاً أسـمـاء بـعـض مـن سـاعـدوهـم فـيـهـا. ولا نـجـد إلّا نـادراً أسـمـاء الـعـمّـال الّـذيـن حـفـروا وأزاحـوا الـتّـراب عـن الـمـواقـع الأثـريـة ووجـدوا الـقـطـع الـقـيّـمـة الّـتي كـانـت تـرقـد فـيـهـا. ومـن أشـهـر هـؤلاء ولا شـكّ الـشّـيـخ حـمّـودي. وقـد اشـتـغـل حـمّـودي، وهـو مـحـمّـد بـن الـشّـيـخ إبـراهـيـم، كـرئـيـس عـمّـال خـاصّـة مـع لـيـونـارد وولي ومـاكـس مـالـوان. وكـان مـالـوان زوج الـكـاتـبـة الـبـريـطـانـيـة الـشّـهـيـرة أجـاثـا كـريـسـتي، الّـتي ذكـرت حـمّـودي عـدّة مـرّات في كـتـابـهـا: “تـعـال أخـبـرني كـيـف تـعـيـش” …

عـنـدمـا كـانـت سـيّـارات نـيـرن تـنـقـل الـمـسـافـريـن عـبـر الـبـاديـة

Nairn XII

قـاتـل الأخـوان نـورمـان وجـيـرالـد نـيـرن في صـفـوف الـقـوات الـنـيـوزيـلـنـديـة في الـجـيـش الـبـريـطـاني خـلال الـحـرب الـعـالـمـيـة الأولى. وشـاركـا في مـعـارك الـشّـرق الأدنى، ثـمّ بـقـيـا في الـمـنـطـقـة بـعـد انـتـهـاء الـحـرب. وفي 1919 فـتـحـا مـحـلّاً في بـيـروت لـبـيـع سـيّـارات مـن مـخـلّـفـات الـحـرب. ثـمّ اسـتـعـمـلا، في 1920، الـسّـيّـارات الّـتي لـم يـسـتـطـيـعـا بـيـعـهـا لـنـقـل الـمـسـافـريـن بـيـن بـيـروت وحـيـفـا، وكـذلـك لـنـقـل الـبـريـد. وقـامـا بـعـدّة رحـلات عـبـر الـبـاديـة بـيـن بـغـداد ودمـشـق وتـوصـلا إلى اخـتـيـار الـطّـريـق والـسّـيّـارات الـقـادرة عـلى سـلـكـهـا لـنـقـل الـبـريـد. وبـعـد أن حـالـفـهـمـا الـنّـجـاح، وسّـعـا إعـمـال شـركـتـهـمـا لـتـضـمّ نـقـل الـمـسـافـريـن والـبـضـائـع …

أوغـسـطـس إدويـن جـون يـرسـم صـورة الأمـيـر فـيـصـل بـن الـحـسـيـن

5063900310_8635a394f4_o

كـان الـفـنّـان أوغـسـطـس إدويـن جـون قـد أجّـر مـرسـمـاً في بـاريـس عـام 1919 عـنـدمـا جـاء إلـيـهـا الأمـيـر فـيـصـل بـن الـحـسـيـن لـيـنـوب عـن أبـيـه الـحـسـيـن، شـريـف مـكّـة في مـؤتـمـر الـصّـلـح. وقـد طـلـب مـنـه إدويـن جـون أن يـجـلـس أمـامـه لـيـرسـمـه. ووافـق الأمـيـر فـيـصـل (الّـذي أصـبـح بـعـد ذلـك مـلـكـاً عـلى سـوريـا، ثـمّ مـلـكـاً عـلى الـعـراق تـحـت اسـم فـيـصـل الأوّل). وكـان الـكـولـونـيـل لـورنـس بـصـحـبـة الأمـيـر فـيـصـل. والـحـقـيـقـة أنّ أدويـن جـون رسـم لـوحـتـيـن لـفـيـصـل مـا زالـت الأولى مـنـهـمـا في مـتـحـف أشـمـولـيـان في جـامـعـة أكـسـفـورد، والـثّـانـيـة في مـتـحـف بـرمـنـغـهـام …

فـيـصـل وأنـاتـول فـرانـس في بـاريـس عـام 1919

Faysal et Anatol France (2)

أرسـل  الـحـسـيـن، شـريـف مـكّـة، ابـنـه فـيـصـل إلى بـاريـس لـيـمـثّـلـه في مـؤتـمـر الـسّـلـم الّـذي كـان سـيـعـقـد في قـصـر فـرسـاي في عـام 1919، أي بـعـد نـهـايـة الـحـرب الـعـالـمـيـة الأولى. ووصـل الأمـيـر  فـيـصـل بـن الـحـسـيـن (الّـذي سـيـصـبـح بـعـد ذلـك الـمـلـك فـيـصـل الأوّل) ومـرافـقـيـه إلى مـرسـيـلـيـا، في جـنـوب فـرنـسـا في 7 كـانـون الأوّل 1918.

وقـد تـوثّـقـت عـلاقـات صـداقـة خـلال الأشـهـر الأربـعـة الّـتي أقـام فـيـهـا الأمـيـر فـيـصـل في بـاريـس بـيـنـه وبـيـن والـكـاتـب الـفـرنـسي الـشّـهـيـر أنـاتـول فـرانـس. وكـان أنـاتـول فـرانـس، إلى جـانـب إعـجـابـه بـشـخـصـيـة الأمـيـر فـيـصـل وبـجـمـال مـظـهـره، يـسـانـد حـقـوق الـشّـعـوب في تـقـريـر مـصـيـرهـا ويـنـدد بـتـقـسـيـم أراضـيـهـا بـيـن الـقـوى الإسـتـعـمـاريـة، وكـان يـسـانـد الـقـضـيـة الـعـربـيـة الّـتي كـان فـيـصـل قـد جـاء لـيـدافـع عـنـهـا في مـؤتـمـر فـرسـاي  …

 الـعـراق كـمـا رسـمـه الأخـوان كـارلايـن مـن الـسّـمـاء عـام 1919

طيران فوق كركوك

تـطـوّع سـيـدني ولـيـام كـارلايـن وأخـوه ريـشـارد كـوتـون في طـيـران الـجـيـش الـبـريـطـاني الـمـلـكي بـعـد انـدلاع الـحـرب الـعـالـمـيـة الأولى، وقـاتـلا حـتّى عـام 1918 في جـبـهـات الـحـرب الأوربـيـة ونـفّـذ عـنـهـا تـخـطـيـطـات ورسـومـاً.

ثـمّ  أرسـلـهـمـا مـتـحـف الإمـبـراطـوريـة الـحـربي إلى الـشّـرق الأدنى كـرسـامَي حـرب رسـمـيَـيـن مـرتـبـطّـيـن بـالـقـوّة الـجـوّيـة الـمـلـكـيـة. وكـانـت مـهـمـتـهـمـا أن يـرسـمـا تـخـطـيـطـات مـن طـائـرتـهـمـا ثـمّ رسـومـاً أكـثـر اكـتـمـالاً لـمـنـاطـق في الـشّـرق، ومـن بـيـنـهـا الـعـراق، أرسـلا لاسـتـطـلاعـهـا ولـمـتـابـعـة مـا كـان يـحـدث فـيـهـا. ووصـلا عـام 1919 إلى بـغـداد الّـتي بـقـيـا فـيـهـا حـتّى مـنـتـصـف تـمّـوز.

ويـبـدو أنّ الأخـويـن كـارلايـن كـان يـقـومـان بـمـهـمـاتـهـمـا مـعـاً في نـفـس الـطّـائـرة، يـجـلـس الّـذي يـرسـم مـنـهـمـا عـلى الـمـقـعـد الـخـلـفي لـيـخـطـط بـقـلـم رصـاص عـلى الـورق مـشـاهـد يـحـولّـهـا بـعـد ذلـك إلى رسـوم تـحـضـيـريـة ثـمّ إلى لـوحـات، بـيـنـمـا يـقـود الآخـر مـنـهـمـا الـطّـائـرة ….

بـغـداد 1919

بغداد 19

حـصـلـت مـكـتـبـة جـامـعـة كـالـيـفـورنـيـا في لـوس أنـجـلـس عـلى ألـبـوم صـور يـعـود تـاريـخـه إلى 1919. ويـحـتـوي عـلى حـوالي 185 صـورة فـوتـوغـرافـيـة  و 25 بـطـاقـة بـريـديـة عـلـيـهـا تـعـلـيـقـات بـخـطّ  الـيّـد. ويـبـدو أنّ الألـبـوم كـان لـضـابـط بـريـطـاني الـتـقـط الـصّـور خـاصّـة في بـغـداد والـبـصـرة، ولـكـن أيـضـاً في سـلـمـان بـاك وبـابـل والـنّـجـف والـكـوفـة … وتـصـوّر مـشـاهـد مـتـنـوّعـة مـثـل حـيـاة الـعـراقـيـيـن الـيـومـيـة والـمـقـاهي وقـوارب وقـفـف دجـلـة والـجـسـور وضـبـاط الـجـيـش الـبـريـطـاني والـجـوامـع والـكـنـائـس وجـني الـتّـمـر مـن عـلى الـنّـخـيـل …

رسـوم دونـالـد مـاكـسـويـل ولـوحـاتـه عـن الـعـراق في بـدايـة الـقـرن الـعـشـريـن

دونالد ماكسويل

شـارك الـرّسّـام الـبـريـطـاني دونـالـد مـاكـسـويـل في الـحـرب الـعـالـمـيـة الأولى كـضـابـط في الـبـحـريـة الـمـلـكـيـة الـبـريـطـانـيـة، ثـمّ كـرسّـام رسـمي . ورسـم خـلال تـلـك الـفـتـرة سـفـن الـبـحـريـة الـبـريـطـانـيـة وعـمـلـيـاتـهـا الـحـربـيـة. وقـد بـعـثـه الـمـتـحـف الـحـربي عـام 1919 إلى الـعـراق لـيـنـفـذ رسـومـاً ولـوحـات عـن الـسّـفـن الـحـربـيـة وعـن الـمـلاحـة في دجـلـة والـفـرات. وقـد نـشـر دونـالـد مـاكـسـويـل في لـنـدن عـام 1921 كـتـابـاً يـسـرد فـيـه رحـلـتـه. وصـاحـب نـصّـه بـعـدد كـبـيـر مـن الإسـكـتـشـات بـعـدّة ألـوان أو بـلـون واحـد، وبـعـدد مـن الـتـخـطـيـطـات …

مـن الـبـصـرة إلى بـغـداد، في رحـلـة دونـالـد مـاكـسـويـل الـفـنّـيـة 

D. Maxwell, Sheik Saad on the Tigris

أُرسـل رسّـام الـحـرب الـبـريـطـاني دونـالـد مـاكـسـويـل إلى الـعـراق في أواخـر عـام 1918 لـمـتـابـعـة الـعـمـلـيـات الـعـسـكـريـة في الـمـنـطـقـة ورسـمـهـا، ووصـل إلى الـبـصـرة في كـانـون الـثّـاني 1919، أي بـعـد انـتـهـاء الـحـرب الـعـالـمـيـة الأولى. ولـكـنّ احـتـلال الـجـيـش الـبـريـطـاني لـلـعـراق لـم يـكـن قـد اكـتـمـل بـعـد. وأقـام دونـالـد مـاكـسـويـل في الـعـراق إلى أواخـر شـهـر حـزيـران، لـيـكـمـل مـهـمـاتـه، قـبـل أن يـعـود إلى إنـكـلـتـرة. وقـد نـفّـذ أعـداداً كـبـيـرة مـن الـرّسـوم الـرّائـعـة، مـا زال مـتـحـف الإمـبـراطـوريـة الـحـربي في لـنـدن يـحـتـفـظ بـكـثـيـر مـنـهـا …

مـن بـعـقـوبـة إلى هـيـت، الـعـراق كـمـا رسـمـه جـون ريـفـل

Revel سوق الصفافير

مـرّ الـفـنّـان الأسـكـتـلـنـدي جـون ريـفـل في طـريـق رجـوعـه مـن الـهـنـد إلى بـريـطـانـيـا بـبـلاد الـفـرس، ومـنـهـا إلى بـعـقـوبـة، وصـعـد إلى بـغـداد فـسـامـراء، ثـمّ نـزل نـحـو الـكـوت فـبـغـداد فـالـبـاديـة وانـتـهى بـصـعـود الـفـرات مـن الـرّمـادي إلى هـيـت، ثـمّ نـحـو الـبـحـر الأبـيـض الـمـتـوسـط فـأوروبـا.

وقـد مـرّ ريـفـل بـالـعـراق عـام 1918، كـمـا يـمـكـنـنـا أن نـقـرأه في أسـفـل أحـد رسـومـه لـبـعـقـوبـة. كـمـا نـقـرأ في أسـفـل أحـد رسـومـه لـلـكـوت أنّـه زارهـا في أواخـر ذلـك الـعـام، أي بـعـد احـتـلال الـبـريـطـانـيـيـن لأجـزاء واسـعـة مـن الـعـراق  …

الـعـراق في رسـوم تـشـارلـز ولـيـام كَـيـن وأعـمـالـه الـطّـبـاعـيـة

Cain 1918 2

بـعـد أن درس تـشـارلـز ولـيـام كـيـن الـفـنّ في إنـكـلـتـرة، قـاتـل عـنـد انـدلاع الـحـرب الـعـالـمـيـة الأولى في صـفـوف الـجـيـش في الـهـنـد الـبـريـطـانـيـة والـعـراق. وبـقي في الـجـيـش حـتّى نـهـايـة الـحـرب. وقـد أتـيـحـت لـه الـفـرصـة في الـعـراق لـرسـم لـوحـات زيـتـيـة وألـوان مـائـيـة وأعـداد كـبـيـرة مـن الـتّـخـطـيـطـات لـدجـلـة ولـبـعـض مـعـالـم بـغـداد والـبـصـرة ولـبـيـوتـهـمـا الـقـديـمـة وأحـيـائـهـمـا ولـمـشـاهـد كـانـت جـديـدة عـلـيـه.

وأنـتـج في عـشـريـنـات الـقـرن الـمـاضي وثـلاثـيـنـاتـه أعـداداً كـبـيـرة مـن الـلـوحـات الـزّيـتـيـة والألـوان الـمـائـيـة، كـمـا نـفّـذ 74 عـمـلاً طـبـاعـيـاً غـرافـيـكـيـاً أخـذ أغـلـب مـواضـيـعـهـا مـن رسـوم كـان قـد قـام بـهـا في الـعـراق وبـلاد الـفـرس والـهـنـد وبـورمـا خـلال الـحـرب …

مـكـتـبـة مـكـنـزي في بـغـداد

مكنزي

وصـل الإسـكـتـلـنـدي كـيـنـيـث مـكـنـزي إلى بـغـداد بـعـد نـهـايـة الـحـرب عـام 1918. ويـبـدو أنّ هـمـفـري بـومـان الّـذي كـان مـديـراً لـلـمـعـارف في بـغـداد مـن 1918 إلى 1920 هـو الّـذي اقـتـرح عـلـيـه أن يـأتي إلى بـغـداد لـفـتـح مـكـتـبـة فـيـهـا عـنـدمـا الـتـقى بـه في لـنـدن. وقـد فـتـح مـكـنـزي أوّلاً، مـكـتـبـة “حـكـومـيـة” في بـنـايـة الـسّـراي. وبـعـد تـأسـيـس الـمـمـلـكـة الـعـراقـيـة عـام 1921، حـصـل كـيـنـيـث مـكـنـزي عـلى احـتـكـار مـن وزارة الـمـعـارف لاسـتـيـراد الـكـتـب الإنـكـلـيـزيـة لـلـمـدارس الـعـراقـيـة. وبـعـد أن انـتـهى عـقـده مـع الـحـكـومـة اشـتـرى مـكـنـزي الـمـكـتـبـة مـنـهـا وحـوّلـهـا إلى  “MacKenzie & MacKenzie bookshop” …

الـعـراق في صـور وكـالـة رول Rol

فيصل في فرساي 3

أنـشـأ الـمـصـور الـفـوتـوغـرافي الـفـرنـسي مـارسـيـل رول في بـاريـس عـام 1904 “وكـالـة تـصـويـر فـوتـوغـرافي لـلأنـبـاء”  أسـمـاهـا : “مـارسـيـل رول وشـركـاؤه”. وكـانـت تـبـعـث مـصـوريـهـا في أنـحـاء الـعـالـم لالـتـقـاط صـور لأهـمّ الأحـداث الّـتي تـجـري فـيـه، وتـبـيـعـهـا بـعـد ذلـك إلى الـجـرائـد والـمـجـلّات الّـتي تـحـتـاجـهـا. وقـد وجـدت في الـقـسـم الـمـخـصـص لـلـعـراق مـن هـذه الأرشـيـفـات صـوراً كـثـيـرة  بـالأسـود والأبـيـض حـاولـت تـصـنـيـفـهـا حـسـب الأمـاكـن الّـتي الـتـقـطـت فـيـهـا أو حـسـب مـواضـيـعـهـا أو حـسـب الـسّـنـوات الّـتي الـتـقـطـت بـهـا …

دخـول الـقـوّات الـبـريـطـانـيـة في بـغـداد عـام 1917

Entering-Baghdad

تـقـدمـت الـقـوّات الـبـريـطـانـيـة في 1914، قـبـل أن تـبـدأ الـحـرب الـعـالـمـيـة الأولى، واحـتـلّـت الـبـصـرة وضـفـاف دجـلـة والـفـرات، لـحـمـايـة مـصـالـح شـركـة الـنّـفـط الإنـكـلـيـزيـة ــ الـفـارسـيـة. وفي 1915، تـوجّـه تـشـارلـز تـاونـزنـد بـقـواتـه نـحـو الـكـوت، ولـكـنّ الـقـوّات الـعـثـمـانـيـة هـزمـتـهـم. وعـيّـن الـلـيـوتـنـات ــ جـنـرال فـريـدريـك سـتـانـلي مـود عـام 1916 عـلى رأس الـقـوات الـبـريـطـانـيـة في الـعـراق. واسـتـلـم في شـهـر كـانـون الأوّل 1917 أمـراً بـالـمـسـيـر نـحـو بـغـداد. ودخـل الـجـنـرال مـود وجـنـوده بـغـداد في 11 آذار …

مـنـحـوتـات بـاب الـطّـلـسـم في بـغـداد

باب الطلسم

وصـلـتـنـا رسـوم وصـور فـوتـوغـرافـيـة لـبـاب الـحـلـبـة في بـغـداد ولـلـمـنـحـوتـات الّـتي كـانـت تـحـيـط بـه والّـتي تـأمّـلـهـا الـبـغـداديـون قـرونـاً طـويـلـة قـبـل تـدمـيـره في 11 آذار 1917. وكـانـت الـعـامـة تـسـمـيـه “بـاب الـطّـلـسـم” لـغـمـوض مـعـاني مـنـحـوتـاتـه الّـتي كـان يـصـعـب عـلـيـهـم إدراك مـغـزاهـا بـعـد أن أنـسـاهـم إيـاهـا مـرور الـقـرون. وعـنـدمـا نـتـأمّـل نـحـن، في زمـانـنـا هـذا، الـصّـور الـفـوتـوغـرافـيـة الّـتي الـتـقـطـت لـهـذه الـمـنـحـوتـات والـرّسـوم الّـتي خـطـطـت لـهـا، نـحـسّ بـهـذا الـغـمـوض الّـذي كـان يـحـيـط بـهـا. وتـدفـعـنـا الـرّغـبـة في إدراك مـغـزاهـا ومـعـانـيـهـا إلى مـحـاولـة تـحـلـيـلـهـا ومـقـارنـتـهـا بـمـا وصـلـنـا مـن مـنـحـوتـات أخـرى عـلّـنـا نـتـوصـل إلى تـحـسـيـن مـعـرفـتـنـا بـهـا، وبـجـزء مـن تـراثـنـا الّـذي ضـاع مـنّـا بـضـيـاعـهـا …

صـور مـحـطـة قـطـار بـغـداد 1917

محطة قطار بغداد

فـكّـر الألـمـان مـنـذ سـبـعـيـنـات الـقـرن الـتّـاسـع عـشـر بـمـدّ خـطّ سـكـك حـديـديـة بـيـن بـرلـيـن وأراضي الـدّولـة الـعـثـمـانـيـة لـكي تـتـوصـل ألـمـانـيـا إلى الـتّـغـلـغـل في مـنـاطـق الـشّـرق. ولـكـنّ الـمـفـاوضـات لـفـتـح خـطّ بـرلـيـن ــ بـغـداد، اسـتـغـرقـت زمـنـاً طـويـلاً. ولـم يـشـرع الألـمـان في الـعـمـل عـلى خـط الـسّــكّـة الـحـديـديـة الـعـريـض مـن بـغـداد بـاتـجـاه الـشّـمـال إلّا عـام 1912، بـعـد وضـع الـحـجـر الأسـاس في مـحـطـة بـغـداد في جـانـب الـكـرخ. ولـم يـكـن الـخـطّ قـد تـجـاوز بـغـداد ــ سـامـراء عـنـدمـا وصـلـت الـقـوّات الـبـريـطـانـيـة أمـام أسـوار بـغـداد في آذار 1917 …

دار الـجـنـرال مـود في بـغـداد

دار الجنرال مود

دخـل الـلـيـوتـنـات ــ جـنـرال فـريـدريـك سـتـانـلي مـود بـغـداد عـلى رأس قـوّاتـه الـبـريـطـانـيـة في 11 ذار 1917، ومـات فـيـهـا في 18 تـشـريـن الـثّـاني مـن نـفـس الـعـام. وتـذكـر أغـلـب الـمـصـادر الّـتي لـديـنـا عـنـه أنّـه سـكـن في دار بـغـداديـة خـلال هـذه الأشـهـر. وهي الّـتي مـات فـيـهـا. وتـذكـر أيـضـاً أنّـهـا نـفـس الـدّار الّـتي كـان قـد مـات فـيـهـا الـفـيـلـد مـرشـال الألـمـاني فـون ديـر غـولـتـس تـسـعـة عـشـر شـهـراً قـبـل ذلـك. وفـون ديـر غـولـتـس هـو الّـذي هـزم الـقـوّات الـبـريـطـانـيـة في الـكـوت عـنـدمـا كـان يـقـود الـجـيـش الـعـثـمـاني …

« بـيـن الـسّـحـب، في سـمـاء بـغـداد »ــ الـقـسـم الأوّل

تانَنت غلاف

قـاتـل جـون إدوارد تـانَـنـت، الّـذي كـان ضـابـطـاً في سـلاح الـطّـيـران الـبـريـطـاني، في الـعـراق بـيـن عـامَي 1916 و 1918. ونـشـر بـعـد ذلـك كـتـاب مـذكـرات روى فـيـه كـيـف صـاحـب قـوّات الـجـنـرال فـريـدريـك سـتـانـلي مـود في صـعـودهـا مـن الـبـصـرة نـحـو بـغـداد، وكـيـف ألـقى بـالـقـنـابـل عـلى بـغـداد قـبـل أن تـسـتـطـيـع هـذه الـقـوّات دخـولـهـا في 11 آذار 1917. ثـمّ اسـتـمـرّ يـقـصـف ويـلـقي بـالـقـنـابـل مـع طـيّـاري الـحـرب الآخـريـن حـتّى اكـتـمـل احـتـلال الـبـريـطـانـيـيـن لـلـعـراق. وصـاحـب نـصّ الـكـتـاب بـصـور فـوتـوغـرافـيـة كـان قـد الـتـقـط أغـلـبـهـا مـن طـائـرتـه مـحـلّـقـاً في سـمـاء الـعـراق …

« بـيـن الـسّـحـب، في سـمـاء بـغـداد »  ــ  الـقـسـم الـثّـاني

تاننت وزملاءه(2)

يـكـمـل جـون إدوارد تـانَـنـت، في هـذا الـقـسـم الـثّـاني مـن عـرضـنـا مـا كـتـبـه عـن مـا بـعـد الإحـتـلال وحـتّى أواخـر نـيـسـان 1918 عـنـدمـا تـرك الـعـراق. ونـجـد فـيـه وصـفـاً لـبـغـداد بـعـد الإحـتـلال الـبـريـطـاني، وإنـسـحـاب الأتـراك نـحـو الـشّـمـال، ومـتـابـعـة الـقـوات الـبـريـطـانـيـة لـهـم عـلى ثـلاث جـبـهـات : ديـالى ودجـلـة والـفـرات.

ويـنـتـهي نـصّـه بـعـد أن أطـلـقـت الـمـدفـعـيـة الـتّـركـيـة بـقـذائـف عـلى طـائـرتـه أصـابـت إحـداهـا جـهـاز تـبـريـد الـمـاكـنـة. وأجـبـر تـانَـنـت عـلى الـهـبـوط في وسـط الـقـوّات الـتّـركـيـة ! وأخـذ أسـيـراً إلى أن حـررته الـقـوات الـبـريـطـانـيـة …

الـعـراق كـمـا رسـمـه غـروسـفـالـدس

Grosvalds figur

تـطـوّع ع الـفـنّـان جـايـزيـبـس غـروسـفـالـدس عـام 1917 كـمـتـرجـم في الـجـيـش الـبـريـطـاني. وكـان غـروسـفالـدس قـد ولـد سـنـة 1891، في مـديـنـة ريـغـا، الّـتي كـانـت في ذلـك الـحـيـن جـزءاً مـن امـبـراطـويـة روسـيـا، وأصـبـحـت في أيّـامـنـا هـذه عـاصـمـة جـمـهـوريـة لاتـفـيـا.

وهـكـذا وصـل إلى الـشّـرق، وأقـام في بـغـداد وتـجـوّل في مـنـاطـق الـعـراق مـن الـبـصـرة إلى خـانـقـيـن. وبـقي في الـعـراق حـتّى عـام 1918. ونـجـد في مـجـمـوعـة “مـشـاهـد مـن حـيـاة الـشّـرق ومـصـر وبـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن وكـردسـتـان وبـلاد الـفـرس” الّـتي رسـمـهـا غـروسـفـالـدس، أعـداداً كـبـيـرة مـن الـرّسـوم بـالألـوان الـمـائـيـة عـن عـدّة مـنـاطـق في الـعـراق  …

مـن نـيـويـورك إلى بـغـداد عـام 1914

img257 (558x800)

نـشـرت مـجـلّـة الـنّـاشـيـونـال جـيـوغـرافـيـك الأمـريـكـيـة في عـددهـا الـصّـادر في شـهـر كـانـون الأوّل 1914، مـقـالـيـن عـن الـعـراق، عـنـوان الأوّل مـنـهـمـا : “الـمـكـان الّذي عـاش فـيـه آدم وحـواء”، الّـذي كـتـبـه فـردريـك سِـمـبِـك وشـاركـت فـيـه زوجـتـه مـرغـريـت. وقـد غـادرا نـيـويـورك في نـهـايـة عـام 1913 وأقـامـا في الـعـراق سـنـة، وتـكـلّـمـا في الـمـقـال عـن بـغـداد خـاصّـة، وزارت مـرغـريـت “حـريـم” رجـل غـنّي … وأهـمّ مـا في الـمـقـال الـصّـور الـفـوتـوغـرافـيـة الّـتي تـصـاحـبـه. وقـد الـتـقـط فـردريـك سِـمـبِـك بـنـفـسـه عـدداً مـنـهـا بـيـنـمـا أخـذ غـالـبـيـهـا مـن أرشـيـفـات Underwood and Underwood  …

فـالـتـر أنـدريـه، عـالـم آثـار ورسّـام

أندريه مدخل قرية عانة (613x800)

إخـتـار عـالـم الآثـار الألـمـاني روبـرت كـولـدفـيـه مـعـمـاريـاً شـابـاً اسـمـه فـالـتـر أنـدريـه لـيـسـاعـده في تـنـقـيـبـاتـه الأثـريـة في بـابـل والّـتي بـدأت في آذار 1899. وتـعـلّـم فـالـتـر أنـدريـه مـن كـولـدفـيـه طـريـقـة رسـم الآثـار والـقـطـع الأثـريـة. وفي عـام 1904 أرسـل روبـرت كـولـدفـيـه مـسـاعـده فـالـتـر أنـدريـه لـيـنـقّـب في قـلـعـة الـشّـرقـاط، مـوقـع مـديـنـة آشـور الـقـديـمـة، أولى عـواصـم الـدّولـة الآشـوريـة. وقـد اسـتـمـرت تـنـقـيـبـات فـالـتـر أنـدريـه فـيـهـا إلى عـام 1914. وقـد سـجّـل فـالـتـر أنـدريـه خـلال كـلّ إقـامـتـه في الـعـراق مـا كـان يـراه حـولـه بـتـخـطـيـطـات وبـرسـوم بـالألـوان الـمـائـيـة رائـعـة الـجـمـال …

كـيـف شـيّـد فـالـتـر أنـدريـه بـوابـة عـشـتـار في مـتـحـف بـرلـيـن

أندريه بوابة عشتار برلين 2

مـا زال زوّار مـتـحـف بـرلـيـن يـتـأمـلـون بـذهـول الـبـوابـة الـمـتـلامـعـة الـزّرقـة بـثـيـرانـهـا وتـنـيـنـاتـهـا. ويـعـتـقـد كـثـيـر مـنـهـم أنّ الـمـنـقـبـيـن خـلـعـوا الـبـوابـة مـن بـابـل ونـصـبـوهـا في بـرلـيـن ! ولـكـن كـيـف اسـتـطـاع الألـمـاني فـالـتـر أنـدريـه تـجـمـيـع كـسـر الـطّـابـوق الـمـزجـج الألـوان الّـذي وجـده مـحـطّـمـاً مـتـنـاثـراً لـيـعـيـد تـشـكـيـل صـور الـثّـيـران والـحـيـوانـات الـخـرافـيـة (الـتّـنـيـنـات) الّـتي كـانـت تـغـطي جـدران بـوابـة عـشـتـار والأسـود الـمـتـتـابـعـة عـلى جـانـبي درب الـمـسـيـرات ؟ والّـذي تـطـلّـب سـنـوات طـويـلـة مـن الـعـمـل الـمـسـتـمـرّ …

“إسـمـاعـيـن إبـن جـاسـم” والـتّـنـقـيـبـات الألـمـانـيـة

أندريه إسماعين إبن جاسم 1908 (800x500)

إلـتـقى فـالـتـر أنـدريـه في بـابـل بـ “إسـمـاعـيـن إبـن جـاسـم” عـنـدمـا نـقّـب مـع روبـرت كـولـدفـيـه في نـهـايـة الـقـرن الـتّـاسـع عـشـر. وعـنـدمـا ذهـب فـالـتـر أنـدريـه لـيـنـقّـب في قـلـعـة الـشّـرقـاط، تـبـعـه “إسـمـاعـيـن إبـن جـاسـم”، واشـتـغـل كـرئـيـس عـمّـال في تـنـقـيـبـاتـه. وبـعـد أن انـدلـعـت الـحـرب الـعـالـمـيـة الأولى عـام 1914 تـوقـفـت الـتّـنـقـيـبـات، وتـرك فـالـتـر أنـدريـه الـعـراق عـائـداً إلى ألـمـانـيـا، ورجـع إسـمـاعـيـن إلى أهـلـه في الـحـلّـة. ولـكـنّ فـالـتـر أنـدريـه عـاد إلى الـعـراق عـام 1915 كـضـابـط في الـجـيـش الألـمـاني (الّـذي كـان يـقـاتـل بـجـانـب الـجـيـش الـعـثـمـاني)، فـأسـرع إسـمـاعـيـن لـلـقـائـه وتـبـعـه كـمـا يـتـبـعـه ظـلّـه حـتّى عـام 1918 مـعـرضـاً نـفـسـه لـكـلّ مـخـاطـر سـنـوات الـحـرب …

قـصّـة بـابـلـيـة في فِـلـم قـديـم

Intolerance 1916

أخـرج الأمـريـكي د. غـريـفـيـث   فِـلـم : الـتّـعـصّـب : صـراع الـحـبّ عـبـر الـعـصـور”  في 1916. ويـنـقـسـم الـفِـلـم إلى أربـعـة أجـزاء، يـمـثّـل كـلّ جـزء مـنـهـا فـتـرة زمـنـيـة مـخـتـلـفـة. ويـتـكـلّـم الـجـزء الـبـابـلي مـن الـفـلـم عـن سـقـوط عـاصـمـة الإمـبـراطـوريـة الـبـابـلـيـة الـمـتـأخـرة تـحـت ضـربـات جـيـش كـورش الـكـبـيـر (أو كـيـروش) الـفـارسي الإخـمـيـني في عـام 539 قـبـل الـمـيـلاد …

رسـوم مـارتـن سـويـن لـجـنـوب الـعـراق

Swayne, The Garden of Eden

وصـل مـارتـن سـويـن Martin Lutrell Swayne إلى الـبـصـرة عـام 1915 لإنـشـاء مـسـتـشـفى تـابـعـة لـلـكـتـيـبـة الإيـرلـنـديـة الـعـاشـرة في العـراق. ومـارتـن سـويـن اسـم مـسـتـعـار  اتّـخـذه مـوريـس نـيـكـول Maurice Nicoll . وقـد نـشـر كـتـاب “في بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن  In Mesopotamia”، يـتـكـلّـم فـيـه عـن إقـامـتـه لـمـدّة عـدّة أشـهـر في جـنـوب الـعـراق. ويـحـتـوي الـكـتـاب عـلى عـشـرة رسـوم نـفّـذهـا الـكـاتـب، كـهـاوي فـنّ، بـالألـوان الـمـائـيـة. وهي كـرسـوم تـلـقـائـيـة، بـدون ادعـاءات فـنّـيـة، سـجّـل فـيـهـا سـويـن مـا كـان يـراه، تـسـتـحـق ولا شـكّ أن نـتـأمّـلـهـا لـنـجـد فـيـهـا شـيـئـاً مـن مـاضي جـنـوب الـعـراق …

رحـلـة جـرتـرود بـيـل الأولى إلى الـعـراق عـام 1909

G. Bell, Baghdad

غـادرت الـمـس جـرتـرود بـيـل  Gertrude  Bell إنـكـلـتـرة في بـدايـة عـام 1909 لـلـقـيـام بـرحـلـة في بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن. ووصـلـت إلى هـيـت في 18 آذار، ثـمّ إلى كـربـلاء فـبـغـداد. ومـن بـغـداد صـعـدت إلى الـمـوصـل عـن طـريـق سـامـراء وتـكـريـت. ومـن الـمـوصـل إلى مـنـطـقـة سـنـجـار، فـزاخـو، فـديـار بـكـر وقـونـيـا. ودامـت جـولـتـهـا في الـعـراق خـمـسـة أشـهـر.

وقـد سـردت جـرتـرود بـيـل رحـلـتـهـا في كـتـاب عـنـونـتـه : “مـن مـراد إلى مـراد  Amurath to Amurath “. ونـشـرتـه في لـنـدن عـام 1911. ويـضـمّ الـكـتـاب 234  صـورة فـوتـوغـرافـيـة ورسـم تـوضـيـحي  …

 صـور قـديـمـة لـبـغـداد في كـتـاب حـبـيـب أفـنـدي شـيـحـة

حبيب شيحة

نـشـر الـسّـوري حـبـيـب شـيـحـة، في الـقـاهـرة عـام 1908، كـتـابـاً بـالـلـغـة الـفـرنـسـيـة عـن “ولايـة بـغـداد”، خـصـص قـسـمـه الأوّل لـتـاريـخ بـغـداد، والـثّـاني لـولايـة بـغـداد “الـحـالـيـة” أي في زمـنـه. ويـحـتـوي الـكـتـاب عـلى 12 صورة فـوتـوغـرافـيـة، واحـدة مـنـهـا عـن “مـقـهى قـرب بـغـداد”. ونـلاحـظ عـلى يـمـيـن هـذه الـصّـورة جـدار الـمـقـهى الـمـغـطى بـالـرّسـوم ، ونـمـيّـز بـطـل الـمـشـهـد، وهـو  رجـل مـلـتـحي يـمـسـك بـقـرن حـيـوان خـرافي (عـفـريـت) وعـلى يـمـيـنـه أسـد …

مـاسـيـنـيـون في ضـيـافـة الآلـوسـيـيـن

ختم ماسنيون

وصـل الـمـسـتـشـرق الـفـرنـسي لـويـس مـاسـيـنـيـون، الّـذي كـان في الـرّابـعـة والـعـشـريـن مـن عـمـره، إلى بـغـداد في 19 كـانـون الأوّل 1907، لـيـتـرأس بـعـثـة أبـحـاث أثـريـة فـرنـسـيـة كـان هـدفـهـا دراسـة مـواقـع الآثـار الإسـلامـيـة في بـغـداد ومـا حـولـهـا وتـسـجـيـل نـصـوص الـكـتـابـات الـمـنـقـوشـة عـلـيـهـا.

وقـد أقـام عـلاقـات ودّيـة مـع الآلـوسـيـيَـن : الـشّـيـخ مـحـمـود شـكـري وابـن عـمّـه الـحـاج عـلي عـلاء الـدّيـن بـن نـعـمـان. وقـد سـاعـده الآلـوسـيـان عـلى الـقـيـام بـمـهـمـاتـه، وكـان لـهـمـا الـفـضـل الأكـبـر في إكـمـالـه لـهـا  …

لـوحـة « بـابـل » لـلـفـنّـان كـوبـكـا

كوبكا، بابل

رسـم الـفـنّـان الـتّـشـيـكي الـشّـهـيـر فـرانـتـيـشـيـك كـوبـكـا في 1906 لـوحـة زيـتـيـة أسـمـاهـا : “بـابـل”، تـصـوّر مـديـنـة بـابـل الـقـديـمـة كـمـا تـخـيّـلـهـا في الـصّـبـاح، فـقـد بـدأت أشـعـة الـشّـمـس تـنـيـر الـجـنـائـن الـمـعـلـقـة عـلى الـضّـفـة الـمـقـابـلـة لـلـفـرات. ونـرى في مـقـدمـة الـلـوحـة مـجـمـوعـة مـن الـنّـاس أمـام مـدخـل الـجـسـر: سـائـسَي خـيـل يـجـرّ كـلّ مـنـهـمـا جـواديَـن مـسـرجـيـن عـلى ظـهـورهـمـا أقـمـشـة (أو جـلـود ؟) ثـريّـة الـنّـقـوش، وخـلـفـهـمـا رجـل يـجـرّ حـمـاراً. كـمـا نـرى رجـالاً يـنـتـظـرون مـتّـكـئـيـن عـلى حـافـة الـجـسـر بـجـانـب حـارس يـرفـع رمـحـه، ورجـالاً آخـريـن قـادمـيـن نـحـوه. ونـرى عـلى الـجـسـر رجـالاً يـحـمـلـون لـوحـاً مـن الـخـشـب يـضـعـونـه كـعـارضـة عـلى ركـائـز الـجـسـر في جـانـبـيـه، وخـلـفـهـم رجـال آخـرون يـحـمـلـون ألـواحـاً أخـرى. ولـكـن مـاذا يـعـني كـلّ هـذا ؟

مـن مـسـقـط إلى بـغـداد، جـولـة ضـابـط اسـتـخـبـارات بـريـطـاني عـام 1906

Malleson 22

قـام الـلـيـوتـنـات ــ كـولـونـيـل ولـفـريـد مـالـيـسـون ، الّـذي كـان ضـابـط اسـتـعـلامـات عـسـكـريـة في الـجـيـش الـبـريـطـاني في الـهـنـد الـبـريـطـانـيـة، في كـانـون الأوّل مـن عـام 1906 بـجـولـة جـمـع مـعـلـومـات عـن مـنـطـقـة الـخـلـيـج وجـنـوب الـعـراق. وكـتـب بـعـد انـتـهـاء جـولـتـه، ورجـوعـه إلى مـقـرّ عـمـلـه في الـهـنـد الـبـريـطـانـيـة، تـقـريـراً عـن الـمـهـمّـة الّـتي قـام بـهـا، تـحـت عـنـوان “يـومـيـات جـولـة في الـخـلـيـج الـفـارسي وبـلاد الـعـرب الـتّـركـيـة، كـانـون الأوّل 1906”. وألـحـق بـنـصّ تـقـريـره عـمـلـيـن طـبـاعـيـيـن، لـمـيـنـاء مـسـقـط ولـمـيـنـاء الـفـاو ، ثـمّ عـدّة ورقـات ألـصـق عـلـيـهـا 53 صـورة فـوتـوغـرافـيـة إلـتـقـط أغـلـبـهـا في الـبـصـرة وفي بـغـداد …

مـغـامـرات الـدّكـتـور بـانـكـس

الدكتور بانكس

نـقّـب الـدكـتـور إدغـار جـيـمـس بـانـكـس  في 1903/ 1904 في بـسـمـايـة (مـوقـع مـديـنـة أدب الـقـديـمـة). وفي 1909 عـيّـن أسـتـاذاً لـلـغـات الـشّـرقـيـة والآثـار في جـامـعـة تـولـيـدو في الأوهـايـو. وبـدأ يـسـافـر في كـلّ أنـحـاء الـولايـات الـمـتّـحـدة الأمـريـكـيـة يـلـقي فـيـهـا مـحـاضـرات مـثـيـرة يـمـزج فـيـهـا بـيـن نـتـائـج الـتّـنـقـيـبـات الأثـريـة والأسـاطـيـر الـتّـوراتـيـة والأنـاجـيـلـيـة الّـتي تـؤمـن بـهـا كـثـيـر مـن الأوسـاط الأمـريـكـيـة. وكـان يـغـتـنـم فـرص هـذه الـمـحـاضـرات لـيـعـرض ألـواحـاً مـسـمـاريـة (قـدّرت بـأكـثـر مـن 000،11 لـوح) كـان قـد اشــتـرى بـعـضـهـا مـن مـهـربي الآثـار في الـشّـرق، وجـلـب بـعـضـهـا مـن تـنـقـيـبـاتـه، ويـبـيـعـهـا إلى الـمـتـاحـف والـمـكـتـبـات والـجـامـعـات والـمـعـاهـد الـدّيـنـيـة …

صـور الـمـوصـل في ألـبـومـات الآبـاء الـدومـنـيـكـان

Dominicains 7

يـبـدو أنّ أحـد أصـحـاب الـقـديـس دومـيـنـيـك، مـؤسـس “الـجـمـاعـة الـدّيـنـيـة الـدّومـيـنـيـكـيـة”، وكـان اسـمـه غـلـيـوم دو مـونـفـيـرا قـد وصـل إلى بـغـداد عـام 1235، وتـوصّـل إلى الـدّخـول في بـلاط الـخـلـيـفـة الـمـسـتـنـصـر بـالله. وفي عـام 1290، وصـل الـمـبـشـر الـدّومـيـنـيـكي فـرا ريـكـولـدو بـيـنـيـني دا مـونـتي كـروتـشي  إلى الـمـوصـل ثـمّ إلى بـغـداد، واتّـصـل بـالـدّومـيـنـيـكـان الّـذيـن كـانـوا قـد اسـتـقـروا فـيـهـا. وقـد اسـتـطـاع الـدّخـول في الـمـدرسـتـيـن الـنّـظـامـيـة والـمـسـتـنـصـريـة والـدّراسـة فـيـهـمـا. وفي بـغـداد شـرع في تـرجـمـة الـقـرآن إلى الـلاتـيـنـيـة. وفي عـام 1535، وقّـع الـسّـلـطـان الـعـثـمـاني سـلـيـمـان الـقـانـوني مـع مـلـك فـرنـسـا فـرنـسـوا الأوّل مـعـاهـدة تـخـوّل لـفـرنـسـا، ضـمـن “الإمـتـيـازات” الّـتي مـنـحـتـهـا الـدّولـة الـعـثـمـانـيـة لـلـدّول الأوربـيـة، بـعـث إرسـالـيـات ديـنـيـة إلى أراضي الـدّولـة الـعـثـمـانـيـة لـمـمـارسـة نـشـاطـاتـهـا فـيـهـا، أي فـتـح مـراكـز تـبـشـيـريـة كـاثـولـيـكـيـة فـيـهـا. وبـدأت الإرسـالـيـة الـدّومـنـيـكـيـة في بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن والّـتي كـان مـركـزهـا الـمـوصـل نـشـاطـاتـهـا رسـمـيـاً عـام 1750 …

الـكـاتـبـة الـفـرنـسـيـة جـان كـيـفـيـر، زوجـة سـلـيـمـان بـك غـزالـة

غزالة 7

بـعـد أن أنـهى عـبـد الأحـد سـلـيـمـان غـزالـة دراسـة الـطّـبّ في بـاريـس، عـيّـن عـام 1887 طـبـيـب صـحّـة في ولايـة بـغـداد. وقـد غـادر بـغـداد بـعـد ذلـك إلى الاسـتـانـة، وشـرع في مـمـارسـة الـطّـب فـيـهـا، ثـمّ عـيّـن في سـيـنـاء والأنـاضـول وحـلـب. ويـبـدو أنّـه سـافـر إلى بـاريـس مـن جـديـد في تـلـك الـفـتـرة. لـيـخـتـصّ في طـبّ الـعـيـون، ونـال اخـتـصـاصـه عـام 1890. وعـيّـن عـام 1895 مـفـتـشـاً صـحـيّـاً في لـيـبـيـا. وفي عـام 1897، سـافـر عـبـد الأحـد سـلـيـمـان غـزالـة مـن جـديـد  إلى بـاريـس وتـزوّج بـفـرنـسـيـة اسـمـهـا جـان كـيـفـيـر Jeanne Kieffer، وعـاد بـهـا إلى الاسـتـانـة. وكـانـت جـان كـيـفـيـر قـد بـدأت نـشـاطـاً أدبـيـاً دام طـيـلـة حـيـاتـهـا نـشـرت خـلالـه أكـثـر مـن 35 كـتـابـاً مـنـهـا قـصـص وروايـات وشـعـر، ومـنـهـا كـتـب تـاريـخ، ومـنـهـا أحـداث شـهـدتـهـا وروتـهـا. وكـلّـهـا بـالـلـغـة الـفـرنـسـيـة. نـشـرتـهـا بـاسـمـهـا، أو باسـم مـسـتـعـار : غي دافـلـيـن  …

الـمـتـاجـرة بـالآثـار الـبـابـلـيـة في الـقـرن الـتّـاسـع عـشـر

بلمبتون 322

قـرر مـسـؤولـو الـمـتـحـف الـبـريـطـاني في لـنـدن عـام 1887 إرسـال والـيـس بـدج إلى الـعـراق لـلـتـحـقـيـق في أمـر سـرقـات الـقـطـع الأثـريـة، بـعـد أن اكـتـشـفـوا أنّ قـطـعـاً أثـريـة وألـواحـاً مـسـمـاريـة سـرقـت مـن الـمـواقـع الّـتي كـان الـمـتـحـف الـبـريـطـاني يـنـقـب فـيـهـا وخـاصـة في بـابـل، وكـان بـعـضهـا يـبـاع في لـنـدن، عـلى بـعـد خـطـوات مـن الـمـتـحـف ! ووجـد والـيـس بـدج أن سـرقـات الـقـطـع الأثـريـة والـمـتـاجـرة بـهـا بـلـغـت حـدّاً لا يـتـصـوّره الـعـقـل …

رسـوم أرثـر مـيـلـفـيـل لـبـغـداد في الـقـرن الـتّـاسـع عـشر

melville IV

وصـل الـرّسّـام الاسـكـتـلـنـدي أرثـر مـيـلـفـيـل إلى بـغـداد عـام 1882 وبـقي فـيـهـا شـهـراً رسـم خـلالـه لـوحـة بـالألـوان الـمـائـيـة كـلّ يـوم تـقـريـبـاً عـن مـعـالـم الـمـديـنـة الـمـعـمـاريـة ومـشـاهـد الـحـيـاة الـيـومـيـة فـيـهـا وعـن نـاسـهـا. ومـازالـت بـعـض هـذه الـرّسـوم في الـمـتـاحـف أو في مـجـمـوعـات خـاصـة …

رحـلـة ديـولافـوا إلى الـعـراق

ج. ديولافوا 8

سـافـرت الـفـرنـسـيـة ديـولافـوا مـع زوجـهـا في الـعـراق لـمـدّة أقـلّ مـن شـهـريـن. وصـلا إلى شـطّ الـعـرب في 21 تـشـريـن الـثّـاني 1881، وبـقـيـا في الـبـصـرة حـوالي أسـبـوعـيـن، ثـمّ صـعـدا إلى بـغـداد، وذهـبـا لـزيـارة بـابـل وأكـمـلا طـريـقـهـمـا إلى كـربـلاء. ونـزلا عـن طـريـق الـعـمـارة، ومـرّا بـأطـراف الأهـوار قـبـل أن يـسـتـمـرّا عـائـديـن إلى بـلاد فـارس … ونـشـرت ديـولافـوا عـام 1887 سـرد الـرحّـلـة في كـتـاب : “بـلاد فـارس وبـلاد الـكـلـدان وبـلاد شـوش”، الّـذي يـحـتـوي عـلى 336 عـمـلاً طـبـاعـيـاً نـفّـذت عـن صـور الـتـقـطـتـهـا الـمـؤلّـفـة. وهي أعـمـال شـديـدة الـدّقـة، رائـعـة الـجـمـال …

أربـع عـشـرة طـلـقـة في مـسـدس جـان !

أربع عشرة طلقة ...

سـافـرت الـفـرنـسـيـة ديـولافـوا  مـع زوجـهـا في الـعـراق مـن أواخـر عـام 1881 إلى بـدايـة عـام 1882. وهي تـذكـر أنّـهـمـا في إحـدى سـفـراتـهـمـا أنـزلا أمـتـعـتـهـمـا عـلى ضـفـة الـنّـهـر وبـقـيـت تـحـرسـهـا لـوحـدهـا : ”عـنـدمـا جـاء ثـمـانـيـة مـن الأعـراب الـرُّحّـل عـلى الـضّـفـة الـخـالـيـة … “.

آثـار الـعـراق الـقـديـم في « قـسـم الآثـار الـشّـرقـيـة » في مـتـحـف الـلـوفـر

القاعة الآشورية في اللوفر (800x614)

إحـتـفـل “قـسـم الآثـار الـشّـرقـيـة” في مـتـحـف الـلـوفـر في بـاريـس عـام 2021 بـمـرور 140 عـامـاً عـلى إنـشـائـه. وافـتُـتِـح بـهـذه الـمـنـاسـبـة مـعـرض صـغـيـر يـمـكـن لـلـزّائـر لـه أن يـتـعـرّف فـيـه عـلى مـراحـل تـنـظـيـم مـجـمـوعـة الآثـار الـشّـرقـيـة في الـمـتـحـف مـن عـام 1881 وإلى عـام 2021. ويـقـتـرح الـمـعـرض أن يـريـنـا بـعـض مـا في خـزائـنـه مـن مـنـسـوخـات ورسـوم أصـلـيـة نـفّـذت في مـواقـع الـتّـنـقـيـبـات لـلـقـطـع الأثـريـة الّـتي تـركـت في أمـاكـنـهـا أو الّـتي أرسـلـت إلى الـمـتـحـف، ونـمـاذج لـسـجـلّات جـرد الـقـطـع الأثـريـة ولـلـدّراسـات الّـتي نـشـرهـا الـمـتـحـف و”كـاتـلـوجـات” الـمـعـرض الّـتي نـظّـمـهـا والـمـلـصـقـات الّـتي صـاحـبـتـهـا …

كـيـف خـرج الـسّـومـريـون مـن غـيـاهـب الـنّـسـيـان

كيف خرج السومريون من النسيان

بـعـد أن أزاح الـفـرنـسي بـول إمـيـل بـوتـا الـتّـراب عـن آثـار الآشـوريـيـن عـام 1843 في خـورسـبـاد، قـرب نـيـنـوى، خـرج تـاريـخ بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن في الألـف الأوّل قـبـل الـمـيـلاد مـن غـيـاهـب ظـلام الـنّـسـيـان، واكـتـشـف الـعـالـم مـذهـولاً جـزءاً مـن تـاريـخ الـبـشـريـة غـاب عـن ذاكـرتـهـا مـدّة أكـثـر مـن 2500 سـنـة. ثـمّ اكـتـشـف الـعـالـم تـاريـخ بـلاد مـا بـيـن دجـلـة والـفـرات في الألـف الـثّـاني قـبـل الـمـيـلاد بـتـنـقـيـبـات بـابـل. وقـد وسّـعـت تـنـقـيـبـات الـفـرنـسي إرنـسـت دو سَـرزيـك في بـلاد سـومـر (بـدأت عـام 1877) مـعـارفـنـا عـن تـاريـخ بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن عـنـدمـا أوصـلـنـا إلى الألـف الـثّـالـث قـبـل الـمـيـلاد الّـذي كـان الـعـالـم يـجـهـلـه جـهـلاً تـامّـاً قـبـلـهـا. وبـهـذا اكـتـشـف حـضـارة لـم يـكـن أحـد يـتـذكّـرهـا مـنـذ آلاف الـسّـنـيـن : الـحـضـارة الـسّـومـريـة. وقـد تـوصـل الـعـلـمـاء بـعـد ذلـك إلى مـعـرفـة الـلـغـة الـسّـومـريـة، وصـدرت لـهـا كـتـب قـواعـد قـبـل أن تـصـبـح دراسـتـهـا ودراسـة الـحـضـارة الـسّـومـريـة فـرعـاً مـن “عـلـم الآشـوريـات” يـسـمى بـ”عـلـم الـسّـومـريـات”. واغـتـنـت الـبـشـريـة بـاسـتـرجـاع أولى فـتـراتـهـا الـتّـاريـخـيـة الّـتي شـهـدت اخـتـراع الـكـتـابـة، والّـتي أدخـلـتـهـا في الـحـضـارة …

رسـوم وأعـمـال طـبـاعـيـة عـن الـعـراق في سـرد رحـلـة ولـيـام بـيـري فـوغ

عربستان

وصـل الأمـريـكي ولـيـام بـيـري فـوغ  عـلى مـتـن سـفـيـنـة بـخـاريـة إلى الـبـصـرة عـن طـريـق الـمـحـمـرة عـام 1874. ثـمّ صـعـد إلى بـغـداد وإلى الـمـوصـل لـيـزور نـيـنـوى  ويـتـأمّـل آثـارهـا. وقـام بـرحـلـة إلى مـوقـع مـديـنـة بـابـل الـقـديـمـة، ومـرّ بـكـربـلاء ووصـف مـعـالـمـهـا. ونـشر سرد رحـلـتـه إلى الـشـرق عـام 1875 في لـنـدن تـحـت عـنـوان : ”عـربـسـتـان أو “بـلاد ألـف لـيـلـة ولـيـلـة” وهي رحـلات عـبـر مـصـر وجـزيـرة الـعـرب وبـلاد الـفـرس نـحـو بـغـداد”. ويـحـتـوي الـكـتـاب عـلى مـجـمـوعـة رائـعـة مـن الأعـمـال الـطّـبـاعـيـة عـن الـعـراق …

حـليّ الـلـيـدي لَـيـارد

الليدي ليارد

عـنـدمـا تـلـقّى الـسّـيـر أوسـتـن هـنـري لَـيـارد عـام 1873 دعـوة لـحـضـور حـفـلـة عـشـاء، تـرأسـتـهـا الـمـلـكـة فـيـكـتـوريـا بـنـفـسـهـا، ذهـب إلـيـهـا مـع زوجـتـه الـشّـابـة إنـيـد، الّـتي كـانـت قـد أصـبـحـت مـنـذ أربـع سـنـوات : لـيـدي لَـيـارد. ووضـعـت الـلـيـدي إنـيـد أجـمـل حـلـيّـهـا : قـلادة حـول عـنـقـهـا وسـواراً حـول مـعـصـمـهـا الأيـمـن وقـرطـيـن تـدلـيـا مـن أذنـيـهـا.

وبـعـد أن دخـلـت الـلـيـدي الـشّـابـة في الـقـاعـة الـواسـعـة الـمـكـتـظـة بـنـبـلاء الإمـبـراطـوريـة الـبـريـطـانـيـة بـصـحـبـة زوجـهـا الـمـهـيـب، تـحـلّـق حـولـهـا الـكـثـيـرون، وخـاصّـة مـن الـنّـسـاء، يـتـأمّـلـون حـلـيّـهـا الّـتي لـم يـكـونـوا قـد رأوا مـثـلـهـا مـن قـبـل.

ويـمـكـنـنـا أن نـفـهـم عـجـبـهـم وإعـجـابـهـم، فـقـد كـانـت الـحـلي مـجـمـوعـة أخـتـام اسـطـوانـيـة مـن الأحـجـار الـكـريـمـة ركّـبـت عـلى ذهـب. وكـان زوجـهـا الـسّـيـر لَـيـارد قـد وجـدهـا في تـنـقـيـبـاتـه في بـلاد آشـور وبـابـل في زمـن شـبـابـه !

وعـليّ أن أحـكي لـكـم الآن كـيـف وصـلـت أخـتـامـنـا الأسـطـوانـيـة هـذه إلى قـلـب الإمـبـراطـوريـة الـبـريـطـانـيـة ذلـك الـمـسـاء، ولـمـاذا أثـارت كـلّ هـذا الإعـجـاب …

كـيـف اكـتـشـف جـورج سـمـيـث بـعـض ألـواح مـلـحـمـة جـلـجـامـش

جلجامش 8

وجـد الإنـكـلـيـزي جـورج سـمـيـث عـام 1872، في لـوح مـسـمـاري انـكـسـر بـعـضـه، (كـان قـد عـثـر عـلـيـه في بـقـايـا مـكـتـبـة آشـوربـانـيـبـال في نـيـنـوى) مـقـطـعـاً مـهـمـاً يـحـكي قـصّـة طـوفـان. وقـد ذكـر بـعـد ذلـك أنّـه حـالـمـا فـهـم مـحـتـوى الـلـوح الـفـخـاري الّـذي كـان يـقـرأه نـهـض مـن كـرسـيـه في مـكـتـبـه مـنـتـفـضـاً وانـطـلـق نـحـو الـقـاعـة في حـالـة انـفـعـال شـديـد وبـدأ يـخـلـع مـلابـسـه أمـام نـظـرات الـحـاضـريـن الـمـذهـولـة. وكـان الـمـقـطـع يـحـكي جـزءاً مـن الـقّـصـة الّـتي رواهـا أوتـا نـفـسـتـيـم لـجـلـجـامـش عـن الـطّـوفـان الّـذي أرسـلـتـه الآلـهـة لـعـقـاب الـبـشـر، وكـيـف اسـتـثـنـوه هـو، أوتـا نـفـسـتـيـم مـن بـيـن كـلّ الـبـشـر، وطـلـبـوا مـنـه أن يـصـنـع سـفـيـنـة أركـب عـلـيـهـا أهـلـه وأخـذ مـعـه مـن كـلّ حـيـوان اثـنـيـن. ثـمّ كـيـف أطـلـق، بـعـد أن انـتـهى الـطّـوفـان، حـمـامـة لـتـجـد الـيـابـسـة وتـحـطّ عـلـيـهـا. وأدرك سـمـيـث مـن قـراءة الـلـوح الـمـكـسـور أنّـه وجـد أصـل حـكـايـة الـطّـوفـان الّـتي نـقـلـهـا كُـتّـاب الـتّـوراة بـعـد ذلـك. وأنّ أوتـا نـفـسـتـيـم هـو الّـذي غـيّـروا اسـمـه إلى نـوح …

لـوحـة «سـوق الـزّواج الـبـابـلي» لإدويـن لـونـغ

سوق الزواج البابلي

رسـم الـفـنّـان الإنـكـلـيـزي إدويـن لـونـغ عـام 1872 لـوحـة أسـمـاهـا : سـوق الـزّواج الـبـابـلي. وقـد وجـد إدويـن لـونـغ مـوضـوع لـوحـتـه في كـتـاب الـمـؤرّخ الـيـونـاني هـيـرودوت الّـذي زار بـابـل في الـقـرن الـخـامـس قـبـل الـمـيـلاد، أي بـعـد أن سـقـطـت الـدّولـة الـبـابـلـيـة الـمـتـأخّـرة وعـاصـمـتـهـا بـأيـدي الـفـرس الإخـمـيـنـيـيـن …

دفـاتـر عـائـلـة زفـوبـودا الـبـغـداديـة

Alex. J. Svoboda 10

بـدأت عـائـلـة زفـوبـودا الـبـغـداديـة بـوصـول الـتّـاجـر الـمـجـري أنـطـون زفـوبـودا إلى بـغـداد في بـدايـة الـقـرن الـتّـاسـع عـشـر واسـتـقـراره فـيـهـا. وقـد تـزوّج أنـطـون عـام 1825 بـبـغـداديـة مـسـيـحـيـة مـن عـائـلـة أرمـنـيـة، أنـجـبـت لـه أحـد عـشـر ولـداً وبـنـتـاً.  وقـد بـدأ ابـنـه جـوزيـف مـاتـيـا في1861ـ 1862 بـكـتـابـة دفـاتـر يـومـيـات، واسـتـمـر في كـتـابـتـهـا إلى 1908. وقـد سـجّـل فـيـهـا حـيـاتـه الـيّـومـيـة وحـيـاة أقـربـائـه، وكـلّ سـفـراتـه عـلى سـفـن بـيـت لـنـج الـبـخـاريـة الّـتي كـان يـعـمـل عـلـيـهـا كـمـا سـجّـل الأحـداث الّـتي جـرت في تـلـك الـفـتـرة. وقـد كـتـبـهـا كـلّـهـا بـالـلـغـة الإنـكـلـيـزيـة  … كـمـا كـتـب إسـكـنـدر ريـشـارد، إبـن جـوزيـف مـاتـيـا، دفـاتـر يـومـيـات مـدّة سـنـوات طـويـلـة  …

لـوحـة « سـمـيـرامـيـس تـشـيّـد مـديـنـة بـابـل » لإدغـار دُغـا

Dega 3

بـدأ الـفـنـان الـفـرنـسي الـشّـهـيـر إدغـار دُغـا عـام 1860 بـرسـم لـوحـة أسـمـاهـا “سـمـيـرامـيـس تـشـيّـد مـديـنـة بـابـل”، ولـكـنّـه تـركـهـا عـام 1862 مـن غـيـر أن تـكـتـمـل. ونـرى فـيـهـا الـمـلـكـة الأسـطـوريـة سـمـيـرامـيـس عـلى شـرفـة تـتـأمّـل مـديـنـة بـابـل الّـتي شُـرع في تـشـيـيـدهـا في الـجـانـب الـمـقـابـل مـن الـفـرات، تـصـاحـبـهـا نـسـاء بـلاطـهـا وخـلـفـهـنّ جـواد يـجـرّ عـربـة الـمـلـكـة الّـتي لا نـرى مـنـهـا إلّا مـقـدمـتـهـا. وقـد رسـم الـحـصـان والـعـربـة الـمـلـكـيـة الّـتي يـجـرّهـا تـمـامـاً مـثـلـمـا رآهـا في مـنـحـوتـات قـصـر سـرجـون الـثّـاني الّـتي كـان بـول إمـيـل بـوتـا، قـنـصـل فـرنـسـا في الـمـوصـل، قـد عـثـر عـلـيـهـا في تـنـقـيـبـاتـه وبـعـثـهـا إلى مـتـحـف الـلـوفـر.

رسـوم فـلـيـكـس تـومـا ولـوحـاتـه لآثـار بـابـل ونـيـنـوى

felix-thomas-3

شـارك فـلـيـكـس تـومـا  كـمـعـمـاري ورسّـام في حـمـلـة الـتّـنـقـيـبـات في بـابـل الّـتي قـامـت بـهـا “الـبـعـثـة الـفـرنـسـيـة الـعـلـمـيـة إلى بـلاد مـا بـيـن الـنـهـريـن” عـام 1852. كـمـا شـارك أيـضـاً كـمـعـمـاري ورسّـام عـام 1853 في الـتّـنـقـيـبـات الّـتي كـان يـقـوم بـهـا قـنـصـل فـرنـسـا في الـمـوصـل، فـكـتـور بـلاس، في دور شَـروكـيـن، عـاصـمـة الـمـلـك الآشـوري سـرجـون الـثّـاني.

ولا شـكّ في أنّ أشـهـر لـوحـاتـه هي : “بـاشـا الـمـوصـل يـزور تـنـقـيـبـات خـورسـبـاد، نـيـنـوى الـقــديـمـة” الّـتي عـرضهـا في بـاريـس في صـالـون 1863، ودخـلـت في مـجـمـوعـات مـتـحـف الـلـوفـر في بـاريـس …

بـدايـة اسـتـعـمـال الـتّـصـويـر الـفـوتـوغـرافي في الـتّـنـقـيـبـات الأثـريـة

ترانشان 1

وصل الـفـرنـسي فـكـتـور بـلاس إلى الـمـوصـل عـام 1852 لـيـقـوم بـحـمـلـة تـنـقـيـبـات ثـانـيـة في قـصـر الـمـلـك الآشـوري سـرجـون الـثّـاني (دور شَـروكـيـن) في خـورسـبـاد، قـرب الـمـوصـل. (وكـان بـول إمـيـل بـوتـا قـد قـام بـالـحـمـلـة الأولى في عـامَي  1843ــ 1844). وصـاحـبـه الـمـهـنـدس الـفـرنـسي  جـبـرائـيـل تـرانـشـان الّـذي الـتـقـط مـجـمـوعـات مـن الـصّـور يـظـهـر فـيـهـا الـعـمـال والـمـشـرفـون عـلى الـتّـنـقـيـبـات في كـلّ مـرحـلـة مـن مـراحـل عـمـلـهـم الـمـتـتـابـعـة. وتـحـتـفـظ الأرشـيـفـات الـوطـنـيـة الـفـرنـسـيـة بـ 51  صـورة فـوتـوغـرافـيـة بـالأبـيـض والأسـود الـتـقـطـهـا تـرانـشـان …

مـرور الـنّـمـسـاويـة إيـدا فـايـفِـر بـالـعـراق عـام 1848

Pfiefer

قـامـت الـنّـمـسـاويـة إيـدا لـورا فـايـفـر بـخـمـس رحـلات بـدأتـهـا في سـنّ الـخـامـسـة والأربـعـيـن، واسـتـغـرقـت سـتّـة عـشـر عـامـاً. وأكـمـلـت خـلالـهـا دورتـيـن حـول الـعـالـم. وكـانـت تـسـافـر وحـدهـا وبـإمـكـانـيـات مـالـيـة مـحـدودة. وتـعـود مـن كـلّ رحـلـة بـنـبـاتـات وحـشـرات وفـراشـات تـهـديـهـا لـمـتـحـف الـتّـاريـخ الـطّـبـيـعي في فـيـيـنـا، ومـازالـت في مـجـمـوعـاتـه. كـمـا نـشـرت سـرد رحـلاتـهـا في كـتـب مـنـذ الـرّحـلـة الأولى عـام 1842 إلى الـرّحـلـة الـخـامـسـة عـام 1858. وقـد وصـلـت إلى الـبـصـرة عـام 1848 قـادمـة مـن الـهـنـد، وزارت الـمـدائـن وبـغـداد وبـابـل، وصـعـدت مـع قـافـلـة إلى الـمـوصـل عـن طـريـق دلّي عـبّـاس وكـفـري وكـركـوك وألـتـون كـوبـري وأربـيـل. ثـمّ أكـمـلـت طـريـقـهـا إلى راونـدوز وإلى بـلاد فـارس، وصـعـدت نـحـو تـركـيـا …

لـوحـات أوجـيـن فـلانـدان ورسـومـه في رحـلـتـه الأولى إلى الـعـراق

فلاندان الرحلة الأولى

شـارك الـرّسّـام الـفـرنـسي أوجـيـن فـلانـدان في سـفـارة بـعـثـهـا مـلـك فـرنـسـا إلى بـلاد الـفـرس لـتـوثـيـق عـلاقـات سـيـاسـيـة واقـتـصـاديـة مـع مـحـمّـد شـاه قـجـر، ولـلـتـعـرف عـلى الـبـلـد ومـا يـجـاوره، ودراسـة الـمـواقـع الأثـريـة والـمـعـالـم الـحـديـثـة في الـمـنـطـقـة. وبـعـد انـتـهـاء الـمـهـمـة أكـمـل فـلانـدان بـصـحـبـة  الـمـعـمـاري وعـالـم الآثـار بـاسـكـال كـوسـت دراسـتـهـمـا لـلـمـعـالـم الأثـريـة في رحـلـة دامـت عـامـيـن مـرّا بـهـا بـيـن مـا مـرّا بـأصـفـهـان و شـيـراز وتـبـريـز وبـغـداد الّـتي وصـلاهـا في تـمّـوز عـام 1841، وزارا الـمـدائـن وبـابـل، ثـمّ الـمـوصـل وحـلـب وإسـطـنـبـول، ثـمّ عـادا إلى بـاريـس. ونـجـد في الـكـتـاب الّـذي نـشـراه عـن الـرّحـلـة عـدداً مـن الـرّسـوم الـرّائـعـة الـجـمـال عـن الـعـراق  …

رسـوم الـفـنّـان أوجـيـن فـلانـدان لـلآثـار الآشـوريـة

botta1849bd1

أزاح الـفـرنـسي بـول إمـيـل بـوتـا عـام 1843، الـتّـراب عـن جـزء كـبـيـر مـن قـصـر الـمـلـك الآشـوري سـرجـون الـثّـاني (الّـذي حـكـم مـن 722 إلى 705 قـبـل الـمـيـلاد)، والـمـسـمى بـ “دور شَـروكـيـن” أي حـصـن سـرجـون، في خـورسـبـاد، قـرب الـمـوصـل، بـعـد أن غـابـت نـيـنـوى والـدّولـة الآشـوريـة في غـيـاهـب الـنّـسـيـان مـنـذ سـقـوطـهـا عـام 612 قـبـل الـمـيـلاد  …  ووجـد بـوتـا آثـارهـا بـعـد أكـثـر مـن 2500 سـنـة ! ووصـل الـرّسّـام أوجـيـن فـلانـدان مـن بـاريـس إلى الـمـوصـل في 1844 لـيـرسـم الـقـطـع الأثـريـة والـمـنـحـوتـات الـجـداريـة الّـتي عـثـر عـلـيـهـا بـوتـا …

رسـوم فـردريـك تـشـارلـز كـوبـر عـن الـعـراق

كلك كوبر

قـام الـبـريـطـاني أوسـتـن هـنـري لَـيـارد بـحـفـريـات في عـاصـمـتـيـن مـن عـواصـم الـدّولـة الآشـوريـة : نـمـرود (مـوقـع مـديـنـة كـلـح الـقـديـمـة)، وتـلّ قـويـنـجـق (في مـوقـع مـديـنـة نـيـنـوي الـقـديـمـة) بـيـن 1845 و 1851. وقـد أرسـلـت لـه مـجـمـوعـة أمـنـاء الـمـتـحـف الـبـريـطـاني إبـتـداءً مـن عـام 1849 عـدداً مـن الـرّسّـامـيـن لـيـسـاعـدوه في مـهـمـتـه. وكـان مـن بـيـنـهـم فـردريـك تـشـارلـز كـوبـر  الّـذي سـاعـد لَـيـارد في حـمـلـة تـنـقـيـبـاتـه الأثـريـة الـثّـانـيـة في 1849ــ1850 في نـمـرود ونـيـنـوى وفي مـواقـع أخـرى . ولـم يـكـتـفِ كـوبـر بـرسـم الـمـنـحـوتـات الـقـلـيـلـة الـبـروز والـقـطـع الأخـرى الّـتي أزيـح عـنـهـا الـتّـراب بـل رسـم تـخـطـيـطـات بـأقـلام مـتـنـوّعـة ورسـوم بـالألـوان الـمـائـيـة لـمـشـاهـد مـن مـواقـع الـتّـنـقـيـبـات، ولـلـنّـاس في الـمـنـاطـق الـتّي زارهـا …

هـرمـز رسّـام والـتّـنـقـيـبـات الأثـريـة

هرمز رسّام

بـدأ الـبـريـطـاني أوسـتـن هـنـري لَـيـارد عـام 1845 حـفـريـات في نـمـرود (مـوقـع مـديـنـة كـلـح الـقـديـمـة)، جـنـوب الـمـوصـل. وبـعـد أن اتـسـعـت تـنـقـيـبـاتـه احـتـاج لـمـن يـسـاعـده في الإشـراف عـلـيـهـا فـاخـتـار لـذلـك هـرمـز رسّـام، شـقـيـق كـرسـتـيـان رسّـام نـائـب قـنـصـل بـريـطـانـيـا في الـمـوصـل. واسـتـمـرّ هـرمـز رسّـام في مـعـاونـة لَـيـارد في حـفـريـاتـه في قـلـعـة الـشّـرقـاط عـام 1847، ثـمّ في حـمـلـتـه الـثّـانـيـة عـام 1849. ثـمّ عـهـد الـمـتـحـف الـبـريـطـاني إلى هـرمـز رسّـام بـالإشـراف عـلى حـفـريـات أخـرى …

رحـلـة هـنـري سـتـيـرن إلى الـعـراق

ستيرن

إنـضـمّ الألـمـاني هـنـري سـتـيـرن إلى الـجـمـعـيـة الـلـنـدنـيـة لـنـشـر الـدّيـن الـمـسـيـحي بـيـن الـيـهـود. وهـكـذا أصـبـح : الـمـوقّـر هـنـري سـتـيـرن. وقـد أرسـلـتـه الـجـمـعـيـة إلى الـقـدس عـام 1844، ومـنـهـا سـافـر إلى الـعـراق عـام 1846، ثـمّ في عـام 1848. وفي أواخـر عـام 1849 عـاد إلى لـنـدن الّـتي بـقي فـيـهـا فـتـرة قـصـيـرة، ثـمّ غـادرهـا مـن جـديـد إلى بـغـداد في حـزيـران 1850. وبـقي في بـغـداد ثـلاث سـنـوات، مـن 1850 إلى 1853. وهـو مـا يـتـكـلّـم عـنـه في كـتـاب نـشـره في لـنـدن عـام 1854 …

بـيـت لـنـج

بيت لنج

تـشـارك ثـلاثـة مـن الإخـوة لِـنـتـش (لـنـج) : سـتـيـفـن وهـنـري بـلـوس وتـومـاس كـيـر في لـنـدن عـام 1841 في إنـشـاء شـركـة “لِـنـتـش إخـوان الـمـحـدودة  Lynch Brothers’ Limited” الّـتي سـجّـلـت في هـذه الـمـديـنـة. وقـد أنـشئ لـهـا فـرع في الـبـصـرة أسـمـوه Lynch Brothers & Co.، وفـرع في بـغـداد أسـمـوه  Stephen Lynch Company Ltd. وكـانـت الـشّـركـة تـسـتـورد الـبـضائـع مـن إنـكـلـتـرة إلى الـبـصـرة عـن طـريـق الـبـحـر، ثـمّ تـنـقـلـهـا إلى بـغـداد عـبـر دجـلـة.  ثـمّ أنـشـأ سـتـيـفـن لِـنـتـش عـام 1858، مـؤسـسـة مـصـرفـيـة في لـنـدن وبـغـداد. وفي عـام 1860 سـمـح الـبـاب الـعـالي لـشّـركـة Lynch Brothers بـنـقـل الـمـسـافـريـن والـبـضـائـع عـلى الـنّـهـريـن : دجـلـة والـفـرات. وسـجّـلـت الـشّـركـة في سـجـلّ الـتّـجـارة في إنـكـلـتـرة في 1861، وأصـبـح اسـمـهـا The Euphrates and Tigris Steam Navigation Company …

الـفـنّـان الـبـريـطـاني الـشّـهـيـر ولـيـام تـرنـر يـرسـم بـابـل والمـوصـل

Turner Ninive 2

 طـلـبـت دار نـشـر لـنـدنـيـة مـن الـفـنّـان الإنـكـلـيـزي الـشّـهـيـر ولـيـام تـرنـر  J. M. William Turner عـام 1832 أن يـرسـم سـتّـة وعـشـريـن مـشـهـداً تـصـور أحـداث أسـفـار (جـمـع سِـفـر، أي كـتـاب) مـن الـتّـوراة والإنـجـيـل، والأمـاكـن الّـتي دارت فـيـهـا، ومـن بـيـنـهـا بـابـل ونـيـنـوى، لـتـسـتـعـمـل في حـفـر ألـواح مـعـدنـيـة تـطـبـع بـالـحـبـر عـلى الـورق في الـكـتـاب. ولأنّـه لـم يـكـن قـد سـافـر إلى الـشّـرق أبـداً، ولـم يـرَ الأمـاكـن الّـتي طـلـبـوا مـنـه أن يـرسـمـهـا، فـقـد بـحـث عـن تـخـطـيـطـات لـهـا وعـن أعـمـال طـبـاعـيـة في الـكـتـب الـمـطـبـوعـة الّـتي نـشـرهـا قـبـل ذلـك أوربـيـون عـن رحـلاتـهـم إلى الـشّـرق، ونـفّـذ رسـومـه اعـتـمـاداً عـلـيـهـا …

يـومـيـات بـغـداد سـنـة 1831

بغداد 1831

وصـل الـمـبـشـر الإنـكـلـيـزي أنـطـوني نـوريـس غـروفـس إلى بـغـداد عـام 1829. وكـان في بـغـداد طـيـلـة سـنـة 1831 الـرّهـيـبـة بـالـمـصـائـب الّـتي حـلّـت بـأهـلـهـا (وبـاء الـطّـاعـون وفـيـضـان دجـلـة والإضـطـرابـات الـسّـيـاسـيـة) والّـتي مـحـقـت أغـلـبـهـم. وقـد كـتـب الـمـبـشّـر غـروفـس يـومـيـات مـفـصّـلـة يـمـكـنـنـا أن نـتـابـع مـن قـراءتـهـا مـا حـدث في تـلـك الـسّـنـة يـومـاً بـعـد يـوم تـقـريـبـاً. وتـأتي أهـمـيـة هـذه الـيـومـيـات مـن أنّـهـا نـصّ تـاريـخي بـالـمـعـنى الـدّقـيـق لـلـكـلـمـة، أي أنّـهـا شـهـادة شـاهـد عـيـان سـجّـل مـا عـاشـه ومـا رآه ومـا سـمـعـه بـنـفـسـه  …

نـزول تـشـسـني مـن عـانـة إلى الـقـرنـة عـبـر نـهـر الـفـرات عـام 1831

Chesney Kalak

فـكّـر الـكـابـتـن الـبـريـطـاني فـرنـسـيـس راودن تـشـسـني بـفـتـح طـريـق مـن بـريـطـانـيـا إلى الـهـنـد مـروراً بـنـهـر الـفـرات. وكـانـت الـحـكـومـة الـبـريـطـانـيـة وشـركـة الـهـنـد الـشّـرقـيـة تـحـاولان إيـجـاد طـريـق لـنـقـل الـمـسـافـريـن والـبـضـائـع مـبـاشـرة نـحـو الـهـنـد الـبـريـطـانـيـة، وتـحـاشي الـدّوران حـول أفـريـقـيـا والـمـرور بـرأس الـرّجـاء الـصّـالـح.

وقـرر تـشـسـني أن يـتـأكّـد مـن صـلاحـيـة مـشـروعـه بـامـتـحـان إمـكـانـيـات الـمـلاحـة في نـهـر الـفـرات بـنـفـسـه. وغـادر دمـشـق مـع قـافـلـة عـبـر الـبـاديـة إلى عـانـة. وانـطـلـق مـن عـانـة مـع مـصـاحـبـيـه في 2  كـانـون الـثّـاني 1831 نـازلـيـن نـهـر الـفـرات عـلى كـلـك ثـمّ عـلى مـركـب مـحـلّي ثـمّ عـلى سـفـيـنـة انـكـلـيـزيـة صـغـيـرة، إلى أن وصـلـوا إلى الـقـرنـة  …

خـيـول ريـج « الـبـغـداديـة »

ريـتـش خيول بغداد (2)

كـان كـلـوديـوس جـيـمـس ريـتـش، الّـذي يـكـتـب الـبـغـداديـون اسـمـه : ريـج، مـنـدوبـاً لـشـركـة الـهـنـد الـبـريـطـانـيـة مـقـيـمـاً في بـغـداد في بـدايـة الـقـرن الـتّـاسـع عـشـر. وقـد اقـتـنى مـجـمـوعـات مـن الـمـخـطـوطـات والـمـسـكـوكـات والـقـطـع الأثـريـة، كـمـا اهـتـمّ بـآثـار بـابـل ونـيـنـوى الّـتي نـشـر عـنـهـا عـدّة دراسـات … وكـان يـمـتـلـك أيـضـاً خـيـولاً عـربـيـة أصـيـلـة وضـعـهـا في اصـطـبـلات الـمـقـيـمـيـة في بـغـداد.

وكـان ريـج رسـامـاً مـاهـراً، فـهـو الّـذي خـطـط مـثـلاً مـا وضـعـه في دراسـاتـه مـن رسـوم تـوضـيـحـيـة. وقـد نـفـذّ لـخـيـولـه رسـومـاً بـالألـوان، حـفـرهـا حـفّـار نـمـسـاوي وحـولّـهـا إلى أعـمـال طـبـاعـيـة لـوّنـهـا بـالـيـد، ونـشـرهـا في مـحـفـظـة (بـورتـفـولـيـو) مـن الـورق الـمـقـوّى، في فـيـيـنـا، الـنّـمـسـا عـام 1815 …

أسـد بـابـل

Andrae 8

نـجـد أوّل ذكـر لأسـد ضـخـم الـحـجـم نـحـت في صـخـر الـغـرانـيـت وعـثـر عـلـيـه في مـوقـع مـديـنـة بـابـل الـقـديـمـة في مـقـال نـشـره الـفـرنـسي جـوزيـف دو بـوشـام عـام 1790 في جـريـدة الـعـلـمـاء في بـاريـس. وكـان بـعـض أهـل الـحـلّـة قـد ذكـروا لـه أنـهـم كـانـوا قـد وجـدوا صـنـمـاً مـدفـونـاً في بـاطـن الأرض. وبـعـد أن أخـذوه إلى الـمـكـان وحـفـروه لـه مـيّـز في أعـمـاق الـحـفـرة تـمـثـال أسـد … وسـجّـل الـبـريـطـاني كـلـوديـوس جـيـمـس ريـتـش عـام 1817 في سـرد رحـلـتـه الـثّـانـيـة أنّـه اكـتـرى عـدداً مـن الـرّجـال حـفـروا يـومـاً كـامـلاً وأزاحـوا الـتّـراب عـن : “أسـد هـائـل الـحـجـم عـلى قـاعـدة، مـنـحـوت في نـوع سئ مـن الـغـرانـيـت الـرّمـادي بـصـنـعـة رديـئـة. وكـانـت في فـمـه فـتـحـة دائـريـة يـمـكـن لـلـمـرء أن يـدخـل فـيـهـا قـبـضـتـه” …

رحـلـة عـالـم طـبـيـعـيـات مـن زمـن الـثّـورة الـفـرنـسـيـة إلى الـعـراق

أولفيييه

بـعـد انـدلاع الـثّـورة الـفـرنـسـيـة في 1789، اخـتـارت حـكـومـة الـجـمـهـوريـة الـجـديـدة في 1792، عـالـم الـطّـبـيـعـيـات غـلـيـوم أنـطـوان أولـيـفـيـيـه، مـبـعـوثـاً إلى الـدّولـة الـعـثـمانـيـة بـصـحـبـة عـالـم طـبـيـعـيـات آخـر : جـان غـلـيـوم بـروغـيـيـر. وقـد وصـلا إلى بـغـداد في 26 نـيـسـان 1796، وأقـامـا فـيـهـا إلى 18 أيّـار. وزارا مـنـاطـق أخـرى مـن الـعـراق. ونـجـد في الـكـتـاب الّـذي نـشـره أولـيـفـيـه عـام 1802 عـن رحـلـتـه مـعـلـومـات لا تـعـدّ ولا تـحـصى عـن الـعـراق في ذلـك الـزّمـن …

رسـوم فـرنـسـوا روسـيـه لـبـغـداد والـمـوصـل

Rosser Mosquée de Bagdad

مـن أقـدم رسـوم الأوربـيـيـن الّـتي وصـلـتـنـا عـن بـغـداد والـمـوصـل رسـوم الـفـرنـسي فـرنـسـوا ــ مـاري روسـيـه الّـذي وصـل إلى بـغـداد عـام 1782 مـع جـوزيـف دو بـوشـام. ورغـم أن مـرور الـزّمـن لـم يـبـقِ لـنـا مـن رسـومـه إلّا أربـع لـوحـات بـالألـوان الـمـائـيـة (1) والـحـبـر عـن بـغـداد والـمـوصـل، فـهي مـع ذلـك تـسـتـحـق أن نـتـأمّـلـهـا وأن نـتـفـحّـص تـفـاصـيـلـهـا …

الـبـغـداديـون في الـقـرن الـثّـامـن عـشـر كـمـا رآهـم الـفـرنـسي بـوشـام

بوشام

يـعـرف أغـلـبـنـا أهـمّـيـة الـفـرنـسي جـوزيـف دو بـوشـام في إحـيـاء تـاريـخـنـا الـقـديـم، فـقـد تـوصّـل إلى تـحـديـد الـمـوقـع الـصّـحـيـح لـمـديـنـة بـابـل الـعـريـقـة في الـقـدم. وقـد وصـل إلى بـغـداد عـام 1782 وأقـام فـيـهـا إلى عـام 1789.

وقـد وجـدت في مـلاحـظـاتـه عـن بـغـداد والـبـغـداديـيـن خـلال إقـامـتـه الـطّـويـلـة في الـعـراق مـا يـسـتـحـق أن أتـقـاسـمـه مـعـكـم …

نـبـاتـات عـراقـيـة في حـدائـق مـاري أنـطـوانـيـت

حدائق ماري أنطوانيت 2

أُرسـل عـالـم الـنّـبـاتـات الـفـرنـسي أنـدريـه مـيـشـو عـام 1782، إلى الـشّـرق لـلـحـصـول عـلى أنـواع نـادرة مـن الـنّـبـاتـات، وجـلـبـهـا إلى فـرنـسـا لـتـزرع في الـحـدائـق الـمـلـكـيـة، وخـاصّـة في حـدائـق مـاري أنـطـوانـيـت، زوجـة الـمـلـك لـويـس الـسّـادس عـشـر. وكـانـت الـحـدائـق الـخـاصّـة بـمـاري أنـطـوانـيـت في جـانـب مـن حـدائـق قـصـر فـرسـاي الـشّـاسـعـة.

ومـرّ عـالـم الـنّـبـاتـات أنـدريـه مـيـشـو بـبـغـداد، وأقـام فـيـهـا أكـثـر مـن ثـلاثـة أشـهـر، ثـمّ نـزل نـحـو الـبـصـرة فـبـلاد فـارس (كـمـا كـان الأوربـيـون يـسـمـون إيـران في ذلـك الـحـيـن). ووصـل إلى بـحـر قـزويـن. ثـمّ مـرّ بـبـغـداد مـن جـديـد عـام 1784، في طـريـق عـودتـه مـن بـحـر قـزويـن إلى أوربـا، وأقـام فـيـهـا حـوالي ثـلاثـة أشـهـر ونـصـف. وزرعـت الـنّـبـاتـات الّـتي جـمـعـهـا في الـشّـرق، وخـاصّـة في الـعـراق في حـدائـق الـمـلـكـة …

« حـصـاة مـيـشـو » الـمـسـمـاريـة

Caillou Michaux

أُرسـل عـالـم الـنّـبـاتـات الـفـرنـسي أنـديـه مـيـشـو إلى الـشّـرق عـام 1782، لـلـحـصـول عـلى أنـواع نـادرة مـن الـنّـبـاتـات وجـلـبـهـا إلى فـرنـسـا لـتـزرع في الـحـدائـق الـمـلـكـيـة. ومـرّ بـبـغـداد في طـريـقـه نـحـو بـحـر قـزويـن، وأقـام فـيـهـا ثـلاثـة أشـهـر. ثـمّ مـرّ بـهـا مـن جـديـد عـام 1784، في طـريـق عـودتـه إلى أوربـا، وأقـام فـيـهـا حـوالي ثـلاثـة أشـهـر ونـصـف.

وخـلال تـفـحّـصـه لـقـنـوات الـرّي الّـتي أثـارت اهـتـمـامـه والّـتي تـتـبّـعـهـا حـول بـغـداد، وجـد قـطـعـة مـن صـخـر الـدّيـوريـت الأسـود، بـيـضـويـة الـشّـكـل، مـسـتـديـرة الأطـراف، عـلـيـهـا نـصّ كـامـل بـالـكـتـابـة الـمـسـمـاريـة، عـاد بـهـا مـيـشـو إلى فـرنـسـا، وأسـمـيـت بـ “حـصـاة مـيـشـو” …

رحـلـة عـبـد الـكـريـم خـوجـة الـكـشـمـيـري إلى الـعـراق

borgm_00620

دخـل عـبـد الـكـريـم بـن أكـيـبـات بـن مـحـمـد بـلاكي الـكـشـمـيـري في خـدمـة طـهـمـاسـب قـولي خـان الّـذي اسـتـولى عـلى الـحـكـم في بـلاد فـارس تـحـت اسـم نـادر شـاه، خـلال حـمـلـة حـربـيـة قـام بـهـا نـادر شـاه في الـهـنـد. وصـاحـبـه عـبـد الـكـريـم في طـريـق عـودتـه إلى بـلاد فـارس في 1739 م. وحـصـل مـن الـشّـاه عـلى إذن بـمـصـاحـبـة رئـيـس أطـبـائـه إلى مـكّـة.  وقـد مـرّ عـبـد الـكـريـم خـوجـة وأصـحـابـه في طـريـقـهـم إلى مـكّـة بـقـزويـن ثـمّ بـبـغـداد. وزاروا كـربـلاء والـنّـجـف والـكـوفـة قـبـل أن يـعـودوا إلى بـغـداد لـيـكـمـلـوا مـسـيـرهـم إلى مـكّـة والـمـديـنـة عـن طـريـق حـلـب ودمـشـق …

جـان أوتّـيـر في الـعـراق

جان أوتير

وصـل الـسّـويـدي جـان أوتّـيـر، “مـبـعـوث” مـلـك فـرنـسـا، لـويـس الـرّابـع عـشـر إلى الـشّـرق، إلى الـبـصـرة في 19 حـزيـران 1739. وبـقي فـيـهـا حـوالي أربـع سـنـوات، أولاً بـدون لـقـب رسـمي ثـمّ كـقـنـصـل لـفـرنـسـا ووكـيـل لـشـركـة بـلاد الـهـنـد. وقـد غـادرهـا في أيّـار 1743 …

رحـلات الـفـرنـسي تـافـرنـيـيـه الـسّـتّ إلى الـشّـرق في الـقـرن الـسّابـع عـشـر

tavernier

قـام الـتّـاجـر الـفـرنـسي جـان بـاتـسـت تـافـرنـيـيـه بـسـتّ رحـلات إلى الـشّـرق مـن عـام 1631 إلى عـام  1668. وقـد مـرّ بـالـعـراق في ثـلاث مـن هـذه الـرّحـلات. مـرّ بـبـغـداد مـروراً سـريـعـاً في رحـلـتـه الأولى. ومـرّ بـالـمـوصـل في رحـلـتـه الـثّـالـثـة. ونـزل دجـلـة عـلى كـلـك مـن الـمـوصـل إلى بـغـداد، ثـمّ أكـمـل طـريـقـه إلى الـبـصـرة في رحـلـتـه الـرّابـعـة. وهـو يـسـرد مـا حـدث لـه في رحـلاتـه الـسّـتّ في كـتـاب صـدر في بـاريـس عـام  1676 …

كـتـاب تـأبـيـن الـبـغـداديـة سـتّ مـعـاني زوجـة ديـلّا فـالـيـه

معاني 2

وصـل شـاب إيـطـالي في الـثّـلاثـيـن مـن عـمـره، اسـمـه بـيـيـتـرو ديـلّا فـالـيـه إلى بـغـداد في شـهـر تـشـريـن الأوّل مـن عـام 1616. وفي كـانـون الأوّل، تـزوّج بـبـغـداديـة اسـمـهـا مـعـاني الـجـويـري. وبـعـد أن زار بــيـيـتـرو بـابـل، سـافـر إلى بـلاد الـفـرس والـهـنـد مـصـطـحـبـاً مـعـه زوجـتـه الّـتي تـوفـيـت خـلال الـسّـفـرة. وعـاد بـيـيـتـرو بـجـثـمـان زوجـتـه الـمـحـنّـط الّـذي وضـع في صـنـدوق مـصـفّـح بـالـرّصـاص إلى إيـطـالـيـا، لـيـدفـنـهـا في رومـا عـام 1626. وأقـيـم لـهـا حـفـل تـأبـيـن في بـدايـة عـام 1627. وقـد نُـشـر بـهـذه الـمـنـاسـبـة كـتـاب بـالـلـغـة الإيـطـالـيـة، بـمـائـة وخـمـسـيـن صـفـحـة، عـنـوانـه : “حـفـل تـأبـيـن الـسّـيّـدة سـتّي مـعـاني الـجـويـري ديـلّا فـالـيـه الّـذي أقـيـم في رومـا عـام 1627″ …

قـصـر الأخـيـضـر

Ukhaidir

مـن أكـثـر الأمـور غـرابـة أنّ نـجـد أوّل إشـارة إلى قـصـر الأخـيـضـر، بـاسـمـه الّـذي نـعـرفـه لـه في أيّـامـنـا هـذه، في سـرد الإيـطـالي بـيـيـتـرو ديـلّا فـالـيـه لـرحـلـتـه إلى الـعـراق عـنـدمـا مـرّ بـه في 29 حـزيـران  1625. ولا نـدري بـأيّ اسـم ذكـر الـمـؤرخـون الـعـرب هـذا الـبـنـاء الـضـخـم الّـذي بـهـر كـلّ مـن رآه، ولا كـيـف أشـيـر إلـيـه في “مـعـاجـم الـبـلـدان” أو في كـتـب “الـمـسـالـك” الّـتي تـتـبـعـت كـلّ طـرق الـدّولـة الـعـبـاسـيـة وفـصّـلـت في وصـف حـتّى أصـغـر الـقـرى الّـتي لـم تـكـن لـهـا أدنى أهـمـيـة … ومـاذا نـعـرف حـقّـاً عـن هـذا الـحـصـن أو الـقـصـر ؟

وصـول أوائـل الـتّـجّـار الإنـكـلـيـز إلى الـعـراق في الـقـرن الـسّـادس عـشـر

ralph-fitch-1550-16111

تـرك سـتّـة مـن الـتّـجّـار الإنـكـلـيـز لـنـدن في شـبـاط 1583 مـتّـجـهـيـن نـحـو الـشّـرق. وصـاحـبـهـم رسّـام. ويـبـدو أنّ الـتّـاجـر الأكـثـر أهـمـيـة بـيـنـهـم كـان جـون نـيـوبـري فـقـد عـهـدت إلـيـه الـمـلـكـة إلـيـزابـيـث الأولى بـرئـاسـتـهـم وبـمـهـمـة حـمـل رسـالـتـهـا إلى الإمـبـراطـور الـمـغـولي جـلال الـدّيـن مـحـمّـد أكـبـر شـاه، ورسـالـتـهـا إلى مـلـك الـصّـيـن. ووصـلـت سـفـيـنـتـهـم إلى طـرابـلـس الـشّـرق. ومـنـهـا ذهـبـوا إلى حـلـب ثـمّ الـبـيـرا عـلى الـفـرات. وهـناك وجـدوا مـركـبـاً أنـزلـهـم إلى الـفـلـوجـة بـأسـبـوع واحـد. واكـتـروا في الـفـلّـوجـة مـا يـقـارب الـمـائـة حـمـار لـيـحـمـلـوا عـلـيـهـا مـا جـلـبـوه مـن سـلـع، وتـوجـهـوا نـحـو بـغـداد الّـتي كـانـوا يـسـمـونـهـا مـثـل كـلّ مـعـاصـريـهـم : “بـابـل الـجـديـدة”. وقـد زاروا في طـريـقـهـم عـقـرقـوف (الّـتي ظـنّـوهـا بـابـل) وزقـورتـهـا الّـتي اعـتـبـروهـا “بـرج بـابـل” … ثـمّ نـزلـوا إلى الـبـصـرة وأكـمـل بـعـضـهـم طـريـقـهـم عـبـر الـخـلـيـج …

كـيـف حـوّلـنـا الألـمـاني راوفـولـف إلى هـولـنـدي

Rauwolff 4

كـان الـطّـبـيـب الألـمـاني وعـالـم الـنّـبـاتـات لـيـونـهـارت راوفـولـف  واحـداً مـن قـلائـل الـمـسـافـريـن الأوربـيـيـن الّـذيـن مـرّوا بـالـعـراق في الـقـرن الـسّـادس عـشـر. وقـد كـتـب سـرداً لـرحـلـتـه بـالـلـغـة الألـمـانـيـة نـشـره عـام 1582.

ومـع أنّـه كـان ألـمـانـيـاً ولـد في مـديـنـة أوغـسـبـورغ في مـنـطـقـة الـسّـواب في غـرب ألـمـانـيـا، وإلـيـهـا عـاد بـعـد رحـلـتـه، إلّا أنّ أغـلـب الـمـنـشـورات الـعـربـيـة الّـتي وجـدتـهـا عـنـه (والّـتي تـجـهـل لـفـظ اسـمـه الألـمـاني الـصّـحـيـح : راوفـولـف، وتـكـتـبـه حـسـب الـلـفـظ الإنـكـلـيـزي : راوولـف) ذكـرت ومـا زالـت تـذكـر أنّـه هـولـنـدي. فـمـن أيـن جـاء هـذا الـخـلـط ؟

رحـلـة يـوهـانـس شِــلـتـبـيـرجـر إلى الـعـراق في بـدايـة الـقـرن الـخـامـس عـشـر

شلتبيرجر

قـصّـة الألـمـاني يـوهـانـس شِــلـتـبـيـرجـر واحـدة مـن أعـجـب الـقـصـص، فـقـد ألـقـت بـه الأقـدار، مـن نـهـايـة الـقـرن الـرّابـع عـشـر إلى بـدايـة الـقـرن الـخـامـس عـشـر، مـن أسـر إلى أسـر ومـن بـلـد إلى بـلـد حـتّى وصـل إلى بـغـداد، الّـتي يـسـمـيـهـا “بـابـل الـجـديـدة “ بـيـن 1402 و 1405. ورغـم أنّـه لـم يـتـرك لـنـا عـنّـهـا إلّا نـصّـاً قـصـيـراً فـهـو مـع ذلـك شـديـد الأهـمـيـة …

الـعـراق في رحـلـة ابـن بـطـوطـة

إبن بطوطة 4

تـرك ابـن بـطّـوطـة مـديـنـتـه طـنـجـة، في الـمـغـرب، مـتـوجّـهـاً إلى مـكّـة لـلـحـج، ثـمّ زار الـعـراق في 1326. وبـعـد أن وصـل مـع الـركـب إلى الـنّـجـف سـافـر إلى الـبـصـرة، ثـمّ مـرّ بـالأهـوار قـبـل أن يـصـل إلى واسـط. ومـنـهـا ذهـب إلى الـكـوفـة فـالـحـلّـة فـبـغـداد. وصـعـد إلى الـمـوصـل وديـار بـكـر. ولا يـجـد قـارئ رحـلـة ابـن بـطّـوطـة في مـا دونـه عـن هـذه الـسّـفـرة مـا يـسـتـحـق الـذّكـر، فـهـو قـد نـقـل خـاصـة مـا كـتـبـه ابـن جُـبـيـر قـبـلـه بـعـد أن غـيّـر بـعـض جـمـلـه، ولـم يـضـف عـلـيـه إلّا الـقـلـيـل …

الـعـراقـيـون كـمـا رآهـم الأنـدلـسي ابـن جُـبـيـر

الإدريسي

تـرك ابـن جُـبـيـر مـديـنـة قـرطـبـة في الأنـدلـس عـام 1183 لـيـحـج إلى مـكّـة. ووصـل في عـام 1184، في خـلافـة الـمـسـتـضئ بـأمـر الله، مـن الـمـديـنـة إلى الـكـوفـة، ثـمّ مـرّ بـالـحـلّـة في طـريـقـه إلى بـغـداد. ومـع أنّ مـدّة إقـامـتـه في بـغـداد لـم تـتـجـاوز ثـلاثـة عـشـر يـومـاً فـقـد خـصـص مـقـطـعـاً طـويـلاً مـن كـتـابـه في وصـف الـبـغـداديـيـن، وأطـلـق عـلـيـهـم أحـكـامـاً قـاطـعـة رغـم قـلّـة مـعـرفـتـه لـهـم واخـتـلاطـه بـهـم …

مـقـتـل آخـر خـلـفـاء بـغـداد كـمـا رواه أوربـيـان

مقتل آخر الخلفاء

ذكـر الـتّـاجـر الـبـنـدقي مـاركـو بـولـو في سـرده لـرحـلـتـه إلى الـصّـيـن والـمـعـروف بـ “كـتـاب الـعـجـائـب” قـصـة إجـاعـة هـولاكـو لـلـخـلـيـفـة الـمـسـتـعـصـم بـالله بـعـد أن طـلـب مـنـه أن يـأكـل ذهـبـه، وجـعـل الـخـلـيـفـة يـمـوت جـوعـاً. ونـجـد نـفـس هـذه الـحـكـايـة عـن مـوت آخـر خـلـفـاء الـعـبـاسـيـيـن في نـصّ كـتـبـه الـمـبـشـر الـدّومـنـيـكي فـرا ريـكـولـدو الّـذي زار الـمـوصـل وبـغـداد وأقـام فـيـهـمـا في أواخـر الـقـرن الـثّـالـث عـشـر الـمـيـلادي… ولـكـن مـن أيـن جـاءت هـذه الـحـكـايـة ؟ …

«هـرون الـرّشـيـد يـسـتـقـبـل مـبـعـوثي شـارلـمـان» لـوحـة لـيـولـيـوس كـوكـيـرت

هرون 3 (6)

رسـم الألـمـاني يـولـيـوس كـوكـيـرت في 1864 لـوحـة أسـمـاهـا : “هـرون الـرشّـيـد يـسـتـقـبـل مـبـعـوثي شـارل الأكـبـر في بـغـداد عـام 786 م.” لـيـصـوّر الـسّـفـارة الّـتي أرسـلـهـا الإمـبـراطـور شـارلـمـان إلى بـلاط الـخـلـيـفـة في بـغـداد، والّـتي قـرأ وصـفـهـا في “سـيـرة شـارل الأكـبـر” الّـتي كـتـبـهـا إجـيـنـهـار، مـؤرّخ شـارلـمـان. ولـكـنّ الـرّسّـام أخـطـأ في تـأريـخ الـحـدث فـقـد وضـع في عـنـوان الـلـوحـة سـنـة 786، مـع أنـنـا نـفـهـم مـن نـصّ إجـيـنـهـار أنّ الـسّـفـيـريـن بـعـثـا إلى بـغـداد في 797 …

«مـبـعـوثـو الـخـلـيـفـة هـرون الـرّشـيـد»، لـوحـة لـلـفـنّـان يـوردايـنـس

هرون الرشيد

رسـم الـفـنّـان الـفـلامـنـكي يـعـقـوب يـوردايـنـس عـام 1663 لـوحـة عـنـوانـهـا : “مـبـعـوثـو الـخـلـيـفـة هـرون الـرّشـيـد يـجـلـبـون هـدايـا لـشـارلـمـان”. ونـرى فـيـهـا الإمـبـراطـور شـارلـمـان واقـفـاً مـرتـديـاً الـفـراء الـمـرقّـط، ويـظـلـلـه عـبـد بـمـظـلـة واسـعـة وحـولـه نـسـاء بـلاطـه ورجـالـه، وفي يـده صـولـجـان يـشـيـر بـه إلى ثـلاثـة مـن مـبـعـوثي الـخـلـيـفـة الّـذيـن يـقـدّمـون لـه الـهـدايـا الّـتي بـعـثـهـا لـه هـرون الـرّشـيـد، ويـحـمـلـهـا خـدمـهـم الـعـراة الـصّـدور : آنـيـة وسـاعـة وبـيـضـة نـعـامـة ! كـمـا نـرى الـفـيـل الّـذي أتـوا بـه لـشـارلـمـان. ويـحـتـلّ الـطّـرف الأيـسـر مـن الـلـوحـة الـرّاهـبـان الـلـذان صـاحـبـا مـبـعـوثي الـخـلـيـفـة …

تـبـادل الـسّـفـراء بـيـن هـرون الـرّشـيـد وشـارلـمـان

نـصـب شـارلـمـان، مـلـك دولـة الإفـرنـج، نـفـسـه في 800 م. إمـبـراطـوراً عـلى مـا أسـمـاه بـالإمـبـراطـوريـة الـرّومـانـيـة الـمـقـدّسـة. وتـروي الـحـولـيـات الـمـلـكـيـة الإفـرنـجـيـة أنّ شـارلـمـان كـان قـد بـعـث عـام 797 م. بـسـفـارة إلى بـلاط الـخـلـيـفـة هـرون الـرّشـيـد في بـغـداد. وبـعـث لـه الـخـلـيـفـة بـسـفـارة حـمـلـت لـه هـدايـا مـن ضـمـنـهـا سـاعـة مـائـيـة وفـيـل …

الـمـدائـن وطـاق كـسـرى

طاق كسرى ستيرن

عـنـدمـا وصـل جـيـش سـعـد بـن الـوقّـاص عـام 637 م. إلى ضـفـاف دجـلـة، قـرب مـديـنـة سـلـمـان بـاك الـحـالـيـة، وجـد في هـذا الـمـوضـع عـدّة مـدن كـان بـعـضـهـا مـا زال قـائـمـاً وأكـثـرهـا حـلّ بـهـا الـخـراب. وقـد أسـمـاهـا الـعـرب بـعـد فـتـحـهـا بـ “الـمـدائـن”. ويـذكـر الـمـؤرخـون أنّـهـا كـانـت خـمـس (أو سـبـع) مـدن مـلـكـيـة، شـيّـدت في فـتـرات تـاريـخـيـة مـخـتـلـفـة ولـكـن الـواحـدة قـرب الأخـرى. وكـانـت أقـدم هـذه الـمـدن “سـلـوقـيـة دجـلـة” الّـتي شـيّـدهـا سـلـوقـوس عـام 311 قـبـل الـمـيـلاد، و”طـيـسـفـون” الّـتي أسـسـهـا  مـلـوك الـفـارثـيـيـن الأشـكـانـيـيـن عـلى ضـفـة نـهـر دجـلـة الـشّـرقـيـة، أي مـقـابـل مـديـنـة سـلـوقـيـة دجـلـة، لـيـسـكـنـهـا مـلـوكـهـم في فـصـل الـشّـتـاء. والّـتي نـجـد أوّل ذكـر لـهـا في عـام 221 قـبـل الـمـيـلاد  …

عـنـدمـا كـانـت حـدود الإمـبـراطـوريـة الـرّومـانـيـة تـصـل إلى دجـلـة

septime sever

قـام الـرّومـان عـام 92 قـبـل الـمـيـلاد، أي تـحـت حـكـم الإمـبـراطـور أوغـسـطـس، بـأوّل مـحـاولـة لـعـبـور الـفـرات، ولـكـنّـهـا فـشـلـت. وفي بـدايـة عـام  116 بـعـد الـمـيـلاد، دخـل الإمـبـراطـور  الـرّومـاني تـريـانـوس في “سـلـوقـيـة دجـلـة” واحـتـلّ “طـيـسـفـون”. ثـمّ  اسـتـمـرّ  في مـسـيـرتـه نـحـو الـجـنـوب، وتـوقّـف في بـابـل لـيـزور الـقـصـر الّـذي مـات فـيـه الإسـكـنـدر الـمـقـدوني.  وفي عـام 198 وصـل الإمـبـراطـور الـرّومـاني سـبـتـمـيـوس سـيـفـروس أمـام طـيـسـفـون وفـتـحـهـا. وأنـشـا ”ولايـة مـا بـيـن الـنّـهـريـن” الـرّومـانـيـة …

الإسـكـنـدر الـمـقـدوني يـمـوت في بـابـل

الإسكندر

تـرك الإسـكـنـدر مـقـدونـيـا، في شـمـال الـيـونـان، عـام 334 قـبـل الـمـيـلاد مـتـوجّـهـاً نـحـو آسـيـا. وبـعـد أن فـتـح مـدن الـفـنـيـقـيـيـن ثـمّ مـصـر، أكـمـل طـريـقـه نـحـو الـشّـرق وعـبـر الـفـرات، ثـمّ دجـلـة، وهـزم داريـا الـثّـالـث، آخـر الـمـلـوك الـفـرس الأخـمـيـنـيـيـن، قـرب أربـيـل. ونـزل بـعـد ذلـك إلى بـابـل، الّـتي أقـام فـيـهـا شـهـراً قـبـل أن يـكـمـل مـسـيـره نـحـو أقـصى الـشّـرق. وبـعـد عـودتـه مـن الـشّـرق تـوقّـف مـن جـديـد في بـابـل عـام 323 ق. م.. وفـيـهـا أصـابـتـه حـمى لـم تـفـارقـه إلى أن مـات … ولـم يـكـن قـد بـلـغ الـثّـالـثـة والـثّـلاثـيـن مـن عـمـره  …

عـنـدمـا كـانـت سـلـوقـيـة دجـلـة إحـدى عـواصـم الـثّـقـافـة الـهـلـنـسـتـيـة

سلوقية تل عمر

بـعـد مـوت الإسـكـنـدر الـمـقـدوني في بـابـل سـنـة 324 قـبـل الـمـيـلاد، إشـتـدّت الـصّـراعـات بـيـن قـوّاده. وتـقـاسـم الـمـنـتـصـرون مـنـهـم الأراضي الّـتي كـان قـد اسـتـولى عـلـيـهـا الإسـكـنـدر … واسـتـقـلّ سـلـوقـوس بـالـجـزء الـشّـرقي مـن الإمـبـراطـوريـة، والّـذي كـان يـمـتـدّ مـن سـوريـا وبـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن وبـلاد فـارس إلى الـهـنـد. وفي عـام 311  قـبـل الـمـيـلاد، بـدأ سـلـوقـوس بـتـأسـيـس مـديـنـة جـديـدة لـه عـلى نـهـر دجـلـة، مـقـابـل مـديـنـة طـيـسـفـون. وأصـبـحـت سـلـوقـيـة دجـلـة واحـدة مـن أهـمّ عـواصـم الـثّـقـافـة الـهـلـنـسـتـيـة …

بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن في تـاريـخ هـيـرودوت

هيرودوت

يـعـتـبـر الـيـونـاني هـيـرودوت الّـذي عـاش في الـقـرن الـخـامـس قـبـل الـمـيـلاد “أبـا الـتّـاريـخ”، ويـعـتـبـر كـتـابـه أقـدم كـتـاب في الـتّـاريـخ، ألّـفـه بـعـد أن سـافـر في أنـحـاء واسـعـة مـن الـعـالـم الـمـعـروف في زمـانـه لـيـعـرّف مـعـاصـريـه مـن الإغـريـق عـلى مـا يـجـرى حـولـهـم. وهـو يـذكـر أنّـه زار بـابـل ومـنـاطـق أخـرى مـن بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن بـيـن مـا زار مـن بـلاد، أي بـعـد أقـلّ مـن قـرن عـلى سـقـوط بـابـل تـحـت ضـربـات جـيـش الـمـلـك الـفـارسي الإخـمـيـني كـورش (الأكـبـر) في 539 قـبـل الـمـيـلاد. وهـو يـخـصـص مـقـاطـع طـويـلـة مـن الـكـتـاب الأوّل لـلـكـلام عـن بـلاد بـابـل وعـادات أهـلـهـا وتـقـالـيـدهـم، وعـن ثـورة الـبـابـلـيـيـن عـلى الإحـتـلال الـفـارسي …

كـنـوز الـمـتـحـف الـعـراقي

لشبونة

نـظّـمـت مـديـريـة الآثـار الـعـامـة عـام 1964 مـعـرضـاً ضـمّ أعـدداً كـبـيـرة مـن الـقـطـع الأثـريـة الـمـحـفـوظـة في الـمـتـحـف الـعـراقي في بـغـداد لـيـقـام في عـدد مـن الـمـدن الأوربـيـة. وقـد أقـيـم الـمـعـرض في مـديـنـة كـولـونـيـا  Köln، ألـمـانـيـا، وفي مـديـنـة تـوريـنـو  Torino، إيـطـالـيـا، وفي لـشـبـونـة، الـبـرتـغـال، وبـقي شـهـريـن في مـتـحـف الـلـوفـر في بـاريـس. ونـشـر دلـيـل لـلـمـعـرض الـلـوفـري بـ 130 صـفـحـة احـتـوى عـلى عـدد كـبـيـر مـن الـصّـور الـفـوتـوغـرافـيـة بـالأبـيـض والأسـود …

قـطـع أثـريـة مـن الـعـراق الـقـديـم في جـنـوب فـرنـسـا

أبو سوان 001

كـان الـلـبـنـاني كـمـيـل أبـو صـوّان يـمـتـلـك مـجـمـوعـة كـبـيـرة مـن الـمـقـتـنـيـات تـحـتـوي عـلى قـطـع أثـريـة مـن الـشّـرق الأدنى (وخـاصـة مـن سـوريـا ولـبـنـان والـعـراق) تـعـود إلى فـتـرات تـتـراوح تـاريـخـيـاً بـيـن الألـف الـرّابـع قـبـل الـمـيـلاد وزمـن الـحـروب الـصّـلـيـبـيـة (الـقـرنـيـن الـثّـاني عـشـر والـثّـالـث عـشـر بـعـد الـمـيـلاد). وقـد قـرر كـمـيـل أبـو صـوّان في أواخـر سـنـوات حـيـاتـه، أن يـهـدي مـجـمـوعـة مـقـتـنـيـاتـه الأثـريـة هـذه إلى مـتـحـف أجـن في جـنـوب فـرنـسـا …

قـفـف دجـلـة وأكـلاكـهـا

عُـثـر عـلى مـنـحـوتـة جـداريـة في قـصـر الـمـلـك الآشـوري سـنـحـاريـب (حـكـم مـن 705 إلى 681 قـبـل الـمـيـلاد) تـمـثّـل قـفّـة واسـعـة الإسـتـدارة عـالـيـة الـحـواف يـسـيّـرهـا رجـلان جـلـسـا في طـرفـيـن مـنـهـا بـمـجـذافـيـن في نـهـر (فـقـد أظـهـر الـنّـحـات ضـفـتـيـه). وفي جـانـبي الـقـفّـة رجـلان يـصـيـدان الـسّـمـك إمـتـطى كـلّ واحـد مـنـهـمـا قـربـة مـنـفـوخـة. ونـجـد أقـدم وصـف لـلـقـفّـة في كـتـاب الـمـؤرخ الـيـونـاني هـيـرودوت الّـذي زار بـابـل في الـقـرن الـخـامـس قـبـل الـمـيـلاد، بـعـد حـوالي خـمـسـيـن سـنـة مـن سـقـوطـهـا …

نـقـيّـة، الـمـتـحـكّـمـة بـالـمـلـوك

نقية زكوةُ وابنها عسرحدون

نـجـد في تـاريـخ بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن الـقـديـم ذكـراً لـعـدّة نـسـاء شـاركـن في تـسـيـيـر أمـور الـدّولـة أو تـسـلـطـن عـلـيـهـا، فـقـد ذكـرت “الـقـائـمـة الـمـلـكـيـة” الـسّـومـريـة أنّ الـمـلـكـة كـو بـابـا ارتـقـت عـرش دويـلـة مـديـنـة كـيـش في فـتـرة حـكـم سـلالـة كـيـش الـثّـالـثـة (مـن 2500 إلى 2330 قـبـل الـمـيـلاد).

وفي الـقـرن الـتّـاسـع قـبـل الـمـيـلاد نـصـبـت مـسـلّـة لـتـكـريـم الـمـلـكـة سـمـورَمـات، زوجـة شـمـشي أداد الـخـامـس، الّـتي حـوّر الـكـتّـاب الإغـريـق اسـمـهـا إلى سـمـيـرامـيـس وحـاكـوا حـولـهـا كـثـيـراً مـن الأسـاطـيـر. وقـد سـانـدت ابـنـهـا أداد نـيـنـاري الـثّـالـث عـنـدمـا ارتـقى الـعـرش سـنـة 810 قـبـل الـمـيـلاد بـعـد وفـاة أبـيـه، وأدارت لـه أمـور الـدّولـة مـدّة أربـع سـنـوات إلى أن أدرك سـنّ الـبـلـوغ واسـتـقـلّ بـالـحـكـم بـنـفـسـه.

وبـعـد قـرن مـن ذلـك تـزوّج سـنـحـاريـب عـنـدمـا كـان ولي الـعـهـد، في زمـن حـكـم أبـيـه، بـنـقـيـة / زكـوة، الّـتي أصـبـحـت، بـعـد أن ارتقى سـنـحـاريـت عـرش مـمـلـكـة آشـور، “مـلـكـة” و”سـيّـدة الـقـصـر”. واسـتـطـاعـت نـقـيّـة / زكـوةُ أن تـفـرض إرادتـهـا عـلى زوجـهـا الـمـلـك، فـعـيّـن الإبـن الّـذي أنـجـبـتـه لـه : “عـسـر حـدّون” ولي عـهـد لـه رغـم صـغـر سـنّـه، وقـدّمـه عـلى أخـوتـه الآخـريـن الأحـقّ مـنـه بـولايـة الـعـهـد. وبـعـد أن أصـبـح ابـنـهـا عـسـر حـدون مـلـكـاً، اسـتـمـرّ  يـسـتـشـيـرهـا في تـسـيـيـر أمـور الـدّولـة. وقـد صـوّرهـا مـعـه عـلى مـنـحـوتـة بـرونـزيـة، وهـو مـا لـم يـفـعـلـه مـلـك قـبـلـه.

كـمـا أجـبـرت ابـنـهـا الـمـلـك عـسـر حـدون عـلى تـعـيـيـن حـفـيـدهـا الـمـحـبـوب آشـور بـانـيـبـال ولـيـاً لـعـهـده رغـم صـغـر سـنـه، فـنـحّى ابـنـه الـكـبـيـر شـمـش شـوم أوكـيـن لـيـعـيّـن ابـنـه الـصّـغـيـر آشـوربـانـيـبـال بـدلاً عـنـه …

سـردنـبـال، أو كـيـف شُـوّهـت صـورة آشـوربـانـيـبـال لـمـدة قـرون طـويـلـة

سردنبال

روى الـكـتّـاب الـيـونـانـيـون حـكـايـات مـشـوهـة عـن الـمـلـك الآشـوري آشـوربـانـيـبـال نـقـلـوهـا، كـمـا يـبـدو، عـن الـفـرس، بـعـد أن حـوّروا اسـمـه إلى سـردنـبـال  Sardanapalus. وقـد أخـذهـا عـنـهـم الـكـتّـاب الـرّومـان. واسـتـمـرت هـذه الـحـكـايـات تـنـشـر في أوربـا في الـقـرون الـوسـطى وعـصـر الـنّـهـضـة وحـتّى الـقـرن الـتّـاسـع عـشـر عـنـدمـا رسـم الـفـنّـان الـفـرنـسي أوجـيـن دولاكـروا عـام 1827 لـوحـتـه الـشّـهـيـرة : “مـوت ســردنـبـال” …

ولـيـمـة تـدشـيـن قـصـر الـمـلـك آشـور نـاصـربـال

لوح وليمة آشورناصربال

بـعـد أن اكـتـمـل تـشـيـيـد قـصـر الـمـلـك الآشـوري آشـور نـاصـربـال الـثّـاني (حـكـم مـن 883 إلى 859 قـبـل الـمـيـلاد) الـشّـديـد الـفـخـامـة والـضّـخـامـة في عـاصـمـتـه الـجـديـدة كـلـحُ (مـوقـع نـمـرود الـحـالـيـة، جـنـوب الـمـوصـل) أقـام ولـيـمـة تـدشـيـن لـم يـكـن مـثـلـهـا ولـيـمـة. ودعـا إلـيـهـا أوّلاً كـلّ الآلـهـة وعـلى رأسـهـم آشـور، وأعـداداً كـبـيـرة مـن الـمـدعـوّيـن فـصّـل الـكـلام عـنـهـم في “حـولـيـاتـه” :

“عـنـدمـا دشّـنـت قـصـري في مـديـنـة كـلـحُ، دعـوت 574 69 رجـلاً وامـرأة مـن كـلّ الـبـلـدان : مـنـهـم 5000 مـن الـوجـهـاء الـمـبـعـوثـيـن مـن الـبـلـدان الـمـجـاورة”. ويـذكـر أسـمـاء الـبـلـدان الاثـنَي عـشـر الـمـحـيـطـة بـبـلاد آشـور والّـتي أرسـلـت هـؤلاء الـمـنـدوبـيـن عـنـهـا، “و 16000 مـن سـكـان كـلـحُ، و 1500 مـن مـوظـفي قـصـري. ومـجـمـوعـهـم : 574 69، دعـوتـهـم مـن كـلّ أرجـاء الـدّنـيـا، ومـن عـاصـمـتي كـلـحُ”. “ولـمـدّة عـشـرة أيّـام كـامـلـة، أطـعـمـتـهـم وسـقـيـتـهـم وأمـرت أن يـسـتـحـمّـوا وأن يُـمـسـح عـلـيـهـم بـالـزّيـوت الـمـعـطّـرة، وأكـرمـتـهـم قـبـل أن أرجـعـهـم إلى دورهـم وبـلادهـم سـالـمـيـن” …

أسـد بـابـل

Lion de Babylone

نـجـد أوّل ذكـر لأسـد ضـخـم الـحـجـم نـحـت في صـخـر الـغـرانـيـت وعـثـر عـلـيـه في مـوقـع مـديـنـة بـابـل الـقـديـمـة في مـقـال نـشـره الـفـرنـسي جـوزيـف دو بـوشـام عـام 1790 في جـريـدة الـعـلـمـاء في بـاريـس. وكـان بـعـض أهـل الـحـلّـة قـد ذكـروا لـه أنـهـم كـانـوا قـد وجـدوا صـنـمـاً مـدفـونـاً في بـاطـن الأرض. وبـعـد أن أخـذوه إلى الـمـكـان وحـفـروه لـه مـيّـز في أعـمـاق الـحـفـرة تـمـثـال أسـد … وسـجّـل الـبـريـطـاني كـلـوديـوس جـيـمـس ريـتـش عـام 1817 في سـرد رحـلـتـه الـثّـانـيـة أنّـه اكـتـرى عـدداً مـن الـرّجـال حـفـروا نـهـاراً كـامـلاً لـيـزيـحـوا الـتّـراب عـن : “أسـد هـائـل الـحـجـم عـلى قـاعـدة، مـنـحـوت في نـوع سئ مـن صـخـر الـغـرانـيـت الـرّمـادي بـصـنـعـة رديـئـة. وكـانـت في فـمـه فـتـحـة دائـريـة يـمـكـن لـلـمـرء أن يـدخـل فـيـهـا قـبـضـتـه” …

قـلـعـة تـكـريـت في نـصّ بـابـلي

نـجـد ذكـراً لـمـديـنـة تـكـريـت وقـلـعـتـهـا في “حـولـيـات” الـمـلـك الـبـابـلي نـبـوبـولـصـر، الّـتي تـروي أحـداث الـسّـنـة الـحـاديـة عـشـرة مـن حـكـمـه (سـنـة 615 قـبـل الـمـيـلاد)، أي قـبـل عـدّة قـرون مـن ولادة سـابـور بـن أردشـيـر بـن بـابـك.(و هـو شـابـور الأوّل الّـذي كـان ثـاني مـلـوك الـفـرس الـسّـاسـانـيـيـن الّـذي ارتـقى الـعـرش عـام 240 بـعـد الـمـيـلاد)، والّـذي كـان الـمـؤرخـون الـعـرب الـقـدمـاء يـعـتـقـدون أنّـه شـيّـد قـلـعـة تـكـريـت …

الـعـرب وبـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن في الألـف الأوّل قـبـل الـمـيـلاد

Karkar

تـأتي مـعـرفـتـنـا بـتـاريـخ الـعـرب في الألـف الأوّل قـبـل الـمـيـلاد خـاصـة مـن الـنّـصـوص الآشـوريـة والـبـابـلـيـة الـحـديـثـة الّـتي كـانـت تـسـتـعـمـل الـلـغـة الأكّـديـة (بـالـلـهـجـتـيـن الـبـابـلـيـة والآشـوريـة) والـمـسـجـلـة بـالـكـتـابـة الـمـسـمـاريـة، مـنـذ أوّل ذكـر لـهـم سـنـة  853 قـبـل الـمـيـلاد، وحـتّى سـقـوط مـديـنـة بـابـل عـام 539 قـبـل الـمـيـلاد تـحـت ضـربـات الـفـرس الأخِـمـيـنـيـيـن …

جـنـائـن بـابـل الـمـعـلّـقـة

لـم تـذكّـر الـنّـصـوص الـبـابـلـيـة الّـتي سُـجّـلـت بـالـكـتـابـة الـمـسـمـاريـة جـنـائـن مـعـلـقـة في بـابـل، ولـم يـجـد الـمـنـقـبـون خـلال حـمـلات الـتّـنـقـيـبـات الـمـتـتـالـيـة في مـوقـع بـابـل الـقـديـمـة (مـنـذ نـهـايـة الـقـرن الـتّـاسـع عـشـر وطـيـلـة الـقـرن الـعـشـريـن) أثـراً لـهـذه الـجـنـائـن الـمـعـلّـقـة. فـكـيـف تـكـوّنـت هـذه الأسـطـورة عـنـد الإغـريـق (أي الـيـونـانـيـيـن الـقـدمـاء) ومـقـلـديـهـم الـرّومـان ؟ وكـيـف دخـلـت ضـمـن “عـجـائـب الـدّنـيـا الـسّـبـع” الّـتي صـنّـفـوهـا ؟

تـنـقـيـبـات الـمـلـك نـبـونـيـد الأثـريـة

نبو زر ليشير

قـام الـمـلـك الـبـابـلي نـبـونـيـد بـتـنـقـيـبـات أثـريـة في الـقـرن الـسّـادس قـبـل الـمـيـلاد، أي قـبـل حـوالي 2500 سـنـة مـن زمـنـنـا هـذا. وقـد حـاول، أكـثـر مـمـا فـعـلـه سـابـقـوه، أن يـجـد مـعـابـد خـربـت مـنـذ أزمـان طـويـلـة لـيـزيـح عـنـهـا الـتّـراب ويـجـد أسـسـهـا ويـبـحـث عـن الـنّـصـوص الّـتي سـجّـلـهـا مـلـوك الـمـاضي عـنـدمـا شـيّـدوهـا أو جـددوهـا، والّـتي دفـنـوهـا في الأسـس. وذلـك لـمـعـرفـة تـاريـخـهـا ولإحـيـاء تـقـالـيـد قـديـمـة كـانـت قـد أهـمـلـت وانـدثـرت مـدّة قـرون طـويـلـة .

وكـان قـد كـرّس كـثـيـراً مـن وقـتـه لـقـراءة مـا وصـلـه مـن الـنّـصـوص الـقـديـمـة وتـمـعّـن في قـراءة “الـقـوائـم الـمـلـكـيـة” الّـتي بـوّبـت الـسّـلالات الـمـلـكـيـة في كـلّ دول جـنـوب مـا بـيـن الـنّـهـريـن، وذكـرت أسـمـاء مـلـوكـهـا حـسـب تـسـلـسـلـهـم الـزّمـني. وقـد طـبّـق هـذه الـمـعـلـومـات في حـفـريـاتـه لـيـصـل إلى اكـتـشـاف أقـدم مـا يـمـكـنـه مـن فـتـرات الـزّمـن الـمـاضي. وتـعـمّـق بـحـفـريـاتـه في بـاطـن الأرض طـبـقـة بـعـد طـبـقـة …

هـل شـرّع حـمـورابي أقـدم قـانـون في تـاريـخ الـعـالـم ؟

حمورابي، رسم د. صباح الناصري

يـعـتـقـد الـكـثـيـرون أنّ الـمـلـك الـبـابـلي حـمـورابي شـرّع أوّل قـانـون في تـاريـخ الـبـشـريـة، ولـكـنّ الـمـلـك الـسّـومـري أور نـامـو كـان قـد شـرّع قـبـلـه بـعـدّة قـرون قـانـونـاً وصـلـتـنـا مـنـه سـبـعـة وثـلاثـون بـنـداً ، كـتـبـت بـالـمـسـمـاريـة وبـالـلـغـة الـسّـومـريـة. كـمـا وصـلتـنـا بـنـود مـن قـانـون الـمـلـك لـيـبِـت عـشـتـار  الّـذي كـان خـامـس مـلـوك سـلالـة إيـسِـن الـسّـومـريـة الأول، الـمـكـتـوب بـالـلـغـة الـسّـومـريـة، والّـذي سـبـق قـانـون حـمـورابي بـحـوالي قـرن ونـصـف. كـمـا وصـلـتـنـا قـوانـيـن إشـنـونـة الّـتي كـتـبـت عـدّة عـشـرات مـن الـسّـنـيـن قـبـل قـانـون حـمـورابي، والّـتي لـديـنـا مـنـهـا ثـلاثـة ألـواح عـلـيـهـا حـوالي سـتـيـن بـنـداً …

إنـهـيـدوانـة ونـسـاء الـعـراق الـقـديـم

إنهيدوانّة

جـمـع مـنـظـمـو  مـعـرض “إنـهـيـدوانـة ونـسـاء مـا بـيـن الـنّـهـريـن بـيـن حـوالي 3400  و 2000  قـبـل الـمـيـلاد “،  الـمـقـام في مـكـتـبـة ومـتـحـف مـورغـان   The Morgan Library & Museum في نـيـويـورك، ولأوّل مـرّة في مـكـان واحـد، أعـمـالاً فـنّـيـة مـن حـضـارات الـسّـومـريـيـن والأكّـديـيـن مـن مـنـتـصـف الألـف الـرّابـع وإلى نـهـايـة الألـف الـثّـالـث قـبـل الـمـيـلاد، تـظـهـر حـيـاة نـسـاء بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن في تـلـك الـفـتـرة، ومـن بـيـنـهـا مـجـمـوعـة أخـتـام أسـطـوانـيـة اسـتـثـنـائـيـة تـحـتـفـظ بـهـا مـتـاحـف لا تـعـرضـهـا عـادةً لـلـجـمـهـور الـواسـع …

تـمـاثـيـل غـوديـا، الأمـيـر الـسّـومـري

غوديا جالساً 3

كـان غـوديـا (ويـكـتـب كـوديـا أو جـوديـا) أهـمّ حـكّـام مـا يـسـمى بـسـلالـة لـغـش الـثّـانـيـة. وكـانـت مـديـنـة لـغـش (أو لـكـش) هـذه مـركـز دويـلـة صـغـيـرة في جـنـوب بـلاد سـومـر في نـهـايـة الألـف الـثّـالـث قـبـل الـمـيـلاد. ويـمـكـن تـقـديـر فـتـرة حـكـمـه تـقـريـبـيـاً بـيـن 2150 إلى 2125 قـبـل الـمـيـلاد.

وقـد وصـلـتـنـا مـن فـتـرة حـكـم غـوديـا في لـغـش أعـداد مـن الـتّـمـاثـيـل الـصّـغـيـرة والـمـسـلّات ومـسـامـيـر الأسـس وألـواح الأسـس ونـصـوص ديـنـيـة وأدعـيـة مـن بـيـنـهـا تـمـاثـيـلـه الّـتي تـتـجـاوز الـعـشـريـن تـمـثـالاً، والّـتي نـحـتـت في صـخـر الـدّيـوريـت الـبـركـاني الأسـود. ويـحـتـفـظ مـتـحـف الـلـوفـر في بـاريـس بـالـجـزء الأكـبـر مـنـهـا.

أسـطـورة إيـتـانـا الـسّـومـريـة في الأخـتـام الأسـطـوانـيـة

إتانا متحف اللوفر

يـعـود أصـل أسـطـورة إيـتـانـا إلى بـلاد سـومـر في الألـف الـثّـالـث قـبـل الـمـيـلاد. وتـروي الأسـطـورة قـصّـة الـمـلـك إيـتـانـا  Etana، الّـذي صـعـد إلى الـسّـمـاء مـحـلّـقـاً عـلى جـنـاحَي نـسـر لـيـطـلـب مـن الإلـهـة عـشـتـار أن تـهـبـه الـ “شـمـو شـا ألادي”، أي “الـنّـبـتـة الـمـشـمـومـة الّـتي لـلـولادة” أي “الـنّـبـتـة الّـتي تـسـاعـد الـمـرأة الّـتي تـشـمّـهـا عـلى الإنـجـاب”.

وقـد عـثـر الـمـنـقّـبـون عـلى أكـثـر مـن عـشـريـن خـتـمـاً اسـطـوانـيـاً عـلـيـهـا مـشـاهـد تـصـوّر أسـطـورة إيـتـانـا الـسّـومـريـة. وتـحـتـفـظ بـهـا الـمـتـاحـف الـعـالـمـيـة والـمـكـتـبـات …

©   حـقـوق الـنّـشـر مـحـفـوظـة لـلـدّكـتـور صـبـاح كـامـل الـنّـاصـري

يـرجى طـلـب الإذن مـن الـكـاتـب قـبـل إعـادة نـشـر هـذا الـمـقـال.

تـمـاثـيـل غـوديـا، الأمـيـر الـسّـومـري

غوديا جالساً 3

الـدّكـتـور صـبـاح الـنّـاصـري

غـوديـا، أمـيـر لـغـش : 

وصـلـتـنـا مـن فـتـرة حـكـم الأمـيـر الـسّـومـري غـوديـا (ويـكـتـب كـوديـا أو جـوديـا) Gudea  Gudea، حـاكـم دويـلـة لـغـش (أو لـكـش) أعـداد مـن الـتّـمـاثـيـل الـصّـغـيـرة والـمـسـلّات ومـسـامـيـر الأسـس وألـواح الأسـس ونـصـوص ديـنـيـة وأدعـيـة.

وكـان غـوديـا أهـمّ حـكّـام مـا يـسـمى بـسـلالـة لـغـش الـثّـانـيـة. وكـانـت مـديـنـة لـغـش (أو لـكـش) هـذه مـركـز دويـلـة صـغـيـرة في جـنـوب بـلاد سـومـر في نـهـايـة الألـف الـثّـالـث قـبـل الـمـيـلاد. ويـمـكـن تـقـديـر فـتـرة حـكـمـه تـقـريـبـيـاً بـيـن 2150 إلى 2125 قـبـل الـمـيـلاد. وقـد حـكـم غـوديـا بـعـد وفـاة أور بـاو، مـؤسـس سـلالـة لـغـش الـثّـانـيـة. وكـان غـوديـا قـد تـزوّج بـابـنـتـه نـيـن ألّا.

وقـد اسـتـعـادت بـعـض مـدن بـلاد سـومـر، بـعـد سـقـوط الـدّولـة الأكّـديـة (1)، شـيـئـاً مـن عـزّهـا الـقـديـم، وسـيـطـرت عـلـيـهـا سـلالات مـن حـكّـام مـسـتـقـلّـيـن، وكـان مـن بـيـنـهـا دويـلـة لـغـش.

ولـم يُـألّـه غـوديـا في حـيـاتـه، مـثـلـمـا فـعـلـه الـمـلـك الأكـدي نـرام سـيـن الّـذي عُـبـد كـإلـه ولـلـمـرة الأولى في تـاريـخ الـبـشـريـة، وإنّـمـا اخـتـار لـقـبـاً مـتـواضـعـاً : إنـسي (أمـيـر)، ولـم يـسـتـعـمـل لـقـب : لـوغـال (مـلـك). ومـع ذلـك فـقـد كُـرّم كـإلـه بـعـد مـوتـه وخـاصـة في فـتـرة سـلالـة أور الـثّـالـثـة الّـتي سـيـطـرت بـعـده عـلى الـمـنـطـقـة. وكـان غـوديـا يـعـتـبـر أيـضـاً كـبـيـر كـهـنـة لـغـش مـسـؤولاً عـن تـطـبـيـق طـقـوسـهـا الـدّيـنـيـة وتـكـريـم آلـهـتـهـا.

ورغـم الأعـداد الـكـبـيـرة مـن الـنّـصـوص الّـتي وصـلـتـنـا مـن فـتـرة حـكـمـه فـإنّ مـعـرفـتـنـا بـه تـظـل نـاقـصـة، لأنّ غـالـبـيـة هـذه الـنّـصـوص ديـنـيـة لا تـزودنـا بـشئ مـن الـمـعـلـومـات الـتّـاريـخـيـة، فـنـحـن لا نـعـرف بـالـضّـبـط مـثـلاً عـدد سـنـوات حـكـمـه ولا تـسـلـسـلـهـا الـتّـاريـخي بـيـن حـكّـام نـهـايـة الألـف الـثّـالـث قـبـل الـمـيـلاد.

وقـد اعـتـقـد عـلـمـاء الـسّـومـريـات لـمـدّة عـقـود وعـقـود أنّـه كـان قـد حـكـم بـفـتـرة طـويـلـة قـبـل أور نـامّـو، مـؤسـس سـلالـة أور الـثّـالـثـة (2)، قـبـل أن يـكـتـشـفـوا مـنـذ فـتـرة وجـيـزة أنّـه لـم يـسـبـقـه إلّا بـقـلـيـل، وأنّ أواخـر سـنـوات حـكـمـه تـكـاد تـعـاصـر بـدايـة حـكـم أور نـامّـو.

ولا تـذكـر الـنّـصـوص الإداريـة الّـتي وصـلـتـنـا إلّا إحـدى عـشـرة سـنـة مـن فـتـرة حـكـمـه رغـم أنّ الـمـؤرخـيـن يـعـتـقـدون أنّـهـا دامـت سـبـع عـشـرة أو ثـمـاني عـشـرة سـنـة. ولا نـجـد في نـصـوص فـتـرة حـكـمـه شـيـئـاً عـن حـمـلاتـه الـحـربـيـة إلّا إشـارة وجـيـزة إلى مـعـركـة انـتـصـر فـيـهـا عـلى أعـدائـه الـعـيـلامـيـيـن. كـمـا لا نـجـد فـيـهـا ذكـراً لـلـمـدن الـسّـومـريـة الـمـحـيـطـة بـدويـلـة لـغـش ولا لـعـلاقـاتـهـا بـهـا.

ولا نـجـد ذكـراً لـعـلاقـات لـغـش بـالـعـالـم الـخـارجي إلّا مـن خـلال احـتـيـاجـات غـوديـا لـمـواد بـنـاء مـعـابـده ولـصـخـور مـنـحـوتـاتـه الّـتي غـالـبـاً مـا كـانـت تـأتي مـن أمـاكـن بـعـيـدة ويـدفـع أثـمـانـهـا غـالـيـاً رغـم أنـنـا لا نـعـرف مـصـادر ثـروة دويـلـة لـغـش. ونـعـرف مـن الـنّـصـوص أنّ طـرق الـتّـجـارة كـانـت تـمـتـد بـيـن جـبـل لـبـنـان غـربـاً ونـهـر الـسّـنـد شـرقـاً، وهي الـمـنـطـقـة الّـتي كـانـت تـحـت سـيـطـرة الإمـبـراطـوريـة الأكّـديـة قـبـل سـقـوطـهـا، والّـتي دامـت، كـمـا يـبـدو، بـعـد ذلـك.

ويـمـكـنـنـا أن نـلاحـظ رغـبـة غـوديـا في أن يـعـيـد لـدّويـلـة لـغـش مـجـدهـا الـقـديـم، كـمـا كـانـت عـلـيـه في زمـن مـلـكـهـا أورو كـاجـيـنـا، قـبـل سـقـوطـهـا تـحـت هـيـمـنـة الإمـبـراطـوريـة الأكّـديـة، وجـهـوده في تـخـطّي الإضـطـرابـات الّـتي نـتـجـت عـن سـقـوط هـذه الإمـبـراطـوريـة بـعـد ذلـك.

كـيـف عُـثـر عـلى تـمـاثـيـل غـوديـا :

بـدأ إرنـسـت دو سَـرزيـك  Ernest de SARZEC، قـنـصـل فـرنـسـا في الـبـصـرة، عـام 1878 بـالـتّـنـقـيـب في تـلّـو Tello  (وربّـمـا كـان هـذا الإسـم تـحـريـفـاً لـ” تـلّ لـوح”)، شـرق مـديـنـة الـشّـطـرة. (3) وبـعـد أن أخـرج بـعـض الآثـار مـن بـاطـن أرض الـمـوقـع، إعـتـقـد دو سَـرزيـك أنّـه وجـد فـيـه مـديـنـة لـغـش (أو لـكـش) الـسّـومـريـة.

وقـد ظـلّ هـذا الـخـطـأ شـائـعـاً لـفـتـرة طـويـلـة، ولـكـنـنـا نـعـرف الآن أنّ دو سَـرزيـك اكـتـشـف مـديـنـة غـرسـو، الّـتي كـانـت مـديـنـة الإلـه نـيـن غـرسـو الـمـقـدّسـة، وأنّ مـديـنـة لـغـش، عـاصـمـة الـدّويـلـة، تـقـع في تـلّ الـهـبـة (أو تـلّ الـهـبـا)، حـوالي عـشـريـن كـلـم. جـنـوب شـرقـهـا.

وقـد اسـتـمـر دو سَـرزيـك بـالـتّـنـقـيـبـات في غـرسـو حـتّى عـام 1900. وقـد قـام خـلالـهـا بـأحـد عـشـر مـوسـمـاً وجـد فـيـهـا مـجـمـوعـات مـن الـنّـصـوص الـمـسـمـاريـة وقـطـعـاً أثـريـة أهـمـهـا مـجـمـوعـة تـتـجـاوز الـعـشـريـن تـمـثـالاً تـصـوّر غـوديـا، أمـيـر لـغـش، جـالـسـاً أو واقـفـاً، أزاح عـنـهـا الـتّـراب خـاصـة في مـوسـم تـنـقـيـبـات 1880، وأرسـل غـالـبـيـتـهـا الـمـطـلـقـة إلى بـاريـس. (4)

وقـد دخـلـت بـعـد ذلـك في مـتـحـف الـلـوفـر، ووضـعـت في الـقـاعـة الآشـوريـة. ولـديـنـا صـورة الـتـقـطـت لـهـا عـام 1890 تـظـهـر لـنـا مـجـمـوعـة مـن تـمـاثـيـل غـوديـا وأغـلـبـهـا كـانـت قـد فـقـدت رؤوسـهـا :

غوديا اللوفر 1890 (1024x493)

ولـديـنـا صـورة أخـرى الـتـقـطـت عـام 1947 نـرى فـيـهـا الـقـاعـة الّـتي خـصـصـت لـغـوديـا في قـسـم الآثـار الـشّـرقـيـة في مـتـحـف الـلـوفـر :

غوديا اللوفر 1947 (1024x614)

تـمـاثـيـل غـوديـا :

 ذكـرنـا في كـلامـنـا عـن غـوديـا أنّ أهـمّ مـا وجـد في لـغـش مـن فـتـرة حـكـمـه كـانـت مـجـمـوعـة كـبـيـرة مـن الـنّـصـوص الـمـسـجّـلـة بـالـكـتـابـة الـمـسـمـاريـة وبـالـلـغـة الـسّـومـريـة عـلى ألـواح أو عـلى اسـطـوانـات مـن الـصّـلـصـال، وخـاصـة عـلى اسـطـوانـتـيـن كـبـيـرتـيـن.  ووصـلـتـنـا أيـضـاً نـصـوص مـنـقـوشـة عـلى تـمـاثـيـلـه الّـتي تـتـجـاوز الـعـشـريـن تـمـثـالاً، والّـتي نـحـتـت في صـخـر الـدّيـوريـت الـبـركـاني الأسـود.

كـمـا وصـلـتـنـا مـن فـتـرة حـكـم غـوديـا في لـغـش أعـداد مـن الـتّـمـاثـيـل الـصّـغـيـرة والـمـسـلّات ومـسـامـيـر الأسـس وألـواح الأسـس ونـصـوص ديـنـيـة وأدعـيـة.

ويـحـتـفـظ مـتـحـف الـلـوفـر في بـاريـس، كـمـا سـبـق أن ذكـرنـا، بـالـجـزء الأكـبـر مـنـهـا. وقـد وجـدت أغـلـب هـذه الآثـار في مـعـابـد آلـهـة لـغـش الأكـثـر أهـمّـيـة (نـيـن غـرسـو ونـانـشي، ونـيـن غـيـش زيـدا وغـيـش تـيـنـانـا) الّـتي شـيّـدهـا أو رمـمـهـا أو جـددهـا غـوديـا، مـمـا يـدلّ عـلى إيـمـانـه الـعـمـيـق بـديـنـه.

ونـعـرف مـن نـصّ وجـد في لـغـش أنّ غـوديـا احـتـرم الـطـقـوس الـدّيـنـيـة الّـتي تـنـصّ عـلى اسـتـعـمـال صـخـر الـدّيـوريـت الـبـركـاني الأسـود لـنـحـت الـتّـمـاثـيـل الّـتي تـوضـع في الـمـعـابـد، ومـن بـيـنـهـا تـمـاثـيـلـه هـو، رغـم الـمـبـالـغ الـبـاهـظـة الّـتي يـكـلّـف جـلـبـه مـن مـنـطـقـة الـخـلـيـج، ربّـمـا مـن جـبـال عُـمـان.

وبـعـد أن نـحـتـت الـتّـمـاثـيـل صـقـل صـخـرهـا بـعـنـايـة بـالـغـة حـتّى أصـبـحـت سـطـوحـهـا مـلـسـاء شـديـدة الـلـمـعـان.

وقـد صـوّر غـوديـا في هـذه الـتّـمـاثـيـل جـالـسـاً أو واقـفـاً. ووضـع تـمـثـالاً مـنـهـا في حـرم كـلّ واحـد مـن الـمـعـابـد الـقـديـمـة الّـتي جـددهـا في مـديـنـة غـرسـو أو شـيّـدهـا فـيـهـا. ولا نـعـرف لـمـاذا صـوّر غـوديـا في بـعـض الـتّـمـاثـيـل جـالـسـاً وفي بـعـضـهـا الآخـر واقـفـاً.

ويـعـدد نـصّ نـقـش عـلى أحـد هـذه الـتّـمـاثـيـل الأضـاحي الّـتي قـدّمـت لـلـتّـمـثـال قـبـل أن يـدخـل في حـرم الـمـعـبـد، فـهـو مـمـثـل لـغـوديـا بـديـل عـنـه، يـمـكـنـه، كـمـا لـو كـان حـيّـاً، إدامـة الـصّـلاة أمـام إلـهـه بـلا تـوقـف وعـبـادتـه إلى الأبـد.

وقـد وجـدت أغـلـب رؤوس تـمـاثـيـل غـوديـا مـقـصـومـة، مـفـصـومـة عـن أجـسـادهـا، مـلـقـاة في أمـاكـن بـعـيـدة عـنـهـا. ويـعـتـقـد الـمـؤرخـون أنّ أعـداء دويـلـة لـغـش قـامـوا بـذلـك بـعـد إسـقـاطـهـا إنـتـقـامـاً مـن غـوديـا، أهـمّ حـكّـامـهـا، لـيـحـرمـوه مـن بـركـات الآلـهـة ولـيـسـقـطـوه في الـنّـسـيـان.

تـمـاثـيـل غـوديـا جـالـسـاً :

وأوّل هـذا الـنّـوع مـن الـتّـمـاثـيـل وأشـهـرهـا مـا يـسـمى بـتـمـثـال “غـوديـا الـجـالـس الـصّـغـيـر” الـمـحـفـوظ في مـتـحـف الـلـوفـر في بـاريـس. وهـو أصـغـر مـن الـحـجـم الـطّـبـيـعي (إرتـفـاعـه : 46 سـم. وعـرضـه : 33 سـم. وسـمـكـه : 5، 22 سـم.) :

غوديا جالساً

وقـد وجـد إرنـسـت دو سَـرزيـك خـلال تـنـقـيـبـاتـه رأس الـتّـمـثـال، ووجـد الـمـشـرف عـلى الـتّـنـقـيـبـات الّـذي خـلـفـه، الـكـابـتـن كـرو Capitaine Cros، جـسـده عـام 1903. وبـعـد أن جُـمـع الـرأس والـجـسـد وقـرأ الـنّـص الـسّـومـري الـمـنـقـوش عـلـيـه ظـهـر واضـحـاً أنّـه يـصـوّر غـوديـا، أمـيـر لـغـش الّـذي حـكـم في حـوالي الـقـرن الـثّـاني والـعـشـريـن قـبـل الـمـيـلاد.

ونـقـرأ في الـنّـصّ الـمـنـقـوش عـلى ثـوب الأمـيـر غـوديـا أنّـه أهـدى تـمـثـالـه إلى نـيـن غِـيـش زيـدا، إلـهـه الـخـاص الـحـامي لـه، ثـمّ يـعـدد الـمـعـابـد الّـتي شـيّـدهـا ومـن ضـمـنـهـا مـعـبـد نـيـن غِـيـش زيـدا هـذا الّـذي وضـع الـتّـمـثـال في حـرمـه. ويـذكـر الـنّـصّ : “غـوديـا الّـذي شـيّـد الـمـعـبـد. أطـال الإلـه في عـمـره !” :

غوديا الصغير يساراً (929x1280)

ويـصـوّر الـتّـمـثـال أمـيـر لـغـش تـصـويـراً مـهـيـبـاً : وجـهـاً حـلـيـقـاً عـلـيـه سـمـات هـدوء وسـكـيـنـة وعـلى شـفـتـيـه ابـتـسـامـة خـفـيـفـة، وعـيـنـيـن لـوزيـتَي الـشّـكـل يـعـلـوهـمـا حـاجـبـان كـثـيـفـان. ونـلاحـظ أنّ جـزءاً مـن أنـفـه قـد تـهـشـم :

غوديا جالساً (4)

ونـرى عـلى رأس غـوديـا غـطـاء تـزيـنـه دوائـر دقـيـقـة الـتّـنـفـيـذ تـشـبـه “الـجـراويـة” الـعـراقـيـة. وهـو يـرتـدي مـعـطـفـاً بـعـدّة طـيّـات تـزيّـن أسـفـلـه أهـداب أو سـجـف مـتـدلـيـة مـنـه. وكـان هـذا الـنّـوع مـن الـمـعـاطـف مـعـروفـاً في الـفـتـرة الأكّـديـة الّـتي سـبـقـت فـتـرة لـغـش. ولا يـغـطى الـمـعـطـف إلّا كـتـفـه وذراعـه الـيـسـرى بـيـنـمـا نـرى ذراعـه الـيـمـنى عـاريـة مـفـتـولـة الـعـضـلات. ويـنـزل ثـوبـه ومـعـطـفـه إلى مـا فـوق قـدمـيـه الـحـافـيـتـيـن، فـهـو في حـرم مـعـبـد خـلـع فـيـه نـعـلـيـه. ويـعـقـد غـوديـا يـديـه مـعـاً دلـيـلاً عـلى انـهـمـاكـه في صـلاتـه في حـضـور إلـهـه :

غوديا جالساً (5)

ولـقـيـمـة الـقـطـعـة الـصّـخـريـة الـثّـمـيـنـة الّـتّي نـحـت فـيـهـا الـتّـمـثـال فـقـد حـاول الـنّـحـات اسـتـعـمـالـهـا بـأشـدّ مـا اسـتـطـاع فـكـبّـر الـرأس وهـو أهـمّ مـا في الـتّـمـثـال واخـتـزل الـعـنـق حـتّى كـادت تـخـتـفي وصـور الـجـسّـد فـيـمـا تـبـقى لـه مـن مـسـاحـة الـصّـخـرة.

ولا يـمـكـن أن يـأتي هـذا الـتّـفـاوت بـيـن نـسـب أجـزاء الـجـسـد مـن جـهـل الـنّـحّـات لـفـنّـه فـهـو يـتـقـنـه إتـقـانـاً مـثـيـراً لـلإعـجـاب وإنّـمـا مـن تـقـالـيـد تـعـبـيـريـة مـتـواضـع عـلـيـهـا تـركّـز عـلى الـوجـه والـيـديـن لـتـظـهـر خـشـوع الأمـيـر في حـضـرة إلـهـه.

ولـديـنـا تـمـثـال آخـر يـصّـوره جـالـسـاً هـو تـمـثـال غـوديـا “الـمـعـمـار”. وهو بـالـحـجـم الـطّـبـيـعي، ولـم يـجـد الـمـنـقّـبـون رأسـه. وارتـفـاعـه 93 سـم. :

غوديا المعماري 2 (655x1024)

ونـراه فـيـه جـالـسـاً عـلى مـقـعـد. ويـرتـدي، كـمـا في الـتّـمـثـال الـسّـابـق، ثـوبـاً طـويـلاً يـصـل إلى مـا فـوق قـدمـيـه الـحـافـيـتـيـن، فـهـو في حـرم مـعـبـد خـلـع فـيـه نـعـلـيـه.

ويـتـمـيـز هـذا الـتّـمـثـال بـمـهـارة الـنّـحّـات الـعـالـيـة وبـنـوعـيـة الـصّـخـر الـمـنـحـوت الإسـتـثـنـائـيـة. كـمـا أنّـه الـوحـيـد الّـذي يـمـثّـل غـوديـا وعـلى ركـبـتـيـه مـخـطـط مـعـمـاري لـمـعـبـد قـرر أن يـشـيّـده : مـعـبـد الإيـنـيـنـو الـمـكـرّس لـلإلـه نـيـن غـرسـو الّـذي اسـتـقـطـب اهـتـمـام غـوديـا طـيـلـة فـتـرة حـكـمـه. وتـذكـر نـصـوص لـغـش أنّ الإلـه إنـكي “أعـطى بـنـفـسـه مـخـطـط الـمـعـبـد لـغـوديـا”.

والـمـخـطـط مـحـفـور عـلى لـوح مـسـطّـح يـمـثـل لـوحـاً مـن الـصّـلـصـال، نـلاحـظ بـجـانـبـه قـلـمـاً اسـتـعـمـل في الـرسّـم عـلـيـه ومـسـطـرة تـهـشّـم جـزء مـنـهـا ولـكـن مـا بـقي يـريـنـا درجـات مـن 1 إلى 6 بـيـنـهـا فـراغـات :

Gudea l'architect

ومـن الـمـرجّـح أنّ الـمـخـطـط يـريـنـا حـيـطـان الـمـعـبـد الـخـارجـيـة والأبـواب الـمـفـتـوحـة فـيـهـا.

ونـقـش عـلى ثـوب غـوديـا، مـن ركـبـتـيـه إلى أسـفـلـه وعـلى جـانـبـيـه، وكـذلـك عـلى جـانـبـي الـمـقـعـد، نـصّ بـالـلـغـة الـسّـومـريـة وبـالـكـتـابـة الـمـسـمـاريـة، وهـو أطـول نـصـوص تـمـاثـيـلـه وأغـنـاهـا مـحـتـوى. ويـحـتـوي الـنّـقـش عـلى 368 مـسـتـطـيـلاً كـتـبـت في داخـلـهـا الـرّمـوز الـمـسـمـاريـة، صـفـفـت في تـسـعـة أعـمـدة.

ويـبـدأ الـنّـصّ بـتـعـداد الأضـاحي الّـتي قـدّمـت لـلـتّـمـثـال قـبـل أن يـدخـل في حـرم الـمـعـبـد، فـالـتّـمـثـال يـصـوّر غـوديـا، وهـو بـديـل لـه يـمـكـنـه، كـمـا لـو كـان حـيّـاً، إدامـة الـصّـلاة أمـام إلـهـه بـلا تـوقـف وعـبـادتـه إلى الأبـد. ثـمّ يـعـدد غـوديـا ألـقـابـه كـحـاكـم وقـائـد لـلـجـيـش وحـامٍ لـلـبـلـد … إلـخ، الّـتي يـظـهـر مـنـهـا أن كـلّ آلـهـة لـغـش أوكـلـت لـه الـسّـلـطـة واثـقـة بـقـدراتـه. ويـذكـر الـنّـصّ الـبـلـدان الّـتي جـلـبـت مـنـهـا مـواد بـنـاء مـعـبـد الإيـنـيـنـو : شـجـر أرز جـبـل لـبـنـان وحـجـر شـمـال سـوريـا والـغـنـائـم الّـتي اكـتـسـبـهـا في بـلاد عـيـلام، مـمـا يـدلّ عـلى سـعـة سـلـطـتـه وامـتـدادهـا.

أمّـا الـتّـمـثـال نـفـسـه فـقـد نـحـت حـسـب الـطـقـوس الـديـنـيـة في صـخـر الـديـوريـت الـبـركـاني الأسـود. ووضـع الـتّـمـثـال في حـرم مـعـبـد الإلـه نـيـن غـرسـو وأمـام نـظـراتـه لـيـقـوم بـعـبـادتـه بـلا تـوقـف بـدلاً مـن غـوديـاً ومـمـثـلاً لـه. ويـنـتـهي الـنّـصّ بـتـوجـيـه لـعـنـات الآلـهـة عـلى مـن يـجـرؤ عـلى تـدنـيـس الـمـعـبـد والـتّـمـثـال.

وقـد احـتـرم مـلـوك سـلالـة أور الـثّـالـثـة الّـذي حـكـمـوا بـعـد غـوديـا الـتّـمـثـال والـمـعـبـد، وقـدمـوا لـهـمـا الـهـدايـا والأضـاحي، ولـكـنّ ذلـك لـم يـمـنـع أعـداءه بـعـد ذلـك مـن قـطـع رأسـه !

كـمـا أنّ هـنـاك تـمـثـال ثـالـث يـمـثّـل غـوديـا جـالـسـاً (إرتـفـاعـه 44 سـم.)، دخـل في مـجـمـوعـة مـقـتـنـيـات هـاريـس بـرسـبـان ديـك  Harris Brisbane Dick في الـولايـات الـمـتّـحـدة الأمـريـكـيـة عـام 1959:

غوديا الصغير 2

وهـو يـبـدو نـسـخـة أخـرى مـن تـمـثـال مـتـحـف الـلـوفـر الـجـالـس، ولا يـخـتـلـف عـنـه إلّا بـأنّ أنـفـه لـم يـتـهـشـم ولـم تـصـب مـلامـح وجـهـه الأخـرى أضـرار، كـمـا أنّ رأسـه قـصـم وفـصـم عـن جـسـده بـطـريـقـة مـخـتـلـفـة، ولـم تـنـكـسـر كـتـفـه الـيـسـرى مـثـلـمـا انـكـسـرت كـتـف تـمـثـال الـلـوفـر.

وهـو يـبـدو في هـذا الـتّـمـثـال أكـبـر سـنّـاً، ونـلاحـظ عـلى وجـهـه غـضـونـاً وبـرزت عـظـام حـنـكـه، وفـقـد فـمـه ابـتـسـامـتـه فـهـو غـارق في خـشـوع تـمـلـك عـلـيـه كـلّ كـيـانـه.
ويـذكـر الـنّـصّ الـمـنـقـوش عـلـيـه : “غـوديـا الّـذي شـيّـد الـمـعـبـد. أطـال الإلـه في عـمـره !”.

وكـان الـمـتـحـف الـعـراقي في بـغـداد يـحـتـفـظ بـجـسـد تـمـثـال لـغـوديـا جـالـسـاً، إرتـفـاعـه 35،4 سـم. وقـد وجـد رأسـه في فـيـلادلـفـيـا، الـولايـات الـمـتّـحـدة الأمـريـكـيـة، وصـبّـت لـه نـسـخـة جـبـسـيـة ألـصـقـت عـلى الـجـسـد :

غوديا بغداد (688x1024)

ويـبـدو فـيـه غـوديـا أكـثـر نـحـافـة وأقـل اسـتـدارة مـنـه في الـتّـمـاثـيـل الأخـرى، وتـبـدو جـلـسـتـه أكـثـر تـصـلّـبـاً. وقـد وجـد جـسـد الـتّـمـثـال عـنـد مـهـرّب آثـار، وأدخـل إلى الـمـتـحـف الـعـراقي.

وكـان الـتّـمـثـال مـكـرّسـاً لـعـبـادة الإلـه نـيـن غـيـش زيـدا كـمـا يـذكـره الـنّـصّ الـمـنـقـوش عـلـيـه : “غـوديـا الّـذي شـيّـد مـعـبـد الإيـنـيـنـو، مـعـبـد الإلـه نـيـن غـرسـو، نـحـت هـذا الـتّـمـثـال لإلـهـه نـيـن غـيـش زيـدا، وأسـمـاه “الّـذي شـيّـد الـمـعـبـد”، ونـصـبـه في حـرمـه”.

تـمـاثـيـل غـوديـا واقـفـاً :

لا شـكّ في أنّ أهـمّ تـمـاثـيـل هـذه الـمـجـمـوعـة تـمـثـال غـوديـا “بـالـجـرّة الّـتي تـنـبـثـق مـنـهـا الـمـيـاه”، (إرتـفـاعـه 62 سـم.) والـمـحـفـوظ في مـتـحـف الـلـوفـر في بـاريـس :

غوديا واقفاً

ونـرى في هـذا الـتّـمـثـال غـوديـا، أمـيـر لـغـش، واقـفـاً، يـمـسـك بـيـديـه جـرّة يـنـبـثـق مـنـهـا نـبـع مـاء يـتـسـاقـط في سـيـلـيـن يـصـلان إلى أسـفـل الـتّـمـثـال، تـشـكـلّ كـلّ واحـد مـنـهـمـا أربـعـة خـطـوط مـتـعـرّجـة مـتـوازيـة تـتـسـلّـقـهـا مـن جـانـبـيـهـا أسـمـاك صـغـيـرة. وقـد نـحـت هـذا الـجـزء مـن الـتّـمـثـال بـتـقـنـيـة الـنّـحـت الـقـلـيـل الـبـروز الّـذي غـالـبـاً مـا يـسـتـعـمـل عـلى الألـواح الـمـسـطّـحـة أو عـلى الـجـدران :

غوديا والمياه (362x800) (3)

وتـرتـبـط “الـجـرّة الّـتي تـنـبـثـق مـنـهـا الـمـيـاه” اعـتـيـاديـا بـالإلـه إنـكي، سـيّـد الـمـيـاه، الّـذي يُـصـور حـامـلاً الـجـرّة. ولـهـذا يـبـدو غـريـبـاً لأوّل وهـلـة أن نـجـدهـا بـيـن يـدي غـوديـا. فـهـل وهـبـه الإلـه إنـكي الـقـدرة عـلى إحـيـاء أراضي دويـلـة لـغـش بـتـجـديـده لـقـنـوات الـمـيـاه الّـتي كـانـت قـد خـربـت في فـتـرات الإضـطـرابـات الّـتي تـلـت سـقـوط الـدّولـة الأكّـديـة، ولـتـشـيـيـده لـقـنـوات أخـرى ؟ ولا شـكّ في أنّـه يـقـدّم الـمـيـاه، مـصـدر ثـروة دويـلـتـه إلى إلـهـه دلـيـلاً عـلى طـاعـتـه الـمـطـلـقـة لـه.

وقـد وجـد الـمـنـقـبـون لـوحـاً حـجـريـاً مـنـحـوتـاً قـلـيـل الـبـروز يـصّـور عـدّة جـرار تـنـبـثـق مـنـهـا الـمـيـاه مـمـا يـدلّ عـلى شـيـوع هـذا الـمـوضـوع في فـتـرة غـوديـا :

جرار المياه (754x1024)

ويـتـمـيـز تـمـثـال غـوديـا بـ “الـجـرّة الّـتي تـنـبـثـق مـنـهـا الـمـيـاه” بـأنّـه الـوحـيـد الّـذي لا يـصـوّر غـوديـا عـاقـداً يـديـه الـواحـدة بـالأخـرى، وإنّـمـا يـمـسـك بـجـرّة. ونـراه وعـلى وجـهـه الـحـلـيـق نـفـس تـعـبـيـر الـخـشـوع الـهـادئ الّـذي لاحـظـنـاه في تـمـاثـيـلـه جـالـسـاً، وإن كـانـت مـلامـح وجـهـه تـظـهـره أصـغـر سـنّـاً، وعـلى رأسـه نـفـس “الـجـراويـة” الـعـراقـيـة الّـتي رسـمـت فـيـهـا دوائـر دقـيـقـة الـتّـنـفـيـذ :

غوديا والمياه (362x800) (4)

ويـرتـدي ثـوبـاً طـويـلاً يـصـل إلى مـا فـوق قـدمـيـه الـحـافـيـتـيـن، فـهـو في حـرم مـعـبـد خـلـع فـيـه نـعـلـيـه.

وقـد نـقـش الـنّـصّ الـسّـومـري الـمـسـجّـل بـالـكـتـابـة الـسّـومـريـة مـن تـحـت يـدَي غـوديـا وحـتّى أسـفـل ثـوبـه. ولـكي نـسـتـطـيـع قـراءتـه يـنـبـغي أن نـنـظـر إلـيـه مـن الـيـسـار ونـتـابـع رمـوزه مـن الأعـلى نـحـو الأسـفـل.

ونـحـت هـذا الـتّـمـثـال الـصّـغـيـر نـسـبـيـاً في حـجـر الـكـالـسـيـت، لا في صـخـر الـدّيـوريـت الـبـركـاني الأسـود. ونـلاحـظ أنّ أسـلـوب نـحـت هـذا الـتّـمـثـال يـخـتـلـف عـمّـا رأيـنـاه حـتّى الآن فـهـو أكـثـر اسـتـدارة وامـتـلاء مـنـهـا. ويـكـفي لـذلـك أن نـتـمـعـن الـنّـظـر في تـقـاطـيـع الـوجـه أو في تـخـطـيـط الـيـديـن.

ولا شـكّ في أنّ هـذه الـتّـمـاثـيـل الّـتي تـصـوّر غـوديـا في مـراحـل مـخـتـلـفـة مـن فـتـرة حـكـمـه الـطـويـلـة نـحـتـهـا عـدّة حـرفـيـون يـتـقـنـون مـهـنـتـهـم، وكـانـوا يـشـرفـون عـلى عـدّة مـحـتـرفـات تـضـمّ نـحـاتـيـن آخـريـن ومـسـاعـديـن مـبـتـدئـيـن وعـمـالاً يـقـومـون بـالـمـهـمـات الـشّـاقـة مـثـل قـطـع الـصّـخـر أو صـقـلـه …إلـخ. مـمـا يـفـسّـر الإخـتـلافـات بـيـن أسـالـيـب بـعـض الـتّـمـاثـيـل.

والـتّـمـثـال الـثّـاني الـمـهـمّ مـن مـجـمـوعـة “غـوديـا واقـفـاً” هـو مـا يـطـلـق عـلـيـه “غـوديـا الّـذي لا كـتـابـة عـلـيـه” (إرتـفـاعـه : 107 سـم.) :

غوديا بلا كتابة مواجهة (301x800)

وهـو تـمـثـال لـيـس عـلـيـه نـصّ كـتـابي مـنـقـوش رغـم اكـتـمـالـه الـمـثـيـر لـلإعـجـاب. ونـسـتـنـتـج مـنـه أنّ الـنـصّ الـمـكـتـوب يـنـقـش عـلى الـتّـمـثـال بـعـد اكـتـمـالـه وصـقـلـه. ولا نـعـرف لـمـاذا لـم يـنـقـش الـنّـصّ عـلى هـذ الـتّـمـثـال. ربّـمـا بـسـبـب وفـاة غـوديـا قـبـل أن يـنـظـم دعـاء الـنّـصّ.

ورغـم أنّـه لـيـس عـلى هـذا الـتّـمـثـال نـصّ مـنـقـوش، إسـتـنـتـج الـمـخـتـصّـون بـمـقـارنـات أسـلـوبـيـة وتـقـنـيـة أنّـه يـنـتـمي إلى مـجـمـوعـة تـمـاثـيـل غـوديـا. وكـان مـن مـمـتـلـكـات تـقي الـدّيـن بـاشـا والي الـبـصـرة الّـذي أخـذه كـحـصّـة لـلـدّولـة الـعـثـمـانـيـة مـن بـيـن مـا عـثـر عـلـيـه دو سَـرزيـك في تـنـقـيـبـاتـه، ثـمّ بـاعـه ورثـتـه لـجـامـع آثـار فـرنـسي.

وقـد قـصـم رأس الـتّـمـثـال وفـصـم عـن جـسـده مـثـل الـتّـمـاثـيـل الأخـرى، وتـهـشـمـت بـعـض سـطـوحـه وخـاصـة أنـفـه وجـزؤه الـسّـفـلي :

غوديا بلا كتابة جانبياً (299x800)

ومـع ذلـك يـمـكـنـنـا أن نـتـأمّـل الـدّرجـة الـعـالـيـة مـن الـمـهـارة الّـتي بـلـغـهـا نـحـاتـو غـوديـا في تـصـويـر بـروز الـعـضـلات :

غوديا بلا كتابة 2 (513x800)
وفي تـخـطـيـط الـيـديـن الّـذي تـوصـلـوا فـيـه إلى أسـلـبـة هـنـدسـيـة لـم يـسـبـق لـهـا مـثـيـل :

غوديا بلا كتابة (576x800)

ونـلاحـظ أيـضـاً اخـتـلاف أسـلـوبـه عـن أسـلـوب غـوديـا “بـالـجـرّة الّـتي تـنـبـثـق مـنـهـا الـمـيـاه”، مـمـا يـدلّ عـلى أنّ مـحـتـرَفـاً آخـر مـخـتـلـفـاً قـام بـنـحـتـه.

كـمـا يـحـتـفـظ مـتـحـف الـلـوفـر في بـاريـس بـتـمـثـال “غـوديـا  A” :

Gudéa A (662x1280)

وكـذلـك بـتـمـثـالَي غـوديـا “الـعـريـض الـكـتـفـيـن ” و “الـضّـيّـق الـكـتـفـيـن”، الـلـذيـن عـثـر عـلى جـسـديـهـمـا في تـنـقـيـبـات دو سَـرزيـك عـام 1881 :

أكتاف (945x1024)

ولا نـعـرف هـل يـأتي هـذا الإخـتـلاف في مـقـايـيـس أقـسـام الـجـسـد مـن اخـتـلاف أسـلـوبَي نـحّـاتَـيـن مـخـتـلـفـيـن أم مـن حـجـم قـطـعـة الـصّـخـر الّـتي نـحـتـهـا كـلّ مـنـهـمـا. ويـبـدو مـن أسـلـوبـهـمـا أنـهـمـا نـحـتـا في نـفـس الـمـحـتـرف.

ويـحـتـفـظ الـمـتـحـف الـبـريـطـاني في لـنـدن بـتـمـثـال غـوديـا “حـاسـر الـرأس”، وهـو مـكـسـور الأسـفـل، نـحـت في صـخـر الـدّيـوريـت الـبـركـاني الأسـود. ويـبـلـغ ارتـفـاع مـا تـبـقى مـنـه 73،6 سـم. :

غوديا الحاسر الرأس (918x1280)

وهـو بـالـغ الإكـتـمـال في نـحـتـه وصـقـلـه ولـكـنّـه يـخـتـلـف في أسـلـوبـه عـن أغـلـب تـمـاثـيـل غـوديـا في تـقـاطـيـع وجـهـه وخـاصـة في رسـم الـفـم.

وقـد اشـتـرى مـتـحـف الـلـوفـر في بـاريـس عـام 1987 تـمـثـالاً لـغـوديـا واقـفـاً مـن صـخـر الـدّيـوريـت الـبـركـاني الأسـود، إرتـفـاعـه : 70،5 سـم. وعـرضـه : 22،4 سـم. :

Gudea debout

ويـصـوّر غـوديـا نـحـيـفـاً ضـيّـق الـكـتـفـيـن طـويـل الـقـامـة.

كـمـا أنّ مـجـمـوعـة مـقـتـنـيـات أدولـف سـتـوكـلـيـت Collection Adolphe Stoclet تـمـتـلـك تـمـثـالاً مـن الـسّـربـنـتـيـن، (الـرّخـام الـمـرقّـط) لـغـوديـا واقـفـاً، كـان سـابـقـاً في بـروكـسـل، بـلـجـيـكـا، ونـلاحـظ فـيـه اخـتـلافـاً في وضـع الـيـديـن، فـهـو يـضـع يـده الـيـمـنى فـوق يـده الـيـسـرى. وهـو ولا شـكّ يـسـتـحـق الاهـتـمـام والـدّراسـة وإن لـم أجـد عـنـه مـعـلـومـات كـثـيـرة :

غوديا بروكسل (287x800)

ووجـدت صـورة تـمـثـال لـغـوديـا في كـوبـنـهـاغـن، الـدنـمـارك، لـم أجـد عـنـه مـعـلـومـات بـعـد :

غوديا كوبنهاغن

رؤوس غـوديـا : 

وجـد الـمـنـقّـبـون رؤوسـاً مـن تـمـاثـيـل لـغـوديـا لـم يـعـثـروا عـلى أجـسـادهـا، مـثـل الـرّأس الّـذي يـمـتـلـكـه مـتـحـف الـلـوفـر في بـاريـس، (إرتـفـاعـه : 23 سـم.)، والّـذي تـكـسّـرت بـعـض أجـزائـه :

رأس

وكـان ولا شـكّ جـزءاً مـن تـمـثـال نـحـت في صـخـر الـدّيـوريـت الـبـركـاني الأسـود. ويـبـدو فـيـه غـوديـا في عـزّ شـبـابـه.

ومـنـهـا الـرّأس الـمـعـروف بـ “رأس بـرلـيـن”، بـنـصـف الـحـجـم الـطّـبـيـعي. وقـد وجـد عـنـد بـائـع آثـار، ودخـل في مـجـمـوعـات مـتـحـف بـرلـيـن            Berlin, Vorderasiatisches Museum في ألـمـانـيـا.

ونـلاحـظ تـمـلـك الـنّـحّـات لـفـنّـه إلى درجـة أعـلى مـمـا في تـمـاثـيـل صـخـر الـدّيـوريـت الـشّـديـد الـصّـلابـة، وقـدرتـه الّـتي تـثـيـر الإعـجاب في إظـهـار الـتّـفـاصـيـل بـدقّـة بـالـغـة وخـاصّـة في الـفـم والأنـف والـعـيـنـيـن. وربّـمـا يـعـود ذلـك أيـضـاً إلى سـهـولـة نـحـت الـحـجـر الـمـسـتـعـمـل مـقـارنـة بـالـصّـخـر الـبـركـاني :

img298

غـوديـا أم أور نـيـن غـرسـو ؟

يـحـتـفـظ مـتـحـف الـلـوفـر أيـضـاً بـرأس تـمـثـال فُـقـد جـسـده. وهـو رأس شـاب حـلـيـق الـرأس والـوجـه عـلى درجـة عـالـيـة مـن مـهـارة الـتّـنـفـيـذ.

ونـلاحـظ فـيـه الـتّـقـدم الـتّـقـني الّـذي بـلـغـه نـحّـاتـو لـغـش مـقـارنـة بـنـحـاتي الـفـتـرات الـسّـابـقـة والـقـوّة الـتّـعـبـيـريـة الّـتي أضـفـوهـا عـلى مـنـحـوتـاتـهـم :

رأس غوديا (666x800)

وكـان عـالـم الآثـار الـفـرنـسي أنـدريـه بـارو André Parrot أوّل مـن تـسـاءل، في عـام 1957، إنّ كـان يـمـثـل غـوديـا أم ابـنـه أور نـيـن غـرسـو؟ هـذا إن كـان أور نـيـن غـرسـو ابـن غـوديـا، لأنّ بـعـض الـمـؤرخـيـن اسـتـنـتـجـوا مـن الـنّـصـوص أنّـه كـان زوج ابـنـتـه، وأنّـه يـنـبـغي فـهـم كـلـمـة “ابـن” الّـتي نـجـدهـا في بـعـض الـنّـصـوص كـاسـتـعـمـال “مـودّة عـائـلـيـة”.

وقـد نـحـت الـرّأس في صـخـر الـدّيـوريـت الـبـركـاني الأسـود الـعـالي الـقـيـمـة والـمـخـصـص لـلـمـنـحـوتـات الإسـتـثـنـائـيـة. وقـد نـحـت في نـفـس قـطـعـة الـصّـخـر الّـتي نـحـت فـيـهـا تـمـثـال غـوديـا “الـصّـغـيـر”.

وقـد اسـتـنـتـج أنـدريـه بـارو مـن ذلـك أنّ هـذا الـرّأس لا يـمـكـن أن يـمـثّـل إلّا أور نـيـن غـرسـو، إبـن غـوديـا الـبـكـر (أو زوج ابـنـتـه)، والّـذي خـلـفـه في حـكـم لـغـش (مـن 2125 إلى 2100 قـبـل الـمـيـلاد تـقـريـبـاً). ولـيـثـبـت ذلـك قـارنـه بـرأس آخـر (فـقـد جـسـده) لـغـوديـا وعـلى رأسـه “الـجـراويـة” الّـتي ارتـادهـا بـعـد اسـتـلامـه لـمـقـالـيـد الـسّـلـطـة.

ويـمـتـلـك مـتـحـف الـلـوفـر في بـاريـس، تـمـثـالاً مـن حـجـر الـبَـلَـق الـجـبـسي يـمـثـل جـسـد أور نـيـن غـرسـو واقـفـاً وقـد عـقـد يـديـه خـشـوعـاً أمـام إلـهـه عـلى طـريـقـة غـوديـا. وقـد دخـل رأس الـتّـمـثـال في مـتـحـف الـمـتـروبـولـيـتـان Metropolitan الـنّـيـويـوركي. ولـديـنـا صـورة لـجـسـد الـتّـمـثـال الـلـوفـري ورأسـه  الـمـتـروبـولـيـتـاني عـنـدمـا جـمـعـا مـعـاً في مـعـرض مـؤقـت :

Ur NIngirsu (325x800)

ونـرى عـلى قـاعـدتـه مـنـحـوتـات، لـم تـكـن تـوضـع عـلى تـمـاثـيـل غـوديـا، تـمـثّـل عـدداً مـن الـرّجـال الـرّاكـعـيـن يـحـمـلـون سـلاسـاً مـلـيـئـة بـالـغـلال. ولأنّـهـم صـوّروا مـخـتـلـفـيـن الـواحـد مـنـهـم عـن الآخـر فـيـمـكـن أن يـكـونـوا رؤسـاء عـشـائـر يـجـلـبـون ضـرائـبـهـم طـاعـة لـلأمـيـر :

Ur NIngirsu (325x800) (2)

كـمـا يـمـتـلـك مـتـحـف بـرلـيـن  Berlin, Vorderasiatisches Museum تـمـثـالاً مـن صـخـر الـدّيـوريـت الـبـركـاني الأسـود، إرتـفـاعـه : 20 سـم. ذكـر الـنّـصّ الـمـنـقـوش عـلى ظـهـره أنّـه يـصـور أور نـيـن غـرسـو مـلـتـحـيـاً، وهـو شئ بـالـغ الـنّـدرة في الـفـتـرة الـسّـومـريـة :

أور نين غرسو ملتحياً (903x1280)

ويـبـدو فـيـه أمـيـر لـغـش مـتـقـدمـاً في الـسّـنّ. ونـلاحـظ قـلّـة اعـتـنـاء الـنّـحـات بـتـنـفـيـذ تـمـثـالـه أو ربّـمـا قـلّـة تـمـلـكـه لـفـنّـه.

تـمـثـال “الـمـرأة ذات الـوشـاح”، زوجـة غـوديـا ؟ :

عـثـر في تـنـقـيـبـات غـرسـو عـلى تـمـثـال كـسـر أسـفـلـه، إرتـفـاع مـا بـقي مـنـه : 18 سـم. يـمـثـل امـرأة وضـعـت يـداً عـلى يـد في صـلاة خـاشـعـة أمـام إلـهـهـا.

وكـان عـالـم الآثـار الـفـرنـسي أنـدريـه بـارو André Parrot قـد اقـتـرح، في عـام1957، أنّـه يـمـثـل زوجـة غـوديـا لـشـبـه وجـده بـيـن مـلامـحـهـا ومـلامـح أور نـيـن غـرسـو الّـذي كـان يـعـتـقـد أنّـه ابـنـهـا مـن زوجـهـا غـوديـا. ويـعـتـقـد بـعـض الـمـخـتـصـيـن الآن أنّ أور نـيـن غـرسـو، كـمـا سـبـق أن ذكـرنـا، زوج ابـنـة غـوديـا ولـيـس ابـنـه، ولـهـذا يـمـكـن أن تـكـون امـرأة الـتّـمـثـال مـن أمـيـرات عـائـلـة غـوديـا لا زوجـتـه :

3زوجة غوديا

مـنـحـوتـات قـلـيـلـة الـبـروز :

عـثـر الـمـنـقـبـون عـلى مـنـحـوتـات قـلـيـلـة الـبـروز مـن فـتـرة حـكـم غـوديـا، أعـرض عـلـيـكـم واحـدة مـنـهـا تـمـثـل غـوديـا (في أقـصى الـيـسـار) حـاسـر الـرّأس حـلـيـق الـشّـعـر يـمـسـك بـيـده الـيـمـنى سـعـفـة نـخـيـل. ويـمـسـك الإلـه نـيـن غـيـش زيـدا بـذراع غـوديـا الـيـسـرى، وأمـامـهـمـا (أو بـجـنـبـهـمـا) إلـه آخـر، لـيـقـدّمـه لـلإلـه أيـا (إنـكي) الّـذي نـرى كـرسـيـه في الـجـزء الـمـكـسـور في يـمـيـن الـمـنـحـوتـة :

تقديم الآلهة لغوديا (1024x796)

ويـمـكـنـنـا أن نـبـصـر بـرأس حـيـوان الإلـه إنـكي الّـذي يـرمـز إلـيـه، كـمـا يـمـكـنـنـا أن نـبـصـر بـالـخـطـوط الأربـعـة الـمـتـعـرجـة الـمـتـوازيـة لـلـمـيـاه الّـتي تـنـبـثـق مـن جـرتـه الّـتي تـتـسـلـقـهـا الأسـمـاك.

وأخـتـم هـذا الـعـرض الـسّـريـع بـذكـر اسـتـغـرابي مـن قـلّـة الـدّراسـات، وحـتّى بـالـلـغـات الأجـنـبـيـة، الـتّي خـصـصـت لـمـجـمـوعـة الـمـنـحـوتـات هـذه الّـتي تـسـتـحـق اهـتـمـامـاً أكـبـر. وسـأحـاول في مـقـالات قـادمـة الـتّـعـمـق في دراسـتـهـا ومـقـارنـة تـفـاصـيـلـهـا فـيـمـا بـيـنـهـا، ومـقـارنـتـهـا بـمـنـحـوتـات بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن الّـتي سـبـقـتـهـا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*)  نـشـر هـذا الـمـقـال في مـدونـة “الـمِلْـوَنـة”، تـمّـوز 2018.
(1)  أسـس سـرجـون الإمـبـراطـوريـة الأكّـديـة الّـتي سـيـطـرت عـلى بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن ومـا جـاورهـا في الـقـرن الـرّابـع والـعـشـريـن قـبـل الـمـيـلاد، وسـقـطـت في الـقـرن الـثّـاني عـشـر قـبـل الـمـيـلاد.
(2)  أسـس أور نـامّـو سـلالـة أور الـثّـالـثـة في الـقـرن الـثّـاني عـشـر قـبـل الـمـيـلاد، والّـتي دامـت حـوالي قـرن كـامـل.
(3)   تـأتي أهــيـة تـنـقـيـبـات إرنـسـت دو سَـرزيـك مـن أنّـهـا أثـبـتـت وجـود الـسّـومـريـيـن تـاريـخـيـاً. وكـانـت الـفـكـرة الـسّـائـدة مـنـذ أن اكـتـشـف بـول إمـيـل بـوتـا Paul-Emile Botta قـصـر الـمـلـك الآشـوري سـرجـون الـثّـاني عـام 1842، في خـورسـبـاد، قـرب الـمـوصـل، ثـمّ تـبـعـه  اكـتـشـاف آثـار بـابـل، أنّ الـبـابـلـيـيـن والآشـوريـيـن كـانـوا أقـدم شـعـوب مـا بـيـن الـنّـهـريـن وأنّـهـم هـم الّـذيـن اخـتـرعـوا الـكـتـابـة. ولـكـنّ عـالـم الآشـوريـات جـول أوبـيـر Jules Oppert اسـتـنـتـج مـمـا درسـه مـن آثـار ونـصـوص أنّـه كـان هـنـاك شـعـب “غـيـر سـامي” سـبـقـهـم، وأنّـه هـو الّـذي اخـتـرع الـكـتـابـة الّـتي أخـذهـا عـنـه الـسّـامـيـون : الأكّـديـون والـبـابـلـيـون والآشـوريـون. وكـان قـد وجـد في الـنّـصـوص الـقـديـمـة أنّ مـلـوك بـابـل كـانـوا يـطـلـقـون عـلى أنـفـسـهـم، مـن بـيـن ألـقـابـهـم الأخـرى : “مـلـوك بـلاد سـومـر”. وهـكـذا تـوصّـل إلى تـسـمـيـتـهـم بـالـسّـومـريـيـن. وقـد جـاءت تـنـقـيـبـات دو سَـرزيـك وعـثـوره عـلى آثـار دويـلـة لـغـش بـالإثـبـات الـقـاطـع لـصـحـة نـظـريـة جـول أوبـيـر.

أنـظـر مـقـالي :  كـيـف خـرج الـسّـومـريـون مـن غـيـاهـب الـنّـسـيـان

(4) كـان مـلـك فـرنـسـا، لـويـس فـيـلـيـب، قـد افـتـتـح في 1 أيّـار 1847 “الـمـتـحـف الآشـوري   Le musée assyrien”، الّـذي خـصـصـت لـه قـاعـتـان في داخـل مـتـحـف الـلـوفـر في بـاريـس.

©حـقـوق الـنّـشـر مـحـفـوظـة لـلـدّكـتـور صـبـاح كـامـل الـنّـاصـري

يـرجى طـلـب الإذن مـن الـكـاتـب قـبـل إعـادة نـشـر هـذا الـمـقـال.

مـن مـسـقـط إلى بـغـداد، جـولـة ضـابـط اسـتـخـبـارات بـريـطـاني عـام 1906

Malleson 22

الـدّكـتـور صـبـاح الـنّـاصـري

غـادر الـلـيـوتـنـات ــ كـولـونـيـل ولـفـريـد مـالـيـسـون  Wilfrid Malleson، الّـذي كـان ضـابـط اسـتـعـلامـات عـسـكـريـة في الـجـيـش الـبـريـطـاني، مـديـنـة سِـمـلا  Simla، في الـهـنـد الـبـريـطـانـيـة، في 7 كـانـون الأوّل مـن عـام 1906، لـيـقـوم بـجـولـة جـمـع مـعـلـومـات عـن مـنـطـقـة الـخـلـيـج وجـنـوب الـعـراق، الّـذي كـان يـنـتـمي في تـلـك الـفـتـرة، إلى مـا كـان الـبـريـطـانـيـون يـسـمـونـه “بـلاد الـعـرب الـتّـركـيـة  Turkish Arabia”. فـقـد كـانـت ولايـات الـبـصـرة وبـغـداد والـمـوصـل تـنـتـمي في ذلـك الـحـيـن إلى الـدّولـة الـعـثـمـانـيـة. وقـد اسـتـمـرت الـجـولـة حـتّى يـوم 28 مـن نـفـس الـشّـهـر.

وكـان نـفـوذ بـريـطـانـيـا الـتّـجـاري قـد امـتـدّ إلى الـخـلـيـج، وبـدأت بـتـوسـيـع طـمـوحـاتـهـا لـلإسـتـيـلاء عـلى مـا كـان تـحـت الـسّـلـطـة الـعـثـمـانـيـة في شـمـالـه.

وكـتـب ولـفـريـد مـالـيـسـون بـعـد انـتـهـاء جـولـتـه، ورجـوعـه إلى مـقـرّ عـمـلـه في الـهـنـد الـبـريـطـانـيـة، تـقـريـراً عـن الـمـهـمّـة الّـتي قـام بـهـا، تـحـت عـنـوان “يـومـيـات جـولـة في الـخـلـيـج الـفـارسي وبـلاد الـعـرب الـتّـركـيـة، كـانـون الأوّل 1906” (1) :

‘DIARY OF A TOUR IN THE PERSIAN GULF AND IN TURKISH ARABIA, DECEMBER, 1906’

Malleson 0

وطـبـع الـتّـقـريـر بـالـمـونـوتـايـب في مـطـبـعـة الـحـكـومـة في مـديـنـة سِـمـلا  Simla  عـام 1907، (Simla: Government Monotype Press, 1907)  في 38 صـفـحـة. وطـبـعـت كـلّ صـفـحـة عـلى عـمـود طـويـل يـحـتـوي عـلى 61  نـصـف سـطـر تـقـريـبـاً، وضـعـت مـقـابـلـهـا، في الـنّـصـف الـفـارغ، عـنـاويـن الـمـقـاطـع  :

Malleson 000

وقـد ألـحـق ولـفـريـد مـالـيـسـون بـنـصّ تـقـريـره ورقـة عـلـيـهـا عـمـلان طـبـاعـيـان، الأوّل لـمـدخـل مـيـنـاء مـسـقـط ، والـثّـاني لـمـحـطّـة الـتّـلـغـراف ومـكـتـب الـبـريـد في مـيـنـاء الـفـاو في جـنـوب الـبـصـرة، ثـمّ عـدّة ورقـات ألـصـق عـلـيـهـا 53 صـورة فـوتـوغـرافـيـة : عـلى كـلّ صـفـحـة مـن صـفـحـتـيـن مـنـهـا صـورتـيـن، إلّا الـصّـفـحـة الأخـيـرة الّـتي ألـصـق عـلـيـهـا صـورة واحـدة. وسـأريـكـم بـعـضـهـا خـلال عـرضـنـا لـهـذه الـيـومـيـات.

وكـتـب بـخـطّ يـده تـحـت كـلّ صـورة مـنـهـا أو بـجـانـبـهـا شـرحـاً لـمـوضـوعـهـا والـمـكـان الّـذي الـتـقـطـت فـيـه، والّـذي غـالـبـاً مـا كـان الـبـصـرة أو بـغـداد. وقـد اعـتـذر ولـفـريـد مـالـيـسـون في مـقـدمـة تـقـريـره عـن سـوء نـوعـيـة صـوره ورداءة طـبـعـهـا.

ووضـع في نـهـايـة الـتّـقـريـر خـارطـتـيـن عـن مـنـطـقـة الـخـلـيـج. ولا نـعـرف بـكـم نـسـخـة طـبـع هـذا الـتّـقـريـر.

نـصّ الـتّـقـريـر

يـبـدأ الـتّـقـريـر بـمـقـدمـة كـتـبـهـا ولـفـريـد مـالـيـسـون في 10 شـبـاط 1907. أي بـعـد فـتـرة قـصـيـرة جـدّاً مـن رجـوعـه مـن جـولـتـه. وبـعـد هـذه الـمـقـدمـة، يـبـدأ نـصّـه كـيـومـيـات، إبـتـداءً مـن صـفـحـة رقـم (4). ونـفـهـم مـمـا كـتـب في أعـلى يـسـار الـصّـفـحـة أنّـه تـقـريـر سـرّي (Confidential)، أي أنّـه لـم يـطـبـع لـيـنـشـر لـلـجـمـهـور الـواسـع.

وقـد كـتـب ولـفـريـد مـالـيـسـون أولى يـومـيـاتـه في 3 كـانـون الأوّل 1906، عـنـدمـا كـان عـلى مـتـن الـسّـفـيـنـة الـبـخـاريـة الّـتي أوصـلـتـه إلى مـدخـل مـيـنـاء مـسـقـط ، والّـذي كـان مـرسى أكـثـر مـنـه مـيـنـاءً. وتـكـلّـم في الـصّـفـحـات الـثـلاث الأولى عـن مـغـادرتـه لـمـديـنـة سِـمـلا في الـهـنـد في 9 تـشـريـن الـثّـاني، وعـن الـمـوانئ الّـتي مـرّ بـهـا قـبـل وصـولـه إلى مـيـنـاء مـسـقـط.

وكـتـب الـيـومـيـة الـتّـالـيـة في الـبـصـرة يـوم 7 كـانـون الأوّل، ويـروي فـيـهـا وصـولـه إلى مـسـقـط الّـتي وجـد فـيـهـا سـحـراً غـريـبـاً “خـاصّـاً بـهـا”. وهي مـيـنـاء هـادئ أهـمّ مـا يـحـدث فـيـه وصـول سـفـيـنـة تـجـاريـة مـن كـراتـشي مـرّة في كـلّ اسـبـوع. وخـصـص مـقـطـعـاً صـغـيـراً لـوصـف هـذا الـمـيـنـاء الـمـستـنـد عـلى صـخـور بـركـانـيـة، وذكـر الأوربـيـيـن الـخـمـسـة الـمـقـيـمـيـن فـيـه، ومـسـاكـنـهـم الـبـيـضـاء الـمـطـلّـة عـلى الـمـيـنـاء، إلى جـانـب مـكـتـب الـبـريـد وقـصـر الـسّـلـطـان وبـعـض الـحـصـون :

Malleson Masqat

وقـد نـزل ولـفـريـد مـالـيـسـون مـن الـسّـفـيـنـة الـبـخـاريـة والـتـقى بـالـقـنـصـل الـبـريـطـاني في مـسـقـط الّـذي أطـعـمـه أسـمـاكـاً مـن نـوعـيـات مـمـتـازة. ولـم تـسـنـح لـه الـفـرصـة لـتـذوّق مـحّـار مـسـقـط الّـذي سـمـع انّـه “لـيـس هـنـاك ألـذّ مـنـه  في الـعـالـم”. وذكـر أنّ الأعـنـاب والـتّـمـور تـأتـيـهـا مـن جـزر بـعـيـدة، ولاحـظ انّ تـجـارتـهـا كـانـت خـاصّـة في بـيـع وشـراء الأسـلـحـة، وأنّ دكـاكـيـنـهـا مـلـيـئـة بـالـسّـيـوف والـبـنـادق.

ثـمّ ألـحـق مـلاحـظـات كـتـبـهـا الـكـابـتـن هـاي، والّـتي سـجّـل فـيـهـا بـالـتّـفـصـيـل كـلّ أجـزاء الـمـيـنـاء وعـمـق الـمـيـاه وإمـكـانـيـة الإبـحـار فـيـهـا … وكـلّ مـا يـمـكـن أن يـنـفـع لـلـقـيـام بـعـمـلـيـات عـسـكـريـة في الـمـنـطـقـة. وصـعـدت الـسّـفـيـنـة عـن طـريـق بـوشـهـر والـكـويـت والـمـحـمّـرة إلى الـبـصـرة.

ووصـل ولـفـريـد مـالـيـسـون وأصـحـابـه إلى الـفـاو :

Malleson 00

ودخـلـوا في شـطّ الـعـرب. وكـان عـلـيـهـم  قـبـل أن يـدخـلـوا الـبـصـرة، أن يـبـقـوا عـلى الـسّـفـيـنـة مـدّة الـحـجـر الـصّـحي. وتـأمّـل مـن الـسّـفـيـنـة ثـلاث أو أربـع سـفـن بـخـاريـة تـجـاريـة تـحـمّـل أو تـفـرغ حـمـولـتـهـا، ومـراكـب مـحـلّـيـة، وبـعـض الأبـنـيـة مـن الـطّـيـن أو الـطّـابـوق عـلى الـشّـاطئ، ولـكـنّـه لـم يـسـتـطـع رؤيـة الـمـديـنـة، ولـم يـلـتـقـط لـهـا صـوراً فـوتـوغـرافـيـة. وقـرر أن يـصـعـد نـحـو بـغـداد لـزيـارتـهـا : “فـهـذه الـزّيـارة سـتـسـاعـدنـا عـلى الأقـل عـلى اسـتـطـلاع الـرأي الـعـام وجـمـع الـمـعـلـومـات”.

وكـتـب مـالـيـسـون يـومـيـتـه الـثّـالـثـة في 20 كـانـون الأوّل. ويـعـود فـيـهـا إلى وصـولـهـم إلى الـبـصـرة ويـذكـر كـيـف أجـبـروا، في الـيـوم الـتّـالي لـوصـولـهـم أمـام الـبـصـرة، أي في يـوم 8 كـانـون الأوّل إلى الـنـزول مـن سـفـيـنـتـهـم الـبـخـاريـة لـيـذهـبـوا مـع خـدمـهـم وحـقـائـبـهـم إلى مـركـز الـحـجـر الـصّـحي. وقـد خـصـصـت لـهـم فـيـه غـرفـتـان صـغـيـرتـان. ويـتـكـلّـم عـن قـلّـة نـظـافـة الـمـكـان وازدحـامـه بـالـمـئـات مـن الـزّوار الـمـتـجـهـيـن نـحـو الأمـاكـن الـمـقـدّسـة وخـاصّـة مـن الآتـيـن مـن الـبـحـريـن، وعـن سـوء نـوعـيـة الأطـعـمـة الّـتي حـصـلـوا عـلـيـهـا.

واتّـصـل ولـفـريـد مـالـيـسـون بـالـقـنـصـلـيـة الـبـريـطـانـيـة الّـتي لـم تـسـتـطـع أن تـبـعـث لـهـم بـطـبّـاخ. وكـان في الـغـرفـة الـثّـالـثـة يـهـوديـان، أب وابـنـه، ولـهـمـا طـبّـاخ عـربي يـعـدّ لـهـمـا وجـبـاتـهـمـا. فـوجّـهـا لـمـالـيـسـون وأصـحـابـه الـدّعـوة لـلأكـل مـعـهـمـا. وكـان الأب لا يـتـكـلّـم إلّا الـعـربـيـة والـعـبـريـة، أمّـا الإبـن فـكـان يـتـكـلّـم الـفـرنـسـيـة وقـلـيـلاً مـن الإنـكـلـيـزيـة. وكـان مـتّـجـهـاً إلى مـديـنـة مـانـشـسـتـر،في شـمـال إنـكـلـتـرة، لـيـتـاجـر مـعـهـا ويـبـعـث بـبـضـائـع وسـلـع مـنـهـا إلى بـغـداد. وكـانـت مـنـتـوجـات مـانـشـسـتـر رائـجـة في بـغـداد.

ثـمّ خـرجـوا يـتـمـشّـون عـلى ضـفـاف الـجـزيـرة لـيـشـاهـدوا الـنّـخـيـل ويـتـفـحّـصـوا وسـائـل الـرّي. وكـتـب ولـفـريـد مـالـيـسـون مـا كـان يـعـرفـه عـنـهـا، وعـن انـخـفـاض كـثـيـر مـن أراضي الـمـنـطـقـة عـن مـسـتـوى الـبـحـر وهـو مـا يـنـبـغي أن تـنـتـبـه إلـيـه الـقـوات الـبـريـطـانـيـة عـنـدمـا سـتـقـوم بـعــلـيـات عـسـكـريـة فـيـهـا، فـهي غـالـبـاً مـا تـغـرق عـنـد فـيـضـان الـنّـهـر أو تـتـحـوّل إلى وحـول لا يـسـتـطـيـع الـجـنـود الـخـوض فـيـهـا. وارتـاع عـنـدمـا اكـتـشـف أنّ مـيـاه الـشّـرب كـانـت تـغـرف مـبـاشـرة مـن الـنّـهـر ! ووجـد وأصـحـابـه لـحـسـن الـحـظّ، فـلـتـرات مـاء كـانـوا قـد جـلـبـوهـا مـعـهـم.

وانـتـهى الـحـجـر الـصّـحي بـعـد خـمـسـة أيّـام، ولـكـنّ ولـفـريـد مـالـيـسـون وأصـحـابـه بـقـوا في الـجـزيـرة ثـلاثـة أيّـام أخـرى لأنّـهـم لـم يـجـدوا فـنـادق في الـبـصـرة. وكـانـوا يـعـبـرون إلـيـهـا لـمـقـابـلـة الـقـنـصـل وشـركـة الـنّـقـل الـنّـهـري.

وذكـر ولـفـريـد مـالـيـسـون أنّ انـطـلاق الـسّـفـن الـبـخـاريـة الـتّـركـيـة مـن الـبـصـرة ووصـولـهـا إلى بـغـداد لا مـواعـيـد ثـابـتـه لـهـا، وأنّـهـم لا يـسـتـطـيـعـون تـنـاول وجـبـاتـهـم عـلـيـهـا، كـمـا سـمـع بـوسـاخـتـهـا وقـلّـة وسـائـل الـرّاحـة فـيـهـا، فـحـجـز عـلى سـفـيـنـة انـكـلـيـزيـة تـمـتـلـكـهـا شـركـة بـيـت لـنـج (2)، والّـتي تـغـادر الـبـصـرة كـلّ أسـبـوع. وصـعـودهـا مـن الـبـصـرة إلى بـغـداد يـسـتـغـرق مـن أربـعـة أيّـام إلى سـتّـة، تـسـحـبـهـا سـفـيـنـة تـربـط إلـيـهـا بـسـلاسـل حـديـديـة، فـالـمـسـافـة تـقـتـرب مـن 505 مـايـل (أي حـوالي 813 كـلـم.)، في حـيـن أنّ الـنّـزول مـن بـغـداد إلى الـبـصـرة لا يـسـتـغـرق أكـثـر مـن يـومـيـن ونـصـف إلى ثـلاثـة.

وبـانـتـظـار يـوم مـغـادرة الـبـصـرة، فـقـد اغـتـنـم الـفـرصـة لـيـتـفـحّـص مـديـنـة الـبـصـرة. واصـطـحـبـه الـقـنـصـل لـزيـارة الـجـامـع الـكـبـيـر  :

Malleson 1

وتـجـوّل في الأسـواق، ولاحـظ أنّ “غـالـبـيـة الـنّـاس فـيـهـا مـن الـعـرب”. وأنّ الـعـربـيـة كـانـت الـلـغـة الأكـثـر اسـتـعـمـالاً فـيـهـا، وأنّ الـمـوظـفـيـن الأتـراك كـانـوا يـتـكـلّـمـون الـتـركـيـة والـفـرنـسـيـة. وسـمـع نـاسـاً يـتـكـلّـمـون الـفـارسـيـة، ولـكـنّـه لـم يـسـمـع إلّا الـقـلـيـل جـدّاً مـمـن يـتـكـلّـمـون الـهـنـدوسـتـانـيـة أو الإنـكـلـيـزيـة :

Malleson 5

(نـرى في الـصّـورة دار تـرجـمـان، أي مـتـرجـم الـقـنـصـلـيـة الـبـريـطـانـيـة في الـبـصـرة)

وتـكـلّـم عـن تـجـارة الـبـصـرة، ولاحـظ أنّ الـدّكـاكـيـن كـانـت مـلـيـئـة بـأقـمـشـة مـصـنـوعـة في مـانـشـسـتـر في شـمـال إنـكـلـتـرة، وخـاصّـة أقـمـشـة مـلـوّنـة الـزّخـارف مـورّدة مـزهـرة تـنـاسـب أذواق الـنّـاس هـنـا”. وكـتـب أنّ “الـقـنـصـل الـبـريـطـاني ومـسـؤولي شـركـة بـيـت لـنـج  في الـبـصـرة  Messrs Lynch’s officeres Basra أروه أربـعـة آلاف طـن مـن الـسّـلـع والـبـضـائـع الّـتي كـانـت تـنـتـظـر نـقـلـهـا عـلى مـتـن سـفـنـهـم إلى بـغـداد” :

Malleson 2

(ونـرى في الـصّـورة الـقـنـصـلـيـة الـبـريـطـانـيـة في الـبـصـرة وبـجـانـبـهـا مـكـاتـب شـركـة بـيـت لـنـج)

ولاحـظ أنّ الـدّور شـيّـدت عـلى طـابـقـيـن بـالـطـابـوق، فـلـيـس في الـمـنـطـقـة صـخـور. وكـان في الـبـصـرة مـصـرف واحـد هـو “الـبـنـك الـعـثـمـاني”، ومـكـتـب بـريـد وتـلـغـراف تـركي، وفي الـقـنـصـلـيـة الـبـريـطـانـيـة مـكـتـب بـريـد خـاصّ بـهـا.

ولـم يـكـن في الـبـصـرة خـدمـات لـجـمـع الـنّـفـايـات. ويـنـتـظـر الـنّـاس أن يـرتـفـع مـسـتـوى مـاء الـنّـهـر، ثـمّ يـجـرف جـزره أوسـاخ الـمـديـنـة. وتـنـتـشـر الـحـمّى فـيـهـا في أيـلـول وتـشـريـن الأوّل. وهـو يـنـصـح الإنـكـلـيـز بـجـلـب مـا يـنـبـغي لـلإتّـقـاء مـن الـبـعـوض.

ودرجـات الـحـرارة شـديـدة الإرتـفـاع في الـصّـيـف، ولـكـنّ الـبـرودة في الـشّـتـاء لا تـصـل إلّا نـادراً إلى حـدّ أنّ تـتـجـمّـد الـمـيـاه مـنـهـا. وأكـثـر الأشـهـر بـرودة كـانـون الـثّـاني، وتـهـطـل الأمـطـار مـن كـانـون الأوّل إلى شـبـاط. وتـهـبّ ريـح الـشّـمـال  Shamâl مـن شـمـال الـشّـرق وتـسـتـمـرّ شـهـراً خـلال مـوسـم الـحـرّ.

كـمـا تـكـلّـم عـن تـمـور الـبـصـرة وسـعـة غـابـات نـخـيـلـهـا، وعـن جـنـيـهـا والـمـتـاجـرة بـهـا. وعـن مـنـتـجـات الـمـنـطـقـة الأخـرى مـن قـمـح ورز، وعـن مـيـاه الـسّـقي والـشّـرب، وعـن الـحـيـوانـات : الأغـنـام الّـتي تـرعى عـلى ضـفـاف الـنّـهـر والـجـمـال الّـتي يـمـكـن شـراءهـا في الـزّبـيـر، وعـن الـخـيـول الـعـربـيـة الّـتي تـأتي خـاصّـة مـن نـجـد. وتـصـل أعـداد كـبـيـرة مـنـهـا إلى الـبـصـرة مـن شـهـر أيـلـول إلى تـشـريـن الـثّـاني وتـصـدّر إلى الـهـنـد.

وقـد لاحـظ ولـفـريـد مـالـيـسـون ضـعـف تـحـصـيـنـات الـبـصـرة وقـلّـة وسـائـل الـدّفـاع عـنـهـا، وذكـر أمـاكـن مـخـيـمـات الـقـوّات الـتّـركـيـة. وتـكـلّـم عـن أعـمـال الـعـنـف والإعـتـداء عـلى الـحـكّـام والـتّـجّـار حـول الـمـديـنـة لـضـعـف الـسّـيـطـرة الـتّـركـيـة عـلى هـذه الـمـنـاطـق الـبـعـيـدة عـن مـركـز الـدّولـة، وخـاصّـة أمـام الـشّـيـوخ الّـذيـن كـان بـعـضـهـم يـتـرأس ثـلاثـيـن ألـفـاً مـن أفـراد عـشـائـرهـم. وهـو يـعـتـقـد أنّ “تـحـضـيـراً مـاهـراً لإقـنـاع أهـل الـبـلـد مـن الـعـرب يـمـكـن أن يـثـيـرهـم ضـدّ الأتـراك، فـهـم يـكـنّـون لـهـم كـراهـيـة شـديـدة”. وكـلّ أفـراد الـعـشـائـر مـسـلّـحـون بـبـنـادق مـارتـيـني  Martini  ومـاوسـر Mauser.

وخـصـص مـقـاطـع طـويـلـة لـلـكـلام عـن شـركـات سـفـن الـنـقـل الـبـخـاريـة. وكـانـت سـبـع شـركـات مـنـهـا أوربـيـة : بـيـت لـنـج Lynch، وغـري ـ مـكـنـزي  Gray – Mackenzie، وسـتـريـك Strick، و  Basra Trading، ومـاك أنـدرو فـوربـس  Mac Andrew – Forbs (أمـريـكـيـة)، ووكـهـوس  Woukhous (ألـمـانـيـة)، والـشّـركـة الـرّوسـيـة  Russian Steampship.

ثـمّ أكـمـل يـصـف سـفـن نـقـل الـبـضـائـع الّـتي تـمـرّ بـيـن الـبـصـرة والـفـاو والّـتي كـانـت تـمـتـلـك أغـلـبـهـا أربـع شـركـات بـريـطـانـيـة، وشـركـات أخـرى تـمـتـلـك كـلّ مـنـهـا سـفـيـنـة واحـدة.  كـمـا تـكـلّـم عـن إمـكـانـيـات تـصـلـيـح الـسّـفـن.

ووصـف الـمـرسى وحـركـة الـمـدّ والـجـزر، وفـصّـل في وصـف مـا في الـمـرسى ومـا حـولـه مـن أبـنـيـة، وعـن الـحـمّـالـيـن الّـذيـن كـان أغـلـبـهـم مـن الـعـرب و”الـكـلـدان  Chaldeans”. وكـانـوا يـعـمـلـون مـن الـفـجـر إلى غـروب الـشّـمـس، ولـكـنّـهـم يـرفـضـون الـعـمـل إذا كـان في الـجـو رطـوبـة، ويـتـركـون الـعـمـل عـنـدمـا يـحـلـو لـهـم ذلـك.

وتـكـلّـم عـن نـهـر الـعـشّـار الّـي كـان عـلـيـه جـسـران مـن الـخـشـب،  وعـلى ضـفـتـه الـجـنـوبـيـة طـريـق تـوصـل إلى الـبـصـرة. ووضـع خـمـس صـور لـنّـهـر الـعـشّـار :

Malleson 6

وذكـر أن مـديـنـة الـبـصـرة تـقـع بـكـامـلـهـا عـلى بـعـد حـوالي كـيـلـومـتـريـن ونـصـف مـن الـضّـفـة الـيـمـنى مـن شـطّ الـعـرب. أمّـا عـلى ضـفـتـه الـيـسـرى فـلـم يـكـن هـنـاك إلّا جـزيـرة الـحـجـر الـصـحي ومـسـتـشـفى الـقـوّات الـبـحـريـة  :

Malleson 3

وذكـر أنّ “الـقـطـعـات الـعـسـكـريـة يـمـكـنـهـا أن تـنـزل جـنـودهـا عـلى أيّـة جـهـة شـاءت مـن شـطّ الـعـرب”.

وكـمـا ذكـره ولـفـريـد مـالـيـسـون في مـقـدمـة تـقـريـره، فـإنّ الـكـثـيـر مـن هـذه الـمـعـلـومـات لا تـنـفـع بـالـضـرورة الـسّـلـطـات الـبـريـطـانـيـة حـالاً، ولـكـنّـهـا يـمـكـن أن تـنـفـعـهـا في الـمـسـتـقـبـل.

وفي يـوم الـسّـبـت 15 كـانـون الأوّل، غـادر مـع أصـحـابـه الـبـصـرة تـحـت أمـطـار شـديـدة، عـلى مـتـن الـسّـفـيـنـة الـبـخـاريـة “الـخـلـيـفـة                 The Khalifa” الّـتي تـمـتـلـكـهـا شـركـة بـيـت لـنـج :

Malleson 47

ومـرّوا بـالـقـرنـة :

Malleson 10

وشـاهـدوا جـانـبـاً مـن الأهـوار الّـتي اعـتـبـر أنّـهـا يـمـكـن أن تـكـون، لـو أحـسـنـت زراعـتـهـا واسـتـغـلـت مـواردهـا الـطّـبـيـعـيـة، مـن أكـثـر مـنـاطـق الـعـالـم ثـراءً.

ولاحـظ قـلّـة الـقـرى عـلى ضـفـتَي الـنّـهـر، ولـم يـجـد إلّا مـديـنـتـيـن صـغـيـرتـيـن تـسـتـحـقـان الـذّكـر،  الـعـمـارة الّـتي وصـلـوهـا وقـت الـغـروب في الـيـوم الـثّـاني مـن الـسّـفـرة، والّـتي رأى فـيـهـا بـعـض الـمـنـازل الـحـسـنـة الـتّـشـيـيـد وسـوق مـسـقّـفـة عـلى شئ مـن الـسّـعـة. وعـرف أنّـهـا مـن أهـمّ أمـاكـن الـصّـابـئـة في جـنـوب الـعـراق. وذكـر بـعـض مـا سـمـعـه مـن الأسـاطـيـر عـن أصـولـهـم الـيـمـنـيـة الّـتي تـربـطـهـم بـمـلـكـة سـبـأ،

والـكـوت الّـتي اعـتـبـرهـا سـوقـاً كـبـيـرة تـبـاع فـيـهـا الـحـبـوب وتـشـتـرى. وهي تـأتـيـهـا مـن مـنـطـقـة شـطّ الـحيّ  Shatt-el-Hai :

Malleson 16

Malleson 15

ولـم يـجـد مـا عـدا ذلـك مـا يـسـتـحـق الـذّكـر في سـفـرتـه. وقـد تـفـحـصّ عـلى الـسّـفـيـنـة ركّـابـهـا مـن “الـزّوار الـقـادمـيـن خـاصّـة مـن الـبـحـريـن والـمـتّـجـهـيـن لـزيـارة كـربـلاء والـنّـجـف” :

Malleson 18

بـغـداد

ووصـلـوا إلى بـغـداد في صـبـاح الـخـمـيـس 20 كـانـون الأوّل. وكـان في اسـتـقـبـالـهـم الـمـقـيـم الـبـريـطـاني، Major Ramsay ، الّـذي اصـطـحـبـهـم إلى دار الـمـقـيـمـيـة الـمـطـلّـة عـلى دجـلـة : “والـمـقـيـم الـبـريـطـاني رجـل شـديـد الأهـمّـيـة في بـغـداد، يـحـرسـه عـدد كـبـيـر مـن الـجـنـود الـهـنـود، ولـه مـركـب مـسـلـح ربـط عـلى ضـفـة الـنّـهـر أمـام الـمـقـيـمـيـة”.

وقـبـل أن يـصـف بـغـداد، بـدأ ولـفـريـد مـالـيـسـون بـالـكـلام عـن تـاريـخـهـا، وأطـنـب بـالـمـديـح عـلى هـرون الـرّشـيـد وذكـر أمـجـاد بـغـداد الـثّـقـافـيـة والـعـلـمـيـة “في الـزّمـن الّـذي كـانـت فـيـه أغـلـب مـنـاطـق أوربـا قـد خـرجـت بـالـكـاد مـن قـرون الـبـدائـيـة الـبـربـريـة الّـتي كـانـت قـد سـقـطـت فـيـهـا بـعـد انـهـيـار الإمـبـراطـوريـة الـرّومـانـيـة”. ثـمّ تـكـلّـم عـن اسـقـاط الـمـنـغـول لـلـدّولـة الـعـبـاسـيـة وتـخـريـبـهـم لـبـغـداد، وتـخـريـب تـيـمـولـنـك لـهـا بـعـد ذلـك.

وذكـر ولـفـريـد مـالـيـسـون أنّ مـضـيّــفـه أصـعـده وأصـحـابـه فـوق سـطـح الـمـقـيـمـيـة لـيـشـاهـدوا الـمـديـنـة، وأنّـه الـتـقـط لـهـا صـورة :

Malleson 19

وذكـر أنّ بـيـن جـسـر الـقـوارب والـمـقـيـمـيـة كـانـت دور الـتّـجّـار الأوربـيـيـن والـنّـادي الإنـكـلـيـزي والـقـنـصـلـيـات الأجـنـبـيـة ودور أهـم أغـنـيـاء الـيـهـود والأتـراك، وأبـدى إعـجـابـه بـمـآذن جـوامـع بـغـداد وقـبـابـهـا :

Malleson 26

Malleson 28

وذهـبـوا بـعـد ظـهـر يـوم وصـولـهـم إلى أسـواق بـغـداد، ولـم يـجـدوا فـيـهـا إلّا الـقـلـيـل مـن الـمـنـتـوجـات الـمـحـلّـيـة :

Malleson 24

(نـرى في الـصّـورة مـدخـل الـسّـوق الـرّئـيـسـيـة مـن جـهـة جـسـر الـقـوارب، وعـلى يـمـيـن بـوابـة الـمـدخـل مـكـتـب الـجـمـارك)

Malleson 25

وسـمـع أنّ 75 بـالـمـائـة مـن الـسّـلـع والـبـضـائـع الّـتي تـأتي إلى بـغـداد تـكـمـل طـريـقـهـا إلى بـلاد فـارس عـبـر خـانـقـيـن.

ولاحـظ ولـفـريـد مـالـيـسـون أنّ أغـلـب أهـل بـغـداد مـن الـعـرب، وأنّ بـيـنـهـم كـذلـك أنـواع مـخـتـلـفـة جـاءت مـن بـلـدان آسـيـا، وحـوالي 35 ألـف يـهـودي، وأعـداد كـبـيـرة مـن مـسـيـحـيـيـن يـنـتـمـون إلى طـوائـف “غـريـبـة” كـالأرمـن والـنّـسـاطـرة والـنّـسـاطـرة الـجـدد Neo- Nestorians والـكـلـدان والـصّـابـئـة والأريـانـيـون Arians (أتـبـاع أريـانـوس) والـيـعـاقـبـة والـمـانـويـيـن. (3) وغـالـبـهـم يـلـبـسـون أرديـة خـاصّـة بـهـم، مـتـنـوّعـة في ألـوانـهـا وأقـمـشـتـهـا وأشـكـالـهـا وتـثـيـر الإنـتـبـاه”.

وقـد وضـع مـالـيـسـون في تـقـريـره أكـثـر مـن 15 صـور لـطـرقـات بـغـداد وجـوامـعـهـا :

Malleson 20

Malleson 23

إلى بـابـل

ونـزل ولـفـريـد مـالـيـسـون مـن بـغـداد إلى بـابـل، وكـانـت الـعـربـة الّـتي ركـبـهـا و”اخـتـرق بـهـا الـفـلاة نـحـو بـابـل” عـلى “مـقـاعـد ضـيّـقـة جـدّاً لا يـسـتـريـح الـجـالـس عـلـيـهـا”، تـجـرّهـا أربـعـة بـغـال، وفي بـعـض الأحـيـان خـمـسـة  يـسـوسـهـا ابـن بـاديـة رهـيـب الـمـنـظـر”. وقـد غـيّـرت مـجـمـوعـة الـبـغـال أربـع مـرّات قـبـل أن يـصـلـوا إلى بـابـل لـسـوء حـال الـطّـريـق :

Malleson 37

ولاحـظ آثـار قـنـوات الـمـاء الـقـديـمـة وسـواقي الـرّي الّـتي أهـمـلـت والّـتي تـدلّ عـلى مـدى ازدهـار الـمـنـطـقـة في الـمـاضي. وكـانـت تـمـرّ حـولـه جـمـاعـات مـن الـزّوّار الـمـتـوجّـهـيـن إلى كـربـلاء والـنّـجـف أو الـرّاجـعـيـن مـنـهـا.

وبـعـد أن وصـلـوا إلى الـفـرات، إلـتـقـوا بـأعـضـاء بـعـثـة الـتّـنـقـيـبـات الأثـريـة الألـمـانـيـة (4) “اّلـذيـن يـعـمـلـون هـنـا مـنـذ ثـمـاني سـنـوات”، واصـطـحـبـوا مـالـيـسـون وأصـحـابـه إلى دار الـتّـنـقـيـبـات “الّـتي تـشـبـه قـلـعـة صـغـيـرة”. ثـمّ أروهـم بـقـايـا بـابـل الـقـديـمـة. وكـرّس مـالـيـسـون  لـوصـفـهـا عـدّة مـقـاطـع، كـمـا تـكـلّـم عـن تـاريـخ أواخـر الـدّولـة الـبـابـلـيـة الـمـتـأخّـرة، ويـبـدو أنّـه لـم يـكـن يـعـرف الـدّولـة الـبـابـلـيـة الـقـديـمـة. وكـان يـبـحـث عـن “بـرج بـابـل” الّـذي ذكـرتـه الأسـاطـيـر الـتّـوراتـيـة، والّـذي كـان في الـحـقـيـقـة زقّـورة الإلـه مـردوخ . ولـم يـكـن عـلـمـاء الآثـار قـد تـأكّـدوا بـعـد مـن مـوضـعـهـا.

الـرّجـوع إلى بـغـداد

ثـمّ عـاد وأصـحـابـه إلى بـغـداد. ودعـتـه زوجـة الـمـقـيـم الـبـريـطـاني إلى “صـالـونـهـا” الّـذي تـسـتـقـبـل فـيـه، مـرّة في الأسـبـوع، وجـهـاء الـمـديـنـة مـن كـلّ الأعـراق والأجـنـاس. وكـانـت لـغـة الـتّـفـاهـم بـيـنـهـم “الـفـرنـسـيـة الـرّاقـيـة”. ولـكـنـه سـمـع الـضّـيـوف فـيـه يـتـكـلّـمـون لـغـات أخـرى.

وبـعـد أن زار قـنـصـلـيـات ألـمـانـيـا وفـرنـسـا وروسـيـا في بـغـداد، إلـتـقى بـكـثـيـر مـن الأجـانـب مـن أغـلـب بـلـدان أوربـا، وبـبـعـض يـهـود الـمـديـنـة وأتـراكـهـا.

وجـذبـت انـتـبـاهـه نـوافـذ الـمـنـازل الـمـشـبّـكـة وأغـنـيـاء الـتّـجّـار وعـبـيـدهـم والـمـقـاهي والـحـمّـامـات والـحـمّـالـيـن في الأسـواق وبـائـعي الـمـاء وقـوّاد الـحـمـيـر الّـذيـن ذكّـروه بـأزمـان “بـدور وقـمـر الـزّمـان والـسّـنـدبـاد ومـسـرور الـسّـيّـاف وجـعـفـر الـبـرمـكي وأبي نـؤاس …”.

ولاحـظ أنّ الـمـقـاهي مـلـيـئـة بـجـنـود الأتـراك “الـمـتـكـئـيـن عـلى حـيـطـانـهـا في جـلـوسـهـم الـمـسـتـرتـخي عـلى الـمـصـطـبـات فـيـمـا يـشـبـه الـسّـبـات، فـلـم يـكـن لـهـم مـهـمّـات يـقـومـون بـهـا” :

Malleson 31

وكـتـب عـن الـنّـسـاء أنّـهـنّ “طـبـعـاً مـتـفـوّطـات عـنـدمـا يـخـرجـن مـن دورهـنّ، وهـو مـا تـفـعـلـه أيـضـاً الـكـثـيـرات مـنـهـنّ مـمـن يـنـتـمـيـن إلى الـطّـوائـف الـمـسـيـحـيـة والـيـهـوديـة :

Malleson 34

والـيـهـوديـات يـرتـديـن مـلابـس بـاذخـة مـن الـحـريـر. وأعـلى درجـات الـرّقي عـنـدهـنّ أن يـمـتـلـكـن حـمـاراً أبـيـض يـقـوده أشـدّ عـبـيـدهـنّ قـبـحـاً وسـواداً”. أمّـا الأطـفـال فـهـم في أحـيـان كـثـيـرة عـلى شئ مـن حـسـن الأوجـه، ولـكـنّ أغـلـبـهـم شـوّهـتـهـم “حـبّـة بـغـداد  The date Mark”.

وتـرك ولـفـريـد مـالـيـسـون وأصـحـابـه بـغـداد في الـيـوم الـتّـالي لأعـيـاد الـمـيـلاد عـلى مـتـن الـسّـفـيـنـة الـبـخـاريـة “الـخـلـيـفـة”. وبـعـد مـسـيـرة أربـع سـاعـات رأوا عـلى ضـفـة الـنّـهـر، جـنـوب بـغـداد، آثـار مـديـنـة “سـلـوقـيـة دجـلـة” (5) وأخـتـهـا الـتّـوأم “طـيـسـفـون” في الـجـانـب الـمـقـابـل مـن الـنّـهـر.  وتـوقّـفـت الـسّـفـيـنـة سـاعـة لـيـتـأمّـلـوا طـاق كـسـرى :

Malleson 48

وخـصـص مـالـيـسـون مـقـطـعـاً طـويـلاً تـكـلّـم فـيـه عـن سـلـوقـوس، أحـد قـوّاد الإسـكـنـدر الـمـقـدوني، الّـذي أنـشـأ الـدّولـة الـسّـلـوقـيـة في الـشّـرق، وأسـس عـاصـمـتـهـا “سـلـوقـيـة دجـلـة”. ثـمّ تـكـلّـم عـن سـيـطـرة الـفـارثـيـيـن عـلـيـهـا بـعـد انـهـيـار دولـة الـسّـلـوقـيـيـن في الـعـراق، ثـمّ اسـتـيـلاء الـرّومـان عـلـيـهـا، فـسـيـطـرة الـفـرس الـسّـاسـانـيـيـن، وانـتـهـاءً بـفـتـح الـمـسـلـمـيـن لـهـا وتـسـمـيـتـهـم لـهـا بـالـمـدائـن.

ثـمّ مـرّوا في نـزولـهـم عـلى نـهـر دجـلـة بـقـبـر الـعـزيـر الّـذي اعـتـبـره مـالـيـسـون “مـكـانـاً يـقـدّسـه الـيـهـود والـنّـصـارى والـمـسـلـمـون”. ولـم يـتـوقـفـوا أمـامـه، وإنّـمـا أبـصـروا بـه مـن الـنّـهـر :

Malleson 49

وبـعـد أن مـرّوا بـالـكـوت فـالـعـمـارة ولـمـحـوا الأهـوار، وصـلـوا إلى الـبـصـرة بـعـد ثـلاثـة أيّـام مـن مـغـادرتـهـم لـبـغـداد.

نـتـائـج الـجـولـة

بـعـد جـولـتـه الـطّـويـلـة هـذه، سـجّـل ولـفـريـد مـالـيـسـون بـعـض الـنّـتـائـج الّـتي تـوصّـل إلـيـهـا. فـمـن خـلال حـديـثـه مـع رجـال الأعـمـال عـرف أنّـهـم لا يـودّون أن يـمـثّـل بـريـطـانـيـا في الـبـصـرة عـسـكـري مـن حـكـومـة الـهـنـد، ويـفـضّـلـون أن تـبـعـث وزارة الـخـارجـيـة قـنـصـلاً دبـلـومـاسـيـاً يـسـتـطـيـع الإهـتـمـام بـنـشـاطـاتـهــم الـتّـجـاريـة. وهـم مـع ذلـك يـودّون أن يـبـقى الـمـيـجـر رمـسي قـنـصـلاً في بـغـداد. وهـم لا يـفـهـمـون لـمـاذا يـبـعـثـون لـهـم بـمـوظـفـيـن مـن حـكـومـة الـهـنـد الـبـريـطـانـيـة، لا يـعـرفـون الـبـلـد ولا يـتـكـلّـمـون لـغـاتـه، في حـيـن أنّ وزارة الـخـارجـيـة في لـنـدن تـدرّب رجـالاً لـهـم مـعـلـومـات وافـيـة عـن الـمـنـطـقـة ويـتـكـلّـمـون لـغـاتـهـا.

وتـكـلّـم مـعـهـم عـن مـسـألـة خـطّ سـكـك بـغـداد الـحـديـدي، وعـن أهـمـيـتـه في مـشـروع اسـتـغـلال أراضي الـعـراق الـخـصـبـة لـزراعـة الـحـبـوب الّـتي يـمـكـنـهـا أن تـدرّ أربـاحـاً طـائـلـة. وكـانـت أجـوبـتـهـم دائـمـاً أنّـه لا يـمـكـن الـقـيـام بـهـذه الـمـشـاريـع إلّا بـعـد طـرد الأتـراك مـن الـبـلـد. ويـمـكـن بـعـد ذلـك تـكـويـن حـكـومـة مـسـتـقـرّة تـفـرض الـقـوانـيـن والأمـن وتـنـظّـم الـرّي وسـقي الـحـقـول. ويـمـكـن لـرؤوس الأمـوال أن تـسـتـثـمـر في الـبـلـد. وتـكـلّـم مـعـهـم عـن مـدّ خـطّ لـلـسـكـك الـحـديـديـة بـيـن بـغـداد والـبـصـرة. ولـكـنّـهـم يـفـضّـلـون الـنّـقـل الـنّـهـري عـبـر دجـلـة. كـمـا تـكـلّـم مـعـهـم عـن فـتـح خـطّ حـديـدي بـيـن كـرمـنـشـاه وكـربـلاء والـنّـجـف لـنـقـل الـزّوّار، والّـذي يـمـكـن أن يـدرّ أربـاحـاً لـشـركـات بـريـطـانـيـة.

وقـد حـدّثـه الـتّـجّـار الـبـريـطـانـيـون عـن نـشـاطـات الألـمـان في الـعـراق والـخـلـيـج. ولاحـظ أنّ ضـبـاطـهـم الـعـسـكـريـيـن كـانـوا يـتـجـوّلـون في كـلّ أنـحـاء الـعـراق ويـخـطـطـون لإنـشـاء مـشـاريـع لـتـنـمـيـة زراعـة الـبـلـد وتـجـارتـه لـصـالـحـهـم.

وكـان ولـفـريـد مـالـيـسـون قـد الـتـقى بـمـمـثـلي شـركـة أمـريـكـيـة تـصـدّر كـمـيـات كـبـيـرة مـن عـرق الـسّـوس  Liquorice الّـذي يـنـبـت بـكـثـرة ابـتـداءً مـن جـنـوب بـغـداد وحـتّى الـبـصـرة، ويـسـتـعـمـلـه الأمـريـكـان في كـثـيـر مـن مـصـنـعـاتـهـم، وخـاصّـة الـمـشـروبـات. وقـد احـتـكـرت هـذه الـشّـركـة تـقـريـبـاً كـلّ تـجـارة عـرق الـسّـوس في الـعـراق. وكـان يـحـلـم ولا شـكّ في أن تـحـصـل الـشّـركـات الـبـريـطـانـيـة عـلى نـصـيـبـهـا مـن هـذه الـتّـجـارة.

وقـد الـتـقى بـانـكـلـيـزي ذرع أنـحـاء الـعـراق، وخـاصّـة جـنـوب شـطّ الـحيّ. وشـرح لـمـالـيـسـون إمـكـانـيـات إنـشـاء خـطّ سـفـن عـبـر الـفـرات لـتـصـعـد إلى بـيـرجـيـك (6). وكـان أيـضـاً في تـركـيـا، ورأى مـا أكـمـلـه الألـمـان مـن مـدّ خـطـوط الـسّـكـك الـحـديـديـة بـيـن قـونـيـا وإرغـلي. كـمـا كـان في الـنّـجـف ورأى قـنـاة الـهـنـديـة، وتـعـرّف عـلى شـيـوخ الـمـنـتـفـق وعـشـائـر ألـبـو مـحـمّـد، وذهـب إلى الـكـويـت والـبـحـريـن. وكـان يـرى قـلّـة جـدوى نـتـائـج جـولـة مـالـيـسـون، لأنّـه لا يـمـكـن الـحـصـول عـلى مـعـلـومـات سـرّيـة لـمـن يـسـافـر في وضـح الـنّـهـار بـصـحـبـة مـجـمـوعـة مـن الأعـوان والـمـسـاعـديـن.

واقـتـرح عـلـيـه هـذا الإنـكـلـيـزي أن يـذهـب هـو وحـده وبـنـفـسـه لـيـعـيـش مـع الـعـرب ويـكـسـب ثـقـتـهـم ويـتـنـقّـل مـن مـضـارب شـيـخ إلى مـضـارب آخـر ثـمّ يـبـعـث بـالـمـعـلـومـات الّـتي يـجـمـعـهـا إلى خـدمـات الإسـتـخـبـارات الـبـريـطـانـيـة. وأكّـد لـه ثـقـتـه بـأنّ سـيـطـرة بـريـطـانـيـة قـويّـة عـلى الـعـراق والـخـلـيـج سـتـجـلـب الـحـضـارة إلى الـمـنـطـقـة وسـتـنـفـع الـبـشـريـة بـكـامـلـهـا ! وشـرح لـه أنّ الـمـعـلـومـات الّـتي يـجـمـعـهـا الـقـنـاصـل عـن طـريـق الـمـتـرجـمـيـن الّـذيـن يـعـمـلـون عـنـدهـم لا يـمـكـن الـثّـقـة بـهـا، لأنّ الـعـرب يـشـكّـون بـنـوايـاهـم لـمـعـرفـتـهـم بـأنّـهـم يـشـتـغـلـون لـلإنـكـلـيـز، وأنّ الـطّـريـقـة الـوحـيـدة لـلـحـصـول عـلى مـعـلـومـات نـافـعـة هي أن تـشـرب الـقـهـوة حـول الـنّـار في مـضـيـف الـعـشـيـرة وتـثـرثـر مـع أفـرادهـا.

وفي 28 كـانـون الأوّل، ركـب ولـفـريـد مـالـيـسـون وأصـحـابـه عـلى مـتـن سـفـيـنـة أرجـعـتـهـم إلى الـهـنـد. وكـانـت تـلـك نـهـايـة جـولـتـه.

وقـد كـتـب في غـدّ ذلـك الـيـوم، أي في 29 كـانـون الأوّل 1906، خـاتـمـة في سـبـعـة أسـطـر أضـافـهـا عـلى تـقـريـره، يـؤكّـد فـيـهـا عـلى أنّ الـبـريـطـانـيـيـن، إذا مـا بـذلـوا جـهـوداً أكـثـر في تـفـهّـم مـشـاكـل الـشّـرق الأوسـط وفي تـحـسـيـن مـعـارفـهـم بـه، وإذا مـا وثّـقـوا عـلاقـات صـداقـة بـمـن يـنـفـعـهـم مـن أهـلـه، وبـوعـود كـثـيـرة بـمـسـاعـدتـهـم ومـسـانـدتـهـم، فـيـمـكـنـهـم عـنـد ذلـك أن يـشـقّـوا طـريـقـاً بـيـن الـهـنـد والـخـلـيـج لـتـمـرّ بـهـا قـوّاتـهـم الـعـسـكـريـة.

وبـعـد ثـمـاني سـنـوات فـقـط مـن جـولـة ولـفـريـد مـالـيـسـون في الـخـلـيـج والـعـراق، وصـلـت الـقـوّات الـبـريـطـانـيـة إلى الـبـصـرة ورفـعـت عـلـم امـبـراطـوريـتـهـا عـلـيـهـا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  تـحـتـفـظ مـكـتـبـة قـطـر الـوطـنـيـة بـنـسـخـة مـن هـذا الـتّـقـريـر. وقـد وضـعـت عـلى مـوقـعـهـا عـلى الأنـتـرنـت : “مـكـتـبـة قـطـر الـرّقـمـيـة” نـسـخـة مـصـوّرة مـن الـتّـقـريـر.رقـم الاسـتـدعـاء : IOR/L/PS/20/C260

(2)  أنـظـر مـقـالي : بـيـت لـنـج

(3) يـعـتـبـر ولـفـريـد مـالـيـسـون الـصّـابـئـة والـمـانـويـيـن (أتـبـاع مـاني) مـن الـمـسـيـحـيـيـن.

(4)  أنـظـر مـقـالي : فـالـتـر أنـدريـه، عـالـم آثـار ورسّـام

(5)أنـظـر مـقـالي : الـمـدائـن وطـاق كـسـرى  ومـقـالي : عـنـدمـا كـانـت سـلـوقـيـة دجـلـة إحـدى عـواصـم الـثّـقـافـة   الـهـلـنـسـتـيـة

(6)  أنـظـر مـقـالي : نـزول تـشـسـني مـن عـانـة إلى الـقـرنـة عـبـر نـهـر الـفـرات عـام 1831

©   حـقـوق الـنّـشـر مـحـفـوظـة لـلـدّكـتـور صـبـاح كـامـل الـنّـاصـري

يـرجى طـلـب الإذن مـن الـكـاتـب قـبـل إعـادة نـشـر هـذا الـمـقـال.

لـوحـات عـطـا صـبـري ورسـومـه عـن شـمـال الـعـراق عـام 1942

الـدّكـتـور صـبـاح الـنّـاصـري

نـواة “الـمـتـحـف الـوطـني لـلـفـنّ الـحـديـث” في بـغـداد،

أنـشـأت مـديـريـة الآثـار الـقـديـمـة الـعـامّـة في بـغـداد عـام 1943، “قـاعـة الـصّـور  The Picture Gallery”. وكـانـت الـقـاعـة مـجـاورة لـمـتـحـف الأزيـاء الـوطـنـيـة. وقـد نـشـرت الـمـديـريـة في حـزيـران مـن ذلـك الـعـام : “دلـيـل قـاعـة الـرّسـوم الـوطـنـيـة لـسـنـة 1943” الّـذي طـبـع في مـطـبـعـة الـحـكـومـة بـالـلـغـتـيـن الـعـربـيـة والإنـكـلـيـزيـة. (1)

ويـضـمّ الـدّلـيـل، كـلـمـة لـيـوسـف رزق الله غـنـيـمـة، الّـذي كـان قـد عـيّـن مـديـراً لـلآثـار الـقـديـمـة الـعـامّـة، (2)  وقـائـمـة بـ “الـصّـور” الّـتي تـحـتـوي عـلـيـهـا الـقـاعـة.

وكـان عـنـوان كـلـمـة يـوسـف غـنـيـمـة “قـاعـة الـصّـور The Picture Gallery  وتـحـت الـعـنـوان :

“مـجـمـوعـة ثـابـتـة مـن لـوحـات زيـتـيـة ورسـوم مـصـنـوعـة في الـعـراق  A permanent Collection of Paintings and Drawings made in Iraq “،       ذكـر فـيـهـا أنّ الـمـديـريـة كـانـت قـد بـدأت بـجـمـع “الـصّـور الـمـعـروضـة في هـذه الـقـاعـة” مـنـذ أكـثـر مـن سـنـتـيـن، وأنّـهـا تـضـمّ “صـور أشـخـاص ومـنـاظـر رسـمـت بـالـزّيـت أو بـالألـوان الـمـائـيـة أو بالـقـلـم الـرّصـاص أو بـالـفـحـم عـدا مـا تـتـضـمّـنـه مـن الـرّسـوم الأولـيـة (اسـكـتـشـات) الـمـخـطـوطـة بـالـمـداد”. والّـتي اخـتـيـرت “إمّـا لـمـزايـاهـا الـفـنّـيـة أو لأهـمـيـتـهـا، إذ تـمـثّـل طـبـيـعـة الـبـلاد وتـصـوّر أخـلاق أهـلـهـا”.

وكـان الـهـدف مـن إنـشـاء الـقـاعـة كـمـا كـتـبـه يـوسـف غـنـيـمـة : “أن تـكـون مـلـحـقـاً لـمـتـحـف الأزيـاء الـوطـنـيـة الـمـجـاور لـهـا”. وذكـر أنّ “بـعـض هـذه الـصّـور وعـلى الأخـصّ مـا يـتـعـلّـق مـنـهـا بـالـيـزيـديـة الـقـاطـنـيـن في مـنـطقـة الـشّـيـخـان قـد عـنـيـت بـوضـعـهـا هـذه الـمـديـريـة خـصـيـصـاً لـهـذه الـقـاعـة”.

عـطـا صـبـري عـنـد الـيـزيـديـة

ولـكي نـفـهـم مـا قـصـده يـوسـف غـنـيـمـة بـأنّ “بـعـض هـذه الـصّـور وعـلى الأخـصّ مـا يـتـعـلّـق مـنـهـا بـالـيـزيـديـة الـقـاطـنـيـن في مـنـطقـة الـشّـيـخـان قـد عـنـيـت بـوضـعـهـا هـذه الـمـديـريـة خـصـيـصـاً لـهـذه الـقـاعـة “، فـعـليّ أن أذكـر مـا سـرده الـفـنّـان عـطـا صـبـري في مـقـابـلـة صـحـفـيـة عـام 1973 :

“في عـام 1942، كـنـتُ مـسـتـخـدمـاً في مـديـريـة الآثـار الـقـديـمـة الـعـامـة. وكـان عـمـلي في مـنـطـقـة واسـط، فـاسـتـدعـيـت إلى بـغـداد وأرسـلـت بـسـفـرة فـنّـيـة إلى الـشّـمـال خـلال فـتـرة احـتـفـال الـيـزيـديـيـن بـأعـيـاد الـرّبـيـع. وقـبـل أن أذهـب إلى هـنـاك درسـت عـدّة مـصـادر عـربـيـة وأجـنـبـيـة عـن الـيـزيـديـيـن وعـاداتـهـم وتـقـالـيـدهـم. واشـتـريـت الأصـبـاغ والألـوان وسـافـرت إلى الـمـوصـل ومـنـهـا إلى مـنـطـقـة بـعـشـيـقـة وبـاعـذرا والـشّـيـخ عـادي.

“وكـان مـن الـمـقـرر أن أنـزل في غـرفـة بـسـيـطـة مـخـصـصـة لـلـضّـيـوف. ولـكـن الـيـزيـديـيـن احـتـفـوا بي عـنـدمـا نـزلـت مـن ظـهـر الـبـغـل وكـان أحـد أفـراد الـشّـرطـة الـمـسـلـحـيـن يـحـرسـني. وأمـضـيـت مـعـهـم 45 يـومـاً كـنـت فـيـهـا ضـيـفـاً عـلى رئـيـسـهـم الـدّيـني سـعـيـد بـك.

“وقـد أخـرجـت مـجـمـوعـة مـن الـصّـور والـلـوحـات الـزّيـتـيـة والـتّـخـطـيـطـات في بـعـشـيـقـة : دبـكـة الـيـزيـديـيـن، الـنّـسـاء يـغـسـلـن حـول الـعـيـن، الـرّجـال والـنّـسـاء بـمـلابـسـهـم الـشّـعـبـيـة.

“وحـيـن عـدت إلى بـغـداد كـانـت مـعي هـذه الـمـجـمـوعـة الـفـنّـيـة. وحـارت مـديـريـة الآثـار مـاذا تـعـمـل بـهـا. ثـمّ اتـجـهـت الـنّـيّـة إلى تـأسـيـس مـتـحـف لـلـصّـور، وخـصـصـت قـاعـة واحـدة في الـبـاب الـشّـرقي عـلّـقـت فـيـهـا مـجـمـوعـة صـور الـيـزيـديـيـن ثـمّ أضـيـفـت إلـيـهـا صـور أكـرم شـكـري وفـائـق حـسـن، فـأصـبـحـت نـواة الـمـتـحـف الـحـالي الّـذي أسـمي فـيـمـا بـعـد بـمـتـحـف الـفـنّ الـحـديـث الّـذي مـا زال لـحـد الآن يـحـتـفـظ بـتـلـك الـمـجـمـوعـة مـلـكـاً خـاصّـاً بـه”. (3)

وقـد قـام عـطـا صـبـري بـتـلـك الـسّـفـرة في شـهـر نـيـسـان كـمـا ذكـره في ذكـريـاتـه (4) : “وفي نـيـسـان 1942، أوفـدتُ إلى قـريـة الـيـزيـديـيـن في الـشّـمـال، فـزرت بـعـشـيـقـة وبـاعـذرا والـشّـيـخ عـادي، وهـو مـكـان مـقـدّس عـنـدهـم. ورأيـت ورسـمـت احـتـفـالاتـهـم الـدّيـنـيـة وأعـيـادهـم وحـيـاتـهـم الـخـاصّـة أيـضـاً.

“وكـان يـتـوجّـب عـليّ أن أحـصـل عـلى سـمـاح خـاصّ لـرسـم الـبـنـات الـصّـغـيـرات في الـبـيـت بـالـمـلابـس الـتّـقـلـيـديـة”، “مـرّة رسـمـت فـتـاة لا أتـذكّـر اسـمـهـا. وبـعـد الإنـتـهـاء مـنـهـا أثـارت دهـشـة الأهـل”، “وبـعـد أن عـدّت إلى بـغـداد بـزمـن سـمـعـت أنّ أخـا الـفـتـاة يـبـحـث عـنّي في كـلّ مـكـان. وكـان يـريـد أن يـرى صـورة اخـتـه بـعـد أن غـابـت عـنـه صـورتـهـا في الـبـيـت. فـقـد مـاتـت الـفـتـاة الـصّـغـيـرة ولـم تـبـق إلّا صـورتـهـا الـجـمـيـلـة الـمـلـوّنـة مـعي في بـغـداد”.

عـطـا صـبـري

عطا صبري 9

وكـان عـطـا صـبـري قـد عـاد مـن بـعـثـتـه الـدّراسـيـة إلى رومـا بـعـد انـدلاع الـحـرب الـعـالـمـيـة الـثّـانـيـة في أواخـر عـام 1939. وعـمـل بـعـد عـودتـه إلى بـغـداد رسّـامـاً في مـديـريـة الآثـار الـقـديـمـة. وصـاحـب مـنـذ عـام 1940 عـدّة حـمـلات تـنـقـيـبـات أثـريـة  في عـدّة مـنـاطـق في الـعـراق : في عـقـرقـوف وفي الـحيّ وفي سـامـراء وفي تـلّ الـدّيـر والـعـقـيـر.

وكـان في عـام 1942، يـصـاحـب حـمـلّـة الـتّـنـقـيـبـات الّـتي قـادهـا طـه بـاقـر في مـديـنـة واسـط الأثـريـة عـنـدمـا اسـتـدعي إلى بـغـداد وأرسـل إلى الـشّـمـال لـرسـم مـنـطـقـة الـيـزيـديـيـن.

ومـع أنّ عـطـا صـبـري لا يـحـتـاج إلى تـعـريـف، فـهـو واحـد مـن أهـمّ فـنّـاني الـحـداثـة في الـعـراق، فـسـأذكّـر الـقـارئ الـعـزيـز بـسـيـرتـه ومـسـيـرتـه الـفـنّـيّـة :

ولـد عـطـا صـبـري عـام 1913. وكـان والـده حـسـن سـامي ضـابـطـاً في الـجـيـش الـعـثـمـاني، وتـقـاعـد بـعـد انـتـهـاء الـحـرب الـعـالـمـيـة الأولى، واحـتـلال الـبـريـطـانـيـيـن لـلـعـراق، لـرفـضـه الإشـتـغـال مـعـهـم.

ولأنّ حـسـن سـامي كـان قـد درس الـرّسـم عـلى الـطّـريـقـة الأوربـيـة في “مـكـتـب الـحـربـيـة ” في إسـطـنـبـول، فـقـد مـارسـه كـهـوايـة. وكـرّس لـه وقـتـه وجـهـوده حـتّى أصـبـح واحـداً مـن أهـمّ فـنّـاني الـرّيـادة.

وعـيّـن لـتـدريـس الـرّسـم في مـدرسـة الـتّـفـيّـض الأهـلـيـة. وشـجّـع ابـنـه الـصّـغـيـر عـطـا صـبـري عـلى الـرّسـم، وعـلّـمـه مـبـادئـه. ثـمّ أدخـلـه في مـدرسـة الـتّـفـيّـض.

وكـان مـن بـيـن الـمـعـلّـمـيـن الّـذيـن درّسـوا الـصّـغـيـر عـطـا صـبـري الـرّسـم في مـدرسـة الـتّـفـيّـض نـاصـر عـوني ومـحـمّـد صـالـح زكي. وكـانـا مـن الـرّعـيـل الأوّل مـن فـنـاني الـعـراق الـحـديـث.

وفي عـام 1930، وكـان في الـسّـابـعـة عـشـرة مـن عـمـره، أكـمـل عـطـا صـبـري دراسـتـه الـمـتـوسّـطـة، ودخـل دار الـمـعـلـمـيـن الإبـتـدائـيـة. واخـتـار شـعـبـة الـلـغـة الإنـكـلـيـزيـة. وكـان لـديـهـم فـيـهـا درس رسـم أيـضـاً عـيّـن لـتـدريـسـه شـوكـت سـلـيـمـان الّـذي نـظّـم لـهـم مـرسـمـاً واخـتـار عـطـا صـبـري مـسـؤولاً عـنـه وعـن أدوات الـرّسـم.

ومـنـع شـوكـت سـلـيـمـان تـلامـيـذه مـن الـرّسـم نـقـلاً عـن الـصّـور مـنـعـاً بـاتّـاً، وهـو مـا كـانـوا قـد مـارسـوه مـن قـبـل. وكـتـب عـطـا صـبـري : “ولأوّل مـرّة في حـيـاتي الـفـنّـيـة أخـذت بـالـرّسـم عـن الـطّـبـيـعـة وعـن الأشـخـاص ومـن الـخـيـال”.

ودرّسـه فـتـحي صـفـوة قـيـردار الأعـمـال الـيـدويـة عـلى اخـتـلاف أنـواعـهـا، وخـاصّـة الـنّـجـارة. وتـعـلّـم عـطـا صـبـري مـعـه “رسـم الـزّخـارف ووضـع الـتّـصـامـيـم لـهـا”.

وتـخـرّج عـطـا صـبـري مـن دار الـمـعـلـمـيـن الإبـتـدائـيـة في عـام 1934. وعـيّـن مـدرّسـاً لـلـرّسـم والـلـغـة الإنـجـلـيـزيـة في الـمـدارس الإبـتـدائـيـة. وفي عـام 1937، رشّـح، ثـمّ نـسـب لـتـدريـس الـرّسـم في الـمـدارس الـمـتـوسّـطـة : الـشّـرقـيـة الـمـتـوسّـطـة والـمـتـوسّـطـة الـمـركـزيـة والـغـربـيـة الـمـتـوسّـطـة. وأسـس في كـلّ واحـدة مـنـهـا مـرسـمـاً فـيـه أدوات فـنّ ومـكـتـبـة فـنّـيـة، وجـمـعـيـة لـلـفـنـون.

وقـدّم عـطـا صـبـري في نـهـايـة تـلـك الـسّـنـة الـمـدرسـيـة طـلـبـاً لـوزارة الـمـعـارف لـلـحـصـول عـلى بـعـثـة فـنّـيـة إلى الـخـارج. ثـمّ سـافـر في ذلـك الـصّـيـف ، مـع صـديـق لـه، إلى شـمـال الـعـراق، إلى الـسّـولاف والـعـمـاديـة.

وعـنـدمـا عـاد إلى بـغـداد، وجـد أنّـه كـان قـد اخـتـيـر لـدراسـة فـنّ الـرسـم في إيـطـالـيـا.

ووصـل إلى رومـا مـع حـافـظ الـدّروبي في بـدايـة الـسّـنـة الـدّراسـيـة 1937ــ 1938. ودرّسـهـمـا الـلـغـة الإيـطـالـيـة أسـتـاذ مـخـتـصّ مـن جـامـعـة رومـا. وقـضـيـا “سـنـة كـامـلـة في دراسـة الـتّـخـطـيـط والـرّسـم الـزّيـتي، عـلى يـد أسـتـاذ مـتـخـصّـص، وعـلى حـسـابـهـمـا الـخـاصّ”.

وبـعـد أن أكـمـلا سـنـتـهـمـا الـتّـاهـيـلـيـة، دخـلا في الـسّـنـة الـدّراسـيـة 1938ــ 1939 في “الأكـاديـمـيـة الـمـلـكـيـة الإيـطـالـيـة لـلـفـنـون الـجـمـيـلـة  Accademia di Belle Arti “، وفي مـرسـم الـفـنّـان كـالـرو سـيـفـيـيـرو          Carlo Siviero.

وانـدلـعـت الـحـرب الـعـالـمـيـة الـثّـانـيـة في الأوّل مـن شـهـر أيـلـول 1939. فـأرجـع كـلّ الـطّـلّاب الـعـراقـيـيـن مـن أوربـا إلى بـغـداد.  وفي بـغـداد وجـد عـطـا صـبـري أن والـده الـفـنّـان حـسـن سـامي كـان قـد وافـاه الأجـل، “رحـل فـجـأة، أصـيـب بـتـسـمـم في الـدّم ومـات”.  

وبـعـد أن عـاد عـطـا صـبـري إلى بـغـداد، عـمـل عـام 1940، “مـوظـفـاً لـلـرّسـم في مـديـريـة الآثـار الـقـديـمـة الـعـامّـة”.

وكـان سـاطـع الـحـصـري قـد أصـبـح مـديـراً لـلآثـار في 1934. وفي بـدايـة أربـعـيـنـات الـقـرن الـمـاضي، جـمـع حـولـه في “مـتـحـف الآثـار الـقـديـمـة” الّـذي أصـبـح الـمـتـحـف الـعـراقي بـعـد ذلـك، مـجـمـوعـة مـن الـفـنّـانـيـن الـشّـبّـاب مـثـل أكـرم شـكـري وجـواد سـلـيـم وحـافـظ الـدّروبي وعـطـا صـبـري وعـيـسى حـنّـا وخـالـد الـرّحـال، ودفـعـهـم لـلإهـتـمـام بـالآثـار الـعـراقـيـة الـقــديـمـة : الـسّـومـريـة والـبـابـلـيـة والآشــوريـة، وإلى الإهـتـمـام بـالـفـنـون الإسـلامـيـة ومـن بـيـنهـا الـمـنـمـنـمـات، وخـاصّـة رسـوم يـحـيى الـواسـطي.

وأوعـز سـاطـع الـحـصـري لـعـطـا صـبـري بـتـكـبـيـر بـعـض الـصّـور الـمـطـبـوعـة مـن رسـوم الـواسـطي عـلى مـقـامـات الـحـريـري، وتـحـويـلـهـا إلى لـوحـات زيـتـيـة كـبـيـرة عـلى قـمـاش. كـمـا رسـم عـطـا صـبـري لـوحـات اسـتـوحـاهـا مـن تـاريـخ الـعـراق الـقـديـم.

“ثـمّ جـاءت فـكـرة إنـشـاء “مـتـحـف بـابـل”، وعـمـلـتُ هـنـاك كـمـسـتـخـدم في الـمـخـتـبـر. وكـنّـا نـسـكـن قـريـة “كـوريـش”. وقـد كـلّـفـني وقـتـهـا الـمـرحـوم سـاطـع الـحـصـري رسـم الـجـنـائـن الـمـعـلّـقـة. فـرسـمـتـهـا سـنـة 1940. وهي الآن مـعـلـقـة في “مـتـحـف بـابـل”.

وصـاحـب مـنـذ عـام 1940 كـرسّـام، كـمـا سـبـق أن ذكـرنـا، عـدّة حـمـلات تـنـقـيـبـات أثـريـة في عـدّة مـنـاطـق في الـعـراق : في عـقـرقـوف وفي الـحيّ وفي سـامـراء وفي تـلّ الـدّيـر والـعـقـيـر.

وكـان في عـام 1942، يـصـاحـب حـمـلّـة الـتّـنـقـيـبـات الّـتي قـادهـا طـه بـاقـر في مـديـنـة واسـط الأثـريـة عـنـدمـا اسـتـدعي إلى بـغـداد وأرسـلـتـه “مـديـريـة الآثـار الـقـديـمـة الـعـامّـة” إلى الـشّـمـال لـرسـم مـنـطـقـة الـيـزيـديـيـن.

لـوحـات عـطـا صـبـري عـن الـيـزيـديـة

 كـانـت مـجـمـوعـة لـوحـات عـطـا صـبـري ورسـومـه، الّـتي عـرضـت في “قـاعـة الـصّـور” مـنـذ حـزيـران عـام 1943، تـتـضـمّـن 22  عـمـلاً فـنّـيـاً (أربـع عـشـرة لـوحـة زيـتـيـة وثـمـانـيـة رسـوم بـالـقـلـم).

والـلـوحـات الـزّيـتـيـة (حـسـب مـا ذكـرت في دلـيـل “قـاعـة الـصّـور” بـأرقـام تـسـلـسـل الـمـعـروضـات) هي :

عطا صبري، قاعة الصور 1

عطا صبري قاعة الصور 2

عطا صبري، قاعة الصور3

عطا صبري قاعة الصور 4

وقـد وجـدت عـدّة صـور لـلـوحـات يـبـدو أنّـهـا تـنـتـمي إلى هـذه الـمـجـمـوعـة. وسـأحـاول أن أتـعـرّف عـلى مـواضـيـع بـعـضـهـا مـسـتـعـيـنـاً بـقـائـمـة عـنـاويـنـهـا. وتـهـدف مـحـاولـتي هـذه إلى لـفـت انـتـبـاه الـمـهـتـمـيـن بـتـاريـخ فـنـنـا الـحـديـث إلى الـثّـغـرات الـواسـعـة الّـتي مـا زالـت تـحـتـاج إلى جـهـود لـمـلـئـهـا. وسـأعـرضـهـا عـلى قـرائي الأعـزّاء رغـم نـواقـصـهـا.

لـوحـات “بـعـشـيـقـة” 

نـجـد في عـنـاويـن أربـع لـوحـات مـن مـجـمـوعـة عـطـا صـبـري الّـتي عـرضـت في”قـاعـة الـصّـور” عـام 1943، اسـم بـعـشـيـقـة : “قـريـة بـعـشـيـقـة” و”مـهـرجـان الـرّبـيـع في بـعـشـيـقـة”، و”غـسـل الـمـلابـس (في بـعـشـيـقـة)”، و”هـاني (إمـرأة يـزيـديـة مـن بـعـشـيـقـة)”. ويـمـكـن أن نـضـيـف إلى هـذه الـلـوحـات خـامـسـة لـم يـذكـر اسـم بـعـشـيـقـة فـيـهـا ولـكـنـهـا رسـمـت فـيـهـا. وهي : “الـيـزيـديـة في مـهـرجـان الـرّبـيـع”.

وتـقـع قـريـة بـعـشـيـقـة عـلى بـعـد خـمـسـة وأربـعـيـن كـيـلـومـتـراً جـنـوب قـريـة “بـاعـذرا” الّـتي كـانـت فـيـهـا دار سـعـيـد بـك، رئـيـس الـيـزيـديـة. وكـان فـيـهـا أيـضـاً مـضـيـفـه الّـذي أقـام فـيـه الـفـنّـان عـطـا صـبـري.

وقـريـة بـعـشـيـقـة مـجـاورة لـقـريـة “بـاحـزني”، وهـمـا الآن تـشـكّـلان جـزأيـن مـن مـديـنـة صـغـيـرة (أو قـريـة كـبـيـرة) واحـدة : “بـعـشـيـقـة / بـاحـزني”.

لـديـنـا أوّلاً صـورتـان لـلـوحـتـيـن زيـتـيـتـيـن رسـمـهـمـا عـطـا صـبـري في نـفـس الـمـكـان مـع تـغـيـيـرات طـفـيـفـة في الـطّـقـس. ومـنـظـور الأولى أوسـع مـن مـنـظـور الـثّـانـيـة. أي أن الـفـنّـان ابـتـعـد عـن حـافّـة الـقـريـة في الأولى، واقـتـرب مـنـه في الـثّـانـيـة.

نـرى عـلى يـسـار خـلـفـيـة الـلـوحـة الأولى جـانـبـاً مـن قـريـة بـعـشـيـقـة عـلى مـرتـفـع يـنـحـدر نـحـو الـوادي، ويـظـهـر فـيـهـا أحـد مـعـابـدهـا، بـقـبـتـه الـمـخـروطـيـة الـمـضـلّـعـة، الـمـخـددة الـجـوانـب، وحـولـه بـعـض أهـل الـقـريـة بـمـلابـس زاهـيـة الألـوان. أمّـا في مـقـدمـة الـلـوحـة فـنـرى سـتّـة عـشـر رجـلاً وامـرأة بـمـلابـس أعـيـادهـم، يـمـسـك الـواحـد مـنـهـم بـيـد الآخـر، ويـدورون في دبـكـة بـبـهـجـة وسـعـادة حـول رجـل يـعـزف عـلى مـزمـار وآخـر يـقـرع عـلى طـبـلـه. 

ata Sabri 5

وقـد اسـتـعـمـل الـفـنّـان فـيـهـا مـنـظـوراً هـبـوطـيـاً كـمـا لـو كـان واقـفـاً عـلى مـرتـفـع وتـنـزل نـظـراتـه عـلـيـهـم مـن الأعـلى. ويـمـتـد الـوادي خـلـفـهـم حـتّى الأفـق الّـذي نـبـصـر عـلـيـه بـسـلـسـلـة جـبـال شـديـدة الـبـعـد، رصـاصـيـة مـزرقّـة. ورسـم خـط الأفـق عـلى ارتـفـاع حـوالي ثـلـثي الـلـوحـة. وتـرك ثـلـثـاً لـسـمـاء زرقـاء تـتـطـايـر فـيـهـا غـيـوم ربـيـع خـفـيـفـة الـبـيـاض. وقـد رسـم عـطـا صـبـري لـوحـتـه في شـهـر نـيـسـان أو في بـدايـة أيّـار.

وتـضئ الـمـشـهـد شـمـس تـنـزل أشـعـتـهـا مـن أعـلى يـمـيـن الـلـوحـة كـمـا تـدلّ عـلـيـه ظـلال الـمـعـبـد والأشـخـاص. وربـمّـا رسـم فـنّـانـا مـشـهـده في الـضّـحى، بـعـد أن ارتـفـعـت الـشّـمـس في الـسّـمـاء.

وهـذه الـلـوحـة هي الّـتي عـرضـت في “قـاعـة الـصـور” عـام 1943 تـحـت رقـم 36، وتـحـت عـنـوان “مـهـرجـان الـرّبـيـع في بـعـشـيـقـة”، وتـحـوّل اسـمـهـا بـعـد ذلـك، عـنـدمـا دخـلـت في مـجـمـوعـات “الـمـتـحـف الـوطـني لـلـفـنّ الـحـديـث” في بـغـداد إلى : “الـدّبـكـة”. (5)

والـلـوحـة الـزّيـتـيـة الـثّـانـيـة رسـمـهـا عـطـا صـبـري في نـفـس الـمـكـان، ولـكـن بـعـد أن اقـتـرب مـن الـقـريـة. نـرى عـلى يـسـارهـا جـانـبـاً مـن قـريـة بـعـشـيـقـة عـلى مـرتـفـع يـنـحـدر نـحـو الـوادي، ويـظـهـر فـيـهـا أحـد مـعـابـدهـا، بـقـبـتـه الـمـخـروطـيـة الـمـضـلّـعـة، الـمـخـددة الـجـوانـب، وحـولـه بـعـض أهـل الـقـريـة بـمـلابـس بـيـضـاء أو زاهـيـة الألـوان، وخـاصّـة حـمـراء وبـرتـقـالـيـة. ورسـم الـفـنّـان مـقـدمـة الـلـوحـة عـلى مـسـتـوى أرض الـوادي، أسـفـل الـمـرتـفـع الّـذي يـجـتـمـع فـيـه عـدد مـن أهـل الـقـريـة بـمـلابـس مـتـنـوّعـة الألـوان، لا تـبـدو مـنـهـم إلّا ظـهـورهـم، ولا نـمـيّـز تـمـامـاً مـاذا يـفـعـلـون. وتـحـتـل نـصـف الـلـوحـة الـعـلـوي سـمـاء زرقـاء تـتـطـايـر فـيـهـا غـيـوم أكـثـر كـثـافـة مـن الـلـوحـة الـسّـابـقـة. أمّـا أشـعـة الـشّـمـس فـتـسـقـط مـن أعـلى يـسـار الـلـوحـة كـمـا تـدّل عـلـيـه ظـلال الـمـعـبـد والـقـبّـة. ومـن الـمـحـتـمـل أن تـكـون قـد رسـمـت في عـصـر نـفـس الـيـوم.

ata-sabri-6

ونـلاحـظ فـيـهـا طـريـقـة مـخـتـلـفـة في الـرّسـم، لا تـشـبـه مـلاسـة فـرش الألـوان عـلى الـقـمـاش ومـزج لـمـسـات الـفـرشـاة لـتـكـوّن مـسـاحـات مـمـتـدّة مـتـجـانـسـة كـمـا في الـلـوحـة الـسّـابـقـة، وإنّـمـا بـضـربـات فـرشـاة أكـثـر حـيـويـة وتـلـقـائـيـة، أثـرت الـمـشـهـد بـكـثـافـات لـونـيـة مـتـنـوعـة الإتـجـاهـات والـتّـدرجـات الـضّـوئـيـة، وخـاصـة في مـقـدمـة الـلـوحـة وعـلى سـفـح الـمـرتـفـع، وفي أشـكـال الأشـخـاص الّـذيـن اخـتـزلـهـم الـفـنّـان إلى بـقـع لـونـيـة. كـمـا أغـنـت الـسّـمـاء بـغـيـوم ربـيـعـيـة أضـفـت عـلـيـهـا حـركـة تـدفـعـهـا بـخـفّـة نـحـو الـغـرب، أي إلى يـسـار الـمـشـهـد، ونـحـسّ فـيـهـا بـهـبـات نـسـيـم تـصـاحـبـهـا.

ورغـم جـمـود الأشـخـاص والأبـنـيـة ومـعـالـم الـطـبـيـعـيـة، فـإنّ الـرائي يـشـعـر بـحـيـاة تـطـفـح في كـلّ أنـحـاء الـمـشـهـد وتـمـلأه بـهـجـة تـجـذبـه لـلـدخـول في الـلـوحـة. 

ويـمـكـنـنـا أن نـتـعـرّف فـيـهـا عـلى الـلـوحـة الّـتي عـرضـت في “قـاعـة الـصـور” عـام 1943 تـحـت رقـم 59، وتـحـت عـنـوان “الـيـزيـديـة في مـهـرجـان الـرّبـيـع”. (5)

ولـديـنـا صـورة لـلـوحـة زيـتـيـة ثـالـثـة تـظـهـر نـفـس الـمـكـان، ولـكـن بـعـد أن تـحـوّل الـفـنّـان إلى الـيـمـيـن لـيـدور حـول الـمـرتـفـع الّـذي كـان يـخـفي الـقـريـة خـلـفـه في الـلـوحـتـيـن الـسّـابـقـتـيـن. وهـا هـو يـريـنـا بـعـض مـنـازل الـقـريـة. وهي ولا شـكّ الـلـوحـة الّـتي عـرضـت في “قـاعـة الـصـور” عـام 1943 تـحـت رقـم 34، وتـحـت عـنـوان “قـريـة بـعـشـيـقـة”. (5)

وقـد رجـع الـفـنّـان إلى الـخـلـف لـيـظـهـر لـنـا في يـسـار مـقـدمـة الـلـوحـة الـتّـلّ الّـذي كـان واقـفـاً عـلـيـه عـنـدمـا رسـم دبـكـة لـوحـتـه “مـهـرجـان الـرّبـيـع في بـعـشـيـقـة”. ونـرى هـنـا أنّ الـطّـريـق الّـذي يـدور حـول تـلّ الـمـعـبـد والـقـبّـة يـفـضي إلى الـقـريـة.

Ata Sabri 7

وتـضئ الـمـشـهـد شـمـس تـنـزل أشـعـتـهـا مـن أعـلى يـمـيـن الـلـوحـة كـمـا تـدلّ عـلـيـه ظـلال الـمـعـبـد والأشـخـاص. وربـمّـا رسـم فـنّـانـا هـذا الـمـشـهـد أيـضـاً في الـضّـحى، بـعـد أن ارتـفـعـت الـشّـمـس في الـسّـمـاء. ولـكـن سـمـاء نـيـسـان في هـذه الـلـوحـة تـلـبّـدت بـغـيـوم بـيـضـاء أكـثـر كـثـافـة.

وقـد اسـتـعـمـل الـفـنّـان في رسـمـه لـلـطـبـيـعـة مـا يـقـارب ثـلـثي مـسـاحـة الـلـوحـة، ورسـمـهـا بـنـفـس الـتّـقـنـيـة الّـتي اسـتـعـمـلـهـا في لـوحـتـه الأولى، فـقـد فـرش الألـوان بـمـلاسـة عـلى الـقـمـاش ومـزج لـمـسـات الـفـرشـاة لـتـكـوّن مـسـاحـات مـمـتـدّة مـتـجـانـسـة. ولـكـنّـه نـوّع في ضـربـات فـرشـاتـه في الـثّـلـث الأعـلى الّـذي خـصـصـه لـلـسـمـاء، وفـرك فـرشـاتـه بـقـوة في اسـتـدارات الـغـيـوم الـمـلـتـفّـة  الـمـتـكـاثـفـة يـدفـع بـعـضـهـا بـعـضـاً وتـهـدد بـزخّـات مـطـر ربـيـعـيـة، وربّـمـا هي الّـتي جـعـلـت الـشّـخـصـيـن الـلـذيـن نـراهـمـا في وسـط الـمـشـهـد يـسـرعـان نـحـو الـقـريـة لـتـحـاشـيـهـا … 

أمّـا لـوحـة “غـسـل الـمـلابـس (في بـعـشـيـقـة)” الّـتي عـرضـت في “قـاعـة الـصـور” عـام 1943 تـحـت رقـم 33، فـهي أيـضـاً لـوحـة زيـتـيـة مـسـتـطـيـلـة أفـقـيـاً، (130×100 سـم). نـرى فـيـهـا أربـع نـسـاء. ثـلاث مـنـهـنّ يـرتـديـن ثـيـابـاً بـيـضـاء طـويـلـة وسـتـرات نـيـلـيـة الـزّرقـة وبـنـفـسـجـيـة، مـتـعـمـمـات بـلـفّـات مـن الأقـمـشـة الـمـلـوّنـة عـلى رؤوسـهـنّ. واحـدة مـنـهـنّ واقـفـة جـانـبـيـاً بـيـنـمـا جـلـسـت اثـنـتـان عـلى ضـفـة جـدول تـفـركـان مـلابـس لـلـغـسـيـل. وجـلـسـت في الـجـانـب الـمـقـابـل مـن الـجـدول امـرأة رابـعـة خـلـعـت مـلابـسـهـا الّـتي وضـعـتـهـا في حـضـنـهـا وتـركـت شـعـرهـا يـنـسـدل خـصـائـل بـنّـيـة مـحـمـرّة.

Ata Sabri 9

ونـرى عـلى يـمـيـن الـلـوحـة صـهـريـجـاً مـعـدنـيـاً واسـعـاً ارتـكـز عـلى أحـجـار، يـرتـفـع مـن تـحـتـه لـهـب نـار حـامـيـة، ويـنـبـثـق مـن فـوهـتـه الـواسـعـة بـخـار يـخـتـلـط بـدخـان الـنّـار. والـوادي الّـذي يـدور فـيـه الـمـشـهـد اخـضـرّت فـيـه نـبـاتـات الـرّبـيـع، يـنـحـدر نـحـوه مـرتـفـعـان نـرى في وسـطـهـمـا غـابـة تـتـلامـع أوراق أشـجـارهـا في نـور الـشمـس. وخـلـف الـغـابـة مـرتـفـعـان يـنـحـدران نـحـوهـا ويـشـكـلان في أعـلى الـلـوحـة مـثـلـثـاً نـرى فـيـه غـيـومـاً تـكـاثـفـت في زرقـة الـسّـمـاء.

وقـد كـوّن الـفـنّـان لـوحـتـه عـلى عـدّة مـسـتـويـات تـتـتـابـع مـن مـقـدمـة الـمـشـهـد إلى أعـمـق أعـمـاقـه. بـدأ بـالـمـرأة الـواقـفـة جـانـبـيّـاً عـلى الـيـسـار، يـمـسّ أسـفـل ثـوبـهـا الأبـيـض أسـفـل إطـار الـلـوحـة، بـجـانـب أجـمـة مـن نـبـاتـات خـضـراء. ثـمّ تـنـجـذب أنـظـار الـرّائي إلى الـمـرأتـيـن الـجـالـسـتـيـن عـلى ضـفـة الـجـدول، وتـعـبـره نـحـو الـمـرأة الـمـتـجـرّدة في جـانـبـه الـمـقـابـل، ثـمّ إلى صـهـريـج الـمـاء الـسّـاخـن. وتـتـسـلـل نـظـرات الـرائي وسـط الـوادي مـن سـفـح جـبـل مـنـحـدر إلى الـسّـفـح الأبـعـد مـنـه لـتـخـرج أخـيـراً نـحـو الـسّـمـاء الـزّرقـاء الـمـلـبّـدة بـالـغـيـوم.

ولـم يـتـبـع عـطـا صـبـري قـواعـد الـرّسـم الـكـلاسـيـكي الّـتي كـان الـفـنّـانـون يـبـدأون حـسـبـهـا بـالألـوان الـحـارّة (الـحـمـراء والـصّـفـراء ومـشـتـقـاتـهـا الـبـنّـيـة) في مـقـدمـة الـمـنـاظـر الـطّـبـيـعـيـة، ثـمّ يـتـحـوّلـون شـيـئـاً فـشـيـئـاً، كـلّـمـا ابـتـعـدوا نـحـو الأفـق، إلى الألـوان الـبـاردة (الـزّرقـاء والـرّصـاصـيـة والـخـضـراء ومـشـتـقـاتـهـا) (7)، وإنّـمـا نـوّع، فـاخـتـار لـمـقـدمـة لـوحـتـه ألـوانـاً حـارّة تـبـعـهـا بـألـوان بـاردة، ثـمّ بـألـوان حـارّة في خـلـفـيـة الـمـشـهـد. وربّـمـا كـان سـبـب اخـتـيـاره لـذلـك هـو أن يـظـهـر بـشـرات أوجـه الـنّـسـاء وأذرعـهـنّ، وخـاًّصّـة جـسـد الـمـتـجـرّدة الـمـضـيـئـة، عـلى خـلـفـيـات رصـاصـيـة مـخـضـرّة ومـزرقّـة. 

لـديـنـا صـورة فـوتـوغـرافـيـة لـلـوحـة زيـتـيـة رسـمـهـا عـطـا صـبـري تـصـوّر امـرأة جـالـسـة عـلى مـصـطـبـة عـريـضـة عـلـيـهـا مـطـارح وغـطـاء أبـيـض، يـمـكـن أن تـكـون “هـاني الـيـزيـديـة”.  

وقـد صـوّرهـا الـفـنّـان جـانـبـيـاً، نـرى ثـلاثـة أربـاع وجـهـهـا. وهي تـنـظـر إلى الـرّائي جـانـبـيـاً. إسـتـنـدت بـذراعـهـا الأيـمـن عـلى مـسـنـد الـمـصـطـبـة ووضـعـت ذراعـهـا الأيـسـر في حـضـنـهـا. وهي تـرتـدي مـلابـس تـقـلـيـديـة تـبـدو عـلى درجـة عـالـيـة مـن الـجـودة والـثّـراء : سـتـرةً غـامـقـة عـلى قـمـيـص مـتـنـوع الألـوان فـوق تـنّـورة طـويـلـة مـتـورّدة الـبـيـاض، فـوقـهـا مـعـطـف يـغـطي كـتـفـهـا الأيـسـر لـيـمـرّ مـن تـحـت إبـطـهـا الأيـمـن. وتـعـمـمـت بـلـفّـة قـمـاش واسـعـة أدارتـهـا حـول رأسـهـا.

عطا صبري 6

وقـد أظـهـر الـفـنّـان خـلـفـهـا جـداراً بـنّـيـاً بـصـبـغ بـاهـتـة، نـوّع في تـدرّجـاتـهـا، وأضـفـت عـمـقـاً عـلى الـلـوحـة. ورغـم أنّ الـضّـوء يـأتي مـن أعـلى يـمـيـن الـلـوحـة، كـمـا تـدلّ عـلـيـه الـظّـلال في طـوايـا الـمـعـطـف، فـلا نـرى ظـلالاً عـلى يـسـار الـمـرأة.

ويـمـكـن أن تـكـون هـذه الـلـوحـة هي الّـتي عـرضـت في قـاعـة الـصّـور عـام 1943 تـحـت رقـم 30، وتـحـت عـنـوان ” هـاني (إمـرأة يـزيـديـة مـن بـعـشـيـقـة)”. (6)                                   

لـوحـتـان لـلـشّـيـخ عـادي

لـديـنـا لـوحـة زيـتـيـة، مـسـتـطـيـلـة أفـقـيـاً، تـظـهـر قـريـة شـيـخ عـادي. وهي ولا شـكّ الـلـوحـة الّـتي عـرضـت في قـاعـة الـصّـور عـام 1943 تـحـت رقـم 32، وتـحـت عـنـوان “شـيـخ عـادي”. (5)

Ata Sabri 3

وقـد اسـتـعـمـل فـيـهـا الـفـنّـان مـنـظـوراً “هـبـوطـيـاً”، تـنـزل فـيـه نـظـرات الـرّائي مـن أعـلى الـمـشـهـد إلى الـحـوش الـواسـع الّـذي يـنـتـصـب في وسـطـه ضـريـح شـيـخ عـادي، مـكـان الـيـزيـديـة الـمـقـدّس الـرئـيـسي، والـمـحـاط بـحـيـطـان عـالـيـة. وتـسـقـط أشـعـة الـشّـمـس مـن أعـلى يـمـيـن الـلـوحـة مـضـيـئـة قـبـاب الـضّـريـح الـثّـلاث، الـمـخـروطـيـة الـمـضـلّـعـة، الـمـخـددة الـجـوانـب. ثـمّ تـعـبـر نـظـرات الـرائي حـيـطـان الـضّـريـح لـتـنـزل إلى أسـفـل الـقـريـة الـمـحـيـطـة بـه، ثـمّ تـصـعـد مـتـسـلّـقـة مـرتـفـعـاً تـنـاثـرت عـلـيـه دور أخـرى مـن الـقـريـة، ويـقـابـلـه مـرتـفـع آخـر. وبـيـنـهـمـا مـسـلـك يـوصـل إلى مـخـرج مـثـلـث الـشّـكـل في أعـمـاق الـلـوحـة نـرى فـيـه سـمـاء داكـنـة.

كـمـا وجـدت صـورة (ضـعـيـفـة الـدّقّـة) يـمـكـن أن تـكـون الـلـوحـة الّـتي عـرضـت في قـاعـة الـصّـور عـام 1943 تـحـت رقـم 38، وتـحـت عـنـوان “مـدخـل شـيـخ عـادي”. (6)

وهي لـوحـة زيـتـيـة مـسـتـطـيـلـة أفـقـيـاً، قـسّـمـهـا الـفـنّـان إلى نـصـفـيـن، يـنـحـدر أعـلى سـور في وسـطـهـا انـحـداراً قـلـيـلاً مـن يـسـارهـا إلى يـمـيـنـهـا. وفي الـنّـصـف الأيـسـر مـن الـسّـور الـمـشـيّـد بـقـطـع صـخـريـة، بـوابـة مـقـوّسـة الأعـلى تـجـذب أنـظـار الـرّائي كـمـا لـو كـان واقـفـاً أمـامـهـا، ويـدخـل مـنـهـا إلي بـوابـة أخـرى في سـور ثـانٍ، ثـمّ إلى بـوابـة ثـالـثـة أبـعـد مـنـهـمـا في سـور ثـالـث. ونـتـعـرّف في وسـط يـسـار الـلـوحـة عـلى أعـلى قـبـاب ضـريـح شـيـخ عـادي.

عطا صبري 4

ولا نـرى مـن الـقـريـة الّـتي تـخـفـيـهـا الأسـوار إلّا أعـالي أشـجـارهـا. ونـرى خـلـفـهـا الـمـرتـفـعـيـن الـمـتـقـابـلـيـن والـمـخـرج الـمـثـلـث الـشّـكـل في آخـر عـمـق الـلـوحـة الّـذي نـبـصـر فـيـه بـالـسّـمـاء. وتـسـقـط أشـعـة الـشّـمـس مـن أعـلى يـمـيـن الـلـوحـة مـضـيـئـة الـمـشـهـد.

عـيـن سـفـني

ووجـدت صـورة لـلـوحـة زيـتـيـة تـظـهـر قـريـة صـغـيـرة الـتـصـقـت دورهـا الـصّـغـيـرة الـواحـدة جـنـب الأخـرى أو فـوقـهـا وانـحـدرت سـطـوحـهـا كـمـا في كـلّ الـمـنـاطـق الـكـثـيـرة الأمـطـار لـتـسـيـل مـن عـلـيـهـا الـمـيـاه. والـقـريـة مـحـاطـة بـأجـمـات وغـابـات أشـجـار، يـنـتـصـب عـلى مـرتـفـع بـجـانـبـهـا مـعـبـد مـربّـع تـعـلـوه قـبـة مـخـروطـيـة الـشّـكـل، مـضـلّـعـة، مـخـددة الـجـوانـب. ونـرى عـلى يـمـيـن الـلـوحـة، خـلـف الـقـريـة والأجـمـات والأشـجـار، سـفـح جـبـل يـنـحـدر نـحـو وسـطـهـا. وتـنـزل أشـعـة الـشّـمـس مـن أعـلى يـمـيـن الـلـوحـة لـتـضئ الـقـريـة والـمـعـبـد، وتـلـقي بـظـلال نـحـو الـيـسـار.

Ata Sabri 4

وقـد اسـتـعـمـل الـفـنّـان تـقـنـيـتـيـن في رسـمـه، فـقـد فـرش الألـوان بـمـلاسـة عـلى الـقـمـاش ومـزج لـمـسـات الـفـرشـاة لـتـكـوّن مـسـاحـات مـمـتـدّة مـتـجـانـسـة في تـصـويـر الـقـريـة والـمـرتـفـع والـمـعـبـد والـسّـمـاء، ولـكـنّـه اسـتـعـمـل ضـربـات فـرشـاة أكـثـر تـلـقـائـيـة وحـيـويـة في رسـم الأجـمـات والأشـجـار.

كـمـا احـتـرم قـواعـد الـتّـصـويـر الـكـلاسـيـكي في رسـم مـقـدمـة الـلـوحـة بألـوان حـارّة (حـمـراء وصّـفـراء ومـشـتـقـاتـهـا الـبـنّـيـة) واسـتـعـمـل ألـوانـاً بـاردة رصـاصـيـة مـزرقّـة في الـجـزء الأكـثـر بـعـداً مـن الـرّائي، أي في سـفـح الـجـبـل الـمـنـحـدر نـحـو وسـط الـمـشـهـد. (5)

ومـن الـمـحـتـمـل أن تـكـون هـذه الـلـوحـة هي الّـتي عـرضـت في قـاعـة الـصّـور عـام 1943 تـحـت رقـم 37، وتـحـت عـنـوان “عـيـن سـفـني”،  فـهي الـوحـيـدة الّـتي يـتـجـاوز عـرضـهـا ضـعـفَي ارتـفـاعـهـا : (57×24 سـم.).

وتـقـع قـريـة “عـيـن سـفـني” عـلى بـعـد حـوالي 18 كـيـلـومـتـراً ونـصـف جـنـوب شـرق قـريـة بـاعـذرا الّـتي أقـام عـطـا صـبـري في مـضـيـفـهـا.

الـرّسـوم بـالـقـلـم، الـتّـخـطـيـطـات

 أمّـا عـن الـرسـوم بـالـقـلـم، فـلا يـذكـر الـدّلـيـل إن كـانـت بـالـقـلـم الـرّصـاص أو الـفـحـم أو الـدّمـوي، ولـكـنّـه يـذكـر : “رسـم بـالـقـلـم”، و “بـالـقـلـم”، و”صـورة بـالـقـلـم”، ولا نـعـرف الـفـرق بـيـنـهـا.

وقـد كـانـت كـلّـهـا “رسـوم أشـخـاص”. ولـم أجـد لـهـا صـورة واحـدة، ولـم أتـوصّـل إلى مـعـرفـة إن كـانـت قـد اخـتـفـت كـلّـهـا أم بـقي بـعـضـهـا في مـجـمـوعـات مـقـتـنـيـات خـاصّـة :

عطا صبري قاعة الصور 5

عطا صبري قاعة الصور 6

ولا شـكّ في أنّ بـعـضـهـا كـانـت شـواهـد نـادرة عـلى شـخـصـيـات مـعـروفـة في ذلـك الـزّمـن، مـثـل رسـم سـعـيـد بـك.

وكـان سـعـيـد بـك رئـيـس الـيـزيـديـة الّـذي اسـتـقـبـل الـفـنّـان عـطـا صـبـري في مـضـيـفـه في قـريـة بـاعـذرا. وقـد أصـبـح رئـيـسـاً لـلـيـزيـديـة بـعـد مـقـتـل أبـيـه عـلي بـك. وكـان سـعـيـد بـك عـنـدمـا رسـمـه الـفـنّـان عـطـا صـبـري في الـحـاديـة والأربـعـيـن مـن عـمـره تـقـريـبـاً. (8)

أو رسـم حـجي فـقـيـر شـمـو الـيـزيـدي، الّـذي أصـبـح بـدوره فـقـيـراً بـعـد وفـاة أبـيـه. و”الـفـقـيـر” أعـلى درجـات الـكـهـانـة عـنـد الـيـزيـديـيـن. وقـد رسـمـه الـفـنّـان عـطـا صـبـري عـام 1942 عـنـدمـا كـان في مـطـلـع شـبـابـه، فـقـد وافـاه الأجـل عـام 2019.

لـوحـات أخـرى أضـيـفـت عـلى هـذه الـمـجـمـوعـة

بـعـد أن قـررت “مـديـريـة الآثـار الـقـديـمـة الـعـامّـة” وضـع مـجـمـوعـة لـوحـات عـطـا صـبـري “لـلـيـزيـديـة الـقـاطـنـيـن في مـنـطـقـة الـشّـيـخـان”، والّـتي كـانـت ” قـد عـنـيـت بـوضـعـهـا هـذه الـمـديـريـة خـصـيـصـاً لـهـذه الـقـاعـة”، كـمـا ذكـره “دلـيـل قـاعـة الـصّـور” لـعـام 1943، قـررت أيـضـاً إضـافـة لـوحـات أخـرى.

 وذكـر يـوسـف رزق الله غـنـيـمـة أنّ الـمـديـريـة كـانـت قـد اشـتـرت هـذه “الـصّـور” الأخـرى : “مـن الـمـعـارض الـفـصـلـيـة والـدّوريـة الّـتي أقـامـهـا الـرّسّـامـون الـعـراقـيـون في بـغـداد، وتـمّـت هـذه الـمـجـمـوعـة بـابـتـيـاع بـعـض إنـتـاج فـنّـانـيـن أجـانـب أقـامـوا مـؤقـتـاً في بـغـداد”. وذكـر أنّـهـا كـانـت “مـحـاولـة أولى لـتـكـويـن مـجـمـوعـة وطـنـيـة  National collection ” عـلى أمـل أن تـكـون في يـوم مـن الأيّـام نـواة لـقـاعـة عـراقـيـة وطـنـيـة          Iraqi national Gallery “.

وقـد أضـيـف عـلى مـجـمـوعـة عـطـا صـبـري الّـتي كـانـت تـضـمّ 22 عـمـلاً فـنّـيـاً (لـوحـات زيـتـيـة ورسـوم) 43 عـمـلاً فـنّـيـاً لـثـلاثـة عـشـر فـنّـانـاً عـراقـيـاً وأجـنـبـيـاً، لـيـصـل عـددهـا الـنّـهـائي إلى 65 عـمـلاً  (لـوحـات زيـتـيـة وألـوان مـائـيـة ورسـوم بـالـقـلـم وبـالـفـحـم وبـالـمـداد ورسـوم كـاريـكـتـور). (1)

وبـعـد ثـورة 14 تـمّـوز 1958، أنـشـئـت  وزارة جـديـدة هي وزارة الإرشـاد، وأنـشـئـت فـيـهـا مـديـريـة عـامـة لـلـفـنـون. ثـمّ شـرعـت أمـانـة عـاصـمـة بـغـداد عـام 1959، بـتـشـيـيـد مـبـنى في الـبـاب الـشّـرقي لـيـكـون مـقـرّاً لـمـركـز فـنـون. واكـتـمـل تـشــيـيـده في 1961.

وفي تـمـوّز 1962، إفـتـتـح  رسـمـيـاً “الـمـتـحـف الـوطـني لـلـفـنّ الـحـديـث”. وعـرضـت فـيـه الأعـمـال الـفـنّـيـة الّـتي كـانـت مـديـريـة الآثـار الـقـديـمـة الـعـامـة قـد بـدأت بـاقـتـنـائـهـا مـنـذ بـدايـة الأربـعـيـنـات، والّـتي كـانـت قـد أودعـت في إحـدى قـاعـاتـهـا الّـتي كـانـت قـد أسـمـيـت “قـاعـة الـصّـور”.

ولـم أجـد بـعـد جـرداً لـلأعـمـال الـفـنّـيـة الّـتي دخـلـت في مـجـمـوعـات “الـمـتـحـف الـوطـني لـلـفـنّ الـحـديـث” عـنـد افـتـتـاحـه عـام 1962.

ونـجـد في الـقـائـمـة الّـتي نـشـرت عـام 1979، عـن أعـمـال عـطـا صـبـري الـفـنّـيـة الـمـحـفـوظـة في الـمـتـحـف الـوطـني لـلـفـنّ الـحـديـث في بـغـداد،(9)  أنّ 18 عـمـلاً (زيـت وتـخـطـيـط)  فـقـط تـنـتـمي إلى مـجـمـوعـة الـلـوحـات الّـتي رسـمـهـا عـطـا صـبـري في شـمـال الـعـراق في ربـيـع عـام 1942. والّـتي كـانـت تـضـمّ في الأصـل 22 عـمـلاً مـحـفـوظـاً في “قـاعـة الـصّـور” في بـغـداد عـام 1943. فـمـاذا حـدث لـلأربـعـة الـبـاقـيـة ؟

Ata Sabri MFHB 1

Ata Sabri MFHB 2

والأعـمـال الّـتي اخـتـفـت مـن الـمـجـمـوعـة بـيـن عـامَي 1943 و 1979 تـضـمّ لـوحـتـيـن زيـتـيـتـيـن  :  “إبـن الـشّـيـخ”  و”أبـو عـبـد”، وتـخـطـيـطـيـن : “صـبي يـزيـدي” و “قـوال حـجي رشـيـد”.

كـمـا نـلاحـظ أنّ عـنـاويـن بـعـض الـلـوحـات والـتّـخـطـيـطـات تـغـيّـرت، ودخـلـت فـيـهـا أخـطـاء إمـلائـيـة (أو مـطـبـعـيـة) :

فـعـنـوان لـوحـة : “قـريـة بـاعـذرا”، كـمـا نـشـر في “دلـيـل قـاعـة الـصّـور لـعـام 1943″، أصـبـح :  “مـنـظـر مـن قـريـة عـذاب”، في قـائـمـة 1979. ولا بـدّ أنّ كـلـمـة “عـذاب” تـحـريـف لاسـم لـم يـفـهـمـه مـن كـتـب الـقـائـمـة، فـلـم أجـد في مـنـطـقـة شـيـخـان قـريـة بـهـذا الإسـم. و”هـاني (إمـرأة يـزيـديـة مـن بـعـشـيـقـة)”، أصـبـح :  “فـتـاة مـن بـعـشـيـقـة”،  و “شـيـخ عـادي”، أصـبـح :  “مـنـظـر الـشّـيـخ عـادي”، و”غـسـل الـمـلابـس (في بـعـشـيـقـة) ”  أصـبـح : “غـسّـالات مـن بـعـشـيـقـة”، و “حـجي فـقـيـر شـمـو الـيـزيـدي” أصـبـح :  “حـاجي نـبي الـفـقـيـر شـمـر”، و “مـهـرجـان الـرّبـيـع في بـعـشـيـقـة”، أصـبـح :”الـدّبـكـة”، و “عـيـن سـفـني”، أصـبـح : “عـيـن سـفـني في قضـاء شـيـخـان”، و”مـدخـل شـيـخ عـادي”، أصـبـح : “مـنـظـر الـشّـيـخ عـادي”، و “ريـحانـة ـ فـتـاة يـزيـديـة”، أصـبـح :  “ريـمـان الـيـزيـديـة ــ قـريـة بـاعـذرة”، و “الـيـزيـديـة في مـهـرجـان الـرّبـيـع”، أصـبـح : “عـيـد الـرّبـيـع في بـعـشـيـقـة”، و “الـيـتـيـم”، أصـبـح : “الـيـتـيـمـة”، و”فـيـروز حـجي الـيـزيـدي”، أصـبـح : “فـيـروز حـاجي، فـتـاة”، و “الـيـاس الـيـزيـدي”، أصـبـح : “الـيـاس (صـبي مـن عـيـن سـفـني)”، و “عـبـو عـجاج أغـا”، أصـبـح : “عـبـو عـجـاج مـن قـريـة بـحـراني”، والـصّـحـيـح : “قـريـة بـحـزاني”، و “سـعـيـد بـك”، أصـبـح :  “سـيـدوبـيـك”، و”حـجي فـقـيـر شـمـو الـيـزيـدي”، أصـبـح : “حـاجي بـن فـقـيـر شـمـر”.

وربّـمـا مـا زالـت بـعـض الأعـمـال الـفـنّـيـة الّـتي تـنـتـمي لـهـذه الـمـجـمـوعـة في مـجـمـوعـات مـقـتـنـيـات خـاصّـة أو عـامـة، ولـكـنّي لـم أجـد لـهـا أثـراً رغـم كـلّ مـحـاولاتي الـمـتـكـررة. ولا يـشـكـلّ هـذا ضـيـاعـاً لـجـزء مـهـمّ مـن تـاريـخـنـا الـفـنّي الـحـديـث فـقـط، وإنّـمـا أيـضـاً فـقـدانـاً لـجـزء مـهـمّ مـن ذاكـرتـنـا الـجـمـاعـيـة الّـتي تـربـط بـيـنـنـا كـأبـنـاء بـلـد واحـد.

مـلـحـق

لـم أجـد ذكـراً لـ “قـاعـة الـصّـور” الّـتي أنـشـأتـهـا “مـديـريـة الآثـار الـقـديـمـة الـعـامّـة” عـام 1943، في الـدّراسـات الّـتي نـشـرت عـن تـاريـخ الـفـنّ الـعـراقي الـحـديـث، كـمـا لـوكـان مـؤلـفـوهـا قـد جـهـلـوا وجـودهـا أو تـجـاهـلـوه.

وذكـر شـاكـر حـسـن آل سـعـيـد في كـتـابـه “فـصـول مـن تـاريـخ الـحـركـة الـتّـشـكـيـلـيـة في الـعـراق”، الـجـزء الأوّل، ص. 105، أنّ مـعـرض “جـمـعـيـة أصـدقـاء الـفـنّ” لـعـام 1946، أقـيـم في قـاعـة “مـتـحـف الأزيـاء”. وأضـاف : “واحـتـوت الـقـاعـة بـعـد ذلـك عـلى الـرّسـوم الـزّيـتـيـة الّـتي رسـمـهـا عـطـا صـبـري مـوضّـحـاً رسـوم يـحـيى الـواسـطي الـمـصـغّـرة” و “أصـبـحـت نـواة مـتـحـف الـفـنّ الـحـديـث بـعـد احـتـوائـهـا عـلى الـرّسـوم”.

وهـنـا يـخـطئ شـاكـر حـسـن آل سـعـيـد ثـلاث مـرّات. الأولى لأنّ الـقـاعـة الّـتي احـتـوت  عـلى الـرّسـوم لـم تـكـن قـاعـة مـتـحـف الأزيـاء، وإنّـمـا قـاعـة مـجـاورة لـهـا، كـمـا سـبـق أن رأيـنـا، والـثّـانـيـة أنّـهـا احـتـوت عـلى الـرسـوم مـنـذ عـام 1943، أي قـبـل عـام 1946، ولـيـس بـعـده، والـثّـالـثـة أنّـهـا أصـبـحـت “نـواة مـتـحـف الـفـنّ الـحـديـث بـعـد احـتـوائـهـا عـلى رسـوم “الـيـزيـديـة الـقـاطـنـيـن في مـنـطقـة الـشّـيـخـان الّـتي عـنـيـت بـوضـعـهـا هـذه الـمـديـريـة خـصـيـصـاً لـهـذه الـقـاعـة”، كـمـا نـصّ عـلـيـه “دلـيـل قـاعـة الـصّـور لـعـام 1943″، ولـيـس بـعـد احـتـوائـهـا عـلى “الـرّسـوم الـزّيـتـيـة الّـتي رسـمـهـا عـطـا صـبـري مـوضّـحـاً رسـوم يـحـيى الـواسـطي الـمـصـغّـرة”.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  أنـظـر مـقـالي : إنـشـاء « قـاعـة الـصّـور » في بـغـداد عـام 1943

(2)  كـتـب الـفـنّـان عـطـا صـبـري في ذكـريـاتـه (مـجـلّـة فـنـون، بـغـداد 1978) عـن مـا حـدث بـعـد فـشـل حـركـة عـبـد الـقـادر الـكـيـلاني في مـايـس عـام 1941، ورجـوع الإنـكـلـيـز :

“وهـرب سـاطـع الـحـصـري [الّـذي كـان مـديـراً عـامـاً لـلآثـار الـقـديـمـة] مـع ابـنـتـه وابـنـه إلى سـوريـا”، “وأصـبـح حـسـيـن عـتّـاوي مـديـراً عـامـاً لـلـدّائـرة. ويـقـال إنّ حـسـيـن عـتّـاوي كـان شـرطـيـاً عـنـد دخـول الإنـجـلـيـز في الـحـرب الـعـالـمـيـة الأولى، وظـلّ قـريـبـاً مـنـهـم، مـخـلـصـاً لـهـم، حـتّى كـوفئ بـأن أصـبـح مـديـراً عـامـا”. ولـم أجـد مـتى عـيّـن يـوسـف رزق الله غـنـيـمـة عـلى رأس الـمـديـريـة بـالـضّـبـط.

(3)  جـريـدة الـجـمـهـوريـة، بـغـداد 1973، مـقـابـلـة أجـراهـا رشـيـد الـرّمـادي.

(4)  مـجـلّـة “فـنـون”، بـغـداد 1979، “ذكـريـات عـطـا صـبـري”.

(5)   صـور الـلـوحـات الّـتي تـحـمـل رقـم الـهـامـش هـذا مـأخـوذة مـن مـوقـع أرشـيـف الـفـنّ الـعـراقي الـحـديـث  The Modern Art Iraq Archive (MAIA). وقـد كـتـبـت لـلـمـسـؤولـة عـن الـمـوقـع أطـلـب مـنـهـا الإذن بـنـشـرهـا، ولـكـنّـهـا لـم تـجـب عـلى رسـالـتي. وقـد اعـتـبـرت أنّ “الـسّـكـوت مـن الـرّضـا”، فـلـهـا مـنّي جـزيـل الـشّـكـر.

(6)  صـور الـلـوحـات الّـتي تـحـمـل رقـم الـهـامـش هـذا مـأخـوذة مـن كـتـاب مـحـمّـد الـجـزائـري “عـطـا صـبـري، الـفـنّـان والـمـسـيـرة”، بـغـداد 1979.

(7)  وهـو مـا يـسـمى بـمـا يـمـكـن أن نـتـرجـمـه إلى الـلـغـة الـعـربـيـة تـقـريـبـاً بـ “مـنـظـور الـغـلاف الـجـوّي”، أي أنّ الأشـكـال تـفـقـد، كـلّـمـا ابـتـعـدت في أعـمـاق الـلـوحـة، مـن وضـوحـهـا ومـن قـوّة ألـوانـهـا فـتـبـهـت وتـغـلـفـهـا شـيـئـاً فـشـيـئـاً ضـبـابـيـة رصـاصـيـة مـزرقّـة حـتّى تـمـتـزج بـأسـفـل الـسّـمـاء في خـطّ الأفـق.

(8)  كـان سـعـيـد بـك في الـثّـامـنـة مـن عـمـره عـنـدمـا رأتـه الـمـس جـرتـرود بـيـل عـام 1909. أنـظـر مـقـالي : رحـلـة جـرتـرود بـيـل الأولى إلى الـعـراق عـام 1909

(9)  مـحـمّـد الـجـزائـري “عـطـا صـبـري، الـفـنّـان والـمـسـيـرة”، بـغـداد 1979

©   حـقـوق الـنّـشـر مـحـفـوظـة لـلـدّكـتـور صـبـاح كـامـل الـنّـاصـري  

يـرجى طـلـب الإذن مـن الـكـاتـب قـبـل إعـادة نـشـر هـذا الـمـقال.

رحـلـة جـرتـرود بـيـل الأولى إلى الـعـراق عـام 1909

جرترود بيل في بابل

الـدّكـتـور صـبـاح الـنّـاصـري

غـادرت الـمـس جـرتـرود بـيـل  Gertrude  Bell إنـكـلـتـرة عـام 1909 لـلـقـيـام بـرحـلـة في بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن. وبـعـد أن زارت مـوقـع تـنـقـيـبـات مـديـنـة كـركـمـيـش (جـرابـلـس) الـحـيـثـيـة، عـلى حـدود سـوريـا وبـلاد الأنـاضـول، نـزلـت في 3 شـبـاط مـن ذلـك الـعـام، مـن حـلـب إلى تـلّ أحـمـر في سـوريـا في 21 شـبـاط. ثـمّ أكـمـلـت طـريـقـهـا مـن تـلّ أحـمـر إلى بُـصـيـرة الّـتي وصـلـتـهـا في 7 آذار، وإلى هـيـت الّـتي وصـلـتـهـا في 18 آذار، ثـمّ إلى كـربـلاء فـبـغـداد.

ومـن بـغـداد صـعـدت إلى الـمـوصـل عـن طـريـق سـامـراء وتـكـريـت. ومـن الـمـوصـل إلى مـنـطـقـة سـنـجـار، فـزاخـو، فـديـار بـكـر وقـونـيـا. ودامـت جـولـتـهـا في الـعـراق خـمـسـة أشـهـر.

وقـد سـردت جـرتـرود بـيـل رحـلـتـهـا في كـتـاب عـنـونـتـه : “مـن مـراد إلى مـراد  Amurath to Amurath “. ونـشـرتـه في لـنـدن عـام 1911. (1)

 وقـد شـهـدت خـلال هـذه الأشـهـر الّـتي زارت فـيـهـا الـعـراق اسـتـيـلاء أعـضـاء جـمـعـيـة الإتـحـاد والـتّـرقي عـلى الـسّـلـطـة وعـزلـهـم لـلـسّـلـطـان عـبـد الـحـمـيـد وإبـدالـه بـأخـيـه مـحـمّـد رشـاد. وهي تـعـتـبـر أنّ سـلـطـانـاً تـبـعـه سـلـطـان يـشـبـهـه، فـكـأنّـمـا مـررنـا مـن مـراد إلى مـراد آخـر.

وقـد أخـذت جـرتـرود بـيـل عـنـوان كـتـابـهـا “مـن مـراد إلى مـراد” مـن ولـيـام شـكـسـبـيـر في الـمـشـهـد الـثّـاني مـن مـسـرحـيـة هـنـري الـرابـع (Henry IV, Part 2, Act 5, Scene 2.).

فـقـد جـعـل شـكـسـبـيـر الـمـلـك هـنـري الـرّابـع، وهـو عـلى سـريـر الـمـوت، يـوبّـخ ابـنـه قـائـلاً لـه :

“هـذا بـلاط الإنـكـلـيـز لا بـلاط الأتـراك، ولا يـخـلـف مـراد مـراداً آخـر                « Not Amurath an Amurath Succeds »،  وإنـمّـا يـخـلـف هـاري هـاريـاً آخـر”. (2)

وقـد حـكـم عـدّة سـلاطـيـن عـثـمـانـيـيـن كـانـت أسـمـاؤهـم مـراد. وأذيـع عـنـهـم في أوربـا أنّ أقـواهـم كـان يـقـتـل كـلّ أخـوتـه لـيـرتـقي الـعـرش، ثـمّ يـخـلـفـه مـراد آخـر يـقـلّـده فـيـمـا فـعـل.

أسـفـار جـرتـرود بـيـل :

 لـنـفـهـم مـا دفـع الـمـس جـرتـرود بـيـل إلى تـحـمّـل مـصـاعـب الـسّـفـر ومـشـقّـاتـه وإنـفـاق مـبـالـغ طـائـلـة في ذلـك، لا يـكـفي أن نـنـسـب لـهـا أهـدافـاً تـجـسـسـيـة، كـمـا نـقـرأه في كـثـيـر مـن الـمـقـالات الـبـالـغـة الـسّـذاجـة، وإن كـانـت الـمـس قـد وضـعـت مـعـارفـهـا، بـعـد أن انـدلـعـت الـحـرب الـعـالـمـيـة الأولى، أي بـعـد سـنـوات مـن رحـلاتـهـا هـذه، في خـدمـة الإمـبـراطـوريـة الـبـريـطـانـيـة.

وعـلـيـنـا أن نـتـذكّـر أنّ تـنـقـيـبـات أثـريـة بـدأت عـام 1738 في مـوقـع هـيـركـولانـوم Herculanum  في جـنـوب إيـطـالـيـا، وفي مـوقـع بـومـبـيـه  Pompeii الـقـريـب مـنـه بـعـد ذلـك بـعـشـر سـنـوات. وكـانـت الـمـديـنـتـان قـد خـربـهـمـا انـفـجـار بـركـان فـيـزوف عـام 79 قـبـل الـمـيـلاد. وقـد بـدأ في تـلـك الـفـتـرة اهـتـمـام الأدبـاء والـفـنّـانـيـن الأوربـيـون بـآثـار الـمـاضي الّـتي خـرجـت مـن تـحـت الأرض.

وكـان الأوربـيـون قـد قـامـوا خـلال قـرون طـويـلـة بـرحـلات إلى أنـحـاء مـخـتـلـفـة مـن الـعـالـم لأغـراض تـجـاريـة أو ديـنـيـة أو حـتّى سـيـاسـيـة. ولـكـن الـقـرن الـثّـامـن عـشـر شـهـد قـيـام كـثـيـر مـن الأدبـاء والـفـنّـانـيـن، وخـاصّـة مـن فـرنـسـا وألـمـانـيـا وهـولـنـدة، وحـتّى مـن انـكـلـتـرة، بـرحـلات إلى إيـطـالـيـا. وأقـام فـيـهـا بـعـضـهـم سـنـوات طـويـلـة لـيـتـعـرّفـوا عـلى بـقـايـا مـعـالـم الـحـضـارة الـرّومـانـيـة وعـلى الـفـنّ الإيـطـالي الّـذي نـشـأ ونـمـا مـنـذ بـدايـة عـصـر الـنّـهـضـة، ولـيـتـعـلّـمـوا طـرق الـرّسـم والـنّـحـت الـمـبـتـكـرة.

ويـلـخّـص هـذا الـنّـوع الـجـديـد مـن الـرّحـلات مـا كـتـبـه الأديـب والـشّـاعـر الألـمـاني الـكـبـيـر يـوهـان فـون غـوتـه  J.W. von Goethe عـام 1788 : “لـم نـعـد نـسـافـر [في أيّـامـنـا هـذه] لـنـصـل إلى مـكـان مـعـيّـن، وإنّـمـا نـسـافـر حـبّـاً بـالـسّـفـر”. فـلـم يـعـد الـسّـفـر وسـيـلـة وإنّـمـا هـدفـاً بـذاتـه. أي لـتـعـزيـز الـجـانـب الـثّـقـافي في شـخـصـيّـة الإنـسـان بـانـفـتـاحـه عـلى الـعـالـم وتـنـمـيـة فـضـولـه الـفـكـري بـاكـتـشـاف مـنـاطـق مـخـتـلـفـة جـديـدة والإلـتـقـاء بـسـكـانـهـا والـتّـعـرّف عـلى طـرق حـيـاتـهـم وتـفـكـيـرهـم.

وشـرع شـبّـان الـطّـبـقـات الإجـتـمـاعـيـة الـمـيـسـورة والـرّاقـيـة بـالـقـيـام بـأسـفـار أصـبـحـت جـزءاً مـن تـربـيـتـهـم ومـنـاهـج اكـتـسـابـهـم لـلـمـعـارف. وكـانـت سـفـراتـهـم تـقـتـصـر في الـبـدايـة عـلى بـلـدان أوربـا وخـاصّـة إلى إيـطـالـيـا، ثـمّ تـوسّـعـت بـتـوسـع اكـتـشـافـات الـحـضـارات الـقـديـمـة إلى الـيـونـان ثـمّ إلى الـشّـرق.

وقـد قـام كـثـيـر مـن كـتّـاب الـحـركـة الـرّومـانـطـيـقـيـة وشـعـرائـهـا في أواخـر الـقـرن الـثّـامـن عـشـر وفي الـقـرن الـتّـاسـع عـشـر بـرحـلات إلى شـمـال أفـريـقـيـا وإلى الـشّـرق، ولـكـنّ أغـلـبـهـم اكـتـفـوا بـزيـارة مـصـر وسـوريـا وفـلـسـطـيـن وتـركـيـا، ولـم يـصـلـوا إلى الـعـراق.

وقـبـل أن أتـكـلّـم لـكـم عـن انـجـذاب جـرتـرود لـوثـيـان بـيـل إلى الـشّـرق وتـعـلّـمـهـا لـبـعـض لـغـاتـه وقـراءتـهـا لآدابـه، ثـمّ شـروعـهـا بـالـسـفـر في أنـحـائـه، عـليّ أن أبـدأ بـالـتّـعـريـف بـهـا لـمـن لا يـعـرفـهـا.

جـرتـرود بـيـل

ولـدت جـرتـرود لـوثـيـان بـيـل  Gertrude Lowthian Bell  سـنـة 1868 في عـائـلـة بـريـطـانـيـة شـارك أسـلافـهـا في الـثّـورة الـصّـنـاعـيـة الّـتي نـتـج عـنـهـا عـالـمـنـا الـحـديـث. واغـتـنـت الـعـائـلـة مـنـذ بـدايـة الـقـرن الـتّـاسـع عـشـر، وبـدأ أعـضـاؤهـا بـالإرتـقـاء اجـتـمـاعـيـاً واحـتـلال مـنـاصـب إداريـة وسـيـاسـيـة. ولأنّـهـم لـم يـكـونـوا مـن “نـبـلاء الـدّم” أي ورثـوا الـنّـبـل أبـاً عـن جـد، فـقـد أصـبـحـوا مـن “نـبـلاء الـمـال” بـثـرواتـهـم الـطّـائـلـة الّـتي اكـتـسـبـوهـا وجـمـعـوهـا.

وعـنـدمـا كـانـت جـرتـرود في الـثّـالـثـة مـن عـمـرهـا، تـوفـيـت والـدتـهـا. وكـانـت في الـثّـامـنـة عـنـدمـا تـزوّج أبـوهـا مـن جـديـد. وفي الـسّـنـة الـتّـالـيـة أي 1877، أكّـدت الـمـلـكـة فـيـكـتـوريـا سـيـطـرتـهـا عـلى الـهـنـد بـتـسـمـيـة نـفـسـهـا “مـلـكـة بـريـطـانـيـا وامـبـراطـورة الـهـنـد”.

وارتـادت جـرتـرود أفـضـل الـمـدارس إلى أن تـخـرّجـت مـن جـامـعـة أكـسـفـورد بـدرجـة شـرف.

وبـعـد أن سـافـرت في أوربـا، ذهـبـت إلى طـهـران عـام 1892عـنـد بـعـض أقـاربـهـا. ودرسـت الـلـغـة الـفـارسـيـة، فـقـد كـانـت تـريـد قـراءة أشـعـار حـافـظ الـشّـيـرازي بـنـصـوصـهـا الأصـلـيـة. والـتـقـت في طـهـران بـأمـيـن سـرّ الـسّـفـارة الـبـريـطـانـيـة وأغـرمـت بـه، ولـكـنّ والـدهـا مـنـع زواجـهـمـا.

وعـادت جـرتـرود إلى لـنـدن في نـهـايـة الـعـام. وتـوفي الـشّـاب في الـعـام الـتّـالي. ولـم تـعـشـق جـرتـرود بـعـده أحـداً، ولـم تـتـزوّج. وظـلّـت كـلـمـة “مِـس” تـسـبـق اسـمـهـا حـتّى وفـاتـهـا.

وبـعـد أن قـامـت بـعـدّة سـفـرات في ذلـك الـعـام : 1893، إسـتـمـرت جـرتـرود في جـهـودهـا لإتـقـان الـلـغـتـيـن الـلاتـيـنـيـة والـفـارسـيـة، وبـدأت تـتـعـلّـم الـعـربـيـة. وتـرجـمـت في الـعـام الـتّـالي عـن الـلـغـة الـفـارسـيـة “سـفـرنـامـه” ونـشـرتـه في لـنـدن. وبـدأت تـتـرجـم عـام 1895 أشـعـاراً مـن ديـوان حـافـظ الـشّـيـرازي، ونـشـرتـهـا بـعـد عـامـيـن، في 1897.

وشـرعـت في ذلـك الـعـام، 1897 بـدورة حـول الـعـالـم مـع أخـيـهـا، بـدأتـهـا في شـمـال الـقـارة الأمـريـكـيـة وأنـهـتـهـا في مـصـر والـيـونـان في الـعـام الـتّـالي. وفي عـام 1899 سـافـرت إلى الـيـونـان وهـنـاك بـدأ شـغـفـهـا بـالآثـار الـقـديـمـة.

وزارت في ذلـك الـعـام سـوريـا وفـلـسـطـيـن. وقـامـت في الـعـام الـتّـالي، 1900، بـرحـلـة إلى الـقـدس ودمـشـق، وزارت جـبـل الـدّروز لـتـتـعـرّف عـلى عـادات الـدّروز ومـعـتـقـداتـهـم.

وشـرعـت في عـام 1899 بـتـسـلّـق عـدّة قـمـم جـبـال في فـرنـسـا وسـويـسـرة، وعـنـدمـا زارت الـولايـات الـمـتـحـدّة الأمـريـكـيـة عـام 1903 تـسـلّـقـت قـمـم جـبـال فـيـهـا.

وعـادت إلى سـوريـا عـام 1905، ونـشـرت عـام 1907 كـتـابـاً عـن الـمـنـطـقـة : “The Desert and the Sown”، صـاحـبـتـه بـصـور فـوتـوغـرافـيـة عـن الـمـدن الـمـهـمّـة وعـن الـبـاديـة. ثـمّ قـامـت عـام 1907 بـرحـلـة إلى الأنـاضـول، وشـاركـت في تـنـقـيـبـات أثـريـة في الـمـنـطـقـة عـن الـفـتـرة الـبـيـزنـطـيـة، ونـشـرت عـنـهـا كـتـاب “ألـف كـنـيـسـة وكـنـيـسـة   A Thousand and One Churches “.

وقـامـت جـرتـرود بـيـل بـأولى رحـلاتـهـا إلى الـعـراق عـام 1909. وهي رحـلـة دامـت خـمـسـة أشـهـر، مـن شـبـاط إلى تـمّـوز. نـزلـت فـيـهـا مـن حـلـب إلى هـيـت عـن طـريـق الـفـرات ثـمّ إلى كـربـلاء فـبـغـداد، وزارت في طـريـقـهـا قـصـر الأخـيـضـر، وأخـذت مـقـايـيـس مـسـاحـتـه وارتـفـاع أجـزائـه. ومـن بـغـداد صـعـدت نـحـو الـمـوصـل، ومـن الـمـوصـل ذهـبـت إلى زاخـو فـديـار بـكـر وقـونـيـا.

“مـن مـراد إلى مـراد” :

يـحـتـوي كـتـاب جـرتـرود بـيـل عـلى مـقـدمـة بـ 18 صـفـحـة ونـصّ سـردي بـ 370  صـفـحـة، تـصـاحـبـهـمـا 234  صـورة فـوتـوغـرافـيـة ورسـم تـوضـيـحي. وقـسّـم الـكـتـاب إلى تـسـعـة فـصـول، في كـلّ واحـد مـنـهـا جـزء مـن الـطّـريـق الّـتي تـبـعـتـهـا الـمـؤلّـفـة.

ولا شـكّ في أنّ أهـمّ مـا في الـكـتـاب الـصّـور الـفـوتـوغـرافـيـة والـرّسـوم الّـتي يـحـتـوي عـلـيـهـا، وهي شـواهـد عـلى زمـن انـقـضى، ونـادراً مـا نـجـد مـا يـمـاثـلـهـا.

والـفـصـول الّـتي تـهـمّـنـا، والّـتي سـأتـكـلّـم لـكـم عـنـهـا تـبـدأ بـالـفـصـل الـثّـالـث : مـن الـبُـصـيـرة إلى هـيـت  “Busairah to Hîte”، وتـنـتـهي بـالـفـصـل الـثّـامـن : مـن زاخـو إلى ديـار بـكـر “Zâkhô to Diyârbekr”.

وبـدأت جـرتـرود بـيـل كـتـابـهـا، في الـصّـفـحـة الّـتي سـبـقـت الـمـقـدمـة، بـالإسـتـشـهـاد بـالـشّـاعـر الـجـاهـلي لـبـيـد بـن ربـيـعـة :

مـن حـلـب إلى هـيـت :

 تـروي الـمـس جـرتـرود بـيـل في الـفـصـل الأوّل مـغـادرتـهـا لـحـلـب في 3 شـبـاط بـصـحـبـة دلـيـلـهـا فـتّـوح :

وبـصـحـبـة حـرّاس قـافـلـتـهـا  Zaptiehs. وكـانـت قـافـلـتـهـا تـضـمّ خـدمـهـا ورجـال يـسـوسـون خـيـلـهـا وبـغـالـهـا وجـمـالـهـا الـمـحـمّـلـة بـأمـتـعـة الـسّـفـر. وتـتـكـلّـم عـن وصـولـهـم إلى تـلّ أحـمـر في سـوريـا في 21 شـبـاط.

وتـكـمـل في الـفـصـل الـثّـاني طـريـقـهـا مـن تـلّ أحـمـر إلى بُـصـيـرة الّـتي وصـلـتـهـا في 7 آذار. وتـصـل في الـفـصـل الـثّـالـث إلى عـانـة وإلى هـيـت الّـتي وصـلـتـهـا في 18 آذار.

الـطّـريـق إلى هـيـت :

 “وتـمـتـدّ جـنـوب عـانـة وغـرب الـفـرات مـنـطـقـة صـحـراويـة لـم يـخـتـرقـهـا إلّا قـلـيـل مـن الـرّحّـالـة”. “والـمـنـطـقـة الّـتي دخـلـنـاهـا لا تـسـود فـيـهـا الـقـوانـيـن. ولا تـحـاول الـحـكـومـة الـسّـيـطـرة عـلى الأعـراب، الّـذيـن يـقـضـون وقـتـهـم، حـسـب عـاداتـهـم الـمـتّـبـعـة، عـلى غـزو بـعـضـهـم الـبـعـض، ونـهـب مـمـتـلـكـات أهـل راوة، الـقـريـة الـمـقـابـلـة لـعـانـة. وإلى جـانـب عـشـائـر الـمـنـطـقـة، فـقـد اجـتـاحـتـهـا جـمـاعـات مـسـلّـحـيـن مـن شـمّـر جـاءوا مـن الـشّـرق، ومـن الـيـزيـديـة، الّـذيـن يـسـمـيـهـم الـمـحـمّـديـون بـ “عـبـدة الـشّـيـطـان” الّـذيـن جـاءوا مـن جـبـل سـنـجـار”.

ووصـلـت قـافـلـة الـمـس إلى راوة : “واجـتـزنـا عـلى خـيـولـنـا غـابـات نـخـيـل راوة وأشـجـار فـواكـهـهـا الّـتي أزهـرت بـراعـمـهـا، وكـانـت مـتـعـة لأعـيـنـنـا بـعـد مـا عـانـيـنـاه في الـفـلـوات”. وصـعـدت الـمـس إلى الـقـلـعـة الـحـديـثـة لـتـتـأمّـل عـانـة الّـتي بـدت لـهـا “خـطّـاً نـحـيـلاً مـن الـمـنـازل وغـابـات الـنّـخـيـل مـحـصـورة بـيـن الـنّـهـر والـمـرتـفـعـات”، “وتـبـعـني أهـل راوة وتـسـلّـقـوا الـتّـلال ورائي، وكـانـوا يـتـابـعـون كـلّ حـركـة أقـوم بـهـا بـانـتـبـاه شـديـدة”. والـتـقـطـت لـهـم صـورة فـوتـوغـرافـيـة :

ووجـدت الـمـس أنّ عـانـة تـوسـعـت تـوسـعـاً شـديـداً مـقـارنـة بـمـا وصـفـهـا بـه الـطّـبـيـب الألـمـاني راوفـولـف Rauwolff  عـنـدمـا مـرّ بـهـا عـام 1564 (3). و”يـمـكـن [لـعـانـة] أن تـفـتـخـر بـقـلـعـتـهـا الـخـربـة ومـنـارتـهـا الـشّـاهـقـة الإرتـفـاع في جـزيـرة لُـبـاد في أسـفـل الـمـديـنـة”. “والـجـزيـرة جُـنـيـنـة مـلـيـئـة بـأشـجـار الـفـواكـه والـنّـخـيـل وحـقـول الـحـبـوب. وفي وسـطـهـا قـريـة بـحـوالي ثـلاثـيـن بـيـتـاً شـيّـدت بـيـن خـرائـب الـقـلـعـة الـمـتـراكـمـة. وتـنـبـثـق مـن بـيـنـهـا مـنـارة مـثـمـنـة الـجـوانـب، رائـعـة الـجـمـال” :

ونـلاحـظ أنّ الـمـس بـيـل كـانـت قـد أعـدّت رحـلـتـهـا بـقـراءة أعـداد كـبـيـرة مـن نـصـوص الـكـتّـاب الإغـريـق والـرّومـان عـن الـمـنـطـقـة، ومـن كـتـب رحـلات الأوربـيـيـن الّـذيـن كـانـوا قـد مـرّوا بـالـعـراق قـبـلـهـا، كـمـا تـسـتـشـهـد بـنـصـوص الـبـلـدانـيـيـن الـعـرب وخـاصّـة بـيـاقـوت الـحـمـوي.

وهي تـبـحـث في الـمـواقـع والـخـرائـب الّـتي مـرّت بـهـا عـن آثـار الـبـابـلـيـيـن والآشـوريـيـن وعـن آثـار الـرّومـان والـفـرس عـبـر الـقـرون، وتـسـتـشـهـد بـكـتـابـات الـقـدمـاء. (4)

وعـنـدمـا وصـلـت الـمـس مـع مـصـاحـبـيـهـا إلى حـديـثـة وجـدتـهـا : “قـريـة، مـثـل كـلّ قـرى هـذه الـمـنـطـقـة، شـيّـد مـعـظـمـهـا فـوق جـزر. وارتـفـعـت ضـاحـيـة حـديـثـة الـبـنـاء عـلى ضـفـتـهـا الـيـمـنى. وفي أعـلاهـا قـلـعـة تـشـبـه خـرائـبـهـا خـرائـب عـانـة. وكـان يـربـطـهـا جـسـر بـضـفـتَي الـنّـهـر، تـمـتـدّ بـيـن جـزئـيـه طـريـق مـرتـفـعـة، ولـكـنّـه تـسـاقـط الآن”.

ووجـدت الـمـس بـيـل مـديـنـة هـيـت “تـنـتـصـب عـلى مـرتـفـع قـديـم يـغـتـسـل أسـفـلـه في مـيـاه الـفـرات” :

وتـرتـفـع بـيـن غـابـات الـنّـخـيـل عـلى ضـفـة الـنّـهـر أعـمـدة دخـان سـوداء مـن أفـران بـدائـيـة لـحـرق الأسـفـلـت، فـالـمـنـطـقـة مـحـاطـة بـآبـار مـن الـقـار، تـمـتـدّ شـهـرتـهـا إلى أزمـان كـانـت فـيـهـا بـابـل مـديـنـة شـديـدة الـعـظـمـة”.

وقـد وجـدت الـمـس بـيـل وصـفـاً لـلـمـنـطـقـة في نـصّ لـلـجـغـرافي إزيـدوروس الـشّـراكـسي   Isidorus of Charax  الّـذي عـاش في الـفـتـرة الـفـارثـيـة، في الـقـرن الأوّل قـبـل الـمـيـلاد، خـصـصـت لـه عـدةّ صـفـحـات.

مـن هـيـت إلى كـربـلاء :

 تـتـكـلّـم الـمـس في الـفـصـل الـرّابـع عـن سـفـرتـهـا مـن هـيـت إلى كـربـلاء. وقـد غـادرت هـيـت في 18 آذار : “وتـراكـضـت بـنـا خـيـولـنـا إلى أن مـيّـزنـا في كـتـل الـسّـواد الّـتي ظـهـرت لـنـا مـن بـعـيـد غـابـات نـخـيـل كـبـيـسـة بـجـذوعـهـا الـبـاسـقـة وسـعـفـهـا الـمـتـكـاثـف كـالـرّيـش. وكـانـت الـشّـمـس عـالـيـة في الـسّـمـاء عـنـدمـا اجـتـزنـا بـوابـة الـمـديـنـة ومـررنـا عـلى تـراب درب قـادنـا إلى بـنـايـة الـمـديـر  Mudîr. وبـعـد أن ربـطـنـا أفـراسـنـا في حـوش، دخـلـنـا غـرفـة اسـتـقـبـالـه لـنـشـرب فـنـجـان قـهـوة ونـعـرض عـلـيـه مـرادنـا”، “وسـكـان كـبـيـسـة لـيـسـوا مـن الأعـراب. وهـم يـحـمـون مـنـازلـهـم الـطّـيـنـيـة وخـمـسـيـن ألـف نـخـلـة يـمـتـلـكـونـهـا ضـدّ هـجـمـاتـهـم. ومـع ذلـك فـهـم يـبـيـعـونـهـم تـمـر نـخـيـلـهـم وسـلـع أخـرى يـحـتـاج إلـيـهـا الأعـراب” :

وسـارت مـع مـرافـقـيـهـا خـمـس سـاعـات ونـصـف لـتـصـل إلى بـقـايـا قـصـر خُـبّـاز Kasr Khubbâz. وقـد دقـقـت في تـفـحّـصـه والـتـقـطـت لـه صـوراً فـوتـوغـرافـيـة، ورسـمـت لأسـسـه مـخـطـطـاً هـنـدسـيّـاً.

ثـمّ ذهـبـوا بـاتّـجـاه الـرّمـادي إلى “أبـو جـيـر” لـتـرى الـمـس بـدو الـصّـحـراء. والـتـقـت بـجـمـاعـة مـن الـدّلـيـم. وقـد وجـدت أنّـه كـانـت في مـوقـع “أبـو جـيـر” مـديـنـة صـغـيـرة في الـمـاضي، تـدلّ عـلـيـهـا آثـار قـصـر يـشـبـه قـصـر الـخـبّـاز.

ثـمّ سـاروا ثـلاث سـاعـات جـنـوبـاً نـحـو وادي الـثّـمـايـل  Wâdî Themail. ووجـدوا في أعـلى تـلّ الـثّـمـايـل قـلـعـة بـنـيـت بـالـطّـيـن والأحـجـار، لـهـا بـاب واحـد وأربـع حـصـون دائـريـة صـغـيـرة في زوايـاهـا الأربـع. ورغـم أن الـبـنـاء حـديـث فـقـد اكـتـشـفـت أنّـه أقـيـم عـلى أسـس قـلـعـة قـديـمـة. ورسـمـت لـهـا مـخـطـطـاً هـنـدسـيّـاً، والـتـقـطـت لـهـا صـوراً فـوتـوغـرافـيـة.

ثـمّ اسـتـمـرت مـع مـصـاحـبـيـهـا يـذرعـون الـبـاديـة ويـلـتـقـون بـبـعـض سـكّـانـهـا. ثـمّ وصـلـوا إلى قـريـة الـرّحّـالـيـة  Rahhaliyeh : “ورأيـنـا سـتّـة عـشـر ألـف نـخـلـة في الـرّحّـالـيـة، اخـتـبـأت في وسـطـهـا قـريـة يـديـرهـا مـديـر”.

وقـد قـدّم لـهـا الـمـديـر ولـمـصـاحـبـيـهـا اسـتـكـانـات شـاي بـيـنـمـا كـانـت خـيـمـتـهـا تـنـصـب وسـط الـنّـخـيـل، وعـزفـت لـهـا فـرقـة مـوسـيـقـيـة عـلى الـدّفـوف والـنّـايـات الـمـزدوجـة (الـمـطـبـجـات) ورقـصـوا عـلى وقـعـهـا. وأغـدق عـلـيـهـا الـمـديـر نـصـائـح ومـعـلـومـات لـتـجـد الأبـنـيـة الأثـريـة بـيـن رحّـالـيـة وشـطـاطـيـة.

ووجـدت عـلى بـعـد حـوالي سـاعـة سـيـر جـنـوب الـقـريـة، قـرب ضـريـح الـسّـيّـد أحـمـد بـن هـاشـم، آثـار مـديـنـة قـديـمـة، وتـبـيّـنـت أسـسـاً جـيـدة الـبـنـاء سـمـكـهـا 150 سـم. تـمـتـد عـلى ربـع مـايـل (حـوالي 400 مـتـراً). وكـان في وسـطـهـا أكـوام مـن الـحـجـارة.

“وتـلـتـقـط الـنّـسـاء الـلاتي يـأتـيـن مـن الـقـريـتـيـن، بـعـد أن تـهـطـل الأمـطـار، مـن عـلى الأرض الّـتي تـغـسـلـهـا، قـطـعـاً مـن الـحـلي الـذّهـبـيـة والـصـخـور الـمـنـحـوتـة. وقـد رأيـت في شـطـاطـيـة صـخـوراً مـنـحـوتـة اشـتـريـت بـعـضـاً مـنـهـا. ولـديـهـم أيـضـاً أخـتـام اسـطـوانـيـة آشـوريـة، ولا أدري كـم وجـدوا مـنـهـا”، “ولا شـكّ في أنّـه كـان هـنـاك أيـضـاً مـديـنـة عـربـيـة قـديـمـة، لأنـنـا نـرى عـلى أرضـهـا قـطـعـاً مـحـطّـمـة مـن الـفـخـار الـعـربي الـمـلـوّن. ومـا زالـت عـلى طـرفـهـا الـغـربي خـرائـب حـصـن مـربـع الأسـس. واسـم الـمـوقـع الـحـالي (مُـرّات Murrat)”. وتـعـتـقـد الـمـس بـيـل أنّ هـذا الـمـوقـع هـو عـيـن الـتّـمـر الّـذي تـكـلّـم عـنـه يـاقـوت الـحـمـوي.

وعـلى بـعـد نـصـف سـاعـة وصـلـوا إلى بـردوي  Bardawî. (وهي تـقـصـد ولا شـكّ قـصـر بـردويـل) وكـان فـوق  الـتّـلّ قـلـعـة بـيـضـويـة الـشّـكـل. وتـعـتـقـد الـمـس انّـه كـان بـرج حـراسـة يـحـتـوي عـلى الأقّـل عـلى ثـلاثـة طـوابـق مـسـقّـفـة :

وبـعـد أن وصـلـوا إلى قـريـة شـطـاطـيـة، الّـتي كـانـت هي أيـضـاً وسـط 160،000 نـخـلـة، وفـيـهـا عـيـن كـبـريـت، ذهـبـت الـمـس إلى قـصـر شـمـعـون  the castle of Sham’un.  ووجـدت أن جـزءاً مـن ديـر كـان عـلى شـرقـهـا.

وعـنـدمـا اسـتـعـلـمـت عـن الأخـيـضـر، أخـبـروهـا بـأنّـه عـلى مـسـيـرة أربـع سـاعـات، جـنـوب الـطّـريـق الـمـؤدّيـة إلى كـربـلاء، وقـد أمـر الـقـائـمـقـام عـسـكـريـيـن مـن رجـالـه Two Zaptiehs  أن يـصـاحـبـوهـا، واكـتـرى فـتّـوح بـغـلـيـن لـحـمـل الامـتـعـة. وبـعـد أن تـركـوا شـطـاطـيـة وسـاروا سـاعـة بـاتّـجـاه جـنـوب الـشّـرق الـتـقـوا بـبـعـض بـني حـسـن الـمـتـوجـهـيـن إلى شـطـاطـيـة لـشـراء الـتّـمـر. ويـبـدو أنّـهـم كـانـوا خـائـفـيـن مـن مـواجـهـة بـعـض رجـال الـدّلـيـم في طـريـقـهـم فـطـمـأنـهـم فـتّـوح فـلـم يـكـن قـد رأى في الـمـنـطـقـة دلـيـمـيـاً واحـداً.

وبـعـد سـاعـات ثـلاث أخـرى رأوا كـتـلـة ضـخـمـة تـصـورتـهـا الـمـس مـن بـعـيـد مـرتـفـعـاً طـبـيـعـيـاً. ولـكـنّ شـكـلـهـا تـوضّـح شـيـئـاً فـشـيـئـاً، ورأت الـمـس أمـامـهـا حـصـن الأخـيـضـر.

ويـمـكـن لـلـقـارئ الـعـزيـز أن يـجـد وصـف جـرتـرود بـيـل لـلـحـصـن وبـعـض الـصـور الّـتي الـتـقـطـتـهـا، في مـقـالي قـصـر الأخـيـضـر.

وبـعـد أن زارت الـمـس قـصـر الأخـيـضـر وتـمـعـنـت في تـفـحّـصـه سـارت نـحـو كـربـلاء. وكـتـبـت : “عـنـدمـا وصـلـنـا إلى كـربـلاء دخـلـنـا في عـالـم جـديـد تـمـامـاً عـليّ، في أشـكـالـه وتـداعـيـاتـه في نـفـسي، فـقـد بـدأت سـفـرتي في مـديـنـة عـربـيـة في شـمـال سـوريـا، وهـا أنـا في مـديـنـة فـارسـيـة ارتـبـطـت تـاريـخـيـاً بـالأمـاكـن الـمـقـدّسـة”، وكـتـبـت أنّ أغـلـب سـكـان الـمـديـنـة كـانـوا مـن الـفـرس. وهي تـذكـر أنّ مـا أثـار أحـاسـيـسـاً عـمـيـقـة في نـفـسـهـا كـان شـعـورهـا بـأنّـهـا وصـلـت إلى الـمـنـاطـق الّـتي شـهـدت تـأسـيـس الـدّولـة الإسـلامـيـة، فـقـد دارت فـيـهـا أهـم الـمـعـارك الّـتي مـهّـدت لـلـفـتـوحـات. “وعـنـدمـا وجّـهـت نـظـراتي نـحـو الـغـرب رأيـت الـصّـحـراء الّـتي جـاءوا مـنـهـا، وعـنـدمـا وجّـهـت نـظـراتي نـحـو الـشـرق رأيـت طـريـق بـغـداد الّـتي نـمّى أحـفـادهـم فـيـهـا فـنـون أزمـان الـسّـلام، وجـددوهـا”.

وأخـبـرهـا فـتّـوح أنّ الـبـرتـقـال شـديـد الـلـذة فـيـهـا. ووجـدت أكـوامـاً مـنـه في الأسـواق إلى جـانـب الـلـيـمـون الـعـذب الـمـذاق. وأدهـشـت مـرافـقـيـهـا مـن الـعـسـكـر الّـذيـن كـانـوا يـحـمـونـهـا : “فـقـد تـوقّـفـتُ في كـلّ مـكـان لأشـتـري مـنـهـا أكـثـر وأكـثـر. وكـنـت أقـشّـرهـا وألـتـهـمـا وأنـا أسـيـر في الـطّـرقـات، فـربّـمـا أطـفـأت عـطـشي الّـذي ألـهـبـه مـسـيـري في الـصّـحـراء”، “وإلى جـانـب أكـوام الـبـرتـقـال كـانـت تـرتـفـع أكـوام الـجـوري الـورديّـة الّـتي قـطـعـت وتـكـدّس بـعـضـهـا فـوق بـعـض. وكـان كـلّ مـن رأيـت في طـرقـات الـمـديـنـة يـحـمـل في كـفّـه حـفـنـة مـنـهـا يـشـمّـهـا ويـسـتـنـشـق عـطـرهـا وهـو يـسـيـر”، “ودعـيـت في الـمـسـاء إلى وجـبـة عـشـاء فـارسـيـة بـاذخـة وقـدّمـوا لـنـا خـروفـاً مـحـشـيّـاً بـالـفـسـتـق وشـربـنـا شـربـتـاً sherbet في مـلاعـق حـفـرت عـمـيـقـاً في الـخـشـب.

ولـم تـضـع الـمـس صـوراً فـوتـوغـرافـيـة لـكـربـلاء.

وكـانـت الـمـس تـنـوي إكـمـال طـريـقـهـا مـبـاشـرة مـن كـربـلاء إلى بـابـل، ولـكّـنـهـا سـمـعـت بـ “مـسـتـنـقـع الـهـنـديـة  Hindîyeh swamp”، وخـصـصـت مـقـطـعـاً لـتـروي قـصّـتـه الـغـريـبـة :

فـ “شـمـال قـريـة الـمـسـيّـب بـعـدّة كـيـلـومـتـرات يـنـقـسـم نـهـر الـفـرات إلى فـرعـيـن، ويـسـتـمـر الـفـرع الـشّـرقي، وهـو الأصـلي نـحـو الـحـلّـة، أمّـا الـفـرع الـغـربي فـيـتـحـوّل اسـمـه إلى “نـهـر الـهـنـديـة”، ويـمـرّ بـالـكـوفـة “الّـتي أصـبـحـت الآن قـريـة صـغـيـرة فـقـيـرة تـلـتـف حـول جـامـعـهـا الـكـبـيـر”، “ويـسـتـمـر إلى أن يـصـبـح “مـسـتـنـقـعـاً واسـعـاً” أي هـوراً يـصـبّ في الـفـرات مـن جـديـد شـمـال الـمـكـان الّـذي يـلـتـقي فـيـه بـدجـلـة”.

“وقـد نـال الـخـراب الـسّـد الّـذي كـان قـد شـيّـد عـلى الـفـرات لـيـنـظّـم مـجـرى الـمـيـاه في نـهـر الـهـنـديـة. وتـتـزايـد عـامـاً بـعـد عـام قـوّة فـيـضـانـات الـمـيـاه الّـتي تـمـرّ بـه […] وتـنـخـفـض الـمـيـاه بـعـد ذلـك إلى أنّ يـجـف الـنّـهـر في الـصّـيـف، وتـخـرب بـسـاتـيـن الـحـلّـة مـن نـقـصـان الـرّي وتـجـفّ الأراضي الـمـحـيـطـة بـالـنّـهـر ولا يـمـكـن زراعـتـهـا”.

وذكـرت أنّ نـهـر الـهـنـديـة أصـبـح خـطـراً عـلى كـربـلاء الّـتي تـغـرقـهـا فـيـضـانـاتـه وتـمـلأ دروبـهـا مـيـاهـه.

ولأنّ الـطـريـق بـيـن كـربـلاء وبـغـداد، والّـتي تـمـرّ بـالـمـسـيّـب، كـانـت قـد غـرقـت تـحـت الـمـيـاه، فـقـد أجـبـرت الـمـس ومـرافـقـيـهـا عـلى الـدّوران حـول الـهـور عـبـر الـصّـحـراء. وسـاروا في الـطّـريـق بـصـحـبـة مـسـافـريـن “كـان أغـلـبـهـم مـن الـزّوّار الـفـارسـيـيـن، رجـالاً ونـسـاءً وأطـفـالاً يـركـبـون في أكـيـاس تـحـمـلـهـا بـغـال”. وذكـرت الـمـس أنّ الـفـرس “يـفـضـلـون حـكـم الأتـراك عـلى حـكـم حـكـامـهـم في تـلـك الـفـتـرة ولـهـذا كـانـوا يـأتـون إلى كـربـلاء بـأعـداد كـبـيـرة”.

وبـعـد أن سـاروا سـتّ سـاعـات مـنـذ أن غـادروا كـربـلاء، وصـلـوا إلى الـفـرات. وقـد وجـدت الـمـس أنّ الـفـرات فـقـد كـثـيـراً مـن مـيـاهـه وضـعـف مـجـراه مـنـذ أن تـركـتـه في هـيـت، فـقـد غـرفـت مـنـه كـمـيـات كـبـيـرة مـن الـمـيـاه لـسـقي الـحـقـول والـبـسـاتـيـن. ودهـشـت عـنـدمـا وجـدت في الـمـسـيّـب جـسـر قـوارب عـبـروا عـلـيـه. وكـان أوّل جـسـر رأتـه عـلى الـفـرات مـنـذ بـدايـة سـفـرتـهـا. ونـصـبـوا خـيـامـهـم جـنـوب قـريـة الـمـسـيّـب.

وأكـمـلـت الـمـس طـريـقـهـا في الـغـد جـنـوبـاً نـحـو بـابـل، ومـرّوا بـقـريـة الـمـحـاويـل عـلى ضـفـة قـنـاة الـمـحـاويـل. وكـان عـلـيـهـا جـسـر أيـضـاً. ومـرّوا بـقـنـوات أخـرى كـانـت قـد جـفّـت. ورأت الـمـس في آخـر الأمـر مـرتـفـعـاً عـظـيـمـاً عـلى طـرف سـهـل قـاحـل يـلـتـهـب تـحـت أشـعـة الـشّـمـس.

بـابـل

 وبـدا لـهـا عـلى قـمـتـه جـدار مـعـبـد أو قـلـعـة، وأدركـت أنّـهـا وصـلـت إلى بـابـل. ولا بـدّ أنّ مـا  رأتـه كـانـت بـقـايـا زقـورة الإلـه نـبـو في بـيـرس نـمـرود.

ثـمّ بـلـغـت مـوقـع بـابـل، وكـان عـلـيـه فـريـق مـن الـعـلـمـاء الألـمـان يـجـرون حـفـريـات أثـريـة.  وسـارت الـمـس إلى مـنـزلـهـم عـلى ضـفـة الـفـرات، والـمـغـطى سـطـحـه بـسـعـف الـنّـخـيـل.  وأروهـا بـقـايـا قـصـر نـبـوخـذ نـصّـر، وكـلّ مـا أزاحـوا عـنـه الـتـراب مـن أسـس مـبـاني وطـرقـات. وأخـبـروهـا أنّ رسـم مـخـطـط الـمـوقـع بـكـامـلـه يـتـطـلّـب مـن ثـمـاني سـنـوات إلى عـشـر سـنـوات أخـرى مـن الـعـمـل الـمـتـواصـل والـدّؤوب. ولـكـنّ مـا قـد اكـتـشـفـوه إلى ذلـك الـحـيـن كـان هـائـلاً. وحـاولـت الـمـس أن تـجـد في مـوقـع بـابـل الأمـاكـن الّـتي تـتـكـلّـم عـنـهـا الأسـاطـيـر الـتّـوراتـيـة.

وطـبـعـاً فـمـا كـتـبـتـه الـمـس في زمـنـهـا عـن بـابـل لـم يـعـد لـه قـيـمـة كـبـيـرة الآن، بـعـد أنّ حـسّـنـت الإكـتـشـافـات الّـتي جـرت مـنـذ ذلـك الـحـيـن مـعـارفـنـا عـن بـابـل، وتـقـدّمـت الـدّراسـات الـعـلـمـيـة عـنـهـا تـقـدّمـاً مـذهـلاً.

ووجـدت أن تـلّ الـقـصـر الـشّـمـالي لـم يـكـن قـد نـقّـب بـعـد، وأنّـهـا رأت “كـتـلـة مـنـحـوتـة كـانـت مـلـقـاة عـلى كـومـة مـن الـتّـراب قـبـل أن يـشـيّـد لـهـا مـهـنـدس فـرنـسي قـاعـدة وضـعـهـا عـلـيـهـا فـوق الـخـرائـب. والـمـنـحـوتـة عـلى شـكـل أسـد هـائـل الـحـجـم يـنـتـصـب فـوق رجـل مـلـقى عـلى الأرض ويـرفـع ذراعـيـه نـحـوه. وقـد تـحـطّـم رأس الـرّجـل. والـكـتـلـة بـكـامـلـهـا لـم يـكـتـمـل نـحـتـهـا”، ووضـعـت لـهـا صـورة فـوتـوغـرافـيـة : (5)

الـمـدائـن وطـاق كـسـرى

 وقـررت الـمـس أن تـتـوقّـف في طـريـقـهـا إلى بـغـداد في الـمـدائـن، ورغـم أنّـهـم كـانـوا في بـدايـة شـهـر نـيـسـان فـقـد عـانـوا مـن مـوجـة حـرّ حـلّـت قـبـل وقـتـهـا الـمـعـتـاد. وتـنـاولـوا وجـبـة غـدائـهـم في خـان حـسـوة  Khân of Hasua. وبـلـغـوا الـمـحـمّـديـة في أواخـر الـعـصـر، وأنـزلـوا أمـتـعـتـهـم في غـرفـة في الـطـابـق الـعـلـوي مـن خـان وجـدوه. وتـعـشّـت الـمـس عـلى سـطـح الـخـان، وأخـبـرهـا الـخـانـجي  The khânjî أنّ فـيـضـان دجـلـة قـطـع الـطّـريـق إلى الـمـدائـن، ولـكّـنـهـم أكـمـلـوا طـريـقـهـم مـع ذلـك ووجـدوا الـطّـريـق في مـنـطـقـة جـافّـة لا مـاء فـيـهـا !

ووصـلـوا بـعـد مـسـيـرة ثـلاث سـاعـات إلى سـلـوقـيـة دجـلـة، ونـصـبـوا خـيـامـهـم بـجـنـب بـقـايـاهـا. (6)  وكـانـت الـمـنـطـقـة بـكـامـلـهـا مـغـطـاة بـمـزارع حـنـطـة.

وعـبـرت الـمـس الـنّـهـر في قـفّـة إلى طـيـسـفـون لـتـزور طـاق كـسـرى والـتـقـطـت لـه عـدّة صـور (وضـعـت مـنـهـا صـورتـيـن في مـقـالي : الـمـدائـن وطـاق كـسـرى )، وعـادت في فـجـر الـيـوم الـتّـالي لـتـتـأمّـلّـه “وانـحـدر الـبـدر نـازلاً نـحـو الـغـرب، بـيـنـمـا كـنّـا نـعـبـر الـنّـهـر، أشـرقـت الـشّـمـس  وأنـارت إيـوان الـقـصـر الـمـشـروخ”.

بـغـداد

 إمـتـطـت الـمـس صـهـوة فـرسـهـا وسـارت بـمـحـاذاة دجـلـة بـاتّـجـاه بـغـداد، وتـبـعـهـا مـرافـقـوهـا. وكـانـت ولايـة بـغـداد تـشـهـد اضـطـرابـات ومـعـارك تـدور حـولـهـا. وتـقـافـزت خـيـول الـمـس ومـرافـقـيـهـا فـوق قـنـوات الـسّـقي الّـتي تـتـابـعـت عـلى طـريـقـهـم، وعـبـروا أكـثـرهـا عـرضـاً عـلى جـسـور سـيـئـة الـتّـشـيـيـد، إلى أن وصـلـوا إلى غـرارة ووجـدوا أنّ الـمـيـاه حـطّـمـت جـسـرهـا. وأجـبـروا عـلى الـرّجـوع عـلى أعـقـابـهـم وسـلـكـوا طـرقـاً دارت طـويـلاً حـول الأراضي الّـتي أغـرقـهـا الـفـيـضـان، وبـلـغـوا بـغـداد بـطـريـق الـحـلّـة.

ووجـدوا عـنـدمـا دخـلـوا الـمـديـنـة أنّ جـسـر الـقـوارب كـان مـا يـزال في مـكـانـه، لـم تـكـتـسـحـه الـمـيـاه، “وكـان مـزدحـمـاً بـالـعـابـريـن” :

ووجـدوا الـجـسـر يـفـضي إلى الأسـواق، وأكـمـلـوا طـريـقـهـم إلى الـمـقـيـمـيـة الـبـريـطـانـيـة  The British Residency.

وقـفـز الـحـارس الـسّـيـخي يـحـيّـهـا عـنـدمـا وصـلـت إلى بـوابـة “الـقـصـر الـمـطـلّ عـلى دجـلـة، وهـو قـنـصـلـيـتـنـا الـعـامـة الّـتي يـحـسـدنـا عـلـيـهـا الـكـثـيـرون”. وكـان الـمـقـيـم الـبـريـطـاني وزوجـتـه قـد عـرفـوا بـوصـول الـمـس وأعـدّوا لـهـا غـرفـة واسـعـة “بـسـعـة قـاعـة إيـوان كـسـرى”.  وعـرفـت في بـغـداد أنّ عـشـيـرتـيـن مـن مـنـطـقــة دجـلـة ثـارتـا عـلى الـبـاشـا وقـطـعـتـا الـمـواصـلات مـع الـبـصـرة والـخـلـيـج، وأوقـفـت خـمـس سـفـن بـخـاريـة في الـعـمـارة … إلـخ.

وذكـرت الـمـس أنّ الـفـوضى كـانـت قـد بـدأت مـنـذ ثـلاث سـنـوات، وأنّ الـعـشـائـر تـهـدد أمـن سـفـن الأتـراك الـبـخـاريـة وسـفـن شـركـة لـنـج         The Lynch Company. (7) وأنّ هـذه الـعـشـائـر كـانـت قـد أطـلـقـت الـنّـار عـام 1908 عـلى سـفـيـنـة لـهـذه الـشّـركـة وقـتـلـت وجـرحـت عـدداً مـن ركّـابـهـا. وسـمـعـت الـمـس أنّ جـبـاة الـضّـرائـب يـخـافـون مـن الإقـتـراب مـن مـضـارب هـذا الـعـشـائـر : “فـأصـغـر راعي غـنـم عـنـدهـم يـحـمـل بـنـدقـيـة”.

وفـصّـلـت الـكـلام خـلال عـدّة صـفـحـات عـن قـلّـة الـنـظـام والأمـن وعـن الـدّسـتـور والحـالـة الـسّـيـاسـيـة لـلـدّولـة الـعـثـمـانـيـة الّـتي تـغـيّـرت.

وبـحـثـت الـمـس عـن الآثـار الـبـاقـيـة مـن بـغـداد الـمـنـصـور فـلـم تـجـد مـنـهـا شـيـئـاً. ووجـدت أنّ الـمـديـنـة الّـتي كـانـت شـديـدة الـسـعـة والّـتي كـانـت قـد امـتـدّت إلى خـارج أسـوارهـا قـد تـقـلّـصـت الآن ورأت قـيـعـانـا فـارغـة بـيـن الـمـديـنـة والأسـوار.

وذهـبـت في صـبـاح يـوم عـاصـف إلى قـريـة الـمـعـظّـم وصـعـدت عـلى سـطـح دار لـتـتـفـحّـص قـبـة أبي حـنـيـفـة. كـمـا عـبـرت عـلى جـسـر قـادهـا إلى قـريـة الـكـاظـمـيّـة. وذهـبـت إلى ضـريـح الـشّـيـخ مـعـروف، وإلى ضـريـح الـسّـتّ زبـيـدة. وقد وجـدت الـمـس أنّ أوّل نـصّ ذكـر فـيـه أنّ هـذا الـضّـريـح كـان لـزبـيـدة لا يـعـود إلى أبـعـد مـن عـام 1718. وكـانـت تـعـتـقـد أنّ أسـلـوب تـشـيـيـد قـبّـة هـذا الـضّـريـح لا يـمـكـن أن يـنـسـب إلى الـقـرن الـتّـاسـع الـمـيـلادي (8) :

وخـصـصـت الـمـس مـقـاطـع طـويـلـة لـوصـف بـاب الـطّـلـسـم والـتـقـطـت لـه صـوراً (وضـعـت بـعـضـهـا في مـقـالي : مـنـحـوتـات بـاب الـطّـلـسـم في بـغـداد).

وتـأمّـلـت بـإعـجـاب بـالـغ مـنـارة سـوق الـغـزل والـنّـصّ الـمـنـقـوش عـلـيـهـا والّـذي يـسـجّـل تـاريـخ تـشـيـيـدهـا عـام 1236 م. في زمـن الـخـلـيـفـة الـمـسـتـنـصـر، والـتـقـطـت لـهـا صـورة فـوتـوغـرافـيـة.

و”بـعـد أن نـعـبـر الـجـسـر [إلى الـرّصـافـة] تـواجـهـنـا بـقـايـا عـظـيـمـة مـن الـمـدرسـة الـمـسـتـنـصـريـة الّـتي أمـر بـإكـمـال تـشـيـيـدهـا الـخـلـيـفـة الـمـسـتـنـصـر عـام 1233. وهي الآن مـقـر الـجـمـارك. ونـجـد عـلى واجـهـتـهـا الـمـطـلّـة عـلى الـنـهـر  نـقـشـاً مـخـوطـاً رائـع الـجـمـال مـن زمـن الـمـسـتـنـصـر”.

“ونـنـظـر مـبـهـوريـن إلى تـمـلـك الـمـعـمـاريـيـن في بـلاد الإسـلام، في الـقـرن الـثّـالـث عـشـر، لـفـنّـهـم في قـدراتـهـم عـلى إيـجـاد حـلـول لـمـشـاكـل الـتـراكـيـب الـهـيـكـيـلـيـة  الّـتي واجـهـتـهـم. وهـو مـا يـبـدو لـنـا مـذهـلاً”، “وقـد تـسـاقـطـت كـلّ الـنّـقـوش الـزّخـرفـيـة مـن عـلى الـجـدران واخـتـفـت، ومـع ذلـك جـعـلـت مـهـارة الـتّـسـقـيـف الـمـقـوّس بـالـطّـابـوق هـذه الـبـنـايـة الـخـربـة تـبـدو شـديـدة الـجـمـال مـثـل قـصـر يـخـلـب الأنـظـار”.

ثـمّ وصـفـت الـمـس قـاعـات الـمـدرسـة الـمـثـمّـنـة والـمـربّـعـة الأضـلاع وسـقـوفـهـا. وأبـدت إعـجـابـهـا بـخـان الأورثـمـة (خـان مـرجـان) وبـجـامـع الـخـاصّـكي بـمـحـرابـه الـمـنـحـوت في كـتـلـة واحـدة مـن الـصّـخـر.

وكـانـت الـمـس قـد قـرأت عـن الـقـصـر الـعـبـاسي وأرادت أن تـرى بـعـض آثـاره الـبـاقـيـة ولـكـنّـهـا فـشـلـت، رغـم كـلّ مـحـاولاتـهـا الـجـريـئـة، في دخـول قـاعـاتـه الّـتي كـان الـجـيـش الـعـثـمـاني يـسـتـعـمـلـهـا لـخـزن الأسـلـحـة.

ووصـفـت الـمـس جـامـع الـشّـيـخ عـبـد الـقـادر وتـكـلّـمـت عـن نـقـيـب بـغـداد، سـلـيـل الـشّـيـخ، وعـن الـقـادريـة. وشـاءت الـصّـدفـة أن مـرّت الـمـس أمـام دار الـنّـقـيـب، واسـتـطـاعـت الـدّخـول في حـديـقـتـهـا ومـقـابـلـة الـنّـقـيـب الّـذي كـان جـالـسـاً تـحـت شـجـرات الـنّـارنـج.

ورحـبّ بـهـا الـنّـقـيـب. وبـعـد أن تـبـادلا الـمـجـامـلات : “شـدّ الـنّـقـيـب بـجـبـتـه حـول جـسـده وصـعـد سـلالـم أدّت إلى غـرفـة مـنـعـشـة الـبـرودة في وسـطـهـا مـطـرح واسـع. وقـال : “بـسـم الله ّ” عـنـدمـا جـلـسـنـا عـلى الـوسـائـد. وبـدأ الـنّـقـيـب يـحـادثـني بـبـسـاطـة، وقـضـيـنـا سـاعـتـيـن نـثـرثـر، مـرّت عـذبـة كـمـرور الـنّـسـيـم”. (9)

“وعـنـدمـا عـرف أنـني أهـتـمّ بـالآثـار الـقـديـمـة، أتـحـفـني [الـنّـقـيـب] بـتـلـخـيـص قـصـيـر لـتـاريـخ الـعـالـم، بـدأ بـأيّـام نـبـوخـذ نـصـر وانـتـهى بـأيّـامـنـا هـذه، وأكّـد فـيـهـا عـلى أنّ كـلّ ثـقـافـات الإنـسـانـيـة أصـلـهـا مـن آسـيـا. ثـمّ تـكـلّـم عـن حـكـم الإنـكـلـيـز في مـصـر. وعـنـدهـا أصـغـيـت إلـيـه بـانـتـبـاه، لأنـنـا لـم نـعـتـد عـلى أن يـدلي حـجّـة مـن حـجـج الإسـلام بـرأي مـحـايـد في هـذه الـمـواضـيـع. وكـان مـعـجـبـاً بـإدارتـنـا فـيـهـا ولـكـنّـه تـأسّـف عـلى الـكـراهـيـة الّـتي ولّـدتـهـا بـيـن الـنّـاس”.

وتـكـلّـم لـهـا الـنّـقـيـب عـن حـادثـة دنـشـاوي (10) مـن وجـهـة نـظـر الـشّـرقـيـيـن، والّـتي اعـتـبـرت الـمـس، مـن وجـهـة نـظـرهـا هي، أنّـهـا تـنـافي الإحـداث الـحـقـيـقـيـة. وذكـرت أنّ الـنّـقـيـب عـبّـر عـن غـضـب الـمـسـلـمـيـن مـن تـصـرفـات الإنـكـلـيـز الـمـهـيـنـة لـهـم، وإنّـهـم لـهـذا فـقـدوا ثـقـتـهـم بـهـم. وأضـاف : “عـنـدمـا اسـتـولـيـتـم عـلى الـهـنـد، إكـتـسـبـتـمـوهـا بـالـمـحـبّـة والـلـطـف. وهـكـذا أظـهـرتـم امـتـيـاز حـضـارتـكـم. ولـكـنـنـا عـنـدمـا سـمـعـنـا أنـكّـم قـتـلـتـم الـنّـسـاء والأطـفـال في دنـشـاوي، أدركـنـا انـكـم سـقـطـتـم مـن مـكـانـتـكـم الّـتي كـنـتـم قـد ارتـفـعـتـم إلـيـهـا”.

وذكـرت الـمـس أنّـهـا لـم تـجـب عـلى الـنّـقـيـب عـلى اتـهـامـاتـه لـعـدم جـدوى ذلـك : “فـلـم يـكـن لـيـصـدقـني”، “أ ولـم يـوجـه بـعـض أبـنـاء بـلـدي هـذه الـتّـهـم لـضـبـاطـهـم هـم أنـفـسـهـم ؟”.

وبـعـد انـتـهـاء حـديـثـهـمـا : “أرسـل الـنّـقـيـب مـعي أحـد خـدمـه لـيـريـني الـتّـكـيـة  The tekîyeh. وكـان مـشـهـداً يـسـتـحـق الـرؤيـة، فـيـمـكـن لآلاف الـزّوار أن يـقـيـمـوا في غـرف طـابـقـيـهـا الـمـحـيـطـيـن بـأفـنـيـتـهـا الـواسـعـة، وكـان رجـال مـن مـخـتـلـف الـجـنـسـيـات يـغـتـسـلـون في أحـواض الـمـاء ويـتـمـشّـون تـحـت الـطّـارمـات الـمـسـقّـفـة”.

“وكـان يـوم الأحـد الـسّـابـق لـمـغـادرتي لـبـغـداد عـيـد الـفـصـح”، ورأت الـمـس الـمـسـيـحـيـات يـتـمـشّـيـن في الـطّـرقـات، يـرتـديـن ثـيـاب الـحـريـر ومـعـاطـف بـرّاقـة الألـوان رقـيـقـة الـحـيـاكـة. وحـضـرت الـقـدّاس في كـنـيـسـة الـكـاثـولـيـك الإغـريـق، وكـان الـكـاهـن نـمـسـاوي الـجـنـسـيـة.

وقـد ذكـر الـكـاهـن لـلـمـس أنّ “أعـداد أفـراد الـجـالـيـة الـكـاثـولـيـكـيـة في بـغـداد قـد ازداد، فـلـم يـكـونـوا يـتـجـاوزون 4000 عـنـدمـا وصـل إلى بـغـداد قـبـل أحـد عـشـر عـامـاً، ولـكـنّـهـم بـلـغـوا الآن 10،000”.

مـن بـغـداد إلى الـمـوصـل

 تـتـكـلّـم الـمـس في الـفـصـل الـسّـادس مـن كـتـابـهـا عـن مـغـادرتـهـا لـبـغـداد في 12 نـيـسـان، فـقـد عـبـرت الـجـسر عـلى نـهـر دجـلـة وسـط عـاصـفـة غـبـار كـثـيـفـة يـصـاحـبـهـا مـضـيّـفـوهـا الإنـكـلـيـز، وذهـبـت لـلـقـاء خـدمـهـا ومـصـاحـبي سـفـرهـا الّـذيـن كـانـت قـد تـركـتـهـم في الـكـرخ عـنـد وصـولـهـا إلى بـغـداد. وسـاروا تـتـبـعـهـم مـطـيّـهـم الـمـحـمـلـة بـأمـتـعـتـهـم “في طـريـق ضـيّـقـة تـمـرّ فـوق الـسّـدّ” الّـذي يـحـمي ضـفّـة دجـلـة.

وبـعـد مـسـيـرة سـتّ سـاعـات وسـط عـاصـفـة مـريـعـة، وصـلـوا إلى خـان مـشـيّـدة Musheidah. ولـكـنّـهـم لـم يـسـتـطـيـعـوا نـصـب خـيـامـهـم الّـتي كـانـت الـرّيـح الـعـاتـيـة تـقـلـعـهـا بـعـنـف. ودخـلـوا الـخـان الّـذي لـم يـجـدوا فـيـه غـرفـة شـاغـرة واحـدة. ووجـدوا بـنـاءاً بـجـانـب الـخـان عـرفـوا أنّـه كـان ثـكـنـة. وفـتـح فـتّـوح، دلـيـل الـمـس، بـابـهـا ودخـل. وبـعـد أن أيـقـظ الـجـنـود دخـلـت الـمـس لـتـجـد إسـطـبـلاً فـوقـه غـرفـتـيـن صـغـيـرتـيـن، نـظّـفـوا لـهـا واحـدة مـنـهـا ووضـعـوا أمـتـعـتـهـا فـيـهـا. وهـكـذا خـيّـمـت في الـثّـكـنـة !

ووجـدت الـمـس، مـمـا كـانـت قـد قـرأتـه عـنـد الـكـتّـاب الـقـدمـاء عـن مـجـرى نـهـر دجـلـة ومـا رأتـه مـن مـجـراه في سـفـرتـهـا أن الـنّـهـر كـان قـد غـيّـر مـجـراه، وأرادت أن تـتـبـع مـجـرى الـنّـهـر الـقـديـم. ووجـد لـهـا دلـيـلـهـا فـتّـوح فـلّاحـاً اسـمـه قـاسـم صـاحـبـهـا في مـتـابـعـتـهـا لـلـمـجـرى الـقـديـم نـهـاراً كـامـلاً، وقـصّ عـلـيـهـا كـيـف سـلـب الـعـثـمـانـيـون عـشـيـرتـه مـن أراضـيـهـم.

وسـاروا إلى أنّ وصـلـوا إلى أسـفـل مـجـرى الـدّجـيـل “الّـذي جـفّ الآن”، ثـمّ إلى عـدّة تـلال تـسـمى “مـدّاوي” عـلى ضـفّـة الـنّـهـر الـقـديـمـة، وحـاولـت أن تـحـدد طـوبـوغـرافـيـة مـجـرى الـنّـهـر الّـذي انـحـرف نـحـو الـشّـرق عـن مـا كـان عـلـيـه قـبـل عـدّة قـرون. وبـلـغـوا سـهـلاً “لابـد أنّـه كـان مـسـكـونـاً، نـجـد عـلـيـه تـلالاً مـغـطـاة بـكـسـر مـن فـخـار الـفـتـرة الإسـلامـيـة الـمـلـوّن بـالأزرق والأخـضـر والأصـفـر والأرجـواني”.

وبـعـد مـسـيـرة ثـلاثـة أربـاع سـاعـة أخـرى، وجـدت تـلالاً أخـرى مـغـطـاة بـكـسـر الـفـخـار والـطّـابـوق، وضـريـحـاً مـن الـطّـابـوق أسـمـتـه كـهـف عـلي Kahf ’Alî ، اعـتـبـرتـه مـن الـفـتـرة الـعـبّـاسـيـة. ثـمّ وصـلـوا عـبـر مـجـرى الـنّـهـر الـجـاف إلى “قـبـر الإمـام مـحـمّـد عـلي” عـلى مـرتـفـع قـرب قـريـة وانـيـة Wâneh. وقـد شـيّـد بـطـابـوق بـمـقـايـيـس 20×20×6  سـم. فـاتـح الـلـون يـقـتـرب مـن الـصّـفـار، وبـقـبّـة مـثـمّـنـة الأضـلاع” :

وبـعـد مـسـيـرة سـاعـة واحـدة وصـلـوا إلى قـريـة الـسُّـمـيـخـة عـلى نـهـر الـدّجـيـل، ونـصـبـوا خـيـامـهـم في بـسـتـان نـخـيـل.

وتـابـعـوا في صـبـاح الـيـوم الـثّـالي طـريـق الـقـوافـل، ثـمّ تـركـوه مـتّـجهـيـن نـحـو الـشّـرق. وبـعـد أن سـاروا سـاعـة، مـرّوا بـتـلّ حـيـر Tell Hir، وبـعـد 35 دقـيـقـة بـتـلّ غـزاب Tell Ghazab، ثـمّ بـتـلّ مـنـجـور  Tell Manjûr بـعـد 35 دقـيـقـة أخـرى. ووصـلـوا بـعـد ثـلاثـة أربـاع سـاعـة إلى تـلّ الـذّهـب Tell edh Dhahab.

وبـعـد أن انـحـرفـوا نـحـو الـشّـمـال بـلـغـوا بـعـد ثـلاثـة أربـاع سـاعـة سـهـلاً واسـعـاً يـمـتـدّ نـحـو دجـلـة عـلـيـه أعـداد مـن الـتّـلال وتـغـطـيـه كـمـيـات كـبـيـرة مـن كـسـر فـخـار لـم يـزجـج ولـم يـلـوّن وعـلـيـهـا رسـوم خـدشـت بـالـكـاد وشـرائـط نـحـيـلـة، واعـتـبـرتـهـا الـمـس مـن الـفـتـرة الإسـلامـيـة.

واسـتـمـرت الـتّـلال وكـسـر الـفـخـار بـلا انـقـطـاع عـلى طـريـقـهـم إلى أن وصـلـوا إلى مـزار سـيّـد مـحـمّـد  Mazâr of Sayyid Muhammad  عـلى بُـعـد سـاعـة مـن تـلّ الـذّهـب. وكـان عـلى الـمـزار قـبّـة واسـعـة مـغـطـاة بـقـرمـيـد بـديـع الألـوان. ورأت الـمـس تـاريـخ تـشـيـيـده مـنـقـوشـاً عـلـيـه “1310 هـ. أي 1893 م.”.  وكـان بـجـانـبـه خـان كـبـيـر.

بـلـد

 ووصـلـوا بـعـد سـاعـة إلى بـلـد  Balad، قـريـة عـلى الـدّجـيـل، كـانـت الـمـس قـد قـرأت عـنـهـا عـنـد يـاقـوت الـحـمـوي [في مـعـجـم الـبـلـدان، الـقـرن الـثّـالـث عـشـر الـمـيـلادي]. وأعـجـبـتـهـا بـسـاتـيـن بـلـد الـمـحـاطـة بـالـحـيـطـان والـمـلـيـئـة بـأشـجـار الـفـواكـه الّـتي تـجـلـب لـهـا الـمـيـاه سـواقي حـسـنـة الـحـفـر والـصّـيـانـة.

ووصـلـوا إلى الـعـبّـارة بـعـد مـسـيـرة سـاعـتـيـن ونـصـف اسـتـمـعـت فـيـهـا الـمـس لأعـرابي صـاحـيـهـم وقـصّ عـلـيـهـا هـجـمـات الأكـراد عـلى ضـفـاف الـنّـهـر والـصّـراع بـيـن عـنِـزة وشـمّـر.

سـامـراء

 وبـعـد أن عـبـروا الـنّـهـر أبـصـرت الـمـس بـالـمـلـويّـة  The Malwîyeh، ورأت أكـلاكـاً تـنـزل مـن ديـار بـكـر تـحـمـل سـلـعـاً وبـضـائـع نـحـو بـغـداد. وبـعـد أن تـقـدّمـوا نـحـو سـامـراء تـعـرّفـت عـلى خـرائـب الـقـادسـيـة Kâdisîyah، الّـتي فـصّـلـت في وصـفـهـا :

وبـعـد أن تـركـوا بـوابـة الـقـادسـيـة الـغـربـيـة، وصـلـوا بـعـد مـسـيـرة سـاعـة إلى بـرج الـقـائـم، بـيـن دجـلـة وقـنـاة نـهـر الـقـائـم. وبـعـد أن عـبـروا نـهـر الـقـائـم، وجـدوا أنـفـسـهـم وسـط خـرائـب سـامـراء الـعـبـاسـيـة الـشّـاسـعـة الأطـراف، والّـتي كـانـت تـمـتـدّ عـلى ضـفـة دجـلـة “عـلى طـول 21 مـايـلاً (اي مـا يـقـارب 34 كـلـم.)”.

ووجـدت أنّ مـديـنـة سـامـراء الـحـديـثـة لـم تـكـن تـتـعـدّى قـريـة مـسـوّرة تـلـتـمـع في وسـطـهـا قـبّـة مـذهّـبـة”. “ووراء الـمـديـنـة تـرفـع الـمـلـوّيـة رأسـهـا فـوق الـفـيـافي الـمـمـتـدّة” :

وخـصـصـت الـمـس مـقـاطـع طـويـلـة لأسـبـاب اخـتـيـار الـمـعـتـصـم لـسـامـراء كـعـاصـمـة لـدولـتـه، واسـتـشـهـدت بـالـيـعـقـوبي، ثـمّ صـعـدت فـوق الـمـنـارة الـمـلـويّـة لـتـتـفـحّـص امـتـداد الآثـار تـحـت أنـظـارهـا، ولـتـصـفـهـا لـقـرّاء كـتـابـهـا.

وقـضـت الـمـس سـاعـات طـويـلـة تـدور حـول جـدران الـجـامـع الـكـبـيـر لـتـتـأكّـد مـن مـقـايـيـسـه. ثـمّ دارت حـول أسـوار الـمـديـنـة الـحـديـثـة. ولاحـظـت أنّ أسـوارهـا كـان قـد أعـيـد تـشـيـيـدهـا.

ودخـلـت الـمـس فـيـهـا وتـجـوّلـت في دروبـهـا الـضّـيّـقـة “الـصّـامـتـة”. ولـكـنّ الــمـديـنـة بـدأت تـتـحـرّك عـنـدمـا اقـتـربـت مـن جـامـعـهـا. وعـنـدمـا مـرّت أمـام جـايـخـانـات Tea-shops أمـام الـبـوابـة حـيّـاهـا “فـرس شـديـدو الـوقـار وعـرب بـأسـمـال رثّـة كـانـوا جـالـسـيـن فـيـهـا”. وتـحـاشـت أن تـنـظـر بـإلـحـاح إلى بـاب الـضـريـح. وكـانـت تـعـرف الـكـثـيـر عـن الأئـمـة الـرّاقـديـن في داخـلـه.

وفي فـجـر الـيـوم الـتّـالي، غـادرت الـمـس ومـرافـقـيـهـا سـامـراء، وسـاروا “عـبـر أكـوام مـن الـخـرائـب والأطـلال” مـدّة سـاعـة وأربـعـيـن دقـيـقـة تـقـريـبـاً، حـتّى وصـلـوا إلى شـنـاس  Shnâs، بـحـيـطـانـهـا وأبـراجـهـا الـمـبـنـيّـة بـالـلِـبـن.

وبـعـد مـسـيـرة عـدّة دقـائـق نـحـو الـشّـمـال وصـلـوا إلى خـرائـب أخـرى، وشـمـالـهـا بـقـلـيـل وجـدوا أكـوامـاً مـن الـخـرائـب. وعـرفـت الـمـس أنّـهـا تـدعى بـ “إسـكي بـغـداد  Eskî Baghdâd”، ويـبـدو أنّ كـلّ الـمـنـطـقـة الـمـحـيـطـة بـأبي دلـف Abu Dulaf   تـدعى بـهـذا الإسـم.

وبـعـد مـسـيـر سـاعـة مـرّوا خـلالـهـا بـتـلال وصـلـوا إلى جـامـع أبي دلـف “وهـو الأخ الـشّـقـيـق الـمـكـمـل لـجـامـع سـامـراء”.

وبـعـد أن خـيّـمـوا عـلى ضـفـة دجـلـة، سـاروا في صـبـاح الـيـوم الـتّـالي نـصـف سـاعـة نـحـو الـشّـمـال إلى أن خـرجـوا مـن مـسـاحـة مـديـنـة سـامـراء الـقـديـمـة. ووجـدوا بـيـن دجـلـة وقـنـاة الـنّـهـرويـن، بـقـايـا قـصـر الـمـتـوكّـل الّـذي “تـطـلّـب تـشـيـيـده سـنـة كـامـلـة، وسـكـنـه تـسـعـة أشـهـر، ثـمّ تـرك لـلـخـراب، هـو وكـلّ مـا حـولـه”.

الـدّور

 وأكـمـلـوا سـيـرهـم نـحـو الـشّـمـال إلى أن وصـلـوا بـعـد سـاعـة إلى قـريـة الـدّور The Village of Dûr. “وتـغـطي الـسّـهـول في أطـراف الـدّور تـلالٌ مـن الـخـرائـب الّـتي ربّـمـا تـعـود إلى الـفـتـرة الإسـلامـيـة. والـمـوقـع الّـذي شـيّـدت عـلـيـه قـريـة الـدّور شـديـد الـقـدم، فـقـد ذكـره أمـيـانـوس مـرسـيـلـيـنـوس  في سـرده لأحـداث انـسـحـاب جـوفـيـان [الـرّومـاني].

“وكـلّ مـا يـسـتـحـق الـرؤيـة فـيـهـا ضـريـح الإمـام الـدّور، مـحـمّـد بـن مـوسى بـن جـعـفـر بـن عـلي بـن الـحـسـيـن. ويـعـود أصـلـه إلى إمـام الـشّـيـعـة. وقـد قـرأتُ هـذا مـكـتـوبـاً عـلى لـوحـة مـن الـرّخـام ثـبـتـت جـنـب بـاب الـضّـريـح” :

“والـضّـريـح بـرج عـالي مـربّـع الـشّـكـل مـن طـابـوق حـسـن الـتّـشـيـيـد، وفي جـانـبـه الـشّـمـالي كـتـابـات مـنـقـوشـة. وفـوق الـبـرج قـبّـة مـثـل قـبّـة ضـريـح الـسّـت زبـيـدة في بـغـداد” ووضـعـت رسـمـاً لـمـخـطـط الـضّـريـح.

“وقـد طـلـيـت الـقـبّـة مـن الـدّاخـل بـالـجـصّ، ولا يـمـكـن أن يـعـود تـاريـخ تـشـيـيـدهـا إلى نـفـس فـتـرة تـشـيـيـد الـبـرج الـمـربـع الّـذي تـرتـكـز عـلـيـه، فـهي قـد أغـلـقـت فـتـحـات الـنّـوافـذ. وبـدا لي أنّ الـقـبّـة شـيّـدت بـعـد زمـن طـويـل مـن تـشـيـيـد الـضّـريـح”.

تـكـريـت

 “عـنـدمـا وصـلـنـا إلى ضـفـة الـنّـهـر مـقـابـل تـكـريـت، بـعـد مـسـيـرة ثـلاث سـاعـات مـن مـغـادرتـنـا لـلإمـام الـدّور، هـبّـت ريـح عـاتـيـة”.

وانـتـظـرت الـمـس ومـرافـقـيـهـا  وقـتـاً طـويـلاً قـبـل أن تـنـطـلـق الـعـبّـارة، “وقـضـيـنـا وقـتـاً أشـدّ طـولاً وأشـدّ انـهـاكـاً لـعـبـور الـنّـهـر مـن أي عـبـور آخـر قـمـت بـه”، ووضـعـت الـمـس صـورة الـعـبّـارة  Tekrît ferry:

“وقـد اقـتـربـت الـشّـمـس مـن الـغـروب عـنـدمـا وصـلـنـا إلى الـجـرف الـعـالي خـلـف تـكـريـت. ولـم يـأتـوا لـنـا بـالـخـيـل لـنـركـبـهـا إلّا بـعـد أن حـلّ الـظّـلام. ومـا أن نـصـبـت الـخـيـام حـتّى جـاء مـن يـسـألـني إن كـنـت أودّ اسـتـقـبـال حـمـيـدي بـك بـن فـرحـان  Hmeidi Beg ibn Farhân. وأجـبـت عـلى الـطّـلـب مـسـتـعـمـلـة صـيـغ الـودّ والإحـتـرام، فـلـيـس هـنـاك مـسـافـر يـعـبـر الـبـاديـة لـم يـسـمـع بـاسـم فـرحـان، الّـذي كـان شـيـخ مـشـايـخ كـلّ شـمّـر الـشّـمـال”.

“ومـنـذ وفـاة ابـراهـيـم بـاشـا، تـقـاسـمـت شـمّـر وعـنِـزة، وبـدون مـودة ووئـام، الـسّـيـطـرة عـلى مـا بـيـن الـنّـهـريـن، كـمـا كـانـوا يـفـعـلـونـه في الـمـاضي، قـبـل أن تـشـتـدّ قـوة الأكـراد. وتـمـرّ طـريـق تـكـريـت ــ الـمـوصـل بـمـنـطـقـة نـفـوذ شـمّـر”.

“ولا تـصـعـد قـافـلـة أو تـنـزل إلّا ودفـعـت لـمـجـول بـن فـرحـان Mejwal ibn Farhan  بـشـلـيـقـاً   beshlik (أي ثـلاثـة قـروش) عـلى كـلّ بـغـل، ونـصـف بـشـلـيـق عـلى كـلّ حـمـار، إلّا إذا كـان الـمـسـافـر يـصـاحـبـه عـسـكـري zaptieh  كـمـا كـان الأمـر مـعي. ولـيـس لـلـبـغّـالـيـن إمـكـانـيـة دفـع مـصـاريـف عـسـكـري يـصـاحـبـهـم، ولـهـذا يـقـفـون حـالـمـا يـبـصـرون بـمـن يـحـمـل رمـحـاً مـن شـمّـر ويـدفـعـون لـه الـمـبـالـغ”.

“والـشّـيـخ مـجـول، أقـوى أولاد فـرحـان، يـجـبي الـضّـرائـب مـن كـلّ الـجـبـور Jebbûr الّـذيـن تـمـتـد مـضـاربـهـم عـلى ضـفـة الـنّـهـر.  وأخـبـروني أنّ الـجـبـور كـانـوا في الـمـاضي يـربّـون الـخـيـول، ولـكـنّـهـم تـركـوا ذلـك فـلـم تـعـدّ تـربـيـة الـخـيـول تـدرّ عـلـيـهـم أربـاحـاً مـادام شـيـوخ شـمّـر يـسـتـولـون عـلى كـلّ فـرس تـعـجـبـهـم. ويـقـال إنّ حـمـيـدي ألـطـف أبـنـاء فـرحـان.

ويـمـكـن أن نـلـقي بـأحـسـن نـظـرة عـلى تـكـريـت مـن الـضّـفـة الـمـقـابـلـة لـدجـلـة، ومـنـهـا تـبـدو الـمـرتـفـعـات الـشّـامـخـة والـجـرف الـشّـديـد الإنـحـدار الّـذي تـعـلـقـت عـلـيـهـا الـدّور بـاهـرة لـلأعـيـن. ولـكـنـنـا عـنـدمـا نـصـلـهـا نـجـد الـمـديـنـة الـحـالـيـة لا أهـمـيـة لـهـا، والـمـديـنـة الـقـديـمـة أكـوام خـرائـب، نـخـمـن فـيـهـا بـقـايـا أسـوار ومـكـان الـبـوابـة الـسّـفـلى لـلـقـلـعـة.

“وبـعـد أن تـركـنـا خـرائـب الـمـديـنـة الـقـديـمـة الـمـمـتـدّة غـرب تـكـريـت الـحـديـثـة، بـلـغـنـا ضـريـح الأربـعـيـن  The Arba’în, the Forty. الـمـتـسـاقـط الأحـجـار، رغـم أنّ حـجـرتـيـن صـغـيـرتـيـن تـغـطّـيـهـمـا قـبّـتـان مـا زالـتـا قـائـمـتـيـن. وقـد زيّـنـت الـحـجـرتـان والأبـنـيـة الّـتي نـدخـل مـنـهـمـا إلـيـهـمـا بـنـقـوش جـصّـيـة بـأسـلـوب واحـد مـتـكـرر. ويـمـكـنـني الـقـول إنّـهـا مـن نـفـس الـفـتـرة الـزّمـنـيـة لـنـقـوش ضـريـح الإمـام الـدّور الـجـصّـيـة” :

وسـاروا ثـلاث سـاعـات بـمـحـاذاة الـنّـهـر، ولـكـن مـن بـعـيـد، “لـم نـر خـلالـهـا إلّا صـخـوراً عـاريـة تـرتـفـع بـمـحـاذاة الـضّـفـة”. وعـنـدمـا اقـتـربـوا مـن مـجـرى دجـلـة رأوا أراضٍ يـزرعـهـا أهـل تـكـريـت. ونـصـيـوا خـيـامـهـم تـلـك الـلـيـلـة عـلى بـعـد مـسـيـرة سـتّ سـاعـات ونـصـف شـمـال تـكـريـت، قـرب قـشـلـة (أي ثـكـنـة جـنـود) شـيّـدت لـصـق خـان حـسـن الـتّـشـيـيـد. وكـان في الـقـشـلـة “مـا بـيـن أربـعـيـن وخـمـسـيـن مـن الـجـنـود الـمـشـاة”.

وقـد تـهـدمـت جـدران الـخـان، الّـذي ذكـرت الـمـس أن اسـمـه “خـان خـرنـيـنـة  Khân Khernîna”، حـول حـوشـه الـمـسـتـطـيـل الـشّـكـل وأبـراجـه الـمـسـتـديـرة وبـوابـتـه الـرّائـعـة الـجـمـال الّـتي تـعـلـوهـا أقـواس مـدبـبـة الأعـالي. ويـمـتـدّ في جـنـوبـه بـنـاء مـسـتـطـيـل مـقـوّس الـسّـقـف بـني في وسـطـه مـصـلّى. وفي الـمـصـلّى مـحـراب تـزيـنـه نـقـوش بـديـعـة. وكـان تـحـت الـقـوس الـمـدبـب الأعـلى نـصـوص لـم تـبـق مـنـهـا إلّا مـقـاطـع مـهـشـمـة  :

وخـصـصـت الـمـس مـقـطـعـاً طـويـلاً لـوصـف هـذا الـبـنـاء الّـذي اثـار إعـجـابـهـا ووجـدتـه نـمـوذجـاً لأجـمـل مـا شـيّـد في هـذه الـمـنـاطـق.

وحـاذوا في الـيـوم الـتّـالي جـبـال حـمـريـن الّـتي أمـتـدت في الـجـانـب الـمـقـابـل لـلـنّـهـر وسـايـرتـهـم عـدّة سـاعـات، ثـمّ اخـتـرقـهـا الـنّـهـر في مـضـيـق الـفـتـحـة.

قـلـعـة الـشّـرقـاط

ووصـلـوا في الـيـوم الـتّـالي إلى تـلّ قـلـعـة الـشّـرقـاط الـواسـع الـمـرتـفـع، وأبـصـروا مـن بـعـيـد بـبـقـايـا زقـورتـهـا الـضّـخـمـة الّـتي كـانـت في الـمـاضي في وسـط مـديـنـة آشـور، أولى عـواصـم الـدّولـة الآشـوريـة :

وعـنـدمـا وصـلـوا إلى الـمـوقـع، وجـدوا مـسـاعـدي عـالـم الآثـار الألـمـاني فـالـتـر أنـدريـه مـنـهـمـكـيـن في تـنـقـيـبـاتـهـم الأثـريـة. وأخـبـروا الـمـس بـأنّ فـالـتـر أنـدريـه ويـولـيـوس يـوردان كـانـا في دار الـتّـنـقـيـبـات الـمـحـاطـة بـالـزّهـور. (11)

ورحـب بـهـا عـالـمـا الآثـار عـنـدمـا وجـدتـهـمـا في الـدّار. وأعـلـمـاهـا بـمـا لـم تـكـن قـد سـمـعـت بـه : تـشـكـيـل حـكـومـة دسـتـوريـة في إسـطـنـبـول، وهـرب أعـضـاء جـمـعـيـة الإتّـحـاد والـتّـرقي مـنـهـا، ورجـوع الـسّـلـطـان عـبـد الـحـمـيـد.

وزارت الـمـس مـوقـع الـتّـنـقـيـبـات، وأدركـت أهـمـيـة هـذا الـمـوقـع الـتّـاريـخـيـة وأهـمـيـة هـذه الـتّـنـقـيـبـات الـعـلـمـيـة، رغـم قـلّـة الـمـنـحـوتـات الـضّـخـمـة الّـتي كـانـت الـمـتـاحـف الأوربـيـة تـدفـع أثـمـانـاً بـاهـظـة لـشـرائـهـا.

وأراهـا فـالـتـر أنـدريـه، أو الـدكـتـور أنـدريـه، كـمـا كـانـت تـسـمـيـه، مـعـبـد آشـور وزقـورتـه في وسـطـه. ولـكـنّ الـبـعـثـة الـعـلـمـيـة الألـمـانـيـة لـم تـكـن قـد اسـتـطـاعـت الـتّـنـقـيـب فـيـه بـعـد، رغـم أنّـهـا كـانـت في قـلـعـة الـشّـرقـاط مـنـذ عـدّة سـنـوات، ولـسـبـب بـسـيـط : فـقـد كـانـت ثـكـنـة الـجـنـود الأتـراك تـحـتـلّ الـجـزء الأكـبـر مـن مـوقـع الـمـعـبـد.

ووصـفـت الـمـس الـمـوقـع وصـفـاً مـفـصّـلاً وأضـافـت عـلـيـه كـثـيـراً مـن الـمـعـلـومـات الّـتي كـانـت قـد قـرأتـهـا عـنـد الـكـتّـاب الإغـريـق والـرّومـان وعـنـد عـلـمـاء الآشـوريـات. وذكـرت مـا قـصّـه عـلـيـهـا فـالـتـر أنـدريـه مـن اكـتـشـافـاتـه في الـمـوقـع الّـتي حـسّـنـت مـعـارفـنـا عـن هـذه الـحـقـبـة مـن تـاريـخ الـحـضـارة الآشـوريـة.

“وسـألـت الـدّكـتـور أنـدريـه : مـاذا كـانـوا يـتـأمّـلـون مـن أعـلى [الـزّقـورة] ؟ ــ كـانـوا يـتـأمّـلـون الـقـمـر، أجـابـني الـدّكـتـور أنـدريـه، كـمـا نـتأمّـلـه نـحـن. مـن يـدري ؟ ربّـمـا كـانـوا يـتـأمّـلـون إلـهـهـم”.

“وتـركـت قـلـعـة الـشّـرقـاط والأسـف يـمـلأ قـلـبي، ونـادراً مـا تـأسـفـت عـلى تـرك مـكـان مـثـلـمـا تـأسّـفـت عـلى تـرك قـلـعـة الـشّـرقـاط”.

“وامـتـطـيـنـا صـهـوات جـيـادنـا وسـرنـا ثـمـاني سـاعـات إلى تـلّ الـقـيّـارة  Tell Gayârah، الّـتي كـانـت بـالـقـرب مـنـه بـعـض مـنـابـع الـقـار. وبـدت لـنـا أرض آشـور أشـدّ خـصـوبـة هـنـا، وخـاضـت خـيـولـنـا في الـمـسـاء في كـثّـافـة الـعـشـب إلى رُكـبـهـا”.

مـن الـقـيّـارة إلى نـمـرود

 وأرادت الـمـس، في الـيـوم الـتّـالي، أن تـزور نـمـرود، مـوقـع مـديـنـة كـلـح الـقـديـمـة. ووجـدت ومـصـاحـبـيـهـا  صـعـوبـات في إيـجـاد عـبّـارة تـوصـلـهـم إلى ضـفـة نـهـر دجـلـة الـمـقـابـلـة.

وتـركـت الـمـس الـقـافـلـة بـصـحـبـة فـتّـوح وحـرّاسـهـا، وأمـتـطـوا صـهـوات خـيـولـهـم. وسـاروا سـاعـتـيـن إلى أن وصـلـوا إلى مـنـقـوب  Mangûb الّـتي كـانـت مـجـمـوعـة أكـواخ مـتـداعـيـة. ورأوا في الـضّـفـة الـمـقـابـلـة تـلالاً كـان عـلـيـهـا قـرى في الأزمـان الـقـديـمـة. وكـان الـعـشـب كـثـيـفـاً عـالـيـاً عـلى ضـفـة الـنّـهـر. والـتـقـت الـمـس بـقـاضٍ كـان في طـريـقـه إلى الـقـيّـارة لـلـفـصـل في قـضّـيـة مـلـكـيـات بـعـض الأراضي، ودهـشـت عـنـدمـا كـلّـمـهـا بـلـغـة فـرنـسـيـة سـلـيـمـة، وتـحـادثـا بـالـفـرنـسـيـة.

وأكـمـلـوا طـريـقـهـم إلى أن بـلـغـوا مـرتـفـعـاً عـالـيـاً رأت الـمـس مـن فـوقـه نـهـر الـزّاب الـكـبـيـر يـصـبّ في دجـلـة، وتـذكّـرت مـا كـانـت قـد قـرأتـه عـمّـا جـرى هـنـا مـن أحـداث تـاريـخـيـة.

وعـنـدمـا وصـلـوا مـقـابـل نـمـرود حـالـفـهـم الـحـظ بـإيـجـاد عـبّـارة كـانـت تـجـتـاز الـنّـهـر مـحـمّـلـة بـأفـراد عـشـائـر الـجـبـور وقـطـعـانـهـم، ثـمّ تـعـود لـتـجـتـازه مـن جـديـد بـآخـريـن مـنـهـم وقـطـعـانـهـم، وهـكـذا دوالـيـك. وعـرفـت أنّـهـم كـانـوا يـصـطـحـبـون قـطـعـانـهـم إلى مـراعي نـمـرود الـمـخـضـرّة.

وعـبـرت الـمـس ومـصـاحـبـيـهـا نـهـر دجـلـة لـتـرى تـلّ نـمـردود. وكـان الـتّـلّ غـارقـاً في امـتـدادات حـقـول الـقـمـح الـمـتـمـوّجـة حـولـه. وكـانـت “الـحـفـر الّـتي كـان لَـيـارد (12) قـد تـركـهـا مـفـتـوحـة بـعـد انـتـهـاء تـنـقـيـبـاتـه مـلـيـئـة بـالأعـشـاب والأزهـار، وزقـورة الإلـه نـيـنـيـب تـرفـع رأسـهـا بـيـن أجـمـات الـخـشـخـاش”.

ولاحـظـت أن مـوقـع مـديـنـة كـلـح الـقـديـمـة تـرك لـلـخـراب، بـعـد أن انـتـهـت الـتّـنـقـيـبـات الـبـريـطـانـيـة، وأخـرجـت مـنـه أجـمـل مـنـحـوتـاتـه لـتـثـري بـهـا الـمـتـحـف الـبـريـطـاني في لـنـدن. وتـرك مـا لـم يـنـقـل في مـكـانـه، عـاريـاً لـم يُـعـد دفـنـه في الـتّـراب، فـتـعـرض لـلـتـلـف تـحـت الـشّـمـس والأمـطـار. ووجـدت تـمـثـالاً يُـخـرج رأسـه وكـتـفـيـه مـن الأرض، وقـد اهـتـرأ وجـه “هـذا الـمـلـك أو الإلـه حـتّى لـم نـعـد نـتـبـيّـنـه” :

وقـد أمـر الـشّـيـخ عـسـكـر، شـيـخ الـجـبـور، الّـذي كـان قـد صـاحـب الـمـس، بـأن يـعـاد دفـن الـتّـمـثـال في بـاطـن الأرض، وهـو مـا شـكـرتـه عـلـيـه الـمـس. ثـمّ دعـاهـا لـشـرب الـقـهـوة في مـضـيـفـه :

وبـعـد ذلـك عـادت الـمـس ومـصـاحـبـيـهـا إلى الـعـبـارة واجـتـازوا الـنّـهـر، وسـاروا إلى حـمّـام الـعـلـيـل، الّـذي أسـمـتـه حـسـب لـفـظ الـعـامّـة : حـمّـام عـلي  Ḥammâm ’Alî. ورأت يـنـابـيـع الـكـبـريـت فـيـه. وخـيّـمـوا وسـط الـخـضـرة الـبـاذخـة بـالـقـرب مـنـه. وبـعـد مـسـيـرة أربـع سـاعـات، في صـبـاح الـيـوم الـتّـالي،  وصـلـوا إلى الـمـوصـل.

الـمـوصـل :

 سـمـعـت الـمـس ومـصـاحـبـيـهـا طـلـقـات مـدافـع عـنـدمـا اقـتـربـوا مـن الـمـديـنـة. وعـرفـوا بـعـد ذلـك “أنّ رشـاد بـويـع لـه كـسـلـطـان”، أي أنّ الـسّـلـطـان عـبـد الـحـمـيـد خـلـع وإبـدل بـأخـيـه مـحـمّـد رشـاد الّـذي اعـتـلى عـرش الـدّولـة الـعـثـمـانـيـة.

وقـد قـطـعـت الـمـس بـيـل سـردهـا في صـفـحـة 232  مـن كـتـابـهـا، لـتـضـع نـصّـاً طـويـلاً عـن “خـرائـب سـامـراء  The Ruins of Sâmarrâ”  اسـتـمـرّ إلى صـفـحـة 247. ووضـعـت فـيـه مـجـمـوعـة مـهـمّـة مـن صـور فـوتـوغـرافـيـة الـتـقـطـتـهـا فـيـهـا. ويـسـتـحـق هـذا الـجـزء مـن الـكـتـاب أن يـتـرجـم بـاعـتـنـاء وأن تـنـشـر مـعـه الـصّـور الّـتي تـصـاحـبـه.

وعـادت الـمـس بـعـد ذلـك إلى الـكـلام عـن مـديـنـة الـمـوصـل الّـتي وصـلـتـهـا في 28 نـيـسـان. وذكـرت الـصّـراعـات بـيـن سـكّـان الـمـنـطـقـة والـمـصـائـب الّـتي حـلّـت بـالـمـديـنـة، والـتّـغـيـرات الّـتي حـدثـت فـيـهـا بـعـد بـدء الإضـطـرابـات الـسّـيـاسـيـة في الـدّولـة الـعـثـمـانـيـة. ونـاقـشـت الـوضـع الـمـتـأزّم في الـمـوصـل مـع أحـد رجـالاتـهـا الّـذي أعـجـبـت بـرزانـتـه وحـكـمـتـه، ثـمّ الـتـقـت بـرجـل آخـر مـن أثـريـاء الـمـديـنـة “ولـكـنّـه سئ الأخـلاق والـنّـيّـة”. وحـاولـت مـعـرفـة آرائـهـمـا عـن الـوضـع، وعـرفـت أنّ بـعـض الـعـرب يـودّون خـلـيـفـة مـن قـريـش لـيـحـكـمـوا أنـفـسـهـم بـأنـفـسـهـم. ثـمّ الـتـقـت بـآخـريـن تـسـتـطـلـع آراءهـم مـن بـيـنـهـم أسـقـف. وعـرفـت أنّ أسـاقـف الـطّـوائـف الـمـسـيـحـيـة في الـمـنـطـقـة لا تـعـدّ ولا تـحـصى “مـثـل أعـداد رمـال سـاحـل الـبـحـر”.

والـتـقـت الـمـس بـمـسـيـحيّ مـار شـمـعـون  Mâr Shim’ûn ، الّـذيـن اعـتـبـرتـهـم مـن الـنّـسـاطـرة ويـمـثّـلـون “الـكـنـيـسـة الـكـلـدانـيـة الـقـديـمـة” الّـتي لـم تـتـأثـر بـكـنـيـسـة رومـا” أي بـالـكـنـيـسـة الـكـاثـولـيـكـيـة. كـمـا ذكـرت الـمـنـافـسـات بـيـن طـوائـف شـمـال الـعـراق وقـلّـة الـتّـفـاهـم بـيـنـهـا. والـتـقـطـت صـوراً لـنـقـوش عـلى أبـواب ديـر مـار تـومـا ومـار شـمـعـون.

وقـد لاحـظـت أنّ زخـارفـهـا مـن نـفـس أسـالـيـب الـزّخـارف الإسـلامـيـة، وأعـتـبـرت أنّ مـنـحـوتـة مـسـتـطـيـلـة فـوق بـاب كـنـيـسـة مـار شـمـعـون قـد نـحـتـت بـنـقـوش إسـلامـيـة مـتـشـابـكـة                                                         (Is carved with an entrelac unmistakably Mohammadan) .

وزارت الـمـس ضـريـح الإمـام يـحـيى الّـذي أعـجـبـت بـجـمـال تـشـيـيـده، وقـرأت في نـقـش عـلى واجـهـتـه أنّـه شـيّـد بـأمـر مـن الـسّـلـطـان لـؤلـؤ (13) :

ورأت قـرب نـهـر دجـلـة مـسـجـداً جـامـعـاً كـان ابـن بـطـوطـة قـد ذكـره في رحـلـتـه. وقـدّمـت الـمـس لـقـرائـهـا عـرضـاً تـاريـخـيـاً لـجـوامـع الـمـوصـل مـنـذ أوّلـهـا الّـذي شـيّـده مـروان الـثّـاني.

ورأت قـرب ضـريـح الإمـام يـحـيى بـنـاءً آخـر مـن نـفـس زمـن تـشـيـيـده، أي قـلـعـة الـسّـلـطـان لـؤلـؤ عـلى ضـفـة دجـلـة. واعـتـبـرت أنّ لـهـا “أهـمـيـة مـعـمـاريـة عـظـيـمـة” رغـم خـرابـهـا، فـلـم يـبـق مـنـهـا غـيـر جـزء صـغـيـر صـورت الـمـس عـلى بـقـايـا أحـد جـدرانـه نـقـشـاً مـخـطـوطـاً مـن الـجـصّ :

“وكـانـت الـنـقـوش نـصـوصـاً مـخـطـوطـة واقـواسـاً صـغـيـرة مـتـكـررة، وفي كـلّ قـوس صـورة رجـل عـاري مـن رأسـه إلى خـاصـرتـه، ونـرى تـحـتـهـا نـقـوشـاً لأقـواس أكـبـر فـيـهـا أغـصـان مـورقـة عـلـيـهـا صـور طـيـور وأزهـار”.

أمّـا أسـوار الـمـوصـل “فـهي حـديـثـة الـتّـشـيـيـد، رغـم أنّ بـوابـة سـنـجـار، في جـانـبـهـا الـغـربي تـسـتـحـق الإهـتـمـام، فـهي تـشـبـه بـوابـات حـلـب، وعـلـيـهـا مـثـلـهـا رمـوز مـنـحـوتـة لأسـود”.

“وبـجـانـب الـمـوصـل تـقـع نـيـنـوى. وقـد جـرف فـيـضـان دجـلـة جـسـر الـقـوارب الـمـوصـل إلـيـهـا. أمّـا الأقـواس الـمـبـنـيّـة بـالـطـابـوق في أقـصى الـجـسـر، فـقـد ظـلّـت مـنـتـصـبـة وسـط الـمـيـاه”.

“واجـتـزنـا الـنّـهـر بـعـبّـارة، ثـمّ امـتـطـيـنـا صـهـوات خـيـولـنـا إلى تـلّ قـويـنـجـيـق”. “ورأيـنـا خـطـوط بـقـايـا الـجـدران تـمـتـدّ بـعـيـداً نـحـو الـشّـمـال، ونـحـو الـجـنـوب أيـضـاً لـتـصـل إلى تـلّ نـبي يـونـس الـمـجـاور”.

واسـتـمـرّوا في سـيـرهـم أربـع سـاعـات عـبـر الـسّـهـول الّـتي كـان الـفـلّاحـون يـحـصـدون فـيـهـا قـمـحـهـم تـحـت شـمـس مـلـتـهـبـة الأشـعّـة.

والـتـجـأت الـمـس مـن الـحـرّ الّـذي لا يـطـاق في قـريـة عـمـرقـان  ’Amrḳân، وأكـلـت في مـضـيـف الـشّـيـخ. ثـمّ أكـمـلـت طـريـقـهـا مـع مـرافـقـيـهـا، ووصـلـت بـعـد سـاعـة ونـصـف إلى ديـر مـار بـهـنـام، الّـذي وجـدتـه مـحـصّـنـاً مـثـل قـلـعـة صـغـيـرة. وكـانـت جـدران كـنـيـسـتـه مـغـطـاة بـنـقـوش زخـرفـيـة مـتـشـابـكـة فـيـهـا صـور صـغـيـرة لـمـلائـكـة وأسـود وثـعـابـيـن، ونـقـوش مـخـطـوطـة بـالـلـغـتـيـن الـعـربـيـة والـسّـريـانـيـة.

وبـعـد مـسـيـرة سـاعـتـيـن ونـصـف في صـبـاح الـيـوم الـتّـالي، وصـلـوا إلى قـراقـوش، الّـتي وجـدت فـيـهـا الـمـس “مـا لا يـقـل عـن سـبـع كـنـائـس، بـنـيـت ثـلاث مـنـهـا خـارج الـقـريـة. وكـلّ واحـدة مـنـهـا مـحـاطـة بـجـدران مـحـصّـنـة”.

وبـعـد خـمـس سـاعـات ونـصـف، ووصـلـوا إلى ديـر مـار مـتي الـمـشـيـد بـيـن الـصـخـور عـلى سـفـح جـبـل مـقـلـوب  Jebel Maḳlûb.  وتـسـلّـقـت الـمـس الـصّـخـور مـدّة نـصـف سـاعـة قـبـل أن تـبـلـغـهـا. وفـتـح لـهـا بـوابـة الـدّيـر صـبي رث الأسـمـال، وقـادهـا عـبـر سـلّـم طـويـل صـعـدت عـلـيـه إلى شـرفـة كـان الأسـقـف جـالـسـاً فـيـهـا، ومـنـهـا كـان قـد راقـب وصـولـهـا مـع أصـحـابـهـا إلى الـوادي تـحـتـه، وتـسـلّـقـهـا نـحـو الـدّيـر.

أخـبـرهـا الأسـقـف الـعـجـوز عـن عـزلـتـه عـن الـعـالـم بـعـد أن تـركـه آخـر رهـبـان الـدّيـر وذهـب إلى الـمـوصـل. وسـألـهـا إن كـان صـحـيـحـاً مـا سـمـعـه عـن ارتـقـاء مـحـمّـد رشـاد عـلى عـرش آل عـثـمـان. وفـرح بـذلـك عـنـدمـا أكّـدتـه لـه الـمـس.

مـنـطـقـة سـنـجـار

ودخـلـت الـمـس بـعـد ذلـك في مـنـطـقـة الـيـزيـديـيـن “الّـذيـن يـعـتـبـرهـم الـمـسـيـحـيـون والـمـسـلـمـون كـعـبـدة الـشّـيـطـان”. وكـانـت الـمـس قـد أقـامـت قـبـل زيـارتـهـا لـلـعـراق، في قـرى الـيـزيـديـيـن في جـبـال شـمـال سـوريـا، “وقـد بـهـرتـني نـظـافـة مـنـازلـهـم وحـسـن تـرتـيـبـهـا، وحـسـن اسـتـقـبـالـهـم وشـجـاعـتـهـم ونـشـاطـهـم في الـعـمـل”. وكـانـت قـد قـرأت الـكـثـيـر عـن يـزيـديي الـعـراق.

وبـعـثـت الـمـس إلى رئـيـسـهـم عـلي بـك ’Alî Beg  تـسـألـه أن يـأذن لـهـا بـزيـارة قـريـة بـاعـذرا (كـتـبـتـهـا حـسـب لـفـظـهـا الـكـردي : بـاعـذري  Bâ’adrî) (14)، وبـمـكـانـهـم الـمـقـدّس في شـيـخ عـادي.

“وسـرنـا تـحـت سـفـوح تـلال تـغـطّـيـهـا الأزهـار تـلـتـمـع فـيـهـا الـخـطـمـيـات وأنـواع الـزّنـابـق”،  ونـزلـوا إلى “الـوادي الأسـود” الّـذي “غـاصـت فـيـه الـلـقـالـق حـتّى أعـمـاق أجـنـحـتـهـا في خـضـرة الأعـشـاب والـحـوذان”.

وعـبـروا جـدول مـاء في وادي عـيـن سـفـني  Wâdî ’Ain Sifneh، ووصـلـوا بـعـد نـصـف سـاعـة إلى أولى قـرى الـيـزيـديـيـن : “مـكـبـل  Mukbil”، في وادي شـديـد الـخـصـوبـة يـزرع فـيـه الـرّز والـقـطـن، “تـدلّ  بـقـع واسـعـة زمـرديـة الـخـضـرة عـلى أراضٍ تـطـفـح مـيـاهـهـا الـبـاطـنـيـة وتـغـطّـيـهـا”، وجـلـب لـهـا شـيـوخ الـقـريـة طـعـام غـدائـهـا، ورفـضـوا أن تـدفـع الـمـس لـهـم ثـمـنـه.

وبـعـد أن عـبـروا مـرتـفـعـات وصـلـوا إلى وادي بـافـيـان  The valley of Baviân. وعـبـروا نـهـراً عـمـيـقـاً، واسـتـمـرّوا إلى أن وصـلـوا إلى الـصّـخـور الـبـالـغـة الـشّـهـرة الّـتي أمـر الـمـلـك الآشـوري سـلـمـان أصـر الـثّـاني أن تـنـحـت عـلـيـهـا مـنـحـوتـات قـلـيـلـة الـبـروز، وأن تـنـقـش عـلـيـهـا نـصـوص بـالـمـسـمـاريـة :

وقـد حـفـرت بـعـد ذلـك، في أزمـان لاحـقـة، غـرف في الـصـخـور خـلـف الـمـنـحـوتـات، وفـتـحـت فـيـهـا نـوافـذ وأبـواب ثـقـبـت الـمـنـحـوتـات، وخـرّبـت أجـزاءً مـنـهـا، تـسـاقـطـت في مـيـاه الـنّـهـر. ورأت الـمـس مـنـهـا أجـنـحـة ثـيـران ورجـال مـلـتـحـيـن.

والـتـقـت الـمـس بـآبـاء مـن جـمـاعـة الـدّومـيـنـيـكـان جـاءوا مـن مـار يـعـقـوب، عـلى بـعـد مـسـيـرة يـومـيـن مـن بـافـان، لـيـشـاهـدوا الـمـنـحـوتـات. وكـانـوا يـعـرفـون أمـاكـن الـيـزيـديـيـن الـمـقـدّسـة. وأخـبـروهـا عـن غـرف سـرّيـة تـحـت شـيـخ عـادي لا يـمـكـن لـلأجـانـب الـنّـزول إلـيـهـا، وعـن الـيـنـابـيـع الّـتي كـانـت مـيـاهـا تـجـري في هـذه الـحـجـرات مـن حـوض إلى حـوض. وتـكـلّـمـوا لـهـا عـن عـبـادة الـيـزيـديـيـن لـمـنـابـع الـمـيـاه. وعـن طـقـوس الـتّـعـمـيـد الّـتي اقـتـبـسـوهـا مـن صـابـئـة جـنـوب الـعـراق الـمـنـدائـيـيـن. كـمـا تـكـلّـمـوا لـهـا عـن جـمـاعـات مـن الـمـسـيـحـيـيـن الّـذيـن يـتـوجّـهـون نـحـو الـشّـمـس في صـلـواتـهـم، مـثـلـهـم مـثـل الـيـزيـديـيـن.

ووصـلـت الـمـس بـعـد ذلـك إلى قـريـة بـاعـذرا،  وفي وسـطـهـا تـنـتـصـب دار عـلي بـك مـثـل حـصـن صـغـيـر. والـتـقـت بـالـبـك “الأبـيـض الـمـلابـس مـن رأسـه إلى قـدمـيـه”، والّـذي كـانـت لـحـيـتـه الـحـنـائـيـة الـفـاتـحـة تـنـزل مـكـعـكـلـة إلى وسـطـه :

وجـلـسـت بـجـانـبـه وحـدثـتـه عـن زيـارتـهـا لـيـزيـديّ سـوريـا في جـبـل سِـمـعـون، والّـذيـن يـعـتـرفـون لـه بـالـرّئـاسـة أيـضـاً.

ورأت الـمـس في حـوش دار عـلى بـيـك طـاووسـيـن “تـقـديـسـاً ولا شـكّ لـلـمـلاك طـاووس”. ووجـدت زوجـة الـبـك في قـسـم الـنّـسـاء مـن الـدّار بـيـن خـدمـهـا وحـشـمـهـا رجـالاً ونـسـاءً، تـلـقي عـلـيـهـم بـأوامـرهـا. ولاحـظـت أنّ الـيـزيـديـيـن لا يـقـرأون ولا يـكـتـبـون، “فـقـد حـرّم ذلـك عـلـيـهـم”.

وأرسـلـهـا عـلي بـك إلى شـيـخ عـادي بـصـحـبـة فـارسـيـن مـن عـنـده، إضـافـة إلى دلـيـلَي الـمـس وجـنـودهـا. وسـاروا بـيـن الـتّـلال عـلى طـريـق مـغـطـاة بـشـظـايـا صـخـور أجـبـرتـهـم عـلى الـنّـزول عـن خـيـولـهـم مـراراً وقـيـادتـهـا مـن أعـنّـتـهـا. وارتـفـعـت الـطّـريـق وصـعـدوهـا مـدّة سـاعـتـيـن إلى أن بـلـغـوا قـمّـة تـلّ عـالٍ، ثـمّ انـحـدرت الـطّـريـق عـبـر غـابـات بـلـوط كـثـيـفـة إلى وادٍ مـنـعـزل ارتـفـعـت مـن أعـمـاقـه قـبـاب الـشّـيـخ عـادي :

وخـرجـت “الـخـاتـون” (15)، شـقـيـقـة عـلي بـك، لـتـسـتـقـبـل الـمـس ومـرافـقـيـهـا. وأمـسـكـت بـيـدَي الـمـس ورحّـبـت بـهـا بـكـلـمـات عـربـيـة. ودخـلـتـا مـن الـبـوابـة “إلى حـوش صـغـيـر صـخـري الأرضـيّـة، تـظـلـلـه أشـجـار تـوت. وكـان في طـرف الـمـكـان الـمـقـدّس جـدار لـم يـكـن فـيـه إلّا بـاب واحـد. وبـجـانـب الـبـاب نـحـت ثـعـبـان صـبـغ بـالأسـود” :

“وخـلـعـت حـذائي وتـبـعـت الـخـاتـون الّـتي وقـفـت أمـام الـبـاب ومـسّـت الـحـجـر بـشـفـتـيـهـا وتـمـتـمـت دعـاءً بـكـلـمـات كـرديـة مـيّـزتُ فـيـهـا عـدّة مـرّات اسـم الـشّـيـخ عـادي”.

ودخـلـتـا في عـتـمـة مـنـعـشـة الـبـرودة، وسـمـعـت الـمـس خـريـر مـيـاه، ورأت أنّـهـا كـانـت في قـاعـة مـسـتـطـيـلـة قـسّـمـت إلى جـنـاحـيـن عـلـيـهـمـا قـبّـتـان، يـفـصـل بـيـنـهـمـا صـفّ مـن سـبـعـة أعـمـدة. ورأت مـاءً صـافـيـاً يـنـسـاب مـن فـتـحـة في جـدار عـلى يـمـيـنـهـا، ويـسـيـل في حـوض مـربّـع.

وأبـصـرت في جـزء الـقـاعـة الآخـر قـبـراً تـغـطّـيـة أقـمـشـة مـتـعـددة الألـوان. وهـمـسـت لـهـا الـخـاتـون : “قـبـر الـرّجـل الـمـقـدّس”. وكـان في آخـر هـذا الـجـزء مـن الـقـاعـة مـن جـهـتـهـا الـشّـرقـيـة بـاب آخـر يـفـضي إلى غـرفـة تـغـطّـيـهـا الـقـبّـة الـصّـغـيـرة. وفي جـهـتـهـا الـغـربـيـة غـرفـة مـربّـعـة أكـبـر فـيـهـا ضـريـح الـشّـيـخ عـادي تـحـت الـقـبّـة الـكـبـيـرة، وكـانـت الـغـرفـة مـظـلـمـة تـمـامـاً. ولـم يـنـبـعـث مـن الـفـتـيـلـة الّـتي أشـعـلـتـهـا الـخـاتـون في صـحـن مـن الـزّيـت إلّا نـور خـافـت. وعـرفـت أنّ هـذا الـضّـريـح الـثّـاني هـو الّـذي يـحـتـوي عـلى رفـات الـشّـيـخ.

ثـمّ أخـذت الـخـاتـون الـمـس إلى غـرفـة صـغـيـرة نـزلـتـا إلـيـهـا بـحـوالي سـتّ درجـات، كـان في جـدارهـا الـشّـمـالي نـبـع يـنـبـثـق مـن تـحـت صـخـرة، وقـالـت لـهـا إنّ مـاءه يـأتي مـن بـئـر زمـزم في مـكّـة. وكـان الـمـاء يـسـيـل في حـوض عـمـيـق مـربّـع ثـمّ يـفـيـض عـلى الأرضـيـة. وخـلـعـت الـمـس جـواربـهـا وأكـمـلـت حـافـيـة الـقـدمـيـن تـخـوض نـحـو مـمـر قـادهـمـا إلى غـرفـة أخـرى، واسـتـمـر الـمـاء يـسـيـل في نـفـس الإتّـجـاه ويـصـبّ في حـوض آخـر، ثـمّ يـتـدفـق خـارجـاً مـن الـجـدار الـشّـرقي. وفـتـحـت الـخـاتـون بـابـأً بـجـانـب الـمـنـفـذ، وخـرجـتـا نـحـو حـوش مـشـمـس بـاهـر الـنّـور، تـمـلأ نـصـفـه أكـوام حـطـب تـسـتـعـمـل، كـمـا كـانـت الـمـس تـظـنّ، عـنـدمـا يـذبـح الـثّـور الأبـيـض نـذراً لـلـشـيـخ شـمـس.

وبـعـد أن خـرجـتـا، جـلـسـتـا في ظـل أشـجـار تـأكـلان خـبـزاً خـرج لـتـوه مـن الـتّـنـور وتـشـربـان طـاسـات حـلـيـب.

وحـاولـت الـمـس أن تـجـمـع لـقـرائـهـا مـعـلـومـات عـن الـشّـيـخ عـادي، الّـذي ذكـرت أنّـه كـان مـتـصـوّفـاً جـاء مـن حـوران، ووافـاه الأجـل سـنـة 1162 م.

وعـادت الـمـس إلى بـاعـذرا / بـاعـذري، ووصـلـتـهـا في الـمـغـرب. وصـاحـبـهـا الـصّـبي سـعـيـد بـك (16) إلى نـاحـيـة الـنّـسـاء في الـدّار بـطـلـب مـن أمّـه، وتـحـادثـتـا سـاعـات طـويـلـة.

وبـعـد أن تـريّـقـت الـمـس في صـبـاح الـيـوم الـتّـالي، تـركـت الـيـزيـديـيـن مـتّـجـهـة نـحـو ديـر ربّـان هـرمـزد، وتـغـدّت مـع رئـيـس رهـبـانـه. والـدّيـر أقـدم ديـران الـنّـسـاطـرة، يـنـتـصـب عـلى مـرتـفـع فـوق قـريـة الـقـوش، عـلى بـعـد مـسـيـرة أربـع سـاعـات مـن بـاعـذرا / بـاعـذري. وتـسـلّـقـت الـمـس عـلى صـخـور الـسّـفـح إلـيـه. “وفي زمـن ازدهـار الـنّـسـاطـرة، كـانـت أعـداد كـبـيـرة مـن الـرّهـبـان يـقـيـمـون في كـهـوف حـفـرت في الـصّـخـور فـوق الـدّيـر، مـا زلـنـا نـرى بـعـضـهـا بـيـنـمـا تـسـاقـطـت الـصّـخـور ومـلأت بـعـضـهـا الآخـر”.

وبـعـد أن تـركـوا الـقـوش بـدأ دربـهـم بـصـعـود تـلال كـانـت عـلى يـمـيـنـهـم، ورأوا في أسـفـل الـوادي جـدولاً يـجـري بـيـن جـبـل الـقـوش وجـبـل دهـوك. وسـاروا نـهـارهـم قـبـل أن يـتـوقـفـوا لـقـضـاء الـلـيـل في تـلّ عـريـض، رغـم “أنّ الـمـسـافـة بـيـن الـقـوش وهـذا الـتّـلّ لا تـقـتـضي عـادة أكـثـر مـن ثـلاث سـاعـات ونـصـف”.

وكـانـوا قـد حـادوا عـن طـريـقـهـم في الـصّـبـاح لـتـسـتـطـيـع الـمـس رؤيـة مـنـحـوتـات آشـوريـة قـلـيـلـة الـبـروز فـوق مـلـتـاي  Malthai :  “مـلـك واقـف في حـالـة عـبـادة أمـام سـبـعـة آلـهـة يـتـتـابـعـون، سـتّـة مـنـهـم يـنـتـصـبـون فـوق حـيـوانـات، بـيـنـمـا جـلـس سـابـعـهـم فـوق عـرش عـلى ظـهـر أسـد. ثـمّ مـلـك، ربّـمـا كـان هـو نـفـس الأوّل، يـتـبـع الـمـسـيـرة”. “وحـفـرت، بـعـد ذلـك بـزمـن طـويـل، عـلى صـفـحـة إحـدى هـذه الـمـنـحـوتـات غـرفـة ربّـمـا اسـتـعـمـلـت كـقـبـر أو لـخـزن الـغـلال”، “ورغـم أنّ مـنـحـوتـات مـلـتـاي هـذه لا نـقـوش كـتـابـيـة عـلـيـهـا، فـهي شـديـدة الـشّـبـه بـمـنـحـوتـات بـافـيـان، ولـهـذا يـعـتـقـد الـمـخـتـصّـون أنّـهـا نـحـتـت أيـضـاً في زمـن الـمـلـك الآشـوري سـلـمـان أصـر الـثّـاني (حـكـم مـن 860 إلى 825 قـبـل الـمـيـلاد)”.

وسـاروا في الـيـوم الـتّـالي عـلى درب يـمـرّ فـوق الـتّـلال بـاتّـجـاه الـيـمـيـن، وتـركـوه لـيـصـلـوا بـعـد أربـعـيـن دقـيـقـة إلى قـريـة كـولي Koleh الـكـرديـة. وكـانـت الـمـس قـد سـمـعـت بـقـلـعـة عـلى الـسّـفـح الـغـربي لـلـجـبـل الأبـيـض، تـقـع بـعـد مـسـيـرة نـصـف سـاعـة مـن هـذه الـقـريـة. “وذهـبـت إلـيـهـا في صـبـاح الـيـوم الـتّـالي. وتـأكّـد لي أنّـهـا خـرائـب مـديـنـة مـحـصّـنـة لـم يـبـق مـنـهـا إلّا أسـوارهـا. ويـمـكـن أن تـكـون قـد شـيّـدت في أيّ زمـن كـان، مـن الـفـتـرة الآشـوريـة إلى الـفـتـرة الـعـثـمـانـيـة”.

زاخـو

وعـادت الـمـس مـع قـافـلـتـهـا إلى الـدّرب الـقـادم مـن الـمـوصـل لـتـتـبـعـه نـحـو زاخـو عـبـر الـمـرتـفـعـات. ونـزلـوا إلى وادي الـخـابـور، ورأوا أمـامـهـم جـبـال كـردسـتـان الـعـالـيـة الّـتي تـكـلـل قـمـمـهـا الـثّـلـوج. وأمـام الـمـمـر الّـذي يـنـفـتـح عـلـيـهـا أبـصـروا بـزاخـو :

“والـجـزء الأكـثـر قـدمـاً مـن الـمـديـنـة بـني فـوق جـزيـرة وسـط الـخـابـور. ونـعـبـر عـلى ذراع الـنّـهـر الأيـمـن عـلى جـسـر شـيّـد بـقـطـع صـخـر، بـيـنـمـا يـلـتـفّ ذراعـه الأيـسـر حـول حـصـن”، “والـحـجـارة الّـتي شـيـدّ بـهـا الـحـصـن تـعـود إلى عـصـور مـخـتـلـفـة”.

ووجـدت الـمـس في زاخـو قـبـر أوّل الـمـبـشـريـيـن الّـذيـن جـاءوا إلى كـردسـتـان : الأب سـولـديـني Soldini، مـن جـمـاعـة الـدّومـيـنـيـكـان، الّـذي دفـن هـنـا سـنـة 1779.

وتـركـت الـمـس ومـرافـقـوهـا زاخـو في 10 أيّـار مـتّـجـهـة  نـحـو ديـار بـكـر. وعـبـروا شـمـال الـمـديـنـة جـسـراً مـبـنـيّـاً بـالـحـجـر عـلى نـهـر الـخـابـور بـأربـعـة أقـواس. ولـكّـنـهـم عـنـدمـا وصـلـوا إلى قـريـة دورنـاخ لـم يـجـدوا لا جـسـراً ولا عـبّـارة عـلى الـخـيـزل سـو، أحـد روافـد الـخـابـور. وكـادت فـرس الـمـس أن تـغـرق في مـحـاولـتـهـا لـعـبـور الـرّافـد لـولا أنّ رجـلـيـن مـن أهـل الـقـريـة سـاعـداهـا عـلى الـوصـول إلى الـضّـفـة الـمـقـابـلـة.

وبـعـد أربـع سـاعـات ونـصـف مـن تـركـهـم لـزاخـو عـبـروا تـلّ كـوبـيـن           Tell Kobbîn، وبـجـانـبـه قـريـة بـنـفـس الإسـم، وبـلـغـوا بـعـد سـاعـتـيـن قـريـة جـريـك  Gerik. وعـلى بـعـد تـسـع سـاعـات مـن زاخـو وصـلـوا إلى قـريـة حـسـنـة  Ḥasanah، وهي قـريـة يـسـكـنـهـا الـنّـسـاطـرة ويـقـيـم في جـزء مـنـهـا جـمـاعـة مـن الـمـبـشـريـن الأمـريـكـان.

والـتـقـت الـمـس بـقـس مـتّي Kas Mattai  الـنّـسـطـوري الّـذي كـان يـحـسـن الـلـغـة الـعـربـيـة. وكـان يـتـكـلّـم أيـضـاً الـكـرديـة والـسّـريـانـيـة. وصـاحـبـهـا أخـوه شـمـعـون لـيـريـهـا الـمـنـطـقـة. وتـفـحّـصـت الـمـس خـرائـب قـلـعـة صـغـيـرة في وادٍ ضـيّـق، ورأت في جـزء مـرتـفـع وجـدت مـنـحـوتـة آشـوريـة لـمـلـك يـرتـدي ثـويـاً طـويـلاً ويـمـسـك في يـده بـصـولـجـان :

وأصـعـدوهـا إلى قـمّـة جـبـل الـجـودي لـتـرى مـا قـدّمـوه لـهـا عـلى أنّـه “سـفـيـنـة نـبي نـوح    Sefînet Nebî Nûh “. وذكـرت أنّـه كـان هـنـاك بـالـقـرب مـنـه ديـر نـسـاطـرة اسـمـه ديـر الـسّـفـيـنـة، ولـكـنّ الـبـرق أحـرقـه عـام 766 م. ثـمّ شـيّـد عـلـيـه الـمـسـلـمـون مـسـجـداً اخـتـفـت آثـاره، وكـان الـمـسـيـحـيـون والـمـسـلـمـون والـيـهـود يـصـعـدون إلـيـه ويـقـدّمـون نـذورهـم.

وسـارت الـمـس في صـبـاح الـيـوم الـثّـاني عـبـر سـلـسـلـة تـلال مـع شـمـعـون كـدلـيـل. وامـتـطـيـا صـهـوتي جـواديـن مـدّة سـاعـتـيـن اخـتـرقـا فـيـهـا غـابـات بـلـوط كـان في وسـطـهـا قـريـة مـسـلـمـيـن اسـمـهـا إفـلـر Evler. ووصـلا بـعـد سـاعـة أخـرى إلى قـريـة نـسـاطـرة : شـاخ  Shakh. وكـان فـوقـهـا خـرائـب قـلـعـة كـانـت تـحـرس مـدخـل مـضـيـق.

وهـنـاك رأت الـمـس الـمـنـحـوتـة الآشـوريـة الـثّـالـثـة الّـتي نـحـتـت في صـخـور الـجـبـال مـن الأربـعـة الّـتي كـانـت قـد قـرأت عـنـهـا والّـتي كـتـب عـنـهـا الـمـسـافـرون قـبـلـهـا :

ولـم تـسـتـطـع رؤيـة الـرّابـعـة لأنّـهـا كـانـت قـد نـحـتـت عـلى صـخـور جـبـل بـمـواجـهـة هـاويـة عـمـيـقـة، ولا يـمـكـن الـنّـزول إلـيـهـا إلّا بـحـبـال.

وتـركـت الـمـس ومـرافـقـيـهـا شـاخ في صـبـاح الـيـوم الـتّـالي، ووصـلـوا إلى جـزيـرة ابـن عـمـر في الـرّابـعـة عـصـراً …

وهـنـا نـتـرك الـمـس آسـفـيـن، فـقـد كـنّـا نـودّ أن نـتـابـعـهـا في رحـلـتـهـا إلى ديـار بـكـر ومـا بـعـدهـا، الّـتي كـانـت جـزءاً مـن بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن الـقـديـمـة، ولـكـنّـهـا خـرجـت الآن عـن حـدود الـعـراق الـحـديـثـة.

الـمـس جـرتـرود بـيـل بـعـد سـفـرتـهـا الأولى إلى الـعـراق

بـعـد أن عـادت الـمـس إلى إنـكـلـتـرة بـعـد رحـلـتـهـا الأولى إلى الـعـراق، بـدأت بـكـتـابـة سـردهـا، وبـطـبـع الـصّـور الـفـوتـوغـرافـيـة  الّـتي كـانـت قـد الـتـقـطـتـهـا خـلالـهـا، وبـتـنـظـيـمـهـا. كـمـا نـشـرت مـقـالاً عـن رحـلـتـهـا. وزارت عـام 1910، مـعـرض الـفـنّ الإسـلامي في مـيـونـيـخ، ألـمـانـيـا.

وفي عـام 1911، صـدر في لـنـدن كـتـابـهـا “مـن مـراد إلى مـراد”. وقـد عـادت الـمـس في شـهـر شـبـاط مـن ذلـك الـعـام إلى دمـشـق، وقـامـت بـرحـلـة مـن دمـشـق عـبـر الـبـاديـة وصـلـت خـلالـهـا، حـسـب رسـائـلـهـا، مـع دلـيـلـيـهـا فـتّـوح ومـحـمـود، إلى وادي حـرّان في 20 شـبـاط، وفي يـوم 25 مـن ذلـك الـشّـهـر إلى الـرّمـادي، وعـادت إلى قـصـر الأخـيـضـر لـتـكـمـل تـفـحّـصـهـا لـه وإكـمـال الـمـقـايـيـس الّـتي كـانـت قـد بـدأت بـأخـذهـا، ثـمّ أكـمـلـت طـريـقـهـا نـحـو بـغـداد. وصـعـدت نـحـو سـوريـا في شـهـر أيّـار.

وسـافـرت الـمـس عـام 1913، مـن دمـشـق الّـتي غـادرتـهـا في 19 كـانـون الأوّل. وتـوقّـفـت في 9 كـانـون الـثّـاني لـتـزور قـصـر مـشـتّى  Mshetta الأمـوي. ووصـلـت بـعـد خـمـسـة أيّـام إلى عـمّـان، ثـمّ إلى الـحـائـل في الـجـزيـرة الـعـربـيـة في أواخـر ذلـك الـشّـهـر. وقـد أوقـفـت طـيـلـة شـهـرآذار، قـبـل أن يـطـلـق سـراحـهـا. واخـتـرقـت الـصّـحـراء مـن الـحـائـل إلى بـغـداد الّـتي وصـلـتـهـا في أواخـر آذار. وعـادت مـنـهـا إلى دمـشـق عـن طـريـق الـفـرات ثـمّ الـبـاديـة. ومـرّت بـالـفـلـوّجـة في 13 نـيـسـان، قـبـل أن تـبـلـغ دمـشـق.

وقـد قـيّـمـت “الـجـمـعـيـة الـجـغـرافـيـة الـمـلـكـيـة” في لـنـدن الـجـانـب الـعـلـمي والـمـعـرفي في كـتـابـات الـمـس بـيـل عـن أسـفـارهـا في أنـحـاء الـعـالـم، واخـتـارتـهـا عـضـوة فـيـهـا، ومـنـحـتـهـا مـدالـيـة اسـتـحـقـاق عـام 1914 (وأخـرى عـام 1918).

وعـنـدمـا انـدلـعـت الـحـرب الـعـالـمـيـة الأولى في آب 1914، طـلـبـت وزارة الـحـربـيـة الـبـريـطـانـيـة مـن الـمـس أن تـسـاعـدهـا في تـحـسـيـن مـعـرفـتـهـا بـمـنـاطـق الـدّولـة الـعـثـمـانـيـة في سـوريـا والـعـراق، وكـذلـك بـالـجـزيـرة الـعـربـيـة.

وتـطـوّعـت الـمـس مـن تـشـريـن الـثّـاني عـام 1914 إلى تـشـريـن الـثّـاني عـام 1915، في خـدمـات “الـصّـلـيـب الأحـمـر”، في فـرنـسـا ثـمّ في لـنـدن. وقـد اسـتـدعـيـت في نـهـايـة ذلـك الـشّـهـر إلى الـقـاهـرة لـحـاجـة “الـمـكـتـب الـعـربي  The Arab Bureau”، الّـذي أنـشـأه مـجـمـوعـة مـن الـضّـبـاط الـبـريـطـانـيـيـن، إلى مـعـارفـهـا وتـجـاربـهـا.

وقـبـلـت الـمـس بـالـقـيـام بـالـمـهـمّـة، ووصـلـت إلى الـقـاهـرة في 30 تـشـريـن الـثّـاني عـام 1915. ولـم تـبـق في الـقـاهـرة إلّا فـتـرة قـصـيـرة أرسـلـت بـعـدهـا إلى حـكـومـة الـهـنـد الـبـريـطـانـيـة في دلـهي في شـبـاط 1916. وكـان نـائـب مـلـك بـريـطـانـيـا في الـهـنـد صـديـقـاً لـعـائـلـة الـمـس بـيـل.

وقـد بـهـرتـه الـمـس بـمـعـرفـتـهـا الـدّقـيـقـة لـلـشّـرق الأوسـط فـأدرك أنّ مـكـانـهـا لـم يـكـن في مـكـاتـب دلـهي الإداريـة وإنّـمـا في الـبـصـرة (الّـتي كـان الـبـريـطـانـيـون قـد احـتـلّـوهـا في أواخـر عـام 1914).

ووصـلـت الـمـس إلى الـبـصـرة في الـشّـهـر الـتّـالي، أي آذار 1916 والـتـحـقـت بـمـكـتـب الـمـسـؤول الـسّـيـاسي، الـسّـيـر بـيـرسي كـوكـس  Percy Cox.

وأتـوقـف هـنـا لـكي لا أطـيـل عـلى الـقـارئ الـعـزيـز. ويـمـكـنـه إن أحـبّ مـعـرفـة مـا فـعـلـتـه الـمـس جـرتـرود بـيـل في الـعـراق حـتّى وافـاهـا الأجـل في بـغـداد عـام 1926، أن يـكـمـل بـقـراءة مـقـالاتي :   فـيـصـل وجـرتـرود ــ الـقـسـم الأوّل ، و فـيـصـل وجـرتـرود ــ الـقـسـم الـثّـاني ، و عـبـد الـرّحـمـن الـنّـقـيـب وتـشـكـيـل الـحـكـومـة الإنـتـقـالـيـة عـام 1921 ، و تـمـثـال جـرتـرود بـيـل في الـمـتـحـف الـعـراقي، و بـدايـة اهـتـمـام الـعـراقـيـيـن بـآثـارهـم الـقـديـمـة  .

مـلـحـق

الـمـس جـرتـرود بـيـل والـتّـجـسـس عـلى الـعـراق

يـحـقّ لـلـبـعـض طـبـعـاً أن يـعـتـقـدوا أنّ الـمـس لـم تـهـتـمّ بـمـنـاطـق الـشّـرق، ومـنـهـا ولايـات بـغـداد والـمـوصـل والـبـصـرة الّـتي كـانـت جـزءاً مـن الـدّولـة الـعـثـمـانـيـة، ولـم تـتـعـلّـم لـغـاتـهـا، ولـم تـقـرأ عـنـهـا مـا لا يـعـدّ ولا يـحـصى مـن الـنّـصـوص عـنـد الـكـتّـاب الإغـريـق والـرّومـان وعـنـد الـمـؤرخـيـن والـبـلـدانـيـيـن الـعـرب، إلّا بـهـدف الـتّـجـسـس عـلـيـهـا. كـمـا يـحـقّ لـهـم أن يـعـتـقـدوا أنّـهـا لـم تـتـحـمّـل مـصـاعـب الـسّـفـر ومـشـقّـاتـه ولـم تـنـفـق مـبـالـغ طـائـلـة مـن ثـروتـهـا الـشّـخـصـيّـة في ذلـك إلّا لـهـذا الـهـدف.

ومـن الـصّـعـب طـبـعـاً عـلى هـذا الـبـعـض مـنّـا أن يـقـتـنـعـوا بـأنّ بـعـض شـبـاب طـبـقـات أوربـا الإجـتـمـاعـيـة الـمـيـسـورة الـحـال أو الـغـنّـيـة في الـقـرن الـتّـاسـع عـشـر وفي بـدايـة الـقـرن الـعـشـريـن كـانـوا يـحـاولـون تـنـمـيـة فـضـولـهـم الـفـكـري وثـقـافـاتـهـم الأدبـيـة والـفـنّـيـة وتـعـزيـزهـا بـانـفـتـاحـهـم عـلى الـعـالـم وبـاكـتـشـاف مـنـاطـق مـخـتـلـفـة جـديـدة، والإلـتـقـاء بـسـكـانـهـا والـتّـعـرّف عـلى طـرق حـيـاتـهـم وتـفـكـيـرهـم.

والـجـاسـوس، كـمـا نـعـرف، لا يـعـمـل في وضـح الـنّـهـار كـاشـفـاً هـويـتـه الـحـقـيـقـيـة، بـل يـتـسـلـل بـيـن مـن يـتـجـسـس عـلـيـهـم مـتـقـمـصـاً شـخـصـيـة مـخـتـلـفـة لـيـثـقـوا بـه ويـطـمـئـنّـوا إلـيـه. وهـو يـبـحـث عـن أسـرار يـخـفـيـهـا الّـذيـن يـتـجـسـس عـلـيـهـم ولا يـظـهـرونـهـا لأحـد، بـيـنـمـا تـجـوّلـت الـمـس في أنـحـاء الـعـراق، مـثـل أعـداد كـبـيـرة مـن الأوربـيـيـن قـبـلـهـا وبـعـدهـا، مـعـلـنـة شـخـصـيـتـهـا الـحـقـيـقـة ومـحـاطـة بـخـدمـهـا وحـشـمـهـا وأدلّائـهـا مـن أهـل الـبـلـد، وعـسـاكـر الـدّولـة الّـذيـن يـصـاحـبـونـهـا لـحـمـايـتـهـا !

ولا نـجـد بـيـن أرشـيـفـات وزارة الـخـارجـيـة الـبـريـطـانـيـة، الّـتي يـمـكـن الإطّـلاع عـلـيـهـا بـعـد أن تـمـرّ فـتـرة مـن الـزّمـن، تـقـاريـر سـرّيـة كـتـبـتـهـا الـمـس عـن سـفـرتـهـا في الـعـراق عـام 1909. وكـلّ مـا كـتـبـتـه عـن سـفـرتـهـا وضـعـتـه في كـتـابـهـا هـذا، وصـاحـبـتـه بـمـخـتـارات مـن الـصّـور الـفـوتـوغـرافـيـة الّـتي الـتـقـطـتـهـا. وهـو ولا شـكّ كـنـز مـعـرفي شـديـد الـثّـراء عـن تـلـك الـفـتـرة الّـتي لـم يـبـق لـنـا الـكـثـيـر مـن الـشّـهـادات الـمـبـاشـرة عـنـهـا.

ومـا يـظـهـر لـنـا مـن قـراءتـنـا لـهـذا الـكـتـاب، هـو ثـقـافـة الـمـس الـشّـديـدة الـعـمـق والإتّـسـاع، وخـاصّـة الأدبـيـة والـتّـاريـخـيـة. ومـن هـذا جـاء فـضـولـهـا لـلإطّـلاع عـلى كـلّ آثـار الـمـاضي الّـتي وجـدتـهـا عـلى طـريـقـهـا، والّـتي لـم يـكـن أهـل الـبـلـد يـولـونـهـا أدنى اهـتـمـام.

ويـسـعـدني أن أدعـو قـرائي الأعـزّاء إلى تـخـصـيـص جـزء مـن وقـتـهـم الـثّـمـيـن لـقـراءة الـكـتـاب في نـصّـة الأصـلي بـالـلـغـة الإنـكـلـيـزيـة، فـهـو ولا شـكّ يـسـتـحـق الـجـهـد الّـذي سـيـبـذلـونـه في ذلـك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  صـدر الـكـتـاب في لـنـدن عـن دار نـشـر  William Heinemann, 21 Bedford Street, W.C.

(2)  مـن الـمـحـتـمـل، لـكي نـفـهـم كـيـف تـحـوّل اسـم مـراد إلى  Amurath، أن يـكـون شـكـسـبـيـر قـد قـرأه عـنـد مـتـرجـم عـرّف الإسـم بـأداة الـتـعـريـف أل، أي حـوّلـه مـن “مـراد” إلى “الـمـراد”، قـبـل أن يـنـقـلـه إلى الإنـكـلـيـزيـة  : Amurath.

(3)  أنـظـر مـقـالي : كـيـف حـوّلـنـا الألـمـاني راوفـولـف إلى هـولـنـدي

(4)  قـراءات الـمـس لإعـداد سـفـرتـهـا : “ولـم أعـتـمـد عـلى هـذه الـكـتـب الـمـجـلّـدة بـالأحـمـر والّـتي نـسـتـعـمـلـهـا لـتـدلـنـا في الأسـفـار، ولـكـن أفـضـل الـكـتـب لـلـسّـفـر في بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن هي “الأنـبـاز  the Anabasis” وكـتـاب أمـيـانـوس مـارسـيـلـيـنـوس  Ammianus Marcellinus”.

(5)  أنـظـر مـقـالي : أسـد بـابـل

(6)  أنـظـر مـقـالي : عـنـدمـا كـانـت سـلـوقـيـة دجـلـة إحـدى عـواصـم الـثّـقـافـة الـهـلـنـسـتـيـة

(7)  أنـظـر مـقـالي : بـيـت لـنـج

(8)  وهي مـحـقّـة في ذلـك، فـنـحـن نـعـرف الآن أنّـه في الـحـقـيـقـة قـبـر زمـرد خـاتـون، زوجـة الـخـلـيـفـة الـعـبّـاسي الـمـسـتـضئ بـأمـر الله، وأمّ الـخـلـيـفـة الـنّـاصـر لـديـن الله، الـمـتـوفـاة سـنـة 1202 م.

(9)  وأنـظـر مـقـالي : عـبـد الـرّحـمـن الـنّـقـيـب وتـشـكـيـل الـحـكـومـة الإنـتـقـالـيـة عـام 1921

(10) حـدثـت مـشـادة عـام 1906 في قـريـة دنـشـواي الـمـصـريـة، غـرب الـدّلـتـا، بـيـن خـمـسـة ضـبّـاط بـريـطـانـيـيـن وبـيـن فـلّاحـيـن. وقـد تـوفي بـعـدهـا ضـابـط بـضـربـة شـمـس. واتّـهـمـت الإدارة الـبـريـطـانـيـة الـفـلاحـيـن بـقـتـلـه. وأدّى ذلـك إلى قـتـل عـدد مـن أهـل الـقـريـة، ومـن بـيـنـهـم امـرأة.

(11) أنـظـر مـقـالي : فـالـتـر أنـدريـه، عـالـم آثـار ورسّـام

(12)  أنـظـر مـقـالي : حـليّ الـلـيـدي لَـيـارد، ومـقـالي : هـرمـز رسّـام والـتّـنـقـيـبـات الأثـريـة

(13)  أنـظـر مـقـالي : مـقـتـل آخـر خـلـفـاء بـغـداد كـمـا رواه أوربـيـان

(14) نـجـد مـن يـكـتـبـهـا :  بـاعـذرا و بـاعـذره، وتـكـتـبـهـا الـمـس : بـاعـذري.

(15)  لـم تـكـن الـمـس بـيـل تـعـرف بـعـد في ذلـك الـوقـت أنّ الـبـغـداديـيـن سـيـسـمـونـهـا هي نـفـسـهـا في عـشـريـنـات الـقـرن الـمـاضي بـ “الـخـاتـون”.

(16)  بـعـد ثـلاثـة وثـلاثـيـن عـامـاً مـن زيـارة الـمـس لـبـاعـذرا، أي في نـيـسـان 1942، أرسـلـت مـديـريـة الآثـار الـقـديـمـة الـعـامّـة الـفـنّـان عـطـا صـبـري إلى مـنـطـقـة سـنـجـار لـيـنـفّـذ عـنـهـا رسـومـاً ولـوحـات زيـتـيـة. وقـد اسـتـقـبـلـه في بـاعـذرا سـعـيـد بـك، الّـذي كـان قـد أصـبـح بـعـد وفـاة والـده عـلى بـك، رئـيـسـاً لـلـيـزيـديـيـن.

©  حـقـوق الـنّـشـر مـحـفـوظـة لـلـدّكـتـور صـبـاح كـامـل الـنّـاصـري

يـرجى طـلـب الإذن مـن الـكـاتـب قـبـل إعـادة نـشـر هـذا الـمـقـال.

شـاكـر حـسـن آل سـعـيـد  و”جـمـاعـة بـغـداد لـلـفـنّ الـحـديـث”

Bagdad lil

الـدّكـتـور صـبـاح الـنّـاصـري

وجـدت خـلال بـحـثي عـن تـاريـخ الـحـركـة الـفـنّـيـة في الـعـراق وبـدايـة الـفـنّ الـحـديـث فـيـه، مـقـالاً في غـايـة الأهـمّـيـة كـتـبـه شـاكـر حـسـن آل سـعـيـد بـعـنـوان : “بـمـنـاسـبـة مـرور ربـع قـرن عـلى ظـهـور جـمـاعـة بـغـداد لـلـفـنّ الـحـديـث”، ونـشـره في مـجـلّـة  “آفـاق عـربـيـة” الـعـراقـيـة، الـعـدد الـثّـاني، 1978. والـمـقـال طـويـل، في ثـمـاني صـفـحـات (مـن 94 إلى 101).

وكـان آل سـعـيـد عـنـدمـا كـتـبـه قـد تـجـاوز سـنّ الـسّـتـيـن. ومـقـالـه فـيـض مـن الـذّكـريـات يـنـثـال تـلـقـائـيـاً وعـفـويـاً وبـأسـلـوب أدبي مـجـنّـح في كـثـيـر مـن أجـزائـه، تـتـخـلـلـه آراء وتـأمّـلات عـن الـفـنّ وعـن دوره وأهـمـيـتـه.

وقـد بـدأه آل سـعـيـد كـسـرد مـتـتـابـع زمـنـيّـاً، ولـكـنّـه تـحـوّل بـعـد عـدّة  مـقـاطـع إلى اسـتـطـرادات تـقـفـز الـسّـنـوات مـتـقـدّمـة ثـمّ تـعـود إلى الـمـاضي ثـمّ تـخـتـرق الـزّمـن مـن جـديـد نـحـو سـنـوات لاحـقـة، حـتّى شـمـلـت كـلّ فـتـرات حـيـاتـه.

ومـا يـهـمّـنـا هـنـا هـو اسـتـخـلاص مـا يـتـعـلّـق بـنـشـأة “جـمـاعـة بـغـداد لـلـفـنّ الـحـديـث” مـن هـذا الـمـقـال.

آل سـعـيـد وجـواد سـلـيـم :

يـبـدأ آل سـعـيـد بـتـذكّـر الـفـتـرة : “الّـتي ظهـرت فـيـهـا جـماعـتـنـا إلى حـيّـز الـوجـود”. وكـان قـد أتـمّ  لـلـتـو دراسـتـه في دار الـمـعـلـمـيـن الـعـالـيـة عـام  1948. وكـان حـديـث الـمـعـرفـة بـجـواد سـلـيـم : “أسـتـاذي وصـديـقي في نـفـس الـوقـت”.

ويـكـتـب بـعـد ثـلاث صـفـحـات :  “قـدم جـواد سـلـيـم بـغـداد مـن لـنـدن عـام 1949، وفي نـفـس العـام أو العـام الّـذي يـلـيـه تـعـرّفـت عـلـيـه كـمـحـاضـر في دروس الـرّسـم  بـدار الـمـعـلـمـيـن الـعـالـيـة”. ولـكـنّـه لا يـتـذكّـر كـيـف تـعـرّف عـلى جـواد ســلـيـم : “ربّـمـا حـدث ذلـك بـمـجـرد الـتـقـائـنـا صـدفـة. ولا بـدّ أنّ الـمـبـادرة كانـت مـنّي لـلـتّـعـرّف عـلـيـه”، فـقـد كان جـواد سـلـيـم فـنّـانـاً مـعـروفـاً بـيـنـمـا لـم يـكـن آل سـعـيـد إلّا في مـطـلـع حـيـاتـه الـفـنّـيـة، “وربّـمـا لأن ّ بـلـنـد الـحـيـدري كـان صـديـقـنـا نـحـن الإثـنـيـن، وكـان مـن الـمـحـبّـيـن لـجـواد، بـل مـن الـمـؤمـنـيـن بـرسـالـتـه الـفـنّـيـة والإنـسـانـيـة”. ثـمّ يـكـمـل : “ولـكـنّي أذكـر جـيّـداً أنّي أعـجـبـت بـهـذا الإنـسـان الـفـذّ وأنـا أسـتـمـع إلـيـه يـحـاضـر عـن الـفـنّ الـبـدائي في مـعـهـد الـفـنـون الـجـمـيلـة حـوالي عـام 1942″.

ويـواجـهـنـا في هـذه الـجـمـلـة الأخـيـرة إشـكـالان يـصعـب حـلّـهـمـا : أيـن تـعـرّف آل سـعـيـد عـلى جـواد سـلـيـم، في دار الـمـعـلـمـيـن الـعـالـيـة أم في مـعـهـد الـفـنـون وفي أيّـة سـنـة ؟

ويـشـيـر في مـكـان آخـر مـن نـفـس الـمـقـال إلى أنّ مـزيـتـه عـلى الآخـريـن كـمـدرّس لـلـعـلـوم الإجـتـمـاعـيـة إضـافـة إلى دراسـتـه الـفـنّ هي الّـتي وثّـقـت عـرى صـداقـتـه بـجـواد سـلـيـم :”وكـنـت أجـد فـيـه مـثـالاً أعـلى رائـعـاً لـلـفـنّـان الـعـراقي بـل والإنـسـاني”.

ويـذكّـرنـا آل سـعـيـد بـعـد ذلـك بـبـدايـة حـيـاتـه الـعـمـلـيـة، وكـيـف أنّـه أصـبـح مـسـؤولاً عـن عـائـلـتـه بـعـد وفـاة والـده، وكـيـف شـرع في الـعـمـل مـدرّسـاً في دار الـمـعـلـمـيـن الـرّيـفـيـة في بـعـقـوبـة : “الّـتي تـبـعـد عـن بـغـداد بـخـمـسـة وخـمـسـيـن كـيـلـومـتـراً”، وكـيـف أنّـه اسـتـمـرّ في مـتـابـعـة الـدّروس الـمـسـائـيـة في الـرّسـم في مـعـهـد الـفـنـون الـجـمـيـلـة في بـغـداد. ثـمّ يـتـذكّـر بـعـد ثـلاث صـفـحـات مـن نـفـس الـمـقـال : “أصـبـحـت طـالـبـاً عـام 1951 في مـعـهـد الـفـنـون الـجـمـيـلـة”.

ونـفـهـم مـن ذلـك أنّ آل سـعـيـد اسـتـمـرّ يـتـابـع مـحـاضـرات في دار الـمـعـلـمـيـن الـعـالـيـة بـعـد تـخـرجـه مـنـهـا عـام  1948، وأنّـه تـعـرّف فـيـهـا عـلى جـواد سـلـيـم في 1949 أو 1950، ثـمّ  بـدأ “دراسـة فـنّـيـة صـرف” في مـعـهـد الـفـنـون الـجـمـيـلـة عـام 1951.

مـعـهـد الـفـنـون الـجـمـيـلـة :

وتـجـرّه ذكـريـاتـه إلى وصـف الـمـعـهـد الّـذي : “كـان يـقـع يـومـئـذ في مـنـتـصـف الـطـريـق تـقـريـبـاً مـا بـيـن بـغـداد والأعـظـمـيـة في بـنـايـة أعـدّت كـمـا يـبـدو في الأصـل كـمـعـهـد لـلـتّـدريـس الـرّيـاضي، ثـمّ حـوّرت إلى مـعـهـد لـلـفـنـون. وكـانـت حـديـقـة هـذا الـمـعـهـد الّـذي ظهـر صـدفـة إلى الـوجـود في غـايـة الـتّـنـاسـق أو هـكـذا خـيّـل إليّ في حـيـنـه، فـهي مـكـتـظـة بـالأشـجـار الـوارفـة والـبـاسـقـة. يـتـوسّـطهـا مـسـبـح واسـع يـوصـل إلـيـه مـمـر يـبـدأ في الـبـنـايـة الـمـجـاورة الـرّئـيـسـيـة”.

وقـد زامـل آل سـعـيـد في الـمعـهـد طـلابـاً أصـبـحـوا بـعـد ذلـك مـن الـفـنـانـين الـمـعـروفـيـن وبـعـضهـم “مـن رواد الـنّـهـضـة الـفـنّـيـة في الـعـراق” مـثـل الـنّـحات مـحـمّـد غـني حـكـمـت ومـحـمّـد الـحـسـني. وتـعـرّف في دروس فـائـق حـسـن في فـنّ الـرّسـم على عـلي الـشّـعـلان وخالـد الـقـشـطـيـني ورسـول عـلـوان وهـنـري زفـوفـدا (زفـوبـودا) (1) وبـوغـوص بـابـلـونـيـان وإحـسـان الـمـلائـكـة، الّـذيـن كـانـوا يـتـابـعـون هـذه الـدّروس مـعـه. ووجـد في عـطـا صـبـري وفـائـق حـسـن : “مـعـيـنـاً لا يـنـضـب مـن الـزّعـامـة الـرّوحـيـة لـجـيـلـنـا الـفـنّي”.

آل سـعـيـد ومـحـيـطـه الـثّـقـافي :

وفي خـارج نـطـاق الـمـعـهـد، أحـكـم آل سـعـيـد “صـلاتـه الـفـكـريـة والإنـسـانـيـة” بـنـزار سـلـيـم، والـعـازف الـمـوسـيـقي سـلـمـان شـكـر وآخـريـن.

ورغـم عـمـلـه في الـتّـدريـس في الـنّـهـار ودراسـتـه الـمـسـائـيـة في الـمـعـهـد كـان آل سـعـيـد يـجـد الـوقـت لـلإلـتـقـاء بـالأصـدقـاء في مـقـهى يـاسـيـن “بـعـد انـتهـاء الـدّوام في الـمـعـهـد”. وكـان هـذا الـمـقـهى : “يـطـلّ عـلى نـهـر دجـلـة مـن جـهـة الـبـاب الـشّـرقي … حـيـث يـزخـر بـالـزّوارق وسـرادق الـسّـبـاحـة الـصّـيـفي، يـمـتـدّ بـلـونـه الـذّهـبي مـتـوهّـجـاً تـحـت شـمـس الـغـروب. وحـيـث شـبـاب بـغـداد وشـابـاتـهـا زرافـات ووحـدانـا يـروّحـون عـن أنـفـسـهـم بـالـمـسـيـر وئـيـداً والـتّـمـتـع بـالـمـنـاظـر الـطّـبـيـعـيـة الـجـمـيـلـة، خـاصّـة في فـصـل الـرّبـيـع”.

وكـان يـجـد فـيـه مـجـمـوعـة مـن أصـدقـائـه بـيـنـهـم “الـشّـاعـر الـمـجـدد حـسـيـن مـردان” و “الـشّـاعـر الـمـتـوثّـب والـمـتـحـمّـس دومـاً كـاظـم جـواد” و”الـشّـاعـر الإنـسـاني وصـديـق جـواد الـصّـدوق بـلـنـد الـحـيـدري”. وكـان الـحـديـث بـيـنـهـم : “يـبـدأ بـالـسّـرد الـمـقـتـبـض لـلـوضـع الـسّـيـاسي الـيـومي ويـنـتـهي بـالـتّـحـلـيـل والـنّـقـد واسـتـعـراض مـسـيـرة الـعـمـل الـفـنّي، حـتّى صـار مـقـهى يـاسـيـن ومـن دون عـلـمـنـا مـخـتـبـراً فـكـريـاً رائـعـاً … تـحـضّـرت فـيـه بـصـمـت مـشـاريـعـنـا الـفـنّـيـة الـشّـخـصـيـة والـجـمـاعـيـة”.

ويـعـتـبـر آل سـعـيـد رواد الـمـقـهى : “جـمـاعـة فـنّـيـة رائـعـة تـضـمّ بـيـن جـوانـحـهـا الـرّسّـام والـمـوسـيـقي والـشّـاعـر والـفـيـلـسـوف والـقـاصّ ورجـل الأعـمال والـصّحـفي والـسّـيـاسي ورجـل الـقـانـون، وحـتّى رجـل الـشّـارع “. ويـعـتـبـر الـمـقـهى : “مـدرسـتـنـا الـفـكـريـة ومـحـطّـتـنـا الـفـضـائـيـة لـرحـلـة لـم نـكـن لـنـعـلـم بـدايـتـهـا ومـداهـا ومـنـتـهـاهـا”.

وفي مـقـهى يـاسـيـن : “كـانـت نـزواتـنـا الـفـنّـيـة تـنـبـثـق بـبـسـاطـة وتـلـقـائـيـة لـتـصـبـح بـعـد ذلـك مـشـاريـع أدبـيـة أو فـنّـيـة ضـخـمـة، فـأشـعـار بـلـنـد الـحـيـدري وحـسـيـن مـردان وكـاظـم جـواد، وفـيـمـا بـعـد عـبـد الـوهـاب الـبـيـاتي وبـدر الـسّـيـاب عـاشـت مـراحـل طـفـولـتهـا فـيـهـا”.

وكـان آل سـعـيـد يـبـكّـر في بـعـض الأحـيان في الـمـجئ إلى الـمـقهى لـيـنـجـز الـتّـخـطـيـطـات أو يـنـظـر إلى الـمـارّة : “مـتـذرّعـاً بـتـأمّـلي لـلـوجـود مـن مـنـطـلـق فـلـسـفي عـبـثي”. وكـان يـتـنـاقـش في مـوضـوع الـفـنّ مـع فـاضـل عـبّـاس ورسـول عـلـوان : “كـان نـقـاشـنـا لا يـنـتـهي إلى حـدّ، ولـكـنّي كـنـت أكـتـشـف بـواسـطـتـه كـلّ يـوم مـعـنى جـديـداً يـوسّـع مـن مـنـظـوري الـنّـقـدي ويـؤهـلـني لـلـمـسـاهـمـة في نـهـضـة الـفـنّ الـتّـشـكـيـلي الـمـحـلّي”.

ويـذكـر أنّـه كان يـلـتـقي بـأصـدقـائـه أيـضـاً في الـمـقـهى الـبـرازيـلـيـة في وسـط الـمـديـنـة، مـن جـهـة الـبـاب الـشّـرقي.

 

ظـهـور “جـمـاعـة بـغـداد لـلـفـن ّالـحـديـث” :  

وصـف آل سـعـيـد، كـمـا رأيـنـا، ثـراء الـمـحـيـط الـثّـقـافي الّـذي كـان يـعـيـش فـيـه في بـغـداد في نـهـايـة أربـعـيـنـات الـقـرن الـمـاضي، وغـنـاه بـالـمـنـاقـشـات وتـبـادل الآراء مـمـا أدّى إلى تـنـمـيـة حـركـة الـتّـجـديـد في الأدب والـفـنّ. وكـان كـلّ هـذا يـؤلّـف في رأيـه : “الـقـاعـدة الـفـكـريـة الأسـاسـيـة ولِـنـقـل الـلا شـعـوريـة لـظهـور الـجـمـاعـة، ومـن مـنـظـوري الـخـاص، إرتـفـاعـهـا إلى مـسـتـوى الـشّـعـور”.

فـبـيـن عـمـله الـمـرهـق في بـعـقـوبـة ورحـلـتـه الـيـومـيـة بـيـنـها وبـيـن بـغـداد، ودراسـتـه لـعـدّة سـاعـات في مـعـهـد الـفـنـون، واسـتـراحـتـه في الـمـقـهى : “تـفـتّـحـت مـواهـبي في الـتّـنـظـيـر الـفـنّي الـجـمـاعي”، “ذلـك أنّ طـبـيـعـة تـحـوّلي الـيـومي مـن مـدرّس في الـثّـانـويـة أو الـمـتـوسّـطـة إلى تـلـمـيـذ في مـعـهـد الـفـنـون، ثـمّ إلى مـجـرد زبـون في الـمـقـهى … هـذا الـتّـحـوّل الـسّـريـع مـن نـمـط سـيـكـولـوجي واجـتـمـاعي إلى آخـر حـضـاري يـحـتـوي في طـيّـاتـه ويـخـفي بـذور أيّ نـمـوّ روحي وأسـاسي في كـيـاني. ذلـك الـنّـمـو الّـذي أعـتـبـره الآن نـمـوّاً (مـعـراجـيـاً)، هـو الّـذي مـهّـد لاكـتـمال شـخـصـيـتي الـفـنّـيـة مـن حـيـث بـنـيـتـهـا الـشّـمـولـيـة، مـمـا أهّـلـني لـلإيـمـان بـالـفـكـر الـجـمـاعي”.

وقـد ألـهـبـت الأحـداث الـسّـيـاسـيـة ومـظاهـرات عـام 1948، ومـعـركـة الـجـسـر واسـتـقـالـة وزارة صالـح جـبـر وتـحـطـيـم مـعـاهـدة بـورتـسـمـوث حـمـاس آل سـعـيـد ورفـاقـه في الأعـوام الّـتي تـلـت ذلـك : “مـمـا حـبّـب لـنـا الـرّسـم بـشـكـل اجـتـمـاعي واضـح”.

ونـتـوقّـف هـنـا قـلـيـلاً لـنـذكّـر الـقـارئ بـهـذه الأحـداث الـسّـيـاسـيـة الـتّي ذكـرهـا فـنّـانـا :

كـلّـف الـوصي عـبـد الإلـه صالـح جـبـر بـتـشـكـيـل حـكـومـة جـديـدة في آذار 1947. وسـافـر صالـح جـبـر إلى  مـيـنـاء بـورتـســمـوث Portsmouth  في جـنـوب إنـكـلـتـرة، ووقّـع  في كـانـون الـثّـاني 1948 مـعـاهـدة تـحـالـف بـيـن الـعـراق وبـريـطـانـيـا لـمـدّة عـشـريـن سـنـة. وحـالـمـا أذيـع تـوقـيـع الـمـعـاهـدة قـامـت مـظـاهـرات واسـعـة في بـغـداد، وأطـلـقـت الـشّـرطـة الـنّـار عـلى الـمـتـظـاهـريـن وسـقـط عـدد مـن الـقـتـلى. وتـحـولـت حـركـة الـمـعـارضـة إلى “وثـبـة”، وامـتـدت إلى مـدن الـعـراق الأخـرى. وفي 27  كـانـون الـثّـاني  1948، أعـلـن الإضـراب الـعـام. ووقـعـت اشـتـبـاكـات بـيـن الـمـتـظـاهـريـن والـشّـرطـة في بـغـداد، وخـاصـة في مـعـركـة الـجـسـر (جـسـر الـشّـهـداء) الّـتي سـقـط فـيـهـا عـدد مـن الـقـتـلى. وقـد أجـبـرت الـوثـبـة حـكـومـة صـالـح جـبـر عـلى الإسـتـقـالـة. وكـلّـف الـوصي عـبـد الإلـه مـحـمّـد الـصّـدر بـتـشـكـيـل وزارة جـديـدة أعـلـنـت إلـغـاء مـعـاهـدة بـورتـسـمـوث.

ويـتـذكّـر آل سـعـيـد أنّـه تـبـادل الآراء مـع جـواد سـلـيـم عـن ظـهـور الـجـمـاعـات الـفـنّـيـة، فـقـد شـارك جـواد سـلـيـم في تـأسـيـس جـمـاعـة  “أصـدقـاء الـفـنّ” عـام 1941، والـتّي يـعـتـبـرهـا آل سـعـيـد : “بـودقـة كـبـرى صهـرت مـسـتـقـبـل الـفـن ّالـعـراقي مـع مـاضـيـه، فـهي أوّل خـطـوة جـادّة في تـوحـيـد جـهـود الـفـنّـان الـفـرديـة”. كـمـا كـان يـعـتـبـر أنّ “جـمـاعـة الـرّواد” الّـتي أنـشـأهـا فـائـق حـسـن في 1950، ضـربـت مـثـلاً عـلى “جـرأة الـفـنّـان الـعـراقي في الـتـزامـه الـفـنّي كـأيّ فـنّـان أوربي”، “وهـكـذا أصـبح الـطّـريـق مـعـبـداً أمـامـنـا، نـحـن شـبـيـبـة الـخـمـسـيـنـات، وأمـام جـواد سـلـيـم رائـدنـا في الـتّـفـكـيـر بـنـشـأة جـمـاعـة جـديـدة”.

وفي عـام 1951، فـاتـح آل سـعـيـد ومـحـمّـد الـحـسـني جـواد سـلـيـم بـأهـمـيـة تـأسـيـس جـمـاعـة جـديـدة. وبـعـد مـنـاقـشـة حـول بـنـيـة الـجـماعـة وتـسـمـيـتـهـا، إقـتـرح جـواد سـلـيـم اسـم “جـمـاعـة بـغـداد لـلـفـن الـحـديـث”، وأتـفـقـوا عـلى ذلـك : “حـدث ذلـك في ربـيـع عـام 1951 عـلى مـا أذكـر”. ثـمّ يـكـتـب بـعـد صـفـحـتـيـن مـن نـفـس الـمـقـال : “أتـذكّـر الـيـوم والـسّـاعـة. أظـنّـه مـسـاء الـخـمـيـس في مـنـتـصـف نـيـسـان حـتّى لـكـأنّ هـذه الـذكـرى مـسـتـقـرة في خـفـايـا عـقـلي الـباطـن”.

ويـصـاحـب هـذا الـمـقـال صـورة لـ “شـاكـر حـســن يـلـقي الـبـيـان الأوّل لـجـمـاعـة بـغـداد لـلـفـنّ الـحـديـث 1951” :

Bagdad lilfan

مـيـزة الـجـمـاعـة عـلى سـابـقـاتـهـا :

أمّـا عـن ضـرورة ظـهـور “جـمـاعـة بـغـداد لـلـفـن الـحـديـث” ومـا أضـافـتـه عـلى مـبـادرات سـبـقـتـهـا مـثـل  “جـمـاعـة الـرّواد”، فـيـكـتـب آل سـعـيـد :
“جـمـاعـتـنـا الـفـنـيـة لـم تـعـتـمـد في نـشـأتـهـا عـلى أسـاس الـعـلاقـات الـصّـداقـيـة كـالّـتي تـحـكّـمـت  في نـشـأة “جـمـاعـة الـرّوّاد”، بـل عـلى أسـاس جـديـد هـو الإلـتـزام الـفـنّي لـذاتـه. فـنـحـن لـم نـظهـر كـجـماعـة مـن الـهـواة بـل عـلى الـضّـد في ذلـك تـحـكّـم في ظهـورنـا كـونـنـا رسّـامـيـن فـحـسـب. أعـنى أنّ  جـمـاعـتـنـا لـم تـنـشـأ وهي مـشـروطـة بـالـخـروج إلى الـضّـواحي بـقـصـد الـرّسـم والـتّـرويـح عـن الـنّـفـس وسـمـاع الـمـوسـيـقى كـمـا كـان يـفـعـل الـرّواد  بـل بـالـبـحـث عـن (هـويـة) فـنـيـة جـمـاعـيـة [ …] وهي وثـيـقـة الـصّـلـة بـالـحـضـارة، ومـن هـنـا كـان أوّل مـا أشـرنـا إلى أهـمـيـتـه هـو أهـمـيـة الـتّـعـبـيـر عـن (الـطّـابـع الـمـحـلّي) في الـفـن بـالـعـودة إلى الـتّـراث”.

“جـمـاعـة بـغـداد” والـتّـجـديـد في الـشّـعـر : 

يـتـطـرّق آل سـعـيـد في مـقـالـه إلى نـقـطـة شـديـدة الأهـمـيـة، وهي ارتـبـاط نـشـأة “جـمـاعـة بـغـداد” بـتـجـربـة الـتّـجـديـد في الـشّـعـر الـعـراقي.

وهـو يـذكـر الـمـنـاقـشـات الّـتي جـرت في مـقـهى يـاسـيـن بـيـن رواد الـشّعـر مـثـل  بـلـنـد الـحـيـدري وبـدر شـاكـر الـسّـيّـاب وعـبـد الـوهـاب الـبـيـاتي : “عـلى أن لـبـلـنـد الـحـيـدري يـعـزى تـوسـيـع دائـرة هـذا الإكـتـشـاف الـجـديـد مـن الـمـسـتـوى الأدبي الـخـاص بـالـشّـعـر إلى الـمـسـتـوى الـفـنّي الـمـحـتـوي عـلى الـوعي الـتّـشـكـيـلي والـنّـقـدي، فـبـلـنـد، بـحـكـم صـداقـتـه لـجـواد سـلـيـم و جـبـرا إبـراهـيـم جـبـرا كـان يـتـمـتـع بـحـسّ نـقـدي تـشـكـيـلي مـرهـف، مـمـا قـيّـض لـه الـمـساهـمـة في تـحـريـك دولاب الإبـداع الـفـنّي بـعـمـق. وكـان جـواد يـسـتـمع إلـيـه ويـصـحـح مـن مـواقـفـه بـاسـتـمـرار، كـمـا كـنّـا كـثـيـراً مـا نـتـجـادل مـرّة حـول الـرّسـم أو الـنّـحـت، ومـرّة أخـرى حـول الـشّـعـر وأهـمـيـة تـحـطـيـم الأوزان الـتّـقـلـيـديـة والإقـتـصـار عـلى الـتّـفـعـيـلـة الـواحـدة. وهـكـذا فـإنّ مـن خـلال هـذا الـتّـنـاوب في تـنـاول الأدب والـفـنـون الـتّـشـكـيـلـيـة  كـمـنـت بـوادر الإنـطلاق نـحـو تـجـديـد فـنّي أصـيـل. فـجـمـاعـة بغـداد، مـنـذ ذلـك الـوقـت الـمـبـكّـر في الـتّـمـلّـص مـن تـأثـيـرات الـفـنّ الأوربي اسـتـنـجـدت بـانـتـصـارات رواد الـشّـعـر الـعـراقي الـجـدد”.

الـمـعـارض الـفـنّـيـة لـلـجـمـاعـة : 

“ثـمّ حـلّـت الـلـحـظـة الّـتي تـرسّـخـت فـيـهـا أولى خـطـواتـنـا بـإنـجـازنـا لـلـمـعـرض الـفـنّي الأوّل. لـقـد كـان هـذا الـمـعـرض نـقـطـة انـطـلاقـنـا كـمـا كان بـؤرة تـجـمـعـنـا أيـضـاً”.

ولا يـذكـر آل سـعـيـد الـعـام الّـذي أقـيـم فـيـه هـذا الـمـعـرض. ولـكـنّ تـعـلـيـقـاً عـلى صـورة تـصـاحـب الـمـقـال يـذكـر : “جـواد ســلـيـم يـحـاضـر في حـفـلـة افـتـتـاح مـعـرض جـمـاعـة بـغـداد لـلـفـنّ الـحـديـث الأوّل 1951” :

Bagdad lil (2)

وكـتـب آل سـعـيـد في مـكـان آخـر مـن الـمـقـال : “جـمـعـنـا أعـمـالـنـا في مـكـان مـا (لـعـلـه مـعـهـد الـفـنـون الـجـمـيـلـة) وتـعـهـد جـواد بـنـقـلـها في سـيـارتـه [ …]. وأفـرغـنـا حـمـولـتـنـا أمـام مـبـنى مـتـحـف الأزيـاء سـابـقـاً، ثـمّ تـعـاونّـا في نـقـل الـلـوحـات وتـهـيـئـة الـمـعـرض مـعـاً”.

وذكـر آل سـعـيـد أنّ الّـذيـن شـاركـوا في الـمـعـرض الأوّل كـانـوا : جـواد سـلـيـم ولـورنـا سـلـيـم (2) وشـاكـر حـسـن آل سـعـيـد ومـحـمّـد الـحـسـني  وقـحـطـان عـبـد الله عـوني  ونـزار عـلي جـودت وريـشـار كـنـادا ومـحـمـود صـبـري.

وكـتـب : “ورافـق افـتـتـاح الـمـعـرض حـفـلـة أخـرى في حـديـقـة مـتـحـف الأزيـاء تـضـمّـنـت مـحـاضـرة لـجـواد سـلـيـم حـول الـفـنّ والـجـمـهـور، وتـلاوة لـلـبـيـان الأوّل لـلـجـمـاعـة، ثـمّ حـفـلـة مـوسـيـقـيـة أحـيـاهـا الـمـهـنـدس مـنـيـر الله ويـردي (كـلارنـيـت) و وارتـان مـانـوكـيـان (كـمـان أوّل) والـدّكـتـور سـامي الـشّـيـخ قـاسـم (كـمـان ثـاني) وفـؤاد رضـا (فـيـولا) وآكـوب قـبـومـجـيـان (جـلـو). كـمـا نـوقـشـت بـعـض الآراء والـمـفـاهـيـم … كـان حـفـلاً رائـعـاً”.

وقـد نـشـر جـبـرا إبـراهـيـم جـبـرا في كـتـابـه “جـواد سـلـيـم و نـصـب الـحـريـة” (مـن ص. 189 إلى ص. 194) كـلـمـة جـواد سـلـيـم في افـتـتـاح الـمـعـرض. ويـبـدأ جـواد فـيـهـا بـمـقـارنـة الـفـنّـان بـالـكـاتـب في بـلـد فـيـه 97 %  مـن الأمـيـيـن : “أمـا أنـا، كـنـحّـات أو مـصـوّر فـلا فـرق بـيـني وبـيـن الـكـاتـب. إنـني أنـظـر أنـا الآخـر، ولـكـنّ مـا أراه لا يـثـيـر فيّ تـلـك الـرّمـوز الـعـجـيـبـة الّـتي يـجـيـدهـا الـكـاتـب، بـل هـنـاك رمـوز أخـرى تـنـبـعـث في رأسـي هي الـخـطـوط  والألـوان والـفـورم : هي لـغـتي الّـتي أجـيـدهـا وأضـعـهـا في لـوحـة أو تـمـثـال، ثـمّ  أقـول: ” أنـظـر!” أو ” إقـرأ !” رمـوزي، فـإن كـنـت لا تـريـد أن تـتـريّـث قـلـيـلاً وتـنـظـر، أو كـنـت واحـداً مـن تـلـك الـنّـسـبـة الـمـؤيـة، فـأنـت في عـالـم بـعـيـد عـن عـالـمي”.

وبـعـد أن يـنـتـقـد ضـحـالـة اهـتـمـامـات مـعـاصـريـه في بـغـداد وسـطـحـيـة أفـكـارهـم يـقـول : “هـذا هـو الـتّـذوّق الـعـام، وهـنـا في هـذا الـمـعـرض، إنـنـا نـحـاول أن نـنـاسـب مـا تـنـتـجـه الـبـشـريـة ولـو إلى حـد ضـئـيـل بـالـلـغـة الـعـالـمـيـة (الـتّـصـويـر) كـعـراقـيـيـن، مـسـتـلـهـمـيـن مـا يـثـيـرنـا في طـبـيـعـتـنـا ومـحـيـطـنـا الـمـتـحـضـر”، “والـزّمـرة الّـتي تـتـذوق الـفـنّ والـتّـصـويـر مـن جـمـهـورنـا تـفـرض عـلـيـنـا إرادتـهـا بـصـورة عـجـيـبـة : هـؤلاء يـريـدون أن نـرسـم تـفّـاحـة ونـكـتـب تـحـتـها (تـفّـاحـة) ومـنـظـر الـغـروب عـلى دجـلـة ونـكـتـب (غـروب) أو صـورة نـخـيـل و تـحـتـهـا (نـخـيـل) أو فـتـاة جـمـيـلـة، ويـجـب أن تـكـون جـمـيـلـة لأنّ الـفـنّ جـمـيـل ونـكـتـب تـحـتـهـا بـخـط جـمـيـل (الإنـتـظـار)”، “فـمـاذا تـعـني صـورة نـخـيـل رسـمـت كـمـا يـراهـا الـفـوتـوغـراف؟ وأيـن الـتّـعـبـيـر في صـورة تـفّـاحـة نـقـلـت نـقـلاً حـرفـيـاً ؟  في الـتّـصـويـر، نـاحـيـة الـهـارمـوني في الألـوان مـعـقـدة ومـهـمّـة كـمـا في الـمـوسـيـقى، فـالألـوان لا تـأتي عـرضـاً في الـصّـورة الـجـيّـدة. وفي كـلّ صـورة تـجـانـس خـاص يـغـيـر روحـيـة الـصّـورة مـع الـخـطـوط والـبـعـد والـظّـل والـضّـوء. والـفـنّ الـحـديـث هـو فـنّ الـعـصـر، والـتّـعـقـيـد فـيـه نـاتـج عـن تـعـقـيـد الـعـصـر. إنّـه يـعـبـر عـن أشـيـاء كـثـيـرة : الـقـلـق والـخـوف والـتّـبـايـن الـهـائـل في أكـثـر الأشـيـاء والـمـجـازر الـبـشـريـة وابـتـعـاد الإنـسـان عـن الله، ثـمّ الـنّـظـر الـجـديـد إلى الأشـيـاء بـمـا أحـدثـتـه الـنّـظـريـات الـجـديـدة في عـلـم الـنّـفـس وبـاقي الـعـلـوم”.

وأقـيـم مـعـرض الـجـمـاعـة الـثّـاني في 1953، وانـضـمـت إلـيـهـم  نـزيـهـة سـلـيـم وكـذلـك رسـول عـلـوان وحـافـظ الـدّروبي ومـحـمّـد غـني وهـنـري لـويـس. أمّـا الـمـعـرض الـثّـالـث فـقـد تـبـعـه في 1954، وانـضـمّ إلـيـهـم بـوغـوص بـابـلـونـيـان وطـارق مـظـلـوم وفـرج عـبـو وخـالـد الـرّحـال وخـلـيـل الـورد وعـلي الـشّـعـلان : “وهـكـذا فـفي بـحـر ثـلاث سـنـوات أصـبـح عـددنـا يـربـو عـلى الـسّـتـة عـشـر رسّـامـاً ونـحـاتـاً”.

وفي عـام 1955 سـافـر شـاكـر حـسـن آل سـعـيـد إلى بـاريـس لإكـمـال دراسـتـه الـفـنّـيـة، وفي نـفـس الـفـتـرة تـقـريـبـاً سـافـر مـحـمّـد الحـسـني ومـحـمّـد غـني وخـالـد الـرّحـال وبـوغـوص بـابـلونـيـان : “ولـكـنّ جـمـاعـتـنـا كـانـت في نـمـو مـسـتـمـر، فـحـتّى عـام 1957 ظـهـرت أسـمـاء جـديـدة في عـضـويـة جـمـاعـة بـغـداد مـثـل نـزار سـلـيـم وعـبـد الـرّحـمـن الـكـيـلاني  وأيـان أولـد (3) ومـيـران الـسّـعـدي، ثـمّ انـضـمّ إلـيـهـم في الـعـام الـتّـالي إسـمـاعـيـل فـتـاح والـفـريـد الـرّحـال وفـالـنـتـيـوس كـلاكـومـبـوس وغـالـب نـاهي”.

وقـد انـسـحـب بـعـض الأعـضـاء مـن الـجـمـاعـة : “مـثـل حـافـظ الـدّروبي الّـذي كـوّن لـه جـمـاعـة جـديـدة عـرفـت بـجـمـاعـة الإنـطـبـاعـيـيـن، ومـحـمـود صـبـري الّـذي عـرض في الـمـعـرض الأوّل ثـمّ آثـر الـعـودة إلى جـمـاعـة الـرّواد ثـانـيـة”. “…  مـع ذلـك، فـقـد اسـتـمـرّت الـجـمـاعـة تـحـمـل مـسـؤولـيـتـهـا كـامـلـة  طـوال فـتـرة الـسّـتـيـنـات. أمّـا في مـطـلـع الـسّـبـعـيـنـات فـقـد انـضـمّ لـلـجـمـاعـة آخـرون مـثـل مـحـمّـد عـارف وعـبـد الـرّحـيـم الـوكـيـل وإبـراهـيـم الـعـبـدلي وسـلـمـان عـبّـاس وفـؤاد جـهـاد”.

ويـتـوقّـف آل سـعـيـد هـنـا في سـرده ولا يـذكـر في أيّـة فـتـرة مـن الـسّـبـعـيـنـات انـحـلّـت الـجـمـاعـة وانـتـهـت نـشـاطـاتهـا.

وإذا قـرأنـا أسـمـاء أعـضـاء الـجـمـعـيـة كـمـا ذكـرهـم آل سـعـيـد نـسـتـطـيـع أن نـلاحـظ أنّ مـن بـيـنـهـم، مـا عـدا جـواد سـلـيـم، سـبـعـة نـحّـاتـيـن آخـريـن : خـالـد الـرّحـال وطـارق مـظـلـوم وخـلـيـل الـورد وعـبـد الـرّحـمـن الـكـيـلاني ومـحـمّـد غـني حـكـمـت ومـحـمّـد الـحـسـني ومـيـران الـسّــعـدي.

أعـضاء جـمـاعـة بـغـداد لـلـفـن الـحـديـث :

وضـع شـاكـرحـسـن آل سـعـيـد، في بـدايـة مـقـالـه، قـائـمـة بـأعـضـاء الـجـمـاعـة نـذكـرهـم حـسـب تـرتـيـب فـنّـانـنـا لـهـم :

جـواد سـلـيـم، شـاكـر حـسـن، مـحـمّـد الـحـسـني، جـبـرا إبـراهـيـم جـبـرا، قـحـطـان عـبـد الله، مـحـمـود صـبـري، فـاضـل عـبّـاس، نـزار عـلي جـودت، نـزيـهـة سـلـيـم، لـورنـا سـلـيـم، كـانـثي وود (4)، مـحـمّـد غـني، عـلي الـشّـعـلان، خـلـيـل الـورد، عـبـد الـرّحـمـن الـكـيـلاني، حـافـظ الـدّروبي، خـالـد الـرّحّـال، بـوغـوص بـابـلـونـيـان، إسـمـاعـيـل فـتّـاح، إبـراهـيـم الـعـبـدلي، سـلـمـان عـبّـاس، مـحـمّـد عـارف، مـيـران الـسّـعـدي، إحـسـان الـمـلائـكـة، خـضـيـر الـشّـكـرجي، ثـريـا الـنّـوّاب، رسـول عـلـوان، طـارق مـظـلـوم، فـؤاد جـهـاد.

ونـلاحـظ أنّ آل سـعـيـد نـسي أن يـضـع في الـقـائـمـة بـعـض مـن ذكـر، في داخـل الـمـقـال، أنّـهـم كـانـوا قـد انـضـمّـوا إلى الـجـماعـة مـثـل : أيـان أولـد والـفـريـد الـرّحـال وفـالـنـتـيـوس كـلاكـومـبـوس وغـالـب نـاهي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* نـشـر هـذا الـمـقـال في مـدونـة الـمِـلْـوَنـة في 7 نـيـسـان 2014  :

https://almilwana.blogspot.com/2014/04/1978_7.html

(1)  أنـظـر مـقـالي : دفـاتـر عـائـلـة زفـوبـودا الـبـغـداديـة

(2)  أنـظـر مـقـالي : لـورنـا والـتّـراث الـمـعـمـاري الـبـغـدادي

(3)  أنـظـر مـقـالي : الـخـزّاف الـبـريـطـاني إيـان أولـد في بـغـداد

(4)  ويـقـصـد بـه الـفـنّـان الـبـريـطـاني كـيـنـيـث وود، وربّـمـا كـانـت صـيـغـة “كـانـثي” اسـم تـحـبـيـب كـان يـسـتـعـمـلـه مـع أصـدقـائـه. أنـظـر مـقـالي :  الـفـنّـان كـيـنـيـث وود في الـعـراق

©   حـقـوق الـنّـشـر مـحـفـوظـة لـلـدّكـتـور صـبـاح كـامـل الـنّـاصـري.

يـرجى طـلـب الإذن مـن الـكـاتـب قـبـل إعـادة نـشـر هـذا الـمـقـال.

مـن الـبـصـرة إلى بـغـداد، في رحـلـة دونـالـد مـاكـسـويـل الـفـنّـيـة 

D. Maxwell, Sheik Saad on the Tigris

الـدّكـتـور صـبـاح الـنّـاصـري

بـعـد أن اشـتـرى مـتـحـف الإمـبـراطـوريـة الـحـربي   Imperial War Museum في لـنـدن إحـدى أعـمـال الـفـنّـان الـبـريـطـاني دونـالـد مـاكـسـويـل              Donald Maxwell، إتـصّـل بـه تـشـارلـز فـولـكـس، أحـد مـسـؤولي الـمـتـحـف، في آب 1918. وتـكـلّـم فـولـكـس عـنـه بـعـد ذلـك مـع الـكـومـانـدر ولـكـوت، رئـيـس قـسـم الـبـحـريـة في الـمـتـحـف.

وقـد اسـتـطـاع ولـكـوت أن يـقـنـع الـمـسـؤولـيـن في وزارة الـحـربـيـة بـإرسـال دونـالـد مـاكـسـويـل إلى الـعـراق لـمـتـابـعـة الـعـمـلـيـات الـعـسـكـريـة في الـمـنـطـقـة ورسـمـهـا. ووقّـع الـفـنّـان عـقـداً مـع الـوزارة يـنـصّ عـلى اسـتـلامـه 390 بـاونـد سـنـويـاً، إضـافـة إلى تـكـلّـف الـوزارة بـمـصـاريـف إقـامـتـه وتـنـقّـلاتـه.

ووصـل دونـالـد مـاكـسـويـل إلى مـديـنـة تـرانـتـو في شـمـال إيـطـالـيـا في 27 تـشـريـن الأوّل 1918، ولـكـنّـه لـم يـسـتـطـع إيـجـاد سـفـيـنـة تـوصـلـه إلى بـوسـعـيـد. وقـضى أيّـام الإنـتـظـار في رسـم مـنـاظـر مـن الـمـنـطـقـة. واسـتـطـاع إيـجـاد سـفـيـنـة بـخـاريـة أوصـلـتـه في كـانـون الأوّل إلى عـدن. ومـنـهـا اسـتـطـاع الـتّـوجـه نـحـو الـبـصـرة الّـتي وصـلـهـا في كـانـون الـثّـاني 1919، أي بـعـد انـتـهـاء الـحـرب الـعـالـمـيـة الأولى. ولـكـنّ احـتـلال الـجـيـش الـبـريـطـاني لـلـعـراق لـم يـكـن قـد اكـتـمـل بـعـد.

وقـد أرسـل دونـالـد مـاكـسـويـل إلى الـوزارة في لـنـدن، وبـانـتـظـام، تـقـاريـر مـفـصّـلـة عـن نـشـاطـاتـه، وقـوائـم بـالـمـواضـيـع الّـتي رسـمـهـا. ووجـد صـعـوبـات في الإلـتـقـاء بـعـسـكـريـيـن بـريـطـانـيـيـن شـاركـوا في الأحـداث الّـتي كـانـت تـدور في الـمـنـطـقـة والـحـصـول مـنـهـم عـلى مـعـلـومـات دقـيـقـة لـتـسـجـيـلـهـا بـتـخـطـيـطـات ورسـوم. كـمـا تـراسـل بـاسـتـمـرار مـع خـدمـات الـطّـبـاعـة في مـتـحـف الإمـبـراطـوريـة الـحـربي لـتـحـويـل رسـومـه إلى أعـمـال طـبـاعـيـة.

وأقـام دونـالـد مـاكـسـويـل في الـعـراق إلى أواخـر شـهـر حـزيـران، لـيـكـمـل مـهـمـاتـه، قـبـل أن يـعـود إلى إنـكـلـتـرة. ووضـع أعـداداً مـن رسـومـه عـن الـعـراق في كـتـابـه عـن إقـامـتـه في بـلاد مـا بـيـن الـنّـهـريـن “A Dweller in Mesopotamia” الّـذي تـكـلّـمـت لـكـم عـنـه في مـقـال سـابـق :  رسـوم دونالـد مـاكـسـويـل ولـوحـاتـه عـن الـعـراق في بـدايـة الـقـرن الـعـشـريـن، (1) وأريـتـكـم بـعـض الـرسـوم، بـالألـوان الـمـائـيـة أو بـالـحـبـر، الّـتي يـحـتـوي عـلـيـهـا.

وقـد وجـدت أنّ مـتـحـف الإمـبـراطـوريـة الـحـربي في لـنـدن مـا زال يـحـتـفـظ بـعـدد مـن رسـوم أخـرى قـام بـهـا الـفـنّـان في الـعـراق، وخـاصّـة في مـنـطـقـة الـبـصـرة. وهي رسـوم لـم يـضـعـهـا دونـالـد مـاكـسـويـل في كـتـابـه، أو وضـعـهـا مـصـغّـرة ولـكـنـنـا نـرى أصـولـهـا في مـجـمـوعـة مـقـتـنـيـات الـمـتـحـف أوسـع مـقـايـيـسـاً وأكـثـر وضـوحـاً. وهي الّـتي أودّ أن أعـرضـهـا عـلـيـكـم في هـذا الـمـقـال. (2) ورغـم أنّ دونـالـد مـاكـسـويـل كـان قـد قـام بـسـفـرة مـن بـغـداد إلى هـيـت ووضـع رسـومـه عـنـهـا في كـتـابـه عـن الـعـراق، فـيـبـدو أنّ الـمـتـحـف لـم يـحـتـفـظ  إلّا بـواحـد مـنـهـا يـصـوّر حـرق الـجـيـر في مـنـطـقـة مـنـابـع الـقـار في هـيـت   Lime-Burning in the Bitumen Region, Hit، حـبـر عـلى ورق، 27،9×38،7  سـم. :

Maxwell, Lime-Burning in the Bitumen Region, Hit

دونـالـد مـاكـسـويـل :

أودّ قـبـل أن أبـدأ عـرضي لـمـا رسـمـه دونـالـد مـاكـسـويـل عـن بـغـداد وجـنـوب الـعـراق أن أتـكـلّـم عـنـه لـمـن يـريـد أن يـعـرف الـمـزيـد عـن مـسـيـرتـه الـفـنّـيـة.

D. Maxwell

ولـد دونـالـد مـاكـسـويـل سـنـة 1877 في مـديـنـة صـغـيـرة في جـنـوب لـنـدن، إنـكـلـتـرة. وكـان أبـوه رجـل ديـن يـنـتـمي إلى الـكـنـيـسـة الـمـيـثـوديـسـتـيـة. وبـدأ دراسـتـه لـلـفـنّ في مـدرسـة مـديـنـتـه   The Clapham School of Art.

وسـافـر عـام 1979 إلى لـنـدن لـيـدرس في مـعـهـد سـلـيـد                       Slade School of Fine Art، ثـمّ في الـمـعـهـد الـمـلـكي لـلـفـنـون                     The Royal College of Art.

وبـعـد زواجـه عـام 1907، أقـام مـع زوجـتـه في مـركـب ربـط عـلى شـاطئ نـهـر الـتـامـيـز، قـبـل أن يـنـتـقـلا إلى مـنـطـقـة الـكـيـنـت. وبـدأ حـيـاتـه الـمـهـنـيـة يـكـتـب ويـرسـم في مـجـلات عـديـدة، مـثـل مـجـلّـة   The Yachting Monthly الّـتي خـصـص لـهـا كـثـيـراً مـن رسـومـه.

ونـشـر عـام 1909 كـتـابـاً مـصـوّراً بـرسـوم عـن أسـطـول سـاوث إنـد الـحـربي والّـذي لاقى نـجـاحـاً كـبـيـراً. وأصـبـح بـعـد ذلـك رسـام “بـحـريـة” رسـمي         a naval artist، ومـراسـلاً فـنّـيـاً “بـحـريـاً” لـصـحـيـفـة The Graphic ولـمـدّة عـشـريـن سـنـة.

وقـد شـارك دونـالـد مـاكـسـويـل في الـحـرب الـعـالـمـيـة الأولى كـضـابـط في الـبـحـريـة الـمـلـكـيـة الـبـريـطـانـيـة ، ثـمّ كـرسّـام رسـمي. ورسـم خـلال تـلـك الـفـتـرة سـفـن الـبـحـريـة الـبـريـطـانـيـة وعـمـلـيـاتـهـا الـحـربـيـة.

وقـد بـعـثـه مـتـحـف الإمـبـراطـوريـة الـحـربي، كـمـا سـبـق أن رأيـنـا، عـام 1918 إلى الـعـراق لـيـنـفـذ رسـومـاً ولـوحـات عـن الـسّـفـن الـحـربـيـة وعـن الـمـلاحـة في دجـلـة والـفـرات. وقـد وصـل إلى الـبـصـرة، في بـدايـة عـام 1919، وأقـام في بـغـداد حـتّى شـهـر حـزيـران مـن ذلـك الـعـام.

وبـعـد أن عـاد إلى إنـكـلـتـرة، تـركـهـا مـن جـديـد لـيـصـاحـب ولي عـهـد بـريـطـانـيـا  the Prince of Wales في جـولـتـه في أرجـاء الـهـنـد الّـتي كـانـت تـحـت سـلـطـة بـريـطـانـيـا، والّـتي كـانـت تـدعى بـالـهـنـد الـبـريـطـانـيـة. ونـفّـذ دونـالـد مـاكـسـويـل خـلال هـذه الـجـولـة أعـداداً كـبـيـرة مـن رسـومـه عـن الـهـنـد نـشـر بـعـضـهـا في كـتـاب  The Prince of Wales’ Eastern Book

وقـد نـفّـذ دونـالـد مـاكـسـويـل رسـومـاً وأعـمـالاً طـبـاعـيـة (غـرافـيـك) لـحـوالي ثـلاثـيـن كـتـابـاً  ألّـفـهـا أو شـارك فـيـهـا عـن سـفـراتـه أو عـن مـنـاطـق في بـريـطـانـيـا، مـثـل كـتـابـه عـن الـعـراق الّـذي سـبـق أن تـكـلّـمـنـا عـنـه أو كـتـابـه عـن فـلـسـطـيـن :   “A Painter in Palestine”الّـذي يـتـكـلّـم فـيـه عـن زيـارتـه لـلأمـاكـن الـدّيـنـيـة كـمـتـديّـن تـلـقى تـربـيـة ديـنـيـة مـتـزمـتـة مـن أبـيـه رجـل الـدّيـن. ونـشـر كـتـابـاً آخـر بـرسـوم مـلـوّنـة عـن فـلـسـطـيـن عـنـونـه : آخـر الـحـروب الـصّـلـيـبـيـة  The Last Crusade، ويـتـكـلّـم فـيـه عـن احـتـلال الأوربـيـيـن لـشـرق الـبـحـر الأبـيـض الـمـتـوسّـط خـلال الـحـرب الـعـالـمـيـة الأولى.

كـمـا اشـتـهـر بـرسـوم لـوحـات دعـايـة وإعـلان وتـرويـج لـعـدد مـن شـركـات الـخـطـوط الـحـديـديـة في بـريـطـانـيـا.

وقـد اسـتـمـرّ دونـالـد مـاكـسـويـل في نـشـاطـاتـه الـفـنّـيـة حـتّى وافـاه الأجـل سـنـة 1936.

دونـالـد مـاكـسـويـل في جـنـوب الـعـراق :

وصـل دونـالـد مـاكـسـويـل إلى الـبـصـرة عـن طـريـق عـبَـدان والـمـحـمّـرة. وهـو يـتـكـلّـم في كـتـابـه عـن وصـولـه مـن عـبَـدان إلى الـبـصـرة الّـتي وصـفـهـا في فـصـل مـن كـتـابـه عـنـونـه : ” بـنـدقـيـة الـشّـرق  The Venice of the East”. ويـعـني بـذلـك أنّ الـبـصـرة تـشـبـه مـديـنـة الـبـنـدقـيـة Venezia  في شـمـال شـرق إيـطـالـيـا الـمـعـروفـة بـكـثـرة قـنـوات الـمـاء الّـتي تـخـتـرقـهـا.

وكـتـب : “أوّل انـطـبـاعـاتي عـن الـبـصـرة هي أنّـهـا سـلـسـلـة لا تـنـتـهي مـن أرصـفـة مـراسي عـلى ضـفـة الـنّـهـر” و “قـنـوات الـبـصـرة لا تـعـدّ ولا تـحـصى. وهي قـنـوات حـفـرت ولـيـسـت أنـهـاراً طـبـيـعـيـة”.

“وحـيـنـمـا اقـتـربـت مـن الـبـصـرة في أواخـر الـنّـهـار، وكـانـت الـشّـمـس تـنـزل نـحـو الأفـق، بـدت شـديـدة الـرّوعـة : غـابـات الـنّـخـيـل والـجـنـائـن عـلى الـيـمـيـن وأبـنـيـة الـمـديـنـة عـلى الـيـسـار. وكـانـت الـقـوارب تـقـتـرب مـنّي في إشـعـاع نـور الـشّـمـس كـمـا لـو كـانـت في حـلـم”.

ونـرى هـذا في  رسـم بـالـحـبـر عـلى ورق، 19×9×27 سـم، عـنـوانـه : “الـبـصـرة، بـنـدقـيـة الـشّـرق   Basra The Venice of the East ” :

D. Maxwell, Basra The Venice of the East

وقـد وجـد أنّ بـعـض أجـزاء أنـهـار الـبـصـرة شـديـدة الـجـمـال وتـسـتـحـق أن تـقـارن بـمـجـاري الـمـيـاه الّـتي تـخـتـرق مـديـنـة الـبـنـدقـيـة في إيـطـالـيـا، بـل تـفـوقـهـا جـمـالاً :  For once we have something that can surpass in beauty anything that Venice can show

بـمـنـاظـرهـا الـطّـبـيـعـيـة لا بـبـهـاء مـعـمـار أبـنـيـتـهـا طـبـعـاً.

ولـيـسـتـطـلـع مـا حـول الـبـصـرة مـن مـشـاهـد يـمـكـنـه أن يـدخـلـهـا في رسـومـه، فـقـد أجّـر بـلـمـاً بـمـجـذافـيـن قـاده بـه رجـلان وصـفـهـمـا بـأنّـهـمـا “مـخـيـفـا الـمـظـهـر كـقـرصـانـيـن”. ولـكـنّـه غـيـر رأيـه عـن “الـقـرصـانـيـن” بـعـد أن أريـاه أهـمّ مـا يـسـتـحـق الـمـشـاهـدة، ووجـدهـمـا شـديـدي الـلـطـف.

نـهـر قـرب الـبـصـرة A Creek near Basra, حـبـر صـيـني مـرر عـلى بـعـض أجـزائـه فـرشـاة مـبـتـلّـة لـيـفـرشـه بـطـبـقـات خـفـيـفـة  Ink and Wash، 26×27،9  سـم. :

D. Maxwell, A Creek near Basra

نـهـر الـعـشّـار، الـبـصـرة In Ashar Creek, Basra, حـبـر عـلى ورق 20،3×26،6  سـم. :

D. Maxwell, In Ashar creek

سـفـيـنـة “Dalhousie” في الـبـصـرة  HMS Dalhousie at Basra، ألـوان مـائـيـة وحـبـر عـلى ورق، 16،5×40 سـم. :

D. Maxwell, HMS Dalhousie at Basra

رسـم جـانـبي لـلـسـفـيـنـة الـبـيـضـاء الـمـربـوطـة عـلى ضـفـة شـطّ الـعـرب في الـبـصـرة، وقـوارب مـربـوطـة في وسـط الـرّسـم وبـعـض الأبـنـيـة في الـخـلـفـيـة.

الـبـصـرة، سـفـن الـمـسـتـشـفى  Basra. Hospital Ships

وكـانـت الـمـسـتـشـفى تـقـع عـلى ضـفـة شـطّ الـعـرب، رسـمـهـا مـن الـجـانـب الـمـقـابـل مـن الـنّـهـر، حـبـر صـيـني مـرر عـلى بـعـض أجـزائـه فـرشـاة مـبـتـلّـة لـيـفـرشـه بـطـبـقـات خـفـيـفـة   Ink and Wash، 26×46 سـم. :

D. Maxwell, Basra Hospital Ships situated at the head of the Shatt-el-Arab The junction of the Euphrates and Tigris.

بـلـم في نـهـر ضـيّـق، الـبـصـرة A ‘Bellam’ in a Narrow Creek at Bsra, حـبـر عـلى ورق 30،4×22،2 سـم. :

D. Maxwell, A ‘Bellam’ in a Narrow Creek at Bsra,

بـلـم ومـهـيـلـة في نـهـر الـعـشـار، الـبـصـرة  A Bellam and a Mahaila in Ashar Creek, Basra، حـبـر عـلى ورق، 20،3×25،4 سـم. :

D. Maxwell, A Bellam and a Mahaila in Ashar Creek, Basra 

مـهـيـلـتـان، في الـبـصـرة   Mahailas. Basra، رسـم بـالـقـلـم والـطّـبـاشـيـر عـلى ورق، 10،1×22،8 سـم. :

D. Maxwell, Mahailas. Basra

سـفـيـنـة نـقـل نـهـريـة، مـهـيـلـة في الـبـصـرة                                       The Inland Water Transport: Mahaila Z32, Basra، رسـم بـالـقـلـم والـطّـبـاشـيـر عـلى ورق، 15،8،17،1  سـم. :

D. Maxwell, The Inland Water Transport

سـفـيـنـة أغـرقـهـا الأتـراك لـتـمـنـع الـمـرور بـشـطّ الـعـرب

Wrecks in the Shatt-el-Arab : sunk by the Turks to block the channel، ألـوان مـائـيـة وحـبـر عـلى ورق، 22،2×34،2 سـم. :

D. Maxwell wrekes

كـتـب دونـالـد مـاكـسـويـل أنّ الـسّـفـرة بـسـفـيـنـة بـخـاريـة سـريـعـة مـن الـبـصـرة إلى بـغـداد في عـام 1919 كـانـت تـسـتـغـرق حـوالي أسـبـوع كـامـل. ويـمـكـن لـلـمـرء الـقـيـام بـهـذه الـسّـفـرة بـالـقـطـار مـن الـبـصـرة إلى الـعـمـارة : يـغـادر الـبـصـرة في حـوالي الـخـامـسـة مـسـاءً ويـصـل إلى الـعـمـارة في صـبـاح الـيـوم الـتّـالي، ويـنـبـغي بـعـد ذلـك أن يـسـتـمـر بـالـسّـفـرة بـمـركـب يـوصـلـه إلى الـكـوت. ويـركـب الـقـطـار في الـكـوت في الـمـسـاء ويـصـل إلى بـغـداد في صـبـاح الـيـوم الـتّـالي. ولـكـنّـه اخـتـار الـسّـفـر عـلى سـفـيـنـة بـخـاريـة لـيـسـتـطـيـع رسـم أكـثـر مـا يـمـكـن مـن أمـاكـن ومـشـاهـد.

وكـتـب أنّ أعـداداً كـبـيـرة مـتـنـوّعـة مـن الـقـوارب والـمـراكـب والـسّـفـن الـشّـراعـيـة والـبـخـاريـة والّـتي يـتـكـلّـم أصـحـابـهـا أعـداداً كـبـيـرة مـن الـلـغـات كـانـت تـمـرّ مـن شـطّ الـعـرب إلى دجـلـة، وأن جـزء نـهـر دجـلـة بـيـن قـبـر الـعـزيـر Ezra’s tomb  شـمـال الـقـرنـة ومـديـنـة الـعـمـارة ضـيّـق إلى حـدّ أنّ سـفـيـنـتـيـن بـخـاريـتـيـن لا يـمـكـنـهـمـا أن تـمـرّ الـواحـدة مـقـابـل الأخـرى إلّا بـصـعـوبـة شـديـدة. وهـذا الـجـزء مـن الـنّـهـر يـسـمى بـ “الـمـضـايـق                The Narrows”.

ولاحـظ حـول “الـمـضـايـق” “قـرى الـقـصـب” أي الّـتي بـنـيـت بـيـوتـهـا بـالـقـصـب : “ويـمـكـن رؤيـتـهـا في مـنـاطـق أخـرى طـبـعـاً، ولـكـنـنـا هـنـا نـسـتـطـيـع رؤيـتـهـا عـن كـثـب عـنـدمـا يـرتـفـع الـمـدّ وتـقـتـرب الـسّـفـيـنـة مـن الـضّـفـة”. ودهـش مـن مـهـارة سـكّـانـهـا في تـشـيـيـد مـسـاكـنـهـم بـسـرعـة وفي سـاعـات قـلـيـلـة لـيـشـكّـلـوا قـريـة كـامـلـة. وكـذلـك مـن خـلـع أجـزاء هـذه الـمـسـاكـن وتـحـمـيـلـهـا عـلى مـشـاحـيـف لـيـعـاد تـشـيـيـدهـا وبـسـرعـة في أمـاكـن أخـرى لـيـشـكّـلـوا قـريـة أخـرى. وأسـمى هـذا بـ “Portable Village”.

أبـلام بـشـراعـات قـرب الـقـرنـة  Bellams under sail near Kurna، رسـم بـالـقـلـم والـطّـبـاشـيـر عـلى ورق، 10،1×17،1  سـم. :

D. Maxwell, Bellams under sail near Kurna

حـصـن مـن الـطّـيـن في أهـوار دجـلـة  Mud ‘Forts’ on the Tigris Marshes

رسـم بـالـقـلـم والـطّـبـاشـيـر عـلى ورق، 6،9×27،9  سـم. :

D. Maxwell, Mud 'Forts' on the Tigris Marshes

سـفـن بـخـاريـة تـنـتـظـر الـمـرور في الـمـضـايـق، في دجـلـة

‘Tied Up’ Steamers and Lighters waiting for Down-river Craft to pass in the Narrows, Tigris، رسـم بـالـقـلـم والـطّـبـاشـيـر عـلى ورق، 13،9×27،9  سـم. :

D. Maxwell, 'Tied Up' Steamers and Lighters waiting for Down-river Craft to pass in the Narrows, Tigris

حـوريـات الـمـضـايـق : بـائـعـات الـبـيـض عـلى ضـفـة نـهـر دجـلـة

The Sirens of the Narrows : egg-sellers on the banks of the Tigris

ذكـر دونـالـد مـاكـسـويـل أنّـه رأى عـلى ضـفـاف الـنّـهـر في مـنـطـقـة “الـمـضـايـق” أعـداداً مـن الـنّـسـاء يـحـمـلـن سـلال بـيـض ودجـاج لـبـيـعـهـا عـنـدمـا تـقـتـرب الـسّـفـن مـن الـضّـفـة. وروى حـدثـاً رسـمـه بـالـحـبـر عـلى ورق، 26،6×25،4  :

D. Maxwell, egg-sellers on the banks of the Tigris

“سـارت فـتـاة عـدّة كـيـلـومـتـرات تـتـبـع الـسّـفـيـنـة لـتـبـيـع سـلّـة بـيـض، واشـتـراهـا مـنـهـا جـنـدي [بـريـطـاني] بـثـمـن “بـاهـظ”، ولـكـن يـبـدو أنّـهـا كـانـت تـريـد أن يـرجـع لـهـا الـسّـلّـة. واعـتـبـر الـجـنـدي أنّـه دفـع ثـمـن الـبـيـض والـسّـلـة الّـتي أصـبـحـت لـه. ولـم تـقـبـل الـفـتـاة وهـاجـت وارتـفـع عـويـلـهـا. وتـابـعـت مـركـبـنـا بـمـحـاذاة الـنّـهـر عـدّة كـيـلـومـتـرات أخـرى وهي تـرفـع ذراعـيـهـا مـتـوسّـلـة وتـسـقـط عـلى ركـبـتـيـهـا راجـيـة كـمـا لـو كـانـت سـتـمـوت قـهـراً، وتـصـرخ بـأعـلى مـا تـسـتـطـيـع ودمـوعـهـا تـسـيـل عـلى خـدّيـهـا.

ولـم تـكـن الـسّـلّـة تـسـتـحـق فـلـسـيـن وكـان الـجـنـدي قـد دفـع لـهـا عـشـرات الـفـلـوس. ورقّ لـهـا في آخـر الأمـر جـنـدي آخـر طـيّـب الـقـلـب رمى لـهـا بـالـسّـلّـة الّـتي سـقـطـت في الـمـاء قـرب الـجـرف. ونـزلـت الـفـتـاة في الـمـاء إلى خـاصـرتـهـا وأخـذتـهـا، ورفـعـت ذراعـيـهـا وتـقـافـزت راقـصـة فـرحـة بـالـنّـصـر كـمـا لـو كـانـت قـد ربـحـت ثـروة طـائـلـة”.

ووصـلـوا إلى قـلـعـة صـالـح بـعـد أن مـرّوا بـالـمـضـايـق :

إنـحـنـاءة في نـهـر دجـلـة قـرب قـلـعـة صـالـح

A Bend on the Tigris, near Qalat Salih، ألـوان مـائـيـة عـلى ورق 25،5×40،6  سـم. :

D. Maxwell, A Bend on the Tigris, near Qalat Salih

قـلـعـة صـالـح  Qalat Salih، حـبـر وطـبـاشـيـر عـلى ورق 13،9×29، 2 سـم. :

D. Maxwell, Qalat Salih

ثـمّ وصـلـوا إلى مـديـنـة الـعـمـارة.

نـهـر دجـلـة في الـعـمـارة : بـلـم عـرب الأهـوار بـشـراع

The Tigris at Amara : a marsh Arabs’ ‘Bellam’ under sail، حـبـر عـلى ورق، 21،5×27،9  سـم. :

D. Maxwell, the Tigris at Amara

ونـفّـذ صـيـغـة أخـرى مـن الـرّسـم بـالـقـلـم والـطّـبـاشـيـر عـلى ورق، 10،1×22،8  سـم. وأسـمـاهـا، “بـلـم عـرب الأهـوار بـشـراع، في نـهـر دجـلـة   A Marsh Arabs’ Bellam under Sail : Tigris ” :

D. Maxwell, A Marsh Arabs’ Bellam under Sail

الـعـمـارة، فـجـر عـلى دجـلـة   Amara: Dawn : on the Tigris، ألـوان مـائـيـة وبـاسـتـل عـلى ورق، 25،4×40،6  سـم. :

D. Maxwell Amara Dawn

غـروب عـلى نـهـر دجـلـة قـرب الـعـمـارة  Twilight on the Tigris, near Amara، ألـوان مـائـيـة وحـبـر عـلى ورق 16،5×26 سـم. :

D. Maxwell, Twilight on the Tigris, near Amara

ونـفّـذ رسـمـاً بـالألـوان الـمـائـيـة والـحـبـر عـلى ورق، (25،4×40،6 سـم.) أسـمـاه “نـهـر وسـكـة حـديـديـة. عـلى دجـلـة جـنـوب الـعـمـارة                        River and Railway. On the Tigris below Amara “. وقـد رسـمـه وهـو جـالـس في مـؤخّـرة الـسّـفـيـنـة يـنـظـر إلى تـمـوّجـات الـمـاء الّـتي يـثـيـرهـا الـمـحـرّك، ونـرى عـلى يـسـار الـرّسـم مـركـبـاً وعـلى يـسـاره دخـان قـطـار يـمـرّ  عـلى سـكّـة بـجـانـب الـنّـهـر :

D. Maxwell, River and Railway. On the Tigris below Amara

.لـديـنـا رسـم بـالألـوان الـمـائـيـة والـحـبـر عـلى ورق (29،2×40،6 سـم.)، نـفّـذه عـنـد مـروره بـعـلي الـشّـرقي نـرى فـيـه ضـفـة الـنّـهـر وأكـواخ قـصـب وأشـجـاراً وبـعـض الـقـوارب الـمـربـوطـة. ونـرى في الـنّـهـر سـفـيـنـة                   HMS MANTIS  الـبـخـاريـة وبـجـانـبـهـا سـفـيـنـة صـغـيـرة. وعـنـونـه “عـلي الـشّـرقي عـلى دجـلـة  Ali Shargia, Tigris : “HMS MANTIS” ” :

D. Maxwell, Ali Shargia Tigris HMS MANTIS

ثـمّ مـرّ دونـالـد مـاكـسـويـل بـشـيـخ سـعـد، ورسـم بـالألـوان الـمـائـيـة والأقـلام والـحـبـر عـلى ورق، (29،2×40،6  سـم.) : “شـيـخ سـعـد عـلى ضـفـة نـهـر دجـلـة  Sheik Saad on the Tigris ” :

D. Maxwell, Sheik Saad on the Tigris

ونـرى فـيـه سـفـيـنـة بـخـاريـة ومـراكـب شـراعـيـة في الـنّـهـر، كـمـا نـبـصـر بـمـرتـفـعـات في الـخـلـفـيـة.

وعـنـدمـا مـرّ بـالـكـوت ذكـر أنّـهـا تـبـدو مـديـنـة مـهـمّـة عـنـدمـا نـبـصـر بـهـا مـن وسـط الـنّـهـر. ولـديـنـا مـن مـروره بـالـكـوت رسـمـيـن،  الأوّل بـالألـوان الـمـائـيـة والأقـلام والـحـبـر عـلى ورق، (19×32،3 سـم.)، أسـمـاه “الـكـوت، مـنـارة خـربـة      Kut. Showing the Ruined Minaret ” :

Donald Maxwell, Kut Showing the Ruined Minaret

والـثّـاني “الـكـوت مـن بـقـايـا مـعـمـل عـرق الـسّـوس Kut : from the ruins of the liquorice factory “، ألـوان مـائـيـة عـلى ورق، 25،4×40،6 سـم. ولـم يـبـق مـن الـمـعـمـل عـنـدمـا مـرّ بـه الـفـنّـان إلّا خـرائـب :

D. Maxwell, Kut from the ruins of the liquorice factory

وكـنـت قـد أريـتـكـم هـذا الـرّسـم في مـقـالي :  مـن بـعـقـوبـة إلى هـيـت، الـعـراق كـمـا رسـمـه جـون ريـفـل ، وقـارنـتـه بـرسـم الـفـنّـان جـون ريـفـل عـن نـفـس مـعـمـل عـرق الـسّـوس.

كـمـا لاحـظ قـرب ضـفّـة الـنّـهـر أقـواسـاً تـسـتـنـد عـلى أعـمـدة مـن الـطّـابـوق اعـتـبـر أنّـهـا كـانـت بـقـايـا أبـنـيـة “بـابـلـيـة”.

 

بـغـداد :

إضـافـة إلى الـعـدد الـكـبـيـر مـن الـرّسـوم الّـتي وضـعـهـا دونـالـد مـاكـسـويـل في كـتـابـه عـن الـعـراق والّـتي تـصـوّر مـشـاهـد مـن بـغـداد، يـحـتـفـظ مـتـحـف الإمـبـراطـوريـة الـحـربي في لـنـدن بـرسـوم أخـرى مـثـل “فـيـضـان دجـلـة في بـغـداد   The Tigris in Flood. Baghdad”، (حـبـر عـلى ورق، 17،7×26،6  سـم.) :

D. Maxwell, The Tigris in Flood. Baghdad

ويـظـهـر الـفـنّـان بـغـداد بـأبـنـيـة واسـعـة ونـخـيـل وجـامـع بـثـلاث قـبـاب عـبـر نـهـر دجـلـة الّـذي ربـط عـلى ضـفـتـه مـركـبـان شـراعـيـان وقـوارب صـغـيـرة. وتـحـتـلّ مـقـدمـة الـرّسـم طـوّافـة كـبـيـرة تـقـاوم أمـواج الـمـيـاه الـفـائـضـة.

ووجـدت رسـمـاً آخـر نـفّـذه الـفـنّـان بـالألـوان الـمـائـيـة عـلى ورق لـنـفـس الـمـشـهـد (19×27 سـم.) :

D. Maxwell The Tigris in flood, Baghdad, watercolour, signed, 19 x 27

وكـكـلّ الـمـسـافـريـن الأجـانـب الّـذيـن زاروا بـغـداد، لـم يـجـد دونـالـد مـاكـسـويـل إلّا الـقـلـيـل مـن آثـار مـجـدهـا الـعـبّـاسي. فـتـجـول في دروب الـمـديـنـة بـحـثـاً عـن مـشـاهـد يـرسـمـهـا. ورسـم مـشـهـداً لـيـلـيـاً أمـام دار الـبـحـريـة الـبـريـطـانـيـة الّـذي أقـام فـيـه في بـغـداد، أسـمـاه “إنـطـبـاعـات لـيـلـيـة في دار الـبـحـريـة، بـغـداد في شـبـاط 1919

A Night Impession of Navy House, Baghdad, February 1919

ألـوان مـائـيـة وطـبـاشـيـر عـلى ورق، 34،2×25،4  سـم. :

D. Maxwell, A Night Impession of Navy House, Baghdad, February 1919

قـفّـة مـحـمّـلـة بـ “الـبـطـيـخ الأحـمـر” أي “الـرّقّي” أو “الـسّـنـدي”.

A ‘gufar’ loaded with Water-melons، حـبـر عـلى ورق 30،4×22،2 سـم :

كـمـا نـفّـذ أعـداداً مـن الـرّسـوم عـن الـسّـفـن الـبـريـطـانـيـة في مـرورهـا في دجـلـة مـثـل ” سـفـيـنـة  “Puffing Billy  الـبـخـاريـة في بـغـداد              ‘Puffing Billy’ (S31) In Baghdad”، حـبـر عـلى ورق 19×24،28  سـم. :

D. Maxwell, 'Puffing Billy' (S31) In Baghdad

وذهـب دونـالـد مـاكـسـويـل إلى الـمـدائـن (طـيـسـفـون) ورسـم “طـاق كـسـرى، وطـائـرة  RNAS ” بـأقـلام بـاسـتـل وطـبـاشـيـر عـلى ورق، 16،5×26 سـم. :

D. Maxwell Ctesiphon, with an RNAS Seaplane

ونـرى فـوق الـطّـاق طـائـرة تـعـود لـخـدمـات طـيـران الـبـحـريـة الـمـلـكـيـة الـبـريـطـانـيـة.

وأنـهي عـرضي بـعـمـلـيـن طـبـاعـيـيـن (غـرافـيـك)، يـصـوّر أولـهـمـا قـوارب مـربـوطـة عـلى ضـفـة الـنّـهـر  Moored Boats   (15×22،5 سـم.) :

D. Maxwell Moored Boats drypoint etching 15 x 22.5cm signed lower right

ونـرى في الـثّـاني مـركـبـاً شـراعـيـاً عـلى نـهـر الـفـرات   On the Euphrates، 15×22،5 سـم. :

DONALD MAXWELL (1877-1936) 'On the Euphrates', signed in pencil in the margin, 15 x 22.5cm

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) Donald Maxwell, A Dweller in Mesopotamia, being the adventures of an Official Artist in the Gardens of Eden. With Sketches in Colour, Monochrome and Line by the Author. John Lane, London ; New York, 1921.

(2) لـم أجـد بـعـد دراسـة مـكـتـمـلـة خـصـصـت لـرسـوم دونـالـد مـاكـسـويـل لـلـعـراق، وهي بـأعـداد كـبـيـرة جـدّاً، ولـم أجـد بـعـد مـن قـام بـجـرد لـهـا.

حـقـوق الـنّـشـر مـحـفـوظـة لـلـدّكـتـور صـبـاح كـامـل الـنّـاصـري

يـرجى طـلـب الإذن مـن الـكـاتـب قـبـل إعـادة نـشـر هـذا الـمـقـال

نـبـاتـات عـراقـيـة في حـدائـق مـاري أنـطـوانـيـت

حدائق ماري أنطوانيت 2

الـدّكـتـور صـبـاح الـنّـاصـري

أُرسـل عـالـم الـنّـبـاتـات الـفـرنـسي أنـدريـه مـيـشـو  André Michaux عـام 1782، إلى الـشّـرق لـلـحـصـول عـلى أنـواع نـادرة مـن الـنّـبـاتـات، وجـلـبـهـا إلى فـرنـسـا لـتـزرع في الـحـدائـق الـمـلـكـيـة، وخـاصّـة في حـدائـق مـاري أنـطـوانـيـت، زوجـة الـمـلـك لـويـس الـسّـادس عـشـر. وكـانـت الـحـدائـق الـخـاصّـة بـمـاري أنـطـوانـيـت في جـانـب مـن حـدائـق قـصـر فـرسـاي الـشّـاسـعـة.

ومـرّ عـالـم الـنّـبـاتـات أنـدريـه مـيـشـو بـبـغـداد، وأقـام فـيـهـا أكـثـر مـن ثـلاثـة أشـهـر، ثـمّ نـزل نـحـو الـبـصـرة فـبـلاد فـارس (كـمـا كـان الأوربـيـون يـسـمـون إيـران في ذلـك الـحـيـن). ووصـل إلى بـحـر قـزويـن. ثـمّ مـرّ بـبـغـداد مـن جـديـد عـام 1784، في طـريـق عـودتـه مـن بـحـر قـزويـن إلى أوربـا، وأقـام فـيـهـا حـوالي ثـلاثـة أشـهـر ونـصـف.

وسـأتـكـلّـم لـكـم أوّلاً عـن أنـدريـه مـيـشـو، ولـمـاذا اخـتـيـر لـلـقـيـام بـهـذه الـمـهـمّـة، قـبـل أن أعـرض عـلـيـكـم سـرده لإقـامـتـه في بـغـداد مـرّتـيـن، ولـسـفـرتـه إلى الـبـصـرة، وعـبـوره لـلـخـلـيـج نـحـو بـلاد فـارس، والـمـغـامـرات الّـتي عـاشـهـا خـلال ذلـك.

عـالـم الـنّـبـاتـات أنـدريـه مـيـشـو :

ولـد أنـدريـه مـيـشـو سنـة 1746. وتـزوّج عـام 1769، وكـان في الـثّـالـثـة والـعـشـريـن مـن عـمـره، ثـمّ ولـد لـه صـبي في الـعـام الـتّـالي. وفي الـثّـالـثـة والـثّـلاثـيـن مـن عـمـره، حـصـل عـلى شـهـادة اخـتـصـاص بـالـنّـبـاتـات، واشـتـغـل في حـديـقـة الـنّـبـاتـات الـمـلـكـيـة. ثـمّ اخـتـيـر لـلـقـيـام بـرحـلـة إلى الـشّـرق بـحـثـاً عـن نـبـاتـات وأشـجـار جـديـدة، لـتـشـبـع فـضـول الـمـلـكـة وتـثـري حـدائـقـهـا.

ولـيـعـد رحـلـتـه، فـقـد تـابـع أنـدريـه مـيـشـو دروسـاً في الـلـغـة الـعـربـيـة.

الـرّحـلـة إلى الـشّـرق :

غـادر أنـدريـه مـيـشـو، الّـذي كـان في الـسّـادسـة والـثّـلاثـيـن مـن عـمـره أنـذاك، بـاريـس في 2 شـبـاط 1782، تـاركـاً فـيـهـا ابـنـه الـبـالـغ مـن الـعـمـر اثـنـتي عـشـرة سـنـة، والّـذي كـانـت أمّـه قـد مـاتـت بـعـد قـلـيـل مـن ولادتـه.

وغـادر مـيـنـاء مـرسـيـلـيـا، في جـنـوب فـرنـسـا، بـصـحـبـة جـان فـرنـسـوا روسـو، قـنـصـل فـرنـسـا في بـغـداد. ووصـلـت سـفـيـنـتـهـمـا إلى الإسـكـنـدرونـة في الأوّل مـن نـيـسـان. وتـركـاهـا بـعـد ثـمـانـيـة أيّـام مـتّـجـهـيـن إلى حـلـب الّـتي وصـلاهـا في 14 نـيـسـان، وأقـامـا فـيـهـا حـوالي سـتّـة أشـهـر.

وفي حـلـب، سـنـحـت الـفـرصـة لأنـدريـه مـيـشـو أن يـحـسّـن مـا كـان قـد تـعـلّـمـه مـن الـلـغـة الـعـربـيـة. وكـان يـسـتـعـمـل لـذلـك كـتـاب “قـواعـد الـلـغـة الـعـربـيـة  Grammatica arabica” الّـذي ألّـفـه بـالـلـغـة الـلاتـيـنـيـة الـمـبـشـر الإيـطـالي أوبـيـزّيـنـو  Obizibo.

وقـد سـجّـل أنـدريـه مـيـشـو في يـومـيـاتـه الّـتي كـان يـكـتـبـهـا، أسـمـاء الـنّـبـاتـات وعـدداً مـن أسـمـاء شـيـوخ الـعـشـائـر بـالـحـروف الـعـربـيـة إلى جـانـب كـتـابـتـهـا بـالـفـرنـسـيـة.

والـتـقى أنـدريـه مـيـشـو وجـان فـرنـسـوا روسـو في حـلـب، بـجـوزيـف دو بـوشـام   Joseph de  BEAUCHAMP ، نـائـب أسـقـف بـابـل (أي بـغـداد) (1). وكـان الـثّـلاثـة، مـع مـصـاحـبـيـهـم، يـنـتـظـرون قـافـلـة تـتـوجّـه إلى بـغـداد عـبـر الـبـاديـة. وقـد بـدأت قـافـلـة تـتـشـكّـل قـلـيـلاً فـقـلـيـلاً في شـهـر أيـلـول.

الـقـافـلـة :

أتـوقـف هـنـا قـلـيـلاً لأذكّـر الـقـارئ الـعـزيـز بـأنّ قـوافـل الـمـسـافـريـن لـم تـكـن تـنـطـلـق مـن مـكـان مـا في وقـت مـحـدد لـتـصـل إلى مـكـان آخـر في وقـت مـحـدد. ولـكي تـتـشـكّـل الـقـافـلـة كـان يـنـبـغي أن تـجـتـمـع أعـداد كـافـيـة مـن الـمـسـافـريـن لـيـأجّـروا مـجـمـوعـة مـن الإبـل يـقـودهـا حـاديـهـا الّـذي يـعـرف طـرق الـبـاديـة. وربّـمـا تـطـلّـب تـكـويـن الـقـافـلـة عـدّة أشـهـر.

كـتـب أنـدريـه مـيـشـو  : “لا يـمـكـن لـقـافـلـة أن تـسـيـر مـن غـيـر حـداة ورجـال مـسـلـحـيـن يـصـاحـبـونـهـا، وإلّا نـهـبـهـا أعـراب الـفـلـوات وأكـراد الـجـبـال […] والـسّـفـر مـتـعـب وشـديـد الـخـطـورة في هـذا الـجـزء مـن سـوريـا لـكـثـرة الـمـتـمـرّديـن عـلى الـبـاشـا الـتّـابـع لـلـسّـلـطـان الـعـثـمـاني”.

وتـشـكّـلـت قـلـيـلاً فـقـلـيـلاً قـافـلـة ذكـر أنـدريـه مـيـشـو أنّـه كـان فـيـهـا : “180 جـمـلاً (50 مـنـهـا لـجـان فـرنـسـوا روسـو)، ومـا بـيـن 125 و 130 مـسـافـراً مـن بـيـنـهـم  12 أوربـيـاً وعـشـرة يـهـود”، “وكـان الـبـاقـون مـن الـعـرب، مـن بـيـنـهـم ثـلاثـة شـيـوخ يـتـحـلّـون بـبـالـغ الـشّـرف والـشّـجـاعـة”.

وأضـاف : “ويـنـبـغي أن نـنـصـف الـعـرب بـأنّـهـم أكـثـر إنـسـانـيـة مـن كـلّ شـعـوب الـدّنـيـا. وحـتّى الّـذيـن يـمـتـهـنـون مـن بـيـنـهـم نـهـب الـنّـاس وسـلـبـهـم لا يـقـتـلـونـهـم أبـداً، ويـعـطـونـهـم مـلابـس رديـئـة وطـعـامـاً وشـرابـاً يـكـفـيـهـم لـيـصـلـوا إلى أقـرب مـديـنـة”.

وقـبـل أن تـبـدأ الـرّحـلـة، أرسـل جـان فـرنـسـوا روسـو مـبـعـوثـاً لـيـفـاوض فـاضـل، شـيـخ قـبـيـلـة عـنـيـزة، الّـتي كـانـت واحـدة مـن أهـمّ  قـبـائـل الـمـنـطـقـة. وكـان فـاضـل يـتـرأس أكـثـر مـن ألـفَي رجـل. وكـان قـد ضـرب خـيـامـه عـلى بـعـد حـوالي 25 فـرسـخـاً مـن حـلـب. وطـلـب مـن روسـو مـبـلـغـاً طـائـلاً لـلـسّـمـاح لـلأوربـيـيـن بـعـبـور “أراضـيـه”. وفـلـح روسـو أخـيـراً بـتـخـفـيـض الـمـبـلـغ إلى ألـفـيـن ومـائـتـيـن وخـمـسـيـن لـيـرة لـجـمـيـع الـمـسـافـريـن.

وكـان عـلى روسـو أن يـدفـع أيـضـاً مـبـلـغـاً بـاهـظـاً لـلـشّـيـخ فـخـري، حـادي عـيـس الـقـافـلـة ولإبـلـه ومـصـاحـبـيـه الـمـسـلّـحـيـن. وأُجـبـر روسـو لـكي يـسـتـطـيـع دفـع كـلّ هـذه الـمـبـالـغ عـلى أن يـبـيـع في حـلـب بـعـض الـسّـلـع الّـتي كـان قـد جـلـبـهـا مـعـه والّـتي كـان يـأمـل بـيـعـهـا بـأسـعـار بـاهـظـة في بـغـداد.

الـسّـفـرة :

وغـادرت الـقـافـلـة حـلـب مـتّـجـهـة إلى بـغـداد في 10 تـشـريـن الأوّل. وغـيّـر الأوربـيـون مـلابـسـهـم بـمـلابـس “تـركـيّـة” كـانـت قـد فـصّـلـت لـهـم في حـلـب.

وكـتـب أنـدريـه مـيـشـو بـعـد خـمـسـة أيّـام أنّ درجـات الـحـرارة بـلـغـت  35ْ في الـثّـالـثـة بـعـد الـظّـهـر. وأصـبـحـت الأرض قـاحـلـة يـومـاً بـعـد يـوم، وصـارت فـلاةً لا نـبـت فـيـهـا مـدّة مـسـيـرة أسـبـوعـيـن  : “والـمـاء سـاخـن ومـمـجـوج، يـضـفي مـرارة عـلى طـعـم الـخـبـز والـرّز والـلـحـم”. وكـانـوا يـشـدّون الـرّحـال في الـسّـابـعـة صـبـاحـاً كـلّ يـوم ويـتـوقّـفـون في الـثّـانـيـة بـعـد الـظّـهـر.

ووجـد أنـدريـه مـيـشـو نـبـاتـات جـديـدة عـلـيـه جـمـعـهـا وكـتـب أسـمـاءهـا بـحـروف عـربـيـة.

واقـتـربـوا في 30 تـشـريـن الأوّل مـن الـفـرات، ونـصـبـوا خـيـامـهـم عـلى بـعـد فـرسـخ مـنـه. وذهـب مـيـشـو إلى ضـفـة الـنّـهـر، ووجـده “أوسـع مـن نـهـر الـسّـيـن”. وعـنـدمـا وصـلـت الـقـافـلـة في الـغـد إلى الـنّـهـر : “كـان ذلـك مـثـل يـوم عـيـد، وتـراكـض الـكـلّ يـرتـمـون في الـمـاء ويـغـتـسـلـون فـيـه، وبـقـيـت الـجـمـال فـيـه أكـثـر مـن ثـلاث سـاعـات”. ووجـد مـيـشـو نـبـاتـات جـديـدة عـلـيـه “وغـابـات مـتـشـابـكـة الأغـصـان، مـلـيـئـة بـبـنـات آوى وضـبـاع وأسـود”.

ورأوا بـعـد يـومـيـن “قـطـيـعـاً مـن الـغـزلان يـخـرج مـن الـغـابـة (بـيـن 400 و 500 غـزالـة)”. ومـرّت الـقـافـلـة بـعـد يـومـيـن آخـريـن بـمـزارع قـطـن وكـتّـان. وسـمـعـوا في الـلـيـلـة الـتّـالـيـة الأسـود تـتـجـوّل حـولـهـم.

عـانـة :

وصـلـت الـقـافـلـة في 6 تـشـريـن الـثّـاني إلى عـانـة : “عـاصـمـة بـلاد الـعـرب الـصّـحـراويـة”، والّـتي كـان فـيـهـا “حـوالي 6000 سـاكـن، مـن بـيـنـهـم خـمـسـيـن عـائـلـة مـن فـقـراء الـيـهـود. والـدّرب الـوحـيـد الّـذي يـخـتـرقـهـا شـيّـدت عـلى جـانـبـيـه الـمـنـازل. ولـكـلّ مـنـزل بـسـتـان يـفـصـلـه عـن الـمـنـزل الـمـجـاور. وفي الـبـسـاتـيـن نـخـيـل وأشـجـار بـرتـقـال ومـشـمـش. ويـزرعـون فـيـهـا الـبـطـيـخ الأحـمـر ونـبـات الـقـطـن الّـذي يـحـوكـون مـنـه أقـمـشـتـهـم. والـرّجـال في عـامّـتـهـم لا يـفـعـلـون شـيـئـاً، مـاعـدا الـقـلـيـل مـنـهـم الّـذيـن يـفـتـلـون خـيـوط الـصّـوف. وهـنـاك مـصـابـغ لأقـمـشـة الـقـطـن. ويـحـكـم الـمـديـنـة شـيـخ خـاضـع لـبـاشـا بـغـداد”.

ولـم تـجـد الـقـافـلـة، لـعـبـور الـنّـهـر، إلّا ثـلاثـة مـراكـب صـغـيـرة. ولـم يـكـونـوا وحـدهـم، فـقـد كـان هـنـاك أيـضـاً حـوالي 80 مـن سـكّـان الـمـديـنـة يـنـتـظـرون دورهـم لـلـعـبـور : “مـع حـمـيـرهـم الـمـحـمّـلـة بـأقـمـشـة الـقـطـن لـتـبـاع في بـغـداد”. وتـطـلّـب عـبـور الـقـافـلـة بـكـامـلـهـا ثـلاثـة أيّـام. واغـتـنـم مـيـشـو الـفـرصـة لـلـبـحـث عـن نـبـاتـات جـديـدة لا يـعـرفـهـا.

وواجـهـت الـقـافـلـة يـوم 10 تـشـريـن الـثّـاني “حـوالي ثـلاثـيـن فـارسـاً مـن الـسّـلّابـيـن الـنّـهـابـيـن بـسـيـوفـهـم ورمـاحـهـم، تـراجـعـوا أمـام طـلـقـات الأسـلـحـة الـنّـاريّـة، ولـكـنّـهـم اسـتـطـاعـوا مـع ذلـك سـرقـة حـوالي 80 حـمـاراً مـن أهـل عـانـة الـعـزل الّـذي صـاحـبـوا الـقـافـلـة”. وأخـبـرهـم أهـل عـانـة أنّ الـلـصـوص كـانـوا “مـن الّـذيـن يـسـمـونـهـم في بـلاد الـعـرب والأتـراك بـعـبـدة الـشّـيـطـان. وهـم كـثـيـرو الأعـداد في جـبـال كـردسـتـان. ومـا زالـوا يـتـكـلّـمـون لـغـة الـفـارثـيـيـن الـقـدمـاء”.

وسـارت الـقـافـلـة بـمـحـاذاة الـفـرات، ولـكـنّـهـا ابـتـعـدت عـنـه بـعـد ثـلاثـة أيّـام مـتّـجـهـة نـحـو جـنـوب الـشّـرق. وسـاروا في فـلاة قـاحـلـة تـغـطي أرضـهـا طـبـقـات مـن الـكـلـس الـجـيـري. “أرض أشـدّ جـفـافـاً مـن تـلـك الّـتي اجـتـزنـاهـا قـبـل أن نـصـل إلى الـفـرات، ويـمـكـن أن نـسـيـر مـسـافـة كـيـلـومـتـريـن مـن غـيـر أن نـرى فـيـهـا نـبـتـة واحـدة”. ثـمّ بـرد الـجـو وتـجـمّـدت الـمـيـاه في الـلـيـل.

ووصـلـوا في 16 تـشـريـن الـثّـاني إلى أرض رمـلـيـة وجـد فـيـهـا أنـدريـه مـيـشـو أعـداداً مـن نـبـاتـات أثـارت اهـتـمـامـه. ومـرّوا في الـيـوم الـتّـالي بـ “مـسـتـنـقـع مـلـحي”، سـاروا بـمـحـاذاتـه مـدّة خـمـس سـاعـات.

وكـتـب جـوزيـف دو بـوشـام، الّـذي كـان في الـقـافـلـة، أنّ “طـبـقـة الـمـلـح الـواسـعـة الإمـتـداد تـبـدو مـن بـعـيـد كـمـا لـو كـانـت بـحـراً”. وهـبّـت ريـح عـاصـفـة دامـت طـيـلـة الـنّـهـار مـلأت أعـيـنـهـم تـرابـاً، واقـتـلـعـت خـيـامـهـم عـنـدمـا أرادوا نـصـبـهـا. وكـتـب مـيـشـو : “وامـتـلأت مـلابـسـنـا بـالـرّمـال. ولـولا الـجـوع لـمـا اسـتـطـعـنـا ابـتـلاع الـطّـعـام الّـذي أعـدّه لـنـا الـخـدم”.

ونـصـبـوا خـيـامـهـم بـعـد ثـلاثـة أيّـام في مـوضـع اسـمـه “الـقـبّـة  kobey”، الّـذي كـانـت فـيـه : “بـعـض قـبـور الـمـحـمّـديـيـن”.  وعـلى بـعـد سـتّـة كـيـلـومـتـرات، وجـدوا “بـرج نـمـرود” أو “بـرج بـابـل” أي عـقـرقـوف، كـمـا كـان تـسـمى بـقـايـا زقّـورتـهـا. وبـلـغـوا في الـغـد ضـفـة نـهـر دجـلـة : “قـرب قـريـة يـسـمـونـهـا “إمـام مـوسى  Imam-Moussey”، بـاسـم مـحـمّـدي مـن جـمـاعـة عـلي، شـيّـدوا عـلى قـبـره جـامـع غـطّـيـت قـبـابـه بـطـابـوق مـزجـج”. ونـلاحـظ هـنـا أنّ الـقـبـاب لـم تـكـن غـطّـيـت بـعـد بـطـبـقـات مـن الـذّهـب.

ووصـلـوا إلى بـغـداد في 21 تـشـريـن الـثّـاني، بـعـد أن دامـت الـسّـفـرة مـن حـلـب 42 يـومـاً.

إقـامـة أنـدريـه مـيـشـو الأولى في بـغـداد :

وجـد أنـدريـه مـيـشـو وأصـحـابـه، قـبـل أن يـدخـلـوا الـمـديـنـة، الـمـبـشّـريـن الـكـارمـيـيـن (مـن جـمـاعـة الـكـارم) في انـتـظـارهـم. وقـدّمـوا لـهـم مـشـروبـات مـنـعـشـة. وكـان أمـام بـاب الـمـديـنـة مـسـؤولـون بـعـثـهـم سـلـيـمـان بـاشـا لـيـنـوبـوا عـنـه في اسـتـقـبـال جـان فـرنـسـوا روسـو، قـنـصـل فـرنـسـا، وأصـحـابـه الّـذيـن كـان مـن بـيـنـهـم أنـدريـه مـيـشـو، فـقـد كـان الـبـاشـا غـائـبـاً عـن الـمـديـنـة، يـحـاول قـمـع تـمـرد عـشـائـر الـخـزاعـل عـلى ضـفـاف جـنـوب الـفـرات.

وكـان عـلى رأس الـمـسـؤولـيـن نـعـمـان أفـنـدي، الـقـائـم مـقـام الـبـاشـا  kaimmakan، يـصـاحـبـه سـتّـة مـنـهـم عـلى خـيـول، وأربـعـة ضـبّـاط مـن الإنـكـشـاريـة، إضـافـة إلى الـمـبـشّـريـن الـكـارمـيـيـن، و”أهـمّ مـسـيـحـيي الـبـلـد”، كـمـا كـتـب روسـو لـوزيـر الـبـحـريـة، في حـيـن أنّ أنـدريـه مـيـشـو لا يـذكـر إلّا مـسـيـحـيـيـن اثـنـيـن.

ومـرّوا بـالـضّـاحـيـة الّـتي “لا يـسـكـنـهـا إلّا الـعـرب” في جـانـب الـكـرخ. “وعـرض الـنّـهـر هـنـا حـوالي 200 مـتـراً، عـلـيـه جـسـر قـوارب (حـوالي ثـلاثـيـن) يـؤدّي إلى الـمـديـنـة” أي جـانـب الـرّصـافـة. وهـنـا أبـدل جـان فـرنـسـوا روسـو وأصـحـابـه مـلابـسـهـم، وارتـدوا الـمـلابـس الأوربـيـة. (2)

وكـتـب جـان فـرنـسـوا روسـو : “ولـم تـدفـع الـجـرأة أحـداً مـن الأوربـيـيـن قـبـلي أن يـرتـدي الـمـلابـس الـفـرنـسـيـة. ولـكـنّي، عـنـدمـا أبـصـرت بـالإحـتـرام الّـذي اسـتـقـبـلـونـا بـه، دخـلـت الـمـديـنـة مـع كـلّ مـن مـعي بـمـلابـسـنـا الـفـرنـسـيـة. وهـكـذا تـجـوّلـنـا في الأسـواق. وقـد دعـوت الـتّـجّـار الإيـطـالـيـيـن أن يـرتـدوا مـلابـسـهـم الأوربـيـة مـثـلـنـا، رغـم احـتـجـاج مـنـدوب الإنـكـلـيـز في بـغـداد، وهـو أرمـني … وبـهـذا عـوّدت أهـل الـبـلـد وجـنـود الإنـكـشـاريـة عـلى احـتـرام الـقـبّـعـة ” !

وقـد أقـام الـجـمـيـع في مـنـزل الآبـاء الـكـارمـيـيـن في بـغـداد مـدّة شـهـريـن. وكـان أعـضـاء إرسـالـيـة الـكـارمـيـيـن الـتّـبـشـيـريـة في بـغـداد أنـذاك لا يـتـجـاوزون ثـلاثـة آبـاء.

ووجـد جـان فـرنـسـوا روسـو “داراً كـبـيـرة وجـمـيـلـة” أجّـرهـا ورتّـبـهـا وأثـثـهـا “لـتـلـيـق بـقـنـصـل فـرنـسـا”، كـمـا أنـشـأ فـيـهـا “مـخـازن تـكـفي لـلـقـيـام بـتـجـارة مـزدهـرة”.

وكـان وبـاء الـطّـاعـون قـد فـتـك بـأهـل بـغـداد قـبـل أن يـصـلـوا، وقـتـل مـنـهـم، حـسـب مـا كـتـبـه جـان فـرنـسـوا روسـو، ثـلاثـة أربـاعـهـم. ومـع ذلـك لـم تـفـقـد بـغـداد مـن أهـمّـيـتـهـا.

وذهـب أنـدريـه مـيـشـو بـصـحـبـة جـان فـرنـسـوا روسـو والـفـرنـسـيـيـن الآخـريـن لـزيـارة نـعـمـان أفـنـدي، الـقـائـم مـقـام الـبـاشـا : “والّـذي وضـع خـيـولـه تـحـت تـصـرفـنـا لـنـتـجـوّل في الـمـديـنـة ومـا حـولـهـا”.

واسـتـطـاع جـان فـرنـسـوا روسـو كـسـب مـودّة الـبـاشـا الّـذي وعـده بـتـفـضـيـل الـتّـجّـار الـفـرنـسـيـيـن عـلى الـتّـجّـار الإنـكـلـيـز. وكـتـب لـوزيـر الـبـحـريـة : “وقـد ازدهـرت بـغـداد الآن ونـمـت أكـثـر بـكـثـيـر مـمـا كـانـت عـلـيـه لـفـتـرة طـويـلـة. وتـأتـيـهـا كـلّ أسـبـوع قـوافـل مـن بـلاد الـفـرس، وتـنـطـلـق مـنـهـا أو مـن الـبـصـرة، كـلّ حـوالي شـهـريـن أو ثـلاثـة، قـوافـل إلى الـمـوصـل وحـلـب وديـار بـكـر وإسـطـنـبـول. وقـد جـاء إلى بـغـداد مـن الـبـصـرة أهـمّ تـجّـار الـيـهـود والأرمـن مـع عـوائـلـهـم، واسـتـقـرّوا فـيـهـا، وفـتـحـوا فـيـهـا مـحـلّات تـجـارة شـديـدة الـسّـعـة والـثّـراء”.

واسـتـطـاع روسـو أن يـبـيـع في بـغـداد جـزءاً كـبـيـراً مـن الـسّـلـع والـبـضـائـع الّـتي كـان قـد جـلـبـهـا مـعـه مـن مـرسـيـلـيـا : أقـمـشـة قـطـن وكـتـان وقـطـيـفـة وحـريـر، ومـصـنـوعـات مـن الـمـعـادن. واكـتـسـب مـن بـيـعـهـا أربـاحـاً طـائـلـة.

وأرسـل أنـدريـه مـيـشـو مـن بـغـداد “مـائـة نـوع مـن الـبـذور الـمـجـفـفـة لـنـبـاتـات” اكـتـشـفـهـا في الـمـنـطـقـة. ووصـلـت بـعـد ذلـك إلى مـيـنـاء طـولـون في جـنـوب فـرنـسـا.

وصـف أنـدريـه مـيـشـو لـبـغـداد :

كـتـب أنـدريـه مـيـشـو عـن أسـوار بـغـداد الـمـشـيّـدة بـالـطّـابـوق، والّـتي تـحـيـط بـهـا خـنـادق، أنّـهـا “تـتـطـلّـب سـاعـة كـامـلـة مـن الـمـسـيـر عـلى حـصـان لـنـسـتـطـيـع إكـمـال دورتـنـا حـولـهـا”، “وهي جـيّـدة الـصّـيـانـة، ولـكـنّـهـا لا تـسـتـطـيـع مـقـاومـة الـمـدافـع الأوربـيـة”. ولـكـنّـه أضـاف : “ومـع ذلـك، فـإذا مـا تـذكّـرنـا أنّ الـبـصـرة بـأسـوارهـا الـطّـيـنـيـة لـم تـسـتـسـلـم أمـام مـدافـع الـفـرس، وقـاومـتـهـا مـدّة ثـلاثـة عـشـر شـهـراً، فـيـمـكـنـنـا الإعـتـقـاد بـأنّ بـغـداد يـمـكـنـهـا أن تـقـاوم الـهـجـومـات مـدّة أطـول”.

“وتـنـتـصـب قـلـعـة صـغـيـرة في شـمـال غـرب الـمـديـنـة ، بـيـن الأسـوار والـنّـهـر. ويـقـع في أسـفـلـهـا قـصـر الـبـاشـا. ونـجـد مـنـطـقـة الـتّـجـارة قـرب الـنّـهـر, وفـيـهـا عـدّة أسـواق مـسـقّـفـة”.

وفي الأراضي الّـتي تـسـقـيـهـا مـيـاه الـنّـهـر “زرعـوا نـخـيـلاً وأشـجـار نـارنـج ولـيـمـون، وكـلّ أنـواع الـخـضـروات”.

ووجـد أنـدريـه مـيـشـو “الـمـواد الـغـذائـيـة رخـيـصـة في الـمـديـنـة، وكـذلـك لـحـوم الـحـيـوانـات الّـتي تـقـنـص أو تـصـاد. ونـجـد فـيـهـا أكـوامـاً مـن الأسـمـاك”. ولاحـظ أنّ الـمـنـازل والـجـوامـع شـيّـدت بـالـطّـابـوق.

ومـع أنّ أنـدريـه مـيـشـو أقـام في بـغـداد ثـلاثـة أشـهـر وعـشـرة أيّـام، أي أكـثـر مـن سـبـعـيـن يـومـاً وهـو في طـريـق ذهـابـه إلى بـلاد الـفـرس، ثـمّ ثـلاثـة أشـهـر ونـصـف في طـريـق عـودتـه مـنـهـا، فـلـم يـكـتـب عـنـهـا أكـثـر مـن ذلـك. ولـم يـذكـر شـيـئـاً عـن مـعـالـم بـغـداد. وكـان هـمّـه الـبـحـث عـن “الآثـار الـقـديـمـة”  : “لـم أرَ [في بـغـداد] أثـراً قـديـمـاً واحـداً، مـا عـدا عـمـود مـن صـخـر الـغـرانـيـت طـرح عـلى الأرض، ويـسـتـعـمـل كـعـتـبـة لإحـدى بـوابـات الـمـديـنـة”.

وهـو يـذكـر أنّـه رأى في الـمـنـطـقـة عـدداً مـن الأبـراج الـعـالـيـة، ومـنـهـا “بـرج نـمـرود”. وهـو كـمـا سـبـق أن رأيـنـا بـقـايـا زقّـورة عـقـرقـوف الّـتي أبـصـر بـهـا مـن بـعـيـد قـبـل أن تـصـل الـقـافـلـة إلى بـغـداد. كـمـا رأى بـرجـيـن يـسـمى كـلّ واحـد مـنـهـمـا بـبـرج بـابـل، أوّلـهـمـا عـلى ضـفـة الـفـرات في مـديـنـة هـيـت، “شـديـد الـضّـخـامـة حـتّى أنّ الـنّـاس يـقـتـلـعـون حـجـارتـه لـيـبـنـوا بـهـا مـنـازلـهـم، ويـبـعـثـون بـبـعـضـهـا إلى بـغـداد”، والـثّـاني عـلى نـهـر الـفـرات أيـضـاً، قـرب الـحـلّـة.

وغـادر أنـدريـه مـيـشـو بـغـداد في الأوّل مـن شـهـر آذار 1783مـتّـجـهـاً إلى الـبـصـرة، بـصـحـبـة “فـرنـسي ذاهـب إلى الـهـنـد لـيـجـمـع ثـروة فـيـهـا”، وواحـد مـن آبـاء بـغـداد الـكـارمـيـيـن الـثّـلاثـة”. وانـطـلـقـوا يـمـتـطـون صـهـوات خـيـول مـع خـدمـهـم.

وكـتـب أنـدريـه مـيـشـو أنّـهـم عـبـروا في الـيـوم الـتّـالي عـدداً مـن قـنـوات الـرّي الّـتي تـجـلـب الـمـيـاه مـن دجـلـة أو مـن الـفـرات. وتـوجّـهـوا في الـيـوم الـثّـالـث نـحـو الـحـلّـة. ومـرّوا قـبـل وصـولـهـم إلـيـهـا بـ “بـرج لـه بـعـض الـضّـخـامـة. وهـو مـن تـلـك الّـتي تـدعى بـبـرج بـابـل”. ولاحـظ أنّ الـحـلّـة كـثـيـرة الـسّـكّـان لـخـصـوبـة أراضـيـهـا”، “وفـيـهـا كـثـيـر مـن الأسـواق والـجـوامـع الّـتي يـغـطّي مـنـائـرهـا طـابـوق مـزجـج”.

وأوصـلـهـم مـركـب عـلى نـهـر الـفـرات إلى مـعـسـكـر سـلـيـمـان بـاشـا، عـلى بـعـد كـيـلـومـتـرات مـن الـحـلّـة. وكـان الـبـاشـا، كـمـا سـبـق أن ذكـرنـا، يـحـاول إخـمـاد تـمـرد عـشـائـر الـخـزاعـل.

وتـمـلـكـت مـيـشـو الـدّهـشـة لـرؤيـة “جـوامـيـس تـعـبـر الـنّـهـر، لا نـرى مـنـهـا إلّا أطـراف مـنـاخـيـرهـا، وعـلى ظـهـر كـلّ مـنـهـا رجـل”.

ورغـم أنّ أنـدريـه مـيـشـو لـم يـسـتـطـع مـقـابـلـة سـلـيـمـان بـاشـا بـنـفـسـه، فـقـد بـعـث لـه الـبـاشـا بـمـن يـحـمـل لـه رسـائـل لـمـسـؤولي الـقـرى والـمـدن تـطـلـب مـنـهـم الـسّـمـاح لـه بـالـمـرور. كـمـا أرسـل لـه جـوكـادار عـلى رأس خـمـسـة رجـال مـسـلـحـيـن لـيـصـاحـبـوه وأصـحـابـه ولـيـحـرسـوهـم.

وفي 7 آذار كـتـب أنـدريـه مـيـشـو أنّـهـم واجـهـوا “حـوالي سـتـيـن رجـلاً بـرمـاح في أيـديـهـم. وكـان أغـلـبـهـم عـراة إلّا مـن حـزم حـول خـواصـرهـم. وكـان بـعـضـهـم حـاسـري الـرؤوس، وبـأيـدي ثـلاثـة أو أربـعـة مـنـهـم درق تـغـطـيـهـا جـلـود وحـيـدات الـقـرون. وكـان أحـدهـم يـرتـدي درعـاً مـن الـزّرد (أي مـن حـلـق الـحـديـد). وكـانـوا يـتـصـايـحـون ويـتـصـارخـون بـأصـوات عـالـيـة”. وبـعـد مـحـاولات لـلـتّـفـاهـم مـعـهـم، أدركـوا أنّـهـم مـن عـشـيـرة لـهـا عـلاقـات طـيـبـة مـع الـبـاشـا. وتـرك الـرّجـال أنـدريـه مـيـشـو وأصـحـابـه يـمـرّون بـسـلام.

ومـرّوا في 8 آذار بـعـدّة عـشـائـر أخـرى سـالـمـت الـبـاشـا. والـتـقـوا في أواخـر عـصـر ذلـك الـيـوم بـاثـني عـشـر رجـلاً : ” أشـدّ بـؤسـاً مـن أولـئـك الّـذيـن رأيـنـاهـم بـالأمـس. وكـانـوا شـبـه عـراة، مـن عـشـائـر تـعـاهـدت مـع الـخـزاعـل ضـدّ الـبـاشـا”، ولـكـنّـهـم تـركـوهـم يـمـرّون بـسـلام “فـقـد كـانـوا مـتـعـبـيـن إلى حـدّ الإنـهـاك”. ووصـلـوا بـعـد غـروب الـشّـمـس إلى الـسّـمـاوة. وأخـذوهـم إلى مـوظـف يـجـبي ضـريـبـة مـرور عـلى كـلّ مـسـافـر. وأروه رسـائـل الـبـاشـا فـعـفـاهـم مـن دفـعـهـا.

وفي الـسّـمـاوة، وجـد لـهـم الـجـوكـادار مـركـبـاً يـوصـلـهـم إلى الـبـصـرة. وتـركـهـم هـو ورجـالـه الـخـمـسـة الـمـسـلّـحـيـن لـيـعـودوا إلى مـعـسـكـر الـبـاشـا قـرب الـحـلّـة.

وبـعـد يـومـيـن، في 10 آذار، غـيّـر أنـدريـه مـيـشـو وأصـحـابـه مـركـبـهـم في قـريـة كـول، ودخـلـوا في الـمـنـطـقـة الّـتي كـانـت تـحـت سـيـطـرة عـشـائـر الـمـنـتـفـق، والّـتي كـانـت قـد سـالـمـت سـلـيـمـان بـاشـا : “ورجـال هـذه الـعـشـائـر كـثـيـرون، حـتّى أنّـهـم جـمـعـوا عـدّة مـرّات وبـأقـلّ مـن أسـبـوع بـيـن خـمـسـيـن ألـفـاً وسـتـيـن ألـف مـقـاتـل لـيـسـانـدوا الـبـاشـا”. وكـتـب مـيـشـو : “ويـعـيـش أفـراد عـشـائـر الـمـنـتـفـق، مـثـلـهـم مـثـل الـخـزاعـل، في مـسـاكـن مـن الـقـصـب وجـذوع الـنّـخـيـل. وكـثـيـر مـنـهـا بـالـغـة الأنـاقـة، شـيّـدت بـتـنـاسـق بـيـن مـقـايـيـس أجـزائـهـا”.

ومـرّوا في 11 آذار بـالـقـرنـة. ولاحـظ أنـدريـه مـيـشـو “بـقـايـا تـحـصـيـنـات وأبـراج” كـان الـبـرتـغـالـيـون قـد شـيّـدوهـا في الـقـرن الـسّـابـق عـنـدمـا أقـامـوا فـيـهـا لـلـتّـجـارة. كـمـا لا حـظ أنّ الـنـهـر تـحـيـط بـه مـن جـانـب غـابـات نـخـيـل وقـرى عـرب مـنـازلـهـا مـن قـصـب، ومـن الـجـانـب الـمـقـابـل “أهـوار واسـعـة مـمـتـدّة مـتـتـابـعـة يـغـطي الـقـصـب أجـزاء كـبـيـرة مـنـهـا. ونـرى فـيـهـا أنـواعـاً مـنـوّعـة مـن الـطّـيـور الـمـائـيـة : أصـنـاف مـن الـبـجـع الـطّـائـر (أبـو جـراب) ومـن الـبـطّ  والإوز. ويـتـجـمـع الـبـجـع الـطّـائـر في أسـراب مـن ثـلاثـيـن إلى خـمـسـيـن”.

ووصـل أنـدريـه مـيـشـو ومـصـاحـبـيـه إلى الـبـصـرة في 12 آذار. وأقـامـوا في الـبـدايـة في ديـر الـمـبـشـريـن الـكـارمـيـيـن. ولـكـنّ مـيـشـو الّـذي كـان قـد تـخـاصـم مـع الأب الـكـرمـلي الّـذي صـاحـبـه في سـفـرتـه لـم تـعـجـبـه بـعـد ذلـك صـحـبـة الـكـارمـيـيـن.

وذكـر أنـدريـه مـيـشـو أنّ جـمـاعـات مـن عـشـيـرة Chaabs  الّـتي كـان يـتـرأسـهـا الـشّـيـخ عـلي خـلـفـان  Cheikh Ali Khalfan، والـمـقـيـمـة بـيـن الـبـصـرة والـبـحـر (أي الـخـلـيـج)، والـمـسـانـدة لـبـلاط بـلاد فـارس، كـانـت تـهـاجـم أسـواق الـبـصـرة ودور أغـنـيـاء الأتـراك وتـنـهـبـهـا. وكـانـت هـذه الـعـشـيـرة في صـراع دائـم مـع سـكّـان مـيـنـاء الـقـريـن  Grèn  (كـمـا كـان مـيـنـاء الـكـويـت يـسـمى بـالـلـغـة الـفـارسـيـة). وكـتـب مـيـشـو أنّ “عـرب مـيـنـاء الـقـريـن في حـرب مـع عـرب بـو شـهـر وبـنـدر ريـغ الّـذيـن خـيّـمـوا عـلى ضـفـاف الـنّـهـر (شـطّ الـعـرب)، مـمـا يـجـعـل الـمـرور بـه شـديـد الـخـطـورة”.

وكـتـب جـوزيـف دولـوز في مـقـال نـشـره عـن أنـدريـه مـيـشـو عـام 1804 : “أقـام مـيـشـو في الـبـصـرة سـتّـة أشـهـر لـيـجـمـع مـعـلـومـات عـن بـلاد فـارس، وأنّ يـحـسّـن مـعـرفـتـه بـالـلـغـة الـفـارسـيـة. وقـد ألّـف قـامـوسـاً لـهـذه الـلـغـة مـا زال عـنـدي. وهـو ضـخـم الـحـجـم”. (3)

وكـتـب أنـدريـه مـيـشـو : “لا أسـتـطـيـع مـلأ أوقـات فـراغي في الـبـصـرة بـبـحـثي عـن الـنّـبـاتـات، فـالأرض هـنـا تـغـطّـيـهـا طـبـقـة مـن الأمـلاح، ولا يـنـبـت فـيـهـا شئ. والـنّـهـر (أي شـطّ الـعـرب) مـن الـقـرنـة وحـتّى الـبـحـر (أي الـخـلـيـج) لـيـس عـلى ضـفـتـيـه إلّا غـابـات نـخـيـل يـجـلـب لـهـا الـمـدّ مـيـاه تـسـقـيـهـا. ولـولاه لـصـارت صـحـراء قـاحـلـة”.

كـمـا كـتـب بـعـد ذلـك، في “مـذكّـرة عـن الـنّـخـيـل” قـرأهـا أمـام أعـضـاء “مـعـهـد فـرنـسـا” عـام 1799، ونـشـرهـا عـام 1801 : “تـقـدّر ثـروة سـاكـن الـبـصـرة بـعـدد الـنّـخـيـل الّـتي يـمـتـلـكـهـا. ونـجـد بـيـنـهـم مـن يـمـتـلـكـون ألـفـيـن أو ثـلاثـة آلاف نـخـلـة” (4) وذكـر فـيـهـا مـا كـان قـد سـمـعـه مـن أهـل الـبـصـرة : “في زمـن حـكـم كـريـم خـان [1775ــ 1776]، ضـربـت الـقـوّات الـفـارسـيـة الـحـصـار أمـام الـبـصـرة، وخـرّبـت مـا بـيـن الـمـديـنـة والـخـلـيـج، وقـلـعـت كـلّ نـخـلـة ذكـر مـن جـذورهـا لـكي لا تـثـمـر الـنـخـيـل الـبـاقـيـة بـعـد ذلـك. وقـد اسـتـطـاع الأغـنـيـاء مـن مـلّاكـهـا شـراء طـلـع ذكـر جـلـبـوه لـهـم مـن مـنـاطـق أخـرى وبـأسـعـار بـاهـظـة. ولـكـنّ بـعـض مـلّاكـهـا، الّـذيـن كـانـوا قـد جـربـوا مـصـائـب حـروب قـبـلـهـا، إحـتـاطـوا وجـمـعـوا طـلـعـاً مـن الـسّـنـة الـسّـابـقـة حـفـظـوهـا في قـواريـر مـن الـزّجـاج. وأثـمـرت نـخـيـلـهـم الأنـثى تـمـامـاً مـثـل تـلـك الّـتي اشـتـري لـهـا طـلـع طـازج”.

ولـم يـكـتـب أنـدريـه مـيـشـو شـيـئـاً عـن مـديـنـة الـبـصـرة الّـتي يـبـدو أنّـهـا لـم تـثـر اهـتـمـامـه.

في حـبـس الـشّـيـخ :

وفي بـدايـة شـهـر أيـلـول، أبـلـغ الـقـنـصـل الإنـكـلـيـزي أنـدريـه مـيـشـو أنّـه أجّـر سـفـيـنـة مـن سـفـن أهـل الـبـلـد لـلـذّهـاب عـبـر الـخـلـيـج إلى بـوشـهـر، واقـتـرح عـلـيـه مـكـانـاً لـه عـلـيـهـا. وأكّـد لـه الـقـنـصـل أنّ عـلاقـاتـه بـالـشّـيـخ عـلي خـلـفـان كـانـت طـيّـبـة، وأعـطـاه رسـالـه لـه لـيـسـهّـل لـه الـنّـزول في بـوشـهـر. وركـب أنـدريـه مـيـشـو الـسّـفـيـنـة بـصـحـبـة أب مـن جـمـاعـة الـدّومـيـنـيـكـان الـدّيـنـيـة.

وبـعـد يـومـيـن مـن إقـلاع الـسّـفـيـنـة، أوقـفـتـهـا عـدّة مـراكـب تـعـود لـلـشـيـخ عـلي خـلـفـان، وأجـبـرت أنـدريـه مـيـشـو ومـصـاحـبـه عـلى الـصـعـود عـلى مـركـب “نـائـب الـشّـيـخ”. وأخـذت مـنـهـمـا كـلّ أمـتـعـتـهـمـا، “مـا عـدا الـكـتـب والأدويـة وبـعـض الـمـلابـس الأوربـيـة”. وقـادهـمـا “نـائـب الـشّـيـخ” نـحـو سـفـيـنـة عـلي خـلـفـان في وسـط مـصـبّ نـهـر الـكـارون.

وقـد فُـتّـش أنـدريـه مـيـشـو ومـصـاحـبـه مـن جـديـد أمـام الـشّـيـخ، وأخـذ مـنـهـمـا بـعـض مـا كـان قـد تـرك لـهـمـا مـن قـبـل. وأمـر الـشّـيـخ بـان تـمـلأ لـهـمـا اسـتـمـارة تـسـجّـل فـيـهـا كـمـيـات مـا أخـذ مـنـهـمـا وقـيـمـتـه، ووضـعـهـمـا في حـبـس تـحـت الـمـراقـبـة.

وكـتـب أنـدريـه مـيـشـو : “وفي كـلّ الـفـتـرة الّـتي كـنـت فـيـهـا عـنـد هـؤلاء الـعـرب، لـم أأكـل سـوى الـتّـمـر. وكـان الـشّـيـخ يـبـعـث لي في الـمـسـاء بـصـحـن مـن الـرّز”.

وقـد أرسـل سـلـيـمـان، بـاشـا بـغـداد، في تـلـك الأيّـام، حـاكـمـاً جـديـداً لـلـبـصـرة. وطـلـب مـن شـيـخ الـمـنـتـفـق أن يـعـيـنـه ضـدّ رجـال عـلي خـلـفـان الّـذيـن انـسـحـبـوا أمـام قـوات الـمـنـتـفـق، عـلى عـجـلـة نـحـو نـهـر الـكـارون. وكـتـب أنـدريـه مـيـشـو : “وكـنـت شـاهـداً عـلى مـصـائـب لا يـمـكـن وصـفـهـا سـبـبـتـهـا الـفـوضى والـهـيـجـان. صـراخ الـنّـسـاء والأطـفـال وعـويـلـهـم وصـيـاح الـحـيـوانـات أثـار في نـفـسي أسىً لا أسـتـطـيـع وصـف مـداه”.

وقـاده رجـال الـشّـيـخ عـلي خـلـفـان في الـيـوم الـتّـالي، 18 أيـلـول 1783، إلى مـصـبّ نـهـر الـكـارون. ووجـد هـنـاك الـشّـيـخ مـع عـدد مـن أصـحـابـه الّـذيـن قـدّر أنـدريـه مـيـشـو أعـدادهـم “بـيـن سـبـعـة آلاف إلى ثـمـانـيـة آلاف”، و”كـانـت لـهـم خـمـس سـفـن”.

وأطـلـق الـشّـيـخ سـراح أنـدريـه مـيـشـو بـعـد أن تـوسّـط لـه الـقـنـصـل الإنـكـلـيـزي، وأعـاد لـه أغـلـب مـا كـان قـد أُخـذ مـنـه “مـاعـدا آلاتي الّـتي كـنـت أسـتـعـمـلـهـا في أبـحـاثي : مـيـكـروسـكـوب ونـظّـارة مـكـبّـرة بـثـلاث عـدسـات ونـظّـارة رصـد فـلـكـيـة وبـارومـتـر وثـرمـومـتـر (لـقـيـاس الـحـرارة)”. كـمـا لـم يـعـيـدوا لـه “أودات طـبـخ لـلأسـفـار”، وبـعـض مـلابـسـه. وهـنـا أذكّـر الـقـارئ الـعـزيـز بـأنّ الـمـسـافـريـن الأوربـيـيـن كـان لـهـم خـدم وطـبّـاخـون يـصـاحـبـونـهـم، رغـم أنّـهـم لا يـذكـرونـهـم إلّا نـادراً في سـرود رحـلاتـهـم. ولا شـكّ في أنّـهـم كـانـوا مـعـه.

وبـعـد هـذه الأحـداث، تـرك أنـدريـه مـيـشـو الـعـراق في 21 أيـلـول، ودخـل في بـلاد فـارس بـحـثـاً عـن نـبـاتـات وأشـجـار جـديـدة. وبـعـد أن زار شـيـراز وأصـفـهـان، إتّـجـه نـحـو الـشّـمـال حـتّى وصـل إلى مـديـنـة هـمـدان، ومـنـهـا إلى بـحـر قـزويـن الّـذي تـأمّـل ضـفـافـه في أواخـر شـهـر حـزيـران وشـهـر تـمّـوز 1784.

وعـاد مـن جـديـد إلى هـمـدان. وكـتـب فـيـهـا : “وفـوجـئـت، عـنـد وصـولي إلـيـهـا بـسـمـاع أنّ قـافـلـة كـانـت قـد تـهـيـأت لـمـغـادرة الـمـديـنـة مـتّـجـهـة إلى بـغـداد. واغـتـنـمـت الـفـرصـة بـسـرعـة، وتـركـت هـمـدان في 23 آب ووصـلـت إلى بـغـداد في 14 أيـلـول”. وهـكـذا عـاد أنـدريـه مـيـشـو مـن جـديـد إلى بـغـداد عـن طـريـق كـرمـنـشـاه وبـعـقـوبـة، بـعـد أن سـارت الـقـافـلـة مـسـافـة تـقـارب الـ 600 كـيـلـومـتـراً في 22 يـومـاً.

إقـامـة أنـدريـه مـيـشـو الـثّـانـيـة في بـغـداد :

كـان عـلى أنـدريـه مـيـشـو أن يـنـتـظـر في بـغـداد رجـوع الـقـنـصـل الـفـرنـسي جـان فـرنـسـوا روسـو إلـيـهـا لـيـقـدّم لـه تـقـريـره عـن سـفـرتـه في بـلاد الـفـرس. وقـد كـان الـقـنـصـل في الـبـصـرة مـنـذ عـام، لا يـسـتـطـيـع الـخـروج مـنـهـا. وقـد حـاول في فـصـل الـرّبـيـع الـسّـابـق أن يـصـعـد مـنـهـا نـحـو بـغـداد عـن طـريـق الـفـرات، ولـكـنّ تـمـرد عـشـائـر الـخـزاعـل ضـدّ الـبـاشـا أوقـفـه في الـحـلّـة ومـنـعـه مـن إكـمـال طـريـقـه، وأجـبـره عـلى الـرّجـوع إلى الـبـصـرة مـن جـديـد.

وكـان أنـدريـه مـيـشـو يـنـوي الـذّهـاب إلى الـمـوصـل بـصـحـبـة قـافـلـة مـتّـجـهـة إلى حـلـب، ولـكـنّـه شـاهـدهـا تـشـدّ رحـالـهـا وتـغـادر بـغـداد في بـدايـة تـشـريـن الأوّل، بـيـنـمـا كـان هـو مـجـبـراً عـلى الـبـقـاء في بـغـداد يـنـتـظـر رجـوع الـقـنـصـل إلـيـهـا.

وخـلال الأسـابـيـع الـطّـويـلـة الّـتي قـضـاهـا في بـغـداد مـنـتـظـراً رجـوع الـقـنـصـل، تـجـوّل حـول بـغـداد، يـتـفـحّـص نـبـاتـاتـهـا وأشـجـارهـا. كـمـا تـفـحّـص قـنـوات الـرّي الّـتي أثـارت اهـتـمـامـه، وتـتـبّـعـهـا.

ووجـد قـطـعـة مـن صـخـر الـدّيـوريـت الأسـود، بـيـضـويـة الـشّـكـل، مـسـتـديـرة الأطـراف، (إرتـفـاعـهـا 46 سـم. وعـرضـهـا 20 سـم. وتـزن حـوالي 22  كـيـلـوغـرامـاً)، أسـمـيـت بـعـد عـودتـه بـهـا إلى فـرنـسـا بـ “حـصـاة مـيـشـو”. وكـان عـلـيـهـا أوّل نـصّ كـامـل بـالـكـتـابـة الـمـسـمـاريـة يـصـل إلى أوربـا، رغـم أنّ أوربـا كـانـت قـد عـرفـت مـقـاطـع قـصـيـرة مـن نـصـوص مـسـمـاريـة قـبـل ذلـك.

وهـذه الـقـطـعـة الـصّـخـريـة “كـودورو”، سـجّـلـت عـلـيـه بـالـكـتـابـة الـمـسـمـاريـة وثـيـقـة رسـمـيـة تـشـهـد عـلى أنّ رجـلاً وهـب ابـنـتـه  كـهـديـة لـعـرسـهـا قـطـعـة أرض زراعـيـة، في بـلاد بـابـل.

والـنّـص بـالـلـغـة الأكّـديـة، وبـالـلـهـجـة الـبـابـلـيـة مـن فـتـرتـهـا الـمـتـوسّـطـة. يـعـود تـاريـخـه إلى زمـن الـمـلـك مـردوخ ــ نَـديـن ــ أخي الّـذي حـكـم مـن 1099 إلى 1082، والّـذي كـان مـن سـلالـة إيـسـن الـثّـانـيـة.

وقـد كـتـب أنـدريـه مـيـشـو أنّـه وجـده : “عـلى بـعـد مـسـيـرة يـوم  جـنـوب بـغـداد”، في مـوضـع يـدعى “بـسـاتـيـن سـمـيـرامـيـس Les Jardins de Sémiramis  “، قـرب نـهـر دجـلـة. وأضـاف : “وتـدلّ هـذه الـخـرائـب عـلى أنّـهـا كـانـت مـبـاني شـديـدة الـهـيـبـة، فـمـا زلـنـا نـرى فـيـهـا سـراديـب واسـعـة الـمـسـاحـات، وقـنـوات لـجـلـب الـمـيـاه … إلـخ”.

وغـالـبـاً مـا نـقـرأ أنّ مـيـشـو وجـد “الـحـصـاة” في طـيـسـفـون، قـرب طـاق كـسـرى، ولـكـنّ بـعـض الـبـاحـثـيـن حـددوا الـمـوقـع بـأنّـه كـان عـلى بـعـد أربـعـة كـيـلـومـتـرات مـن طـيـسـفـون، في مـكـان يـدعى بـ “الـبـسـتـان”.

ويـمـكـن لـلـقـارئ الـعـزيـز أن يـطّـلـع عـلى مـقـالي الّـذي نـشـرتـه عـن هـذا الـكـودورو : « حـصـاة مـيـشـو » الـمـسـمـاريـة .

وفي 28 كـانـون الأوّل رجـع الـقـنـصـل فـرنـسـوا روسـو إلى بـغـداد. وقـدّم لـه أنـدريـه مـيـشـو تـقـريـره عـن مـا وجـده مـن نـبـاتـات، وخـاصّـة في شـمـال بـلاد فـارس. وكـتـب روسـو أنّ مـيـشـو قـد قـام بـاكـتـشـافـات مـهـمّـة لـتـحـسـيـن مـعـارفـنـا بـالـنّـبـاتـات. وتـكـلّـم مـيـشـو لـلـقـنـصـل روسـو عـن مـشـروعـه لـلـقـيـام بـرحـلـة ثـانـيـة انـطـلاقـاً مـن حـلـب ثـمّ الـبـصـرة نـحـو قـنـدهـار وكـشـمـيـر، وربّـمـا أبـعـد مـن ذلـك في أعـمـاق الـشّـرق إلى الـصّـيـن، وأنّـه سـيـتـعـمّـق في تـنـظـيـم هـذا الـمـشـروع بـعـد عـودتـه إلى بـاريـس. وكـان يـنـوي أن يـطـلـب مـن الإدارة الـمـلـكـيـة تـمـويـلـه. وسـنـرى بـعـد قـلـيـل لـمـاذا لـم يـتـحـقـق مـشـروعـه.

وكـان أنـدريـه مـيـشـو قـد اسـتـعـدّ لـتـرك بـغـداد بـصـحـبـة قـافـلـة ذاهـبـة إلى حـلـب عـبـر الـبـاديـة. وقـد غـادر بـغـداد مـعـهـا في 30 كـانـون الـثّـاني، أي بـعـد يـومـيـن فـقـط مـن رجـوع الـقـنـصـل روسـو إلـيـهـا. ووصـلـت الـقـافـلـة إلى حـلـب في 31 مـن شـهـر كـانـون الـثّـاني 1785. وسـافـر أنـدريـه مـيـشـو مـن حـلـب إلى الـلاذقـيـة، ومـنـهـا إلى قـبـرص ثـمّ إلى مـرسـيـلـيـا في جـنـوب فـرنـسـا الّـتي وصـلـهـا في 22  حـزيـران.

بـعـد الـرّحـلـة الـشّـرقـيـة :

وصـل أنـدريـه مـيـشـو  إلى بـاريـس في شـهـر تـمّـوز، وأهـدى لـلـبـلاط طـائـريـن مـن صـنـف الـكـركي، بـلـونـيـن : رمـادي وأسـود،  كـان قـد جـلـبـهـمـا مـعـه. وكـتـب أنّـهـمـا : “مـن الـطّـيـور الّـتي تـتـكـاثـر عـلى ضـفـتـي دجـلـة والـفـرات”.

وفي 13 تـمّـوز 1785، أي بـعـد عـدّة أيّـام مـن رجـوعـه مـن الـشّـرق، عـيّـنـه الـمـلـك لـويـس الـسّـادس عـشـر كـخـبـيـر نـبـاتـات في الـحـدائـق الـمـلـكـيـة.

وبـدأ بـكـتـابـة سـرد لـرحـلـتـه عـنـونـه : يـومـيـات سـفـرتي إلى بـلاد  الـفـرس              Journal de mon voyage en Perse

وقـدّم أنـدريـه مـيـشـو مـشـروعـه لـلـعـودة إلى الـشّـرق والـتّـوغـل في أعـمـاقـه حـتّى الـصّـيـن، ولـكـنّ تـغـيـيـرات الـسّـيـاسـة الـعـالـمـيـة وحـصـول الـولايـات الـمـتّـحـدة الأمـريـكـيـة عـلى اسـتـقـلالـهـا، دفـعـت الـحـكـومـة الـفـرنـسـيـة لإرسـال بـعـثـة إلـيـهـا. وأضـيـف إلى مـهـمـاتـهـا جـانـب عـلـمي لـلـحـصـول عـلى أشـجـار مـن أمـريـكـا لـتـنـويـع الـغـابـات الـفـرنـسـيـة وتـحـسـيـنـهـا. وبـدلاً مـن يـرسـل أنـدريـه مـيـشـو إلى أقـصى الـشّـرق كـمـا كـان يـنـوي، فـقـد أجـبـر عـلى مـصـاحـبـة الـبـعـثـة إلى أقـصى الـغـرب.

ولـم يـسـتـطـع إكـمـال كـتـابـة سـرد رحـلـتـه الـشّـرقـيـة، فـقـد غـادر بـاريـس ثـلاثـة أشـهـر بـعـد رجـوعـه مـن الـشّـرق إلى الـولايـات الـمـتّـحـدة الأمـريـكـيـة.

ولـم يـنـشـر سـرد مـيـشـو، الّـذي لـم يـكـمـلـه أبـداً، عـن رحـلـتـه إلى الـشّـرق وإقـامـتـه فـيـه. ومـا زالـت مـخـطـوطـتـه مـحـفـوظـة في مـكـتـبـة مـديـنـة مـرسـيـلـيـا. كـتـبـه في جـزأيـن : الـجـزء الأوّل في دفـتـريـن، يـحـتـوي كـلّ مـنـهـمـا عـلى 32 صـفـحـة، وخـصّـصـه لـمـروره بـسـوريـا والـعـراق. أمّـا الـجـزء الـثّـاني الّـذي يـتـكـلّـم فـيـه عـن بـلاد الـفـرس فـقـد ضـاع بـكـامـلـه تـقـريـبـاً واخـتـفى.

وأقـام أنـدريـه مـيـشـو في الـولايـات الـمـتّـحـدة الأمـريـكـيـة إحـدى عـشـرة سـنـة، وعـاد مـنـهـا إلى بـاريـس في أواخـر عـام 1796، أي بـعـد سـقـوط الـمـلـكـيـة.

وفي عـام 1800، صـاحـب بـعـثـة إلى أسـتـرالـيـا، ولـكـنّـه تـركـهـا في جـزيـرة مـوريـس في الـمـحـيـط الـهـنـدي في نـيـسـان 1801. ومـنـهـا أبـحـر إلى جـزيـرة مـدغـشـقـر الّـتي وافـاه الأجـل فـيـهـا في تـشـريـن الأوّل مـن عـام 1802.

مـلـحـق

لـم يـكـتـب أحـد عـن رحـلـة أنـدريـه مـيـشـو إلى الـشّـرق حـتّى عـام 1908، عـنـدمـا نـشـر الـدّكـتـور إرنـسـت ــ تـيـودور هـامي   Ernest-Théodore Hamy،(رئـيـس الـجـمـعـيـة الـجـغـرافـيـة في بـاريـس، والأسـتـاذ في مـتـحـف الـتّـاريـخ الـطـبـيـعي)، أوّل دراسـة عـنـهـا عـنـونـهـا : رحـلـة أنـدريـه مـيـشـو في سـوريـا وبـلاد الـفـرس (1782ــ  1785)، إعـتـمـاداً عـلى نـصّ يـومـيـاتـه  وعـلى مـراسـلاتـه                                                             Voyage d’André Michaux en Syrie et Perse (1782-1785) d’après son journal et sa correspondance

وفي عـام 1986، نـشـر هـنـري وإلـيـزابـيـث سـافـج Henri and Elizabeth Savage  دراسـة بـالـلـغـة الإنـكـلـيـزيـة عـن أنـدريـه مـيـشـو وابـنـه فـرنـسـوا ــ أنـدريـه :

André and François Michaux, University Press of Virginia

ونـشـرت آخـر دراسـة عـنـه بـالـلـغـة الـفـرنـسـيـة، عـام 2014، وهي الّـتي قـام بـهـا الـفـرنـسي ريـجـيـس بـلـوشـيـه

Régis Pluchet, L’extraordinaire voyage d’un botaniste en Perse. Privat, Toulouse 2014

وهي دراسـة شـديـدة الأهـمـيـة لـوفـرة الـمـعـلـومـات الّـتي جـاءت فـيـهـا، ووضـعـهـا في سـيـاقـهـا الـتّـاريـخي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أنـظـر مـقـالي : الـبـغـداديـون في الـقـرن الـثّـامـن عـشـر كـمـا رآهـم الـفـرنـسي بـوشـام

(2)  كـانـت مـلابـس الـقـنـاصـلـة الـفـرنـسـيـيـن في ذلـك الـحـيـن تـتـألّـف مـن سـتـرة وسـروال أحـمـر، يـرتـدون فـوقـهـمـا مـعـطـف مـن الـقـمـاش الأزرق تـزيّـنـه أشـرطـة ذهـبـيـة، وقـبـعـة عـلى الـرّأس.

(3) J. Deleuze, Notice historique sur André Michaux. Annales historiques du Muséum, tome 10, 1804.

(4) « Mémoire sur les dattiers », Journal de physique, an IX, 1801.

©حـقـوق الـنّـشـر مـحـفـوظـة لـلـدّكـتـور صـبـاح كـامـل الـنّـاصـري

يـرجى طـلـب الإذن مـن الـكـاتـب قـبـل إعـادة نـشـر هـذا الـمـقـال.

جـامـوسـة هـايـدي

الـدّكـتـور صـبـاح الـنّـاصـري

“الـجـامـوسـة Water Buffalo” واحـدة مـن الـمـنـحـوتـات الـنّـادرة الّـتي نـفّـذتـهـا “هـايـدي Hydie” زوجـة عـالـم الآثـار الـشّـهـيـر سـيـتـون لـويـد          Seton LIoyed في رخـام الـمـوصـل، والّـتي مـا زلـنـا نـجـد لـهـا صـوراً فـوتـوغـرافـيـة. وقـد نـحـتـتـهـا ولا شـكّ خـلال إقـامـاتـهـا الـطّـويـلـة مـع زوجـهـا في الـعـراق بـيـن عـامَي 1943 و 1949، تـلـك الـسّـنـوات الّـتي درّسـت فـيـهـا الـرّسـم والـنّـحـت، واشـتـغـلـت في الـمـتـحف الـعـراقي. ونـجـد هـنـا وهـنـاك بـعـض الإشـارات الـقـصـيـرة عـن هـايـدي، وخـاصّـة كـ “زوجـة سـيـتـون لـويـد”، وعـن “تـدريـسـهـا لـلـنّـحـت والـفـخـار في مـعـهـد الـفـنـون الـجـمـيـلـة خـلال الـعـام الـدّراسي 1947/ 1948″، (1)، ولـكـنـني لـم أجـد عـنـهـا بـعـد ولـو دراسـة بـسـيـطـة.

وقـد حـاولـت هـنـا أن أجـمـع لـكـم كـلّ مـا اسـتـطـعـت جـمـعـه عـنـهـا مـن مـعـلـومـات. وأتـمـنى أن يـزودني بـعـض قـرّائي الأعـزّاء بـمـعـلـومـات إضـافـيـة عـنـهـا. (2)

هـايـدي وسـيـتـون : 

تـبـدأ قـصـتـنـا، كـمـا رواهـا سـيـتـون لـويـد، عـنـدمـا رنّ جـرس هـاتـفـه في الـمـتـحـف الـعـراقي في صـبـاح نـهـار مـن أواخـر شـهـر أيّـار عـام 1943. وأخـبـره مُـهـاتـفـه أنّ إحـدى صـديـقـات شـقـيـقـتـه تـودّ أن تـتـكـلّـم مـعـه. ثـمّ سـمـع صـوت فـتـاة تـقـول لـه : “أنـا أولـريـكـا هـايـد. أعـتـقـد أنـنـا الـتـقـيـنـا في داركـم في إنـكـلـتـرة مـرّة قـبـل الـحـرب. أنـا هـنـا مـع صـديـقـة لي. هـل يـمـكـنـنـا أن نـأتي لـنـراك ؟”.  وطـبـعـاً فـقـد دعـاهـمـا لـلـمـجئ إلى داره في الـبـاب الـشّـرقي في حـوالي الـسّـادسـة والـنّـصـف.

“وكـانـت هـايـدي وصـديـقـتـهـا الأثـيـرة مـاكـسي Maxie قـد قـادتـا شـاحـنـتـيـن مـحـمّـلـتـيـن مـن الـقـدس إلى بـغـداد. وكـانـت هـايـدي مـهـتـمّـة بـالآثـار الـقـديـمـة، وحـصـلـت عـلى كـتـابي “مـدن الـعـراق الـخـربـة  Ruined cities of Iraq”. وعـنـدمـا قـرأت اسـمي عـلى غـلافـه تـذكّـرتـني”.

ويـبـدو أنّ سـيـتـون نـسي أنّـه كـان قـد حـدد أيـضـاً مـوعـداً في الـسّـادسـة والـنّـصـف وفي نـفـس الـمـسـاء مـع أرشـد الـعـمـري (أمـيـن الـعـاصـمـة        The Lord Mayor) وأحـمـد الـرّاوي (رئـيـس الـشّـرطـة). وقـد اسـتـقـبـلـهـمـا في الـسّـرداب، الّـذي كـان غـرفـة الـجـلـوس في الـدّار.

وخـلال مـحـادثـاتـهـم في الأمـور الّـتي اجـتـمـعـوا مـن أجـلـهـا وصـلـت الـفـتـاتـان، وجـلـسـتـا بـهـدوء في الـشّـرفـة الـمـطـلّـة عـلى دجـلـة.

وأبـصـر بـهـمـا سـيـتـون عـبـر الـزّجـاج : “بـمـلابـس عـسـكـريـة عـلـيـهـا عـلامـات رتـبـة الـسّـرجـنـت في الـجـيـش. أولاهـمـا أقـصـر قـامـة مـن الـثّـانـيـة، عـيـنـاهـا الـغـامـقـتـان مـذهـلـتـان، والأخـرى طـويـلـة حـمـراء الـشّـعـر بـحـمـرة إيـرلـنـديـة”.

وخـرج الـرّجـال الـثّـلاثـة لـيـرحّـبـوا بـالـفـتـاتـيـن. وأخـبـرهـم أرشـد الـعـمـري أنّـه كـان مـدعـوّاً ذلـك الـمـسـاء لافـتـتـاح مـلـهى   nightclub  جـديـد. ودعـاهـم لـيـصـاحـبـوه.

وفي ظـهـر الـيـوم الـتّـالي الـتّـحـقـت هـايـدي ومـاكسي بـسـيـتـون وأصـحـابـه الإنـكـلـيـز لـلـسّـبـاحـة في نـهـر دجـلـة.

وفي شـهـر حـزيـران، عـادت الـسّـرجـنـت هـايـدي إلى الـقـاهـرة، مـقـر وظـيـفـتـهـا الـعـسـكـريـة :

Sgt. UF Hyde, 151821, .A.S.C. (E.F.I.)

واسـتـمـرّت مـراسـلات سـيـتـون وهـايـدي طـيـلـة الـصّـيـف. وفي شـهـر أيـلـول، سـافـر سـيـتـون إلى الـقـدس ووجـد هـايـدي وحـدهـا فـيـهـا. وكـانـت قـد جـاءت مـن الـقـاهـرة في مـهـمّـة نـقـلـيـات. وفي الـقـدس، بـدأت قـصّـة حـبـهـمـا.

ومـرّت هـايـدي بـبـغـداد في شـهـر تـشـريـن الـثّـاني مـن ذلـك الـعـام، 1943، وأقـامـت مـع سـيـتـون عـدّة أيّـام في داره في الـبـاب الـشّـرقي.

ويـذكـر لـنـا سـيـتـون في مـذكـراتـه أنّ مـعـرفـتـه بـهـايـدي كـانـت قـد تـحـسّـنـت وأنّـه عـرف أنّ الاسـم الـكـامـل لـلـسّـرجـنـت هـايـدي كـان : مـرجـري أولـريـكـا فـيـتـزولـيـامـز هـايـد  Margery Ulrica Fitzwilliams Hyde.  وأنّ “هـايـدي Hydie” كـان اسـم الـتّـحـبـيـب الّـذي اخـتـارتـه لـنـفـسـهـا.

هـايـدي :

وأتـوقّـف هـنـا قـلـيـلاً لأتـكـلّـم لـكـم عـن “هـايـدي” : فـقـد ولـدت مـرجـري أولـريـكـا فـيـتـزولـيـامـز هـايـد، الـمـعـروفـة بـ “هـايـدي” سـنـة 1911 في إنـكـلـتـرة . والـدّار الّـتي ولـدت فـيـهـا كـان قـد اشـتـراهـا جـدّهـا الـسّـيـر كـلارنـدون هـايـد  Clarendon Hyde، الّـذي درس الـقـانـون واشـتـغـل كـرجـل أعـمـال وعـرف كـسـيـاسي لـيـبـرالي مـشـهـور. وكـانـت أمّـهـا مـرجـري الإبـنـة الـوحـيـدة لـلـسّـيـر هـايـد، وورثـت عـنـه ثـروة طـائـلـة بـعـد وفـاتـه.

وتـزوّجـت مـرجـري بـالـمـيـجـر فـيـتـزولـيـامـس، وأنـجـبـت ابـنـتـهـا الّـتي أسـمـتـهـا بـمـرجـري أولـريـكـا. وقـد قـتـل الـمـيـجـر في نـهـايـة الـحـرب الـعـالـمـيـة الأولى، عـام 1918، وتـرك زوجـتـه أرمـلـة وابـنـتـه مـرجـري أولـريـكـا يـتـيـمـة.

وكـانـت مـرجـري، والـدة مـرجـري أولـريـكـا قـد انـتـمـت مـنـذ شـبـابـهـا إلى جـمـعـيـة ديـنـيـة، وأصـبـحـت دارهـا، بـعـد وفـاة زوجـهـا، مـلـتـقى نـسـاء مـتـديّـنـات.

وقـد اخـتـارت مـرجـري أولـريـكـا، رغـم مـعـارضـة أمّـهـا، أن تـدرس الـفـنّ. وشـجّـعـهـا جـدّهـا، الـسّـيـر هـايـد، عـلى الـدّخـول في الـرّويـال كـولـيـج في لـنـدن، ودفـع لـهـا كـلّ مـصـاريـف الـدّراسـة والإقـامـة، كـمـا تـكـلّـف بـمـصـاريـفـهـا عـنـدمـا ذهـبـت إلى بـاريـس لـتـتـابـع دراسـة الـفـنّ.

وقـد نـالـت شـهـادة في الـرّسـم، وقـامـت عـام 1939بـتـصـمـيـم  رسـوم لـمـجـمـوعـة قـصـص قـصـيـرة (Judgement Seat) لـلـكـاتـب الـبـريـطـاني سـومـرسـت مـوم   Somerset Maugham:

ولـكـتـب أخـرى. ولـكـن هـواهـا الأوّل كـان فـنّ الـنّـحـت.

الـزّواج :

وطـلـب سـيـتـون يـد هـايـدي مـنـهـا هي نـفـسـهـا، وقـبـلـت. واسـتـطـاع الـحـصـول عـلى سـمـاح بـالـذّهـاب إلى الـقـاهـرة. وفي الـقـاهـرة عـقـد زواجـه عـلى مـرجـري أولـريـكـا هـايـد في 2 شـبـاط 1944.

وتـوصـلـت هـايـدي لـلـحـصـول عـلى أمـر نـقـلـهـا مـن خـدمـات نـقـلـيـات الـجـيـش في الـقـاهـرة إلى خـدمـات نـقـلـيـات الـجـيـش في بـغـداد. وهـكـذا عـاد بـهـا سـيـتـون إلى داره في الـبـاب الـشّـرقي. واسـتـمـرّت هـايـدي في عـمـلـهـا. ويـفـصّـل لـنـا سـيـتـون الـكـلام مـثـلاً عـن قـيـادتـهـا لـسّـيـارة نـقـلـت فـيـهـا عـدّة مـسـؤولـيـن مـن بـغـداد إلى طـهـران مـروراً بـالـبـصـرة.

ثـمّ اسـتـطـاع سـيـتـون أن يـحـصـل عـلى وسـاطـة لـيـوقـف خـدمـة زوجـتـه الـعـسـكـريـة رغـم أنّ الـحـرب لـم تـنـتـه بـعـد، لـكي تـقـيـم مـعـه إقـامـة كـامـلـة في بـغـداد.

ولـم تـدم إقـامـتـهـمـا في بـغـداد طـويـلاً، فـقـد شـرع سـيـتـون بـتـنـقـيـبـات أثـريـة مـع فـؤاد سـفـر في تـلّ حـسّـونـة، جـنـوب الـمـوصـل. وصـاحـبـتـه هـايـدي لـتـرسـم الـقـطـع الأثـريـة وتـشـارك في جـردهـا وتـنـظـيـمـهـا وصـيـانـتـهـا …

وبـعـد أن انـتـهـت الـتّـنـقـيـبـات في شـهـر أيّـار، عـادا إلى دارهـمـا في الـبـاب الـشّـرقي. وفي بـغـداد، بـدأت هـايـدي تـمـلأ الـدّار بـحـيـوانـات مـتـنـوّعـة : “كـلـبـة سـلـوقـيـة لـلـصـيـد، و”صـنـدوق كـامـل مـن الـجـرابـيـع” جـلـبـت لـهـا أكـوامـاً مـن طـيـن الـنّـهـر لـتـحـفـر جـحـورهـا فـيـهـا، وصـقـور مـن عـدّة أنـواع، ولـكـنّ أفـضـلـهـا إطـلاقـاً كـان حـيـوان نـمـس  أسـمـتـه “سـبـنـسـر”. (3)

وفي شـهـر آب مـن ذلـك الـعـام، أخـبـرت هـايـدي زوجـهـا سـيـتـون بـأنّـهـا حـامـل. ولـكـنّـهـا اسـتـمـرّت بـالـقـيـام بـبـعـض الـمـهـمّـات لـلـجـيـش. وطـلـبـت مـن سـيـتـون أن يـسـاعـدهـا في الـحـصـول عـلى وظـيـفـة رسـمـيـة في الـمـتـحـف الـعـراقي.

وحـصـل لـهـا سـيـتـون عـلى وظـيـفـة في الـمـتـحـف مـن غـيـر تـحـديـد دقـيـق لـلأعـمـال الّـتي يـنـبـغي أن تـقـوم بـهـا فـيـه، وإن كـانـت في غـالـبـيـتـهـا تـنـفـيـذ رسـوم لـلـقـطـع الأثـريـة. كـمـا طـلـبـت وزارة الـتّـعـلـيـم مـنـهـا أن تـدرّس الـرّسـم والـنّـحـت  drawing and modelling (مـعـنى  modelling أقـرب إلى مـعـنى الـتّـكـويـن الأولى لـلـتّـمـاثـيـل وصـيـاغـتـهـا بـمـادّة مـطـاوعـة مـثـل الـطّـيـن مـنـه إلى الـنّـحـت)، ثـمـاني سـاعـات في الأسـبـوع في دار الـمـعـلّـمـات  Dar-al-Mu’alimat بـراتـب 40 بـاونـد في الـشّـهـر.

ويـبـدو أنّ سـيـتـون لـويـد كـان قـد وثّـق عـلاقـات ودّيـة مـع الـفـنّـانـيـن الـعـراقـيـيـن الـشّـبـاب عـدّة سـنـوات قـبـل ذلـك، فـقـد كـتـب في مـذكـراتـه عـن أحـداث عـام 1941 : “وقـد سـاعـدت بـعـض أصـدقـائي مـن شـبـاب الـعـراقـيـيـن عـلى إنـشـاء جـمـعـيـة أصـدقـاء الـفـنّ  Asdiqat al Fann. وقـد نـتـج عـن ذلـك بـدايـة تـأسـيـس مـدرسـة فـنّ عـراقي”.

وكـان سـيـتـون لـويـد قـد عـيّـن مـنـذ عـام 1939، مـسـتـشـاراً لـمـديـر الآثـار. وهـو يـذكـر أنّ مـهـمّـاتـه الـرّئـيـسـيـة في سـنـة  1941 كـانـت “إعـادة تـنـظـيـم الـمـتـحـف الّـذي كـانـت جـرتـرود بـيـل قـد أسـسـتـه، وتـجـديـد لافـتـات الـمـعـروضـات الّـتي اهـتـرأت وحـتّى تـرمـيـم الـقـطـع الأثـريـة الـمـعـروضـة”.

ولا شـكّ في أنّـه الـتـقى بـبـعـض الـفـنّـانـيـن الـعـراقـيـيـن الـشّـبـاب عـنـدمـا كـانـوا يـعـمـلـون في الـمـتـحـف. ولـم أجـد بـعـد مـن يـذكـر عـلاقـات سـيـتـون لـويـد بـهـم، ولا دوره في إنـشـاء “جـمـعـيـة أصـدقـاء الـفـنّ”.

وولـدت هـايـدي ابـنـهـا جـون في الـمـسـتـشـفى الـبـريـطـاني في الـقـدس في شـهـر أيـار 1945. ولا يـذكـر سـيـتـون لـويـد إقـامـة أخـرى لـزوجـتـه في الـقـدس في ذلـك الـعـام.

ومـع ذلـك فـقـد كـتـب جـبـرا إبـراهـيـم جـبـرا في مـقـدمـة سـيـرتـه الـذّاتـيـة “الـبـئـر الأولى” عـن مـا جـرى لـه في شـهـر أيـلـول أو تـشـريـن الأوّل (بُـعـيـد أن انـتـهـت الـحـرب في 2 أيـلـول 1945) :

“أذكـر أنـني كـنـت يـومـاً في مـقـهى في الـقـدس، بُـعـيـد انـتـهـاء الـحـرب الـعـالـمـيـة الـثّـانـيـة، عـام 1945، وتـعـرّفـت بـسـيّـدة جـذّابـة وذكـيّـة اسـمـهـا هـايـدي لـويـد قـالـت إنّـهـا نـحّـاتـة وتـدرّس الـنّـحـت في بـغـداد، وزوجـهـا سـيـتـون لـويـد آثـاري مـشـهـور”.

وكـان جـبـرا يـدرّس الأدب الإنـكـلـيـزي ويـكـتـب الـشّـعـر بـالإنـكـلـيـزيـة ويـنـشـره  : “ويـظـهـر أنّـهـا قـرأت بـعـضـه”، “وقـد فـاجـأتـني، حـيـن جـاءت قـهـوتـنـا، إذ قـالـت بـشئ مـن الإغـراء : حـدّثـني عـن حـيـاتـك ! يـقـولـون إنّـك عـشـت ومـا زلـت تـعـيـش حـيـاة مـثـيـرة”.

واعـتـذر جـبـرا بـأنّ “الـقـصّـة طـويـلـة … طـويـلـة جـدّاً”. و”قـالـت : إذاً، سـأنـتـظـر قـراءة سـيـرتـك الـذّاتـيـة يـومـاً مـا”، “قـلـت أخـشى أن يـطـول انـتـظـاركِ. والآن حـدثّـيـني عـن نـحـتـكِ !”.

وأجـابـتـه : “إذا كـنـت أنـت في عـزّ الـشّـبـاب وشـعـرت أنّ الـقـصّـة طـويـلـة، طـويـلـة جـدّاً، فـمـاذا أقـول أنـا الآن وقـد طـالـت الـقـصّـة أربـعـيـن سـنـة أخـرى ؟”.

وأصـارحـكـم الـقـول هـنـا إنـني لـم أفـهـم مـا قـصـده جـبـرا بـهـذه الـجـمـلـة، فـهـايـدي كـانـت في الـرّابـعـة والـثّـلاثـيـن مـن عـمـرهـا في ذلـك الـعـام، ولا يـمـكـن أن تـكـون قـصـتـهـا أطـول مـن قـصّـة جـبـرا بـأربـعـيـن سـنـة !

الـمـهـمّ هـو أنّ جـبـرا أكـمـل سـرده : “ولـقـد طـال انـتـظـار الـسّـيّـدة الـفـنّـانـة الّـتي لـم أرهـا مـرّة ثـانـيـة، [ولا] حـتّى بـعـد مـجـيئ إلى بـغـداد بـعـد ذلـك بـسـنـوات ثـلاث. هـل أقـول إنّـهـا أوّل مـن زرع الـبـذرة في ذهـني بـضـرورة الـتّـحـدّث عـن حـيـاتي بـشـكـل مـن الأشـكـال ؟”.

ونـتـرك سـرد جـبـرا ونـعـود إلى هـايـدي، فـقـد رجـعـت إلى بـغـداد بـعـد ولادة ابـنـهـا جـون في شـهـر أيّـار، وقـضـت الـصّـيـف فـيـهـا. وغـالـبـاً مـا كـانـت تـمـتـطي صـهـوة فـرسـهـا بـصـحـبـة كـلـبـهـا الـسّـلـوقي وتـخـرج مـن الـمـديـنـة لـصـيـد الأرانـب.

وفي بـدايـة صـيـف 1945، بـدأ سـيـتـون لـويـد بـالـتّـنـقـيـب مـع فـريـقـه في تـلّ حـرمـل، خـارج ضـواحي بـغـداد. ووجـدوا آثـار مـديـنـة شـادوبـوم المـسـوّرة. وغـالـبـا مـا كـانـت هـايـدي تـصـاحـبـه وتـشـارك في الـتّـنـقـيـبـات.

وقـد أقـامـت هـايـدي في حـزيـران 1945، مـعـرضـاً لأعـمـالـهـا الـطّـبـاعـيـة بـالـحـفـر عـلى الـخـشـب والـلـيـنـو والـلـيـثـوغـراف. وذكـرت في رسـالـة لأمّـهـا كـتـبـتـهـا في 6 تـمّـوز أنّـهـم شـيّـدوا فـرنـاً في الـمـتـحـف لـلألـواح الـمـسـمـاريـة، وأنّـهـا سـتـقـوم بـرسـوم تـوضـيـحـيـة لـكـتـاب “Foundations in the Dust” الّـذي كـان ســيـتـون يـنـوي إصـداره في لـنـدن. وتـوقّـفـت الـتّـنـقـيـبـات في تـلّ حـرمـل في تـمّـوز لاشـتـداد الـحـرّ.

رأس سـومـريـة أور :

كـتـبـت هـايـدي لأمّـهـا في 14 تـمّـوز 1945 عـن قـاعـات الـمـتـحـف الـعـراقي الـضّـيـقـة، الـقـلـيـلـة الـسّـعـة، الّـتي لا يـمـكـن أن يـعـرض فـيـهـا أكـثـر مـن ثـلـث مـا كـان يـعـثـر عـلـيـه الـمـنـقّـبـون :  “ولـم أكـن أعـرف مـا تـحـتـويـه مـخـازنـه عـنـدمـا طـلـب مـنّي سـيـتـون أن أذهـب إلـيـهـا لأجـلـب لـه مـجـمـوعـة حـلي لـتـوضـع عـلى سـومـريـة اسـتـطـعـنـا إعـادة تـركـيـب رأسـهـا. وهـذه الـحـلي كـان قـد عـثـر عـلـيـهـا في أور. وقـد فـكّـر سـيـتـون بـتـركـيـبـهـا عـلى رأس. ووجـدت صـنـاديـق وصـنـاديـق مـلـيـئـة بـأنـواع مـن الـعـقـيـق والـلازورد (الـعـوهـق) وخـرز الـمـحّـار … أسـاور وتـيـجـان رؤوس مـن حـلـق واسـعـة مـن الـذّهـب عـلـيـهـا أوراق صـفـصـاف ذهـبـيـة، ومـجـمـوعـة مـن قـلـنـسـوات واسـعـة مـطـعّـمـة بـالأحـجـار الـكـريـمـة  …”.

ويـشـرح لـنـا سـيـتـون لـويـد أنّـه أخـذ مـا كـان لـيـونـارد وولي قـد فـعـلـه مـن تـركـيـب رأس الـمـرأة الّـتي وجـدهـا في مـقـبـرة أور الـمـلـكـيـة، وحـاول إعـادة تـركـيـبـه وتـحـسـيـنـه ووضـع كـلّ الـحـلي الّـتي كـانـت تـزيـنـهـا : “ورأس الـمـرأة وأعـلى صـدرهـا كـان قـد نـحـتـه تـلـمـيـذ هـايـدي الـذّكي، خـالـد الـرّحـال  Khalid al-Rahal، ولـوّنـت هـادي الـرأس ووضـعـت حـولـه الـحـلي”.  ولـكـنّـه لا يـذكـر في أيّـة دروس لـهـا كـان خـالـد الـرّحّـال تـلـمـيـذاً لـهـا.

الـمـلـك الـصّـغـيـر في مـعـرض هـايـدي :

ونـعـود إلى مـعـرض هـايـدي الّـذي أقـامـتـه لأعـمـالـهـا الـطّـبـاعـيـة بـالـحـفـر عـلى الـخـشـب والـلـيـنـو والـلـيـثـوغـراف. وكـتـبـت في 23  حـزيـران 1945 :

“ذهـبـت إلى قـاعـة الـفـنّ Art Gallery مـع سـيـتـون والـمـلـك الـصّـغـيـر فـيـصـل الّـذي أتـوا بـه في سـيـارة رولـز رويـس ضـخـمـة سـوداء لـيـشـاهـد الأعـمـال الـفـنّـيـة. وهـو يـتـكـلّـم لـغـة إنـكـلـيـزيـة جـمـيـلـة، وتـصـرفـاتـه تـخـلـب الألـبـاب. وقـد أريـتـه الـلـوحـات واقـتـرحـت عـلـيـه أن يـحـفـر في الـلـيـنـو لـيـرى بـنـفـسـه طـريـقـة تـنـفـيـذهـا. وعـنـدمـا خـرج مـن الـقـاعـة قـال لي : “أنـا نـفـسي أخـطـط وأرسـم كـثـيـراً …”.

عـلى بـاخـرة الـمـلـك الـصّـغـيـر :

وبـعـد أن قـضـت هـايـدي بـصـحـبـة زوجـهـا وابـنـهـا صـيـف 1946 في إنـكـلـتـرة، وجـدوا صـعـوبـات في حـجـز أمـاكـن لـهـم عـلى أيّـة طـائـرة أو بـاخـرة كـانـت لـلـعـودة إلى بـغـداد. ثـمّ سـمـعـوا أنّ “الـمـلـك الـصّـغـيـر فـيـصـل” كـان قـد جـاء مـع حـاشـيـتـه إلى لـنـدن لـزيـارة بـكـنـغـهـام بـالاس، وأنّـهـم كـانـوا في طـريـق عـودتـهـم إلى بـغـداد عـلى مـتـن بـاخـرة قـديـمـة Old Messageries boat. وقـد اسـتـطـاع سـيـتـون لـويـد، بـواسـطـة جـيـرالـد دي غـوري Gerald de Gaury أن يـقـنـع رئـيـس الـدّيـوان الـمـلـكي بـقـبـولـهـم عـلى مـتـن الـسّـفـيـنـة الـمـلـكـيـة.

وكـتـب سـيـتـون لـويـد أنّ ابـنـه جـون كـان نـائـمـاً في مـقـصـورة في الـسّـفـيـنـة : “وحـمـلـتُ فـيـصـل ورفـعـتـه لـيـنـظـر إلـيـه مـن نـافـذة الـمـقـصـورة الـدّائـريـة الـصّـغـيـرة، وقـال فـيـصـل  : “Dear little John”.

“وعـنـدمـا وصـلـت سـفـيـنـة الـمـلـك الـصّـغـيـر إلى بـيـروت، واقـتـربـت مـن رصـيـف الـمـيـنـاء، رفـع الـعـلـم الـعـراقي، وارتـفـعـت مـن كـلّ الـبـواخـر والـمـراكـب مـن حـولـنـا صـفّـارات [لـتـحـيـة الـمـلـك] واطـلـقـت 21 ضـربـة مـدفـع مـن الـقـلـعـة أيـقـظـت جـون فـانـطـلـق بـالـصّـراخ !”.

وفي كـانـون الـثّـاني 1974، بـدأ سـيـتـون لـويـد مـع فـؤاد سـفـر بـإعـداد تـنـقـيـبـات. وقـام بـجـولات مـع نـاجي الأصـيـل لاخـتـيـار الـمـوقـع. وتـمّ اخـتـيـار “أبـو شـهـريـن” في جـنـوب أور. وكـانـت تـنـقـيـبـات سـابـقـة قـد تـعـرّفـت فـيـه عـلى مـوقـع مـديـنـة إريـدو الـسّـومـريـة.

وقـد تـرك سـيـتـون زوجـتـه هـايـدي وابـنـهـمـا جـون في بـغـداد. ثـمّ تـبـعـتـه هـايـدي مـع جـون إلى مـوقـع الـتّـنـقـيـبـات لـتـقـضي مـعـه بـعـض الـوقـت. وقـضـوا عـطـلـتـهـم الـصّـيـفـيـة بـعـد ذلـك في مـخـيّـم في حـاجي عـمـران  Hajji Amran.  وبـعـد ثـلاثـة أسـابـيـع، اسـتـلـمـت هـايـدي رسـالـة تـعـلـمـهـا بـوفـاة والـدتـهـا، فـأسـرعـت إلى إنـكـلـتـرة  وتـركـت سـيـتـون في مـنـزلـهـم في الـبـاب الـشّـرقي مـع ابـنـهـمـا جـون ومـربـيـتـه الآثـوريـة. وقـضـت هـايـدي في إنـكـلـتـرة حـوالي أسـبـوع عـادت بـعـده إلى بـغـداد.

وعـاد سـيـتـون إلى تـنـقـيـبـاتـه مـع فـؤاد في إريـدو في خـريـف 1947، ثـمّ قـامـا بـمـوسـم تـنـقـيـبـات ثـالـث في شـتـاء نـفـس الـعـام. ولـم تـصـاحـبـه هـايـدي. ولـم يـكـتـب سـيـتـون شـيـئـاً عـن مـا فـعـلـتـه زوجـتـه في بـغـداد عـامي 1947ــ  1948.

وفي عـام 1948، إقـتـرحـت الـحـكـومـة الـبـريـطـانـيـة عـلى سـيـتـون لـويـد أن يـتـرأس “الـمـدرسـة الـبـريـطـانـيـة لـلآثـار” في أنـقـرة، تـركـيـا. وتـنـاقـش طـويـلاً مـع هـايـدي لـيـقـنـعـهـا بـتـرك بـغـداد والإقـامـة في أنـقـرة. وكـتـب سـيـتـون : “وقـد أدركـنـا أنّ ذلـك سـيـخـفـض ثـلـثـاً مـمـا نـسـتـلـمـه كـمـرتـبـات في بـغـداد”.

ولـيـفـرغـوا دارهـم الـكـبـيـرة في الـبـاب الـشّـرقي، فـقـد واجـهـتـهـمـا مـشـاكـل صـعـبـة الـحـل : فـمـاذا يـفـعـلان بـكـلّ مـا كـانـا قـد جـمـعـاه في بـغـداد مـن أثـاث وقـطـع فـنّـيـة ؟ وبـمـاذا سـيـحـتـفـظـان في شـقـتـهـمـا الـبـالـغـة الـصّـغـر في أنـقـرة ؟

وفي كـانـون الـثّـاني 1949، ذهـبـت هـايـدي إلى لـنـدن مـع جـون لـتـتـركـه عـنـد أصـدقـاء فـيـهـا، وتـكـرّس وقـتـهـا وجـهـدوا لـلإنـتـقـال إلى تـركـيـا.

وكـان عـالـم الآثـار الـبـريـطـاني مـاكـس مـالـوان Max Mallowan  قـد وصـل إلى بـغـداد مـع زوجـتـه كـاتـبـة الـرّوايـات الـبـولـيـسـيـة أجـاثـا كـريـسـتـي            Agatha Christie (4) وأجّـرا داراً في كـرادة مـريـم، تـشـبـه دار الـبـاب الـشّـرقي الّـتي أفـرغـهـا سـيـتـون وبـاع أغـلـب أثـاثـهـا. وأقـام سـيـتـون مـؤقـتـا في دار مـالـوان قـبـل أن تـعـود هـايـدي إلى بـغـداد. وغـادرا الـعـراق إلى تـركـيـا.

ويـذكـر جـبـرا إبـراهـيـم جـبـرا في كـتـابـه  “شـارع الأمـيـرات”، وهـو يـروي زيـارتـه في بـدايـة عـام 1949 لـدار عـالـم الآثـار الـبـريـطـاني مـاكـس مـالـوان وزوجـتـه أجـاثـا كـريـسـتي، في بـغـداد، أنّ مـالـوان قـدّمـه إلى رجـلـيـن آخـريـن كـانـا في الـغـرفـة. وكـان أحـدهـمـا الـمـسـتـر سـيـتـون لـويـد، مـسـتـشـار دائـرة الآثـار الـعـراقـيـة : “وعـنـدمـا صـافـحـتـه مـأخـوذاً بـشئ مـن الـمـفـاجـأة سـألـتـه : هـل أنـت زوج الـنّـحّـاتـة هـايـدي لـويـد ؟ فـأجـاب : عـجـيـب ! أتـعـرفـهـا ؟ قـلـت : إلـتـقـيـتـهـا قـبـل ثـلاث سـنـوات في الـقـدس، ولـم أنـسـهـا. وقـد قـالـت لي إنّـهـا تـدرّس الـنّـحـت في بـغـداد، وإنّ زوجـهـا أريـكـولـوجي. […] قـال : إنّـه حـقّـاً عـالـم صـغـيـر. حـدثـتـني هـايـدي عـنـك عـنـد عـودتـهـا مـن الـقـدس يـومـئـذ. وقـالـت إنّـك تـكـتـب الـشّـعـر وتـرسـم. صـحـيـح ؟”. وسـألـتـه : أيـن الـسّـيـدة لـويـد ؟ قـال : حـالـيـاً في لـنـدن. كـفّـت عـن الـتّـدريـس في مـعـهـد الـفـنـون الـجـمـيـلـة مـنـذ مـدّة”.

بـيـن مـذكـرات سـيـتـون لـويـد ومـذكّـرات جـبـر ابـراهـيـم جـبـرا :

عـرضـت عـلى الـقـارئ الـعـزيـز مـا وجـدتـه مـن نـصـوص عـنـد سـيـتـون لـويـد وجـبـرا ابـراهـيـم جـبـرا عـن الـفـنّـانـة هـايـدي، لأنّـهـا هي نـفـسـهـا لـم تـكـتـب مـذكـراتـهـا، ولـيـس لـديـنـا إلّا رسـائـلـهـا الّـتي كـتـبـتـهـا لأمّـهـا.

ويـنـبـغي عـلـيـنـا الـحـذر مـمـا كـتـبـه سـيـتـون وجـبـرا، فـقـد نـشـر سـيـتـون لـويـد مـذكـراتـه عـام 1986، أي بـعـد حـوالي أربـعـيـن عـامـاً عـلى الأقـلّ مـن الأحـداث الّـتي كـتـب عـنـهـا. وقـبـل سـنـة مـن وفـاة زوجـتـه هـايـدي في 1987. ولأنّـه لـم يـعـد يـتـذكّـر الأحـداث في دقـائـقـهـا وتـفـاصـيـلـهـا فـقـد اعـتـمـد عـلى بـعـض رسـائـل وجـدهـا واسـتـعـمـل مـا فـيـهـا. وربّـمـا لـهـذا لا يـذكـر كـلّ مـا حـدث لـه ولـزوجـتـه خـلال إقـامـتـهـمـا في الـعـراق، مـثـل تـدريـسـهـا في مـعـهـد الـفـنـون الـجـمـيـلـة.

أمـا نـصّ جـبـرا إبـراهـيـم جـبـرا عـن لـقـائـه بـهـايـدي في الـقـدس عـام 1945، والّـذي نـجـده في كـتـابـه “الـبـئـر الأولى”، فـقـد نـشـر عـام 1993، أي بـعـد مـا يـقـارب خـمـسـيـن عـامـاً عـلى الـحـدث الّـذي يـرويـه. ونـلاحـظ نـفـس الـشّئ فـيـمـا يـتـعـلـق بـالـمـقـطـع الّـذي يـتـكـلّـم فـيـه عـن لـقـائـه بـسـيـتـون لـويـد في بـغـداد عـام 1949، فـقـد نـشـر كـتـابـه “شـارع الأمـيـرات” عـام 1994.

وقـد وضـعـت لـكـم هـذه الـنّـصـوص لـتـوسـيـع مـعـرفـتـنـا بـالـمـوضـوع، وعـلـيـنـا الاسـتـمـرار في الـبـحـث والـتّـدقـيـق.

جـامـوسـة هـايـدي :

بـدأت كـتـابـة الـمـقـال بـعـد أن وجـدت صـورة لـهـذه الـمـنـحـوتـة. ولا شـكّ في أنّ هـايـدي نـحـتـت جـامـوسـتـهـا  Water Buffalo في أربـعـيـنـات الـقـرن الـمـاضي، فـقـد كـانـت في الأصـل في مـجـمـوعـة مـاكـس مـالـوان وزوجـتـه أجـاثـا كـريـسـتي. ولا ريـب في أنّـهـمـا كـانـا قـد اشـتـريـاهـا مـن سـيـتـون لـويـد في بـغـداد، عـنـدمـا بـاع مـحـتـويـات داره في الـبـاب الـشّـرقي. أو ربّـمـا دفـعـه كـرمـه “الـبـغـدادي” إلى إهـداءه إيـاهـا لـهـمـا ؟

وهي الآن في إنـكـلـتـرة، في مـجـمـوعـة

Greenway, Devon رقـم  NT 118889.

وقـد نـحـتـتـهـا هـايـدي في “رخـام الـمـوصـل  Mosul marble”. (إرتـفـاعـهـا 18 سـم. وطـولـهـا 32 سـم. ).

مـلـحـق

“عـذراء الـعـراق  Our Lady of Iraq” :

وهي مـنـحـوتـة مـن حـجـر كـلـس الـمـوصـل الأبـيـض  white Mosul Limestone لـمـريـم الـعـذراء، الّـتي تـبـدو صـبـيّـة، تـحـمـل طـفـلـهـا الـمـسـيـح بـذراعـهـا الأيـسـر وتـمـسـك بـذراعـه الأيـمـن بـيـدهـا، لـيـواجـه الـمـشـاهـد. وهي تـحـني بـرأسـهـا تـنـظـر إلـيـه بـعـيـنـيـن يـنـغـلـق جـفـنـاهـمـا بـعـبـادة لـه.

والـمـنـحـوتـة في كـنـيـسـة لـرجـال الـدّيـن الـبـنـدكـتـيـيـن الأنـكـلـيـكـان في Budford Priory (إنـكـلـتـرة). وكـانـت هـذه الـجـمـاعـة الـدّيـنـيـة قـد طـلـبـت مـن هـايـدي نـحـتـهـا لـهـم عـام 1949، أي في أواخـر فـتـرة إقـامـتـهـا في الـعـراق. وقـد دفـعـوا لـهـا 60 بـاونـداً (أي مـا يـعـادل أكـثـر مـن 2000  بـاونـد في أيّـامـنـا هـذه).

كـمـا نـحـتـت هـايـدي عـام 1955، تـمـثـالاً آخـر شـبـيـهـا بـه طـلـبـتـه مـنـهـا كـنـيـسـة الـقـديـس سـطـيـفـن  St Stephen’s Church في شـيـلـتـنـهـام  Cheltenham (إنـكـلـتـرة).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أنـظـر مـقـالي :  الـخـزّاف الـبـريـطـاني إيـان أولـد في بـغـداد

(2)  إعـتـمـدت في كـثـيـر مـن أجـزاء هـذا الـعـرض عـلى مـا كـتـبـه عـنـهـا زوجـهـا سـيـتـون لـويـد في مـذكـراتـه :

Seton LIoyd, The Interval : a life in Near Eastern archaeology. Faringdon, Lioyd Collon, 1986. 160 pages, 29 illustrations

ولا شـكّ في أنّـه أفـضـل مـصـدر لـمـعـرفـة حـيـاة “هـايـدي” فـقـد عـاشـا مـعـاً أكـثـر مـن 43 سـنـة، مـن مـا قـبـل زواجـهـمـا وحـتّى وفـاتـهـا.

(3)  أدخـل الإنـكـلـيـز الـنـمـس الـقـزم أو الـنّـمـس الـجـاوي مـن الـهـنـد إلى الـعـراق.

(4)  أنـظـر مـقـالي : أجـاثـا كـريـسـتي في الـعـراق

©  حـقـوق الـنّـشـر مـحـفـوظـة لـلـدّكـتـور صـبـاح كـامـل الـنّـاصـري  

يـرجى طـلـب الإذن مـن الـكـاتـب قـبـل إعـادة نـشـر هـذا الـمـقـال.

“حـصـاة مـيـشـو” الـمـسـمـاريـة

Caillou Michaux

الـدّكـتـور صـبـاح الـنّـاصـري

أُرسـل عـالـم الـنّـبـاتـات الـفـرنـسي أنـديـه مـيـشـو  André Michaux عـام 1782، إلى الـشّـرق لـلـحـصـول عـلى أنـواع نـادرة مـن الـنّـبـاتـات وجـلـبـهـا إلى فـرنـسـا لـتـزرع في الـحـدائـق الـمـلـكـيـة.

ومـرّ بـبـغـداد في طـريـقـه نـحـو بـحـر قـزويـن، وأقـام فـيـهـا ثـلاثـة أشـهـر. ثـمّ مـرّ بـهـا مـن جـديـد عـام 1784، في طـريـق عـودتـه إلى أوربـا، وأقـام فـيـهـا حـوالي ثـلاثـة أشـهـر ونـصـف.

وخـلال تـفـحّـصـه لـقـنـوات الـرّي الّـتي أثـارت اهـتـمـامـه والّـتي تـتـبّـعـهـا حـول بـغـداد، وجـد قـطـعـة مـن صـخـر الـدّيـوريـت الأسـود، بـيـضـويـة الـشّـكـل، مـسـتـديـرة الأطـراف، (إرتـفـاعـهـا 46 سـم. وعـرضـهـا 20 سـم. وتـزن حـوالي 22  كـيـلـوغـرامـاً)، أسـمـيـت بـعـد عـودتـه بـهـا إلى فـرنـسـا بـ “حـصـاة مـيـشـو”.

وكـان عـلـيـهـا أوّل نـصّ كـامـل بـالـكـتـابـة الـمـسـمـاريـة يـصـل إلى أوربـا، رغـم أنّ أوربـا كـانـت قـد عـرفـت مـقـاطـع قـصـيـرة مـن نـصـوص مـسـمـاريـة قـبـل ذلـك : (1)

“حـصـاة مـيـشـو” :

مـازالـت هـذه الـقـطـعـة الـصّـخـريـة مـحـفـوظـة في قـسـم الـمـدالـيـات في الـمـكـتـبـة الـوطـنـيـة الـفـرنـسـيـة في بـاريـس تـحـت اسـم : “حـصـاة مـيـشـو Caillou Michaux “، ومـسـجـلـة تـحـت رقـم (Chabouillet no. 702).

وهي في الـحـقـيـقـة “كـودورو”، سـجّـلـت عـلـيـه بـالـكـتـابـة الـمـسـمـاريـة وثـيـقـة رسـمـيـة تـشـهـد عـلى أنّ رجـلاً اسـمـه نـيـراح نـاصـر وهـب ابـنـتـه  دور شـرّوكـيـنـايـة إتـو، كـهـديـة لـعـرسـهـا قـطـعـة أرض زراعـيـة، في بـلاد بـابـل.

والـنّـص بـالـلـغـة الأكّـديـة، وبـالـلـهـجـة الـبـابـلـيـة مـن فـتـرتـهـا الـمـتـوسّـطـة. يـعـود تـاريـخـه إلى زمـن الـمـلـك مـردوخ ــ نَـديـن ــ أخي الّـذي حـكـم مـن 1099 إلى 1082، والّـذي كـان مـن سـلالـة إيـسـن الـثّـانـيـة.

وقـد سـجّـل الـنّـصّ عـلى الـقـطـعـة الـصّـخـريـة، مـن جـانـبـيـه، الأمـامي والـخـلـفي، عـلى 95  سـطـراً وزّعـت عـلى أربـعـة أعـمـدة. وثـبّـتـت في الـوثـيـقـة مـسـاحـة الـهـبـة وحـدودهـا.

ونـرى في الـجـزء الـعـلـوي مـن الـصّـخـرة الـسّـوداء الـبـيـضـويـة الـشّـكـل، ومـن كـلّ جـانـب مـنـهـا، شـريـطـيـن أفـقـيـيـن مـن الـنّـحـت الـبـارز، يـعـلـو الـواحـد مـنـهـمـا الآخـر، صُـوّرت فـيـهـا 21 رمـزاً لآلـهـة مـن بـيـنـهـم : أنـو وإنـلـيـل وإنـكي / أيـا ونـيـرح، الّـذي كـان رمـزه الـثّـعـبـان ــ الـتّـنـيـن، والّـذي سـجّـل عـقـد الـهـبـة تـحـت حـمـايـتـه.

مـا هـو الـكـودورو :

Caillou M. (2)

وصـلـتـنـا مـن الألـف الـثـالـث قـبـل الـمـيـلاد نـصـوص عـقـود بـيـع وشـراء بـالـكـتـابـة الـمـسـمـاريـة، سـجّـلـت عـلى ألـواح مـن الـصّـلـصـال أو مـن الـحـجـر. وأسـمـيـت “كـودورو”. ويـأتي أصـل الـكـلـمـة مـن الـفـعـل الـثّـلاثي “ك د ر” الّـذي يـعـني : “خـطّ حـدود. تـحـديـد أطـراف مـكـان مـا، ونـصـب عـلامـات تـدلّ عـلـيـه”. وتـعـني كـلـمـة “كـودورو” إذن وثـائـق تـثـبّـت عـقـود بـيـع أراضٍ وشـرائـهـا، أو الـحـصـول عـلـيـهـا بـهـبـات.

وقـد عـثـر عـلى أكـثـر مـن 160 كـودورو، بـكـامـلـهـا أو بـكـسـر مـنـهـا، تـعـود تـواريـخـهـا إلى مـا بـيـن 1450 و 620 ق.م.

وعـنـدمـا اسـتـولى الـكـيـشـيـون عـلى الـسّـلـطـة، وحـكـمـوا بـلاد بـابـل مـن الـقـرن الـسّـادس عـشـر إلى الـقـرن الـثّـاني عـشـر قـبـل الـمـيـلاد، إسـتـعـمـلـوا أيـضـاً كـلـمـة “نـارو” أي الـنّـصـب الـحـجـري، ولـكـنّ كـلـمـة “كـودورو” الـقـديـمـة ظـلّـت تـسـتـعـمـل لـتـذكّـر بـالـقـوانـيـن الـمـوروثـة في تـسـجـيـل الـعـقـارات.

وكـانـت هـذه الـعـقـود، في الـبـدايـة، تـخـصّ سـلـطـات الـمـلـك، لـتـسـجـيـل مـمـتـلـكـاتـه الـواسـعـة مـن الأراضي. ثـمّ اسـتـعـمـلـتـهـا بـعـد ذلـك الأسـر الـثّـريـة والـمـتـسـلّـطـة الـمـرتـبـطـة بـه.

ويـنـقـش عـلى الـكـودورو الـحـجـري أو الـصـخـري نـصّ الـعـقـد الّـذي سـجّـل أوّلاً عـلى لـوح مـن الـصّـلـصـال. ولا شـكّ في أنّ كـلّ الـعـقـود الّـتي سـجّـلـت عـلى ألـواح الـصّـلـصـال لـم تـنـقـش عـلى كـودوروات حـجـريـة أو صـخـريـة.

ومـن الـصّـعـب عـلـيـنـا أن نـتـصـوّر أنّ هـذه الـقـطـع الـفـنّـيـة كـانـت تـوضـع عـلى حـدود الأراضي لـتـثـبـت مـلـكـيـتـهـا، رغـم مـا يـبـدو فـهـمـه مـن كـودورو مـيـشـو.  أوّلاً لـقـيـمـتـهـا الـمـاديـة الـبـاهـظـة الأثـمـان، وثـانـيـاً لـضـرورة نـحـت عـدد مـنـهـا لـتـوضـع  واحـدة مـنـهـا عـلى الأقـلّ في كـلّ جـانـب مـن جـوانـب قـطـعـة الأرض. ولـكـنّـهـا كـانـت تـوضـع ولا شـكّ في الـمـعـبـد الأكـثـر أهـمّـيـة في الـمـنـطـقـة.

أنـدريـه مـيـشـو و”حـصـاتـه” الـمـسـمـاريـة :

رأيـنـا في مـقـدّمـة الـمـقـال أنّ أنـدريـه مـيـشـو سـافـر عـام 1782، وكـان في الـسّـادسـة والـثّـلاثـيـن مـن عـمـره، إلى الـشّـرق مـع بـعـثـة لـلـحـصـول عـلى أنـواع نـادرة مـن الـنّـبـاتـات وجـلـبـهـا إلى فـرنـسـا لـتـزرع في الـحـدائـق الـمـلـكـيـة، وخـاصـة حـديـقـة مـاري أنـطـوانـيـت، زوجـة الـمـلـك لـويـس الـسّـادس عـشـر، في فـرسـاي.

وبـعـد أن وصـل أنـدريـه مـيـشـو إلى حـلـب، نـزل مـنـهـا في قـافـلـة عـبـرت الـبـاديـة نـحـو بـغـداد الّـتي أقـام فـيـهـا أكـثـر مـن ثـلاثـة أشـهـر. ومـن بـغـداد نـزل إلى الـبـصـرة، وعـبـر الـخـلـيـج وزار شـيـراز وأصـفـهـان وهـمـدان، واسـتـمـرّ صـاعـداً حـتّى وصـل إلى بـحـر قـزويـن.

وعـاد مـن قـزويـن إلى هـمـدان. ومـنـهـا سـافـر إلى بـغـداد بـصـحـبـة قـافـلـة. ووصـل إلى بـغـداد لـلـمـرّة الـثّـانـيـة في 14 أيـلـول 1784، وأقـام فـيـهـا حـوالي ثـلاثـة أشـهـر ونـصـف.

وخـلال تـفـحّـصـه لـقـنـوات الـرّي الّـتي أثـارت اهـتـمـامـه والّـتي تـتـبّـعـهـا حـول بـغـداد، وجـد الـكـودورو الّـذي أسـمي بـعـد ذلـك بـ “حـصـاة مـيـشـو”. وقـد كـتـب في يـومـيـات رحـلـتـه، وكـذلـك في مـقـال نـشـره في مـجـلّـة “Nouvelles Littéraires”، أنّـه وجـده : “عـلى بـعـد مـسـيـرة يـوم  جـنـوب بـغـداد”، في مـوضـع يـدعى “بـسـاتـيـن سـمـيـرامـيـس                               Les Jardins de Sémiramis  “، قـرب نـهـر دجـلـة. وأضـاف : “وتـدلّ هـذه الـخـرائـب عـلى أنّـهـا كـانـت مـبـاني شـديـدة الـهـيـبـة، فـمـا زلـنـا نـرى فـيـهـا سـراديـب واسـعـة الـمـسـاحـات، وقـنـوات لـجـلـب الـمـيـاه … إلـخ”.

ونـجـد ذكـراً لـ”بـسـاتـيـن سـمـيـرامـيـس Les Jardins de Sémiramis  ” هـذه أيـضـاً في نـصّ كـتـبـه الأب الـفـرنـسي أنـج دو سـانـت ــ جـوزيـف            Ange de Saint – Joseph، الّـذي زار الـمـدائـن  في الـقـرن الـسّـابـع عـشـر، أي حـوالي قـرن قـبـل زيـارة مـيـشـو لـهـا. (2)

وغـالـبـاً مـا نـقـرأ أنّ مـيـشـو وجـد “الـحـصـاة” في طـيـسـفـون، قـرب طـاق كـسـرى، ولـكـنّ بـعـض الـبـاحـثـيـن حـددوا الـمـوقـع بـأنّـه كـان عـلى بـعـد أربـعـة كـيـلـومـتـرات مـن طـيـسـفـون، في مـكـان يـدعى بـ “الـبـسـتـان”.

ولا يـمـكـنـنـا هـنـا إلّا أن نـتـسـاءل عـن مـا قـصـده أنـدريـه مـيـشـو بـ “عـلى بـعـد مـسـيـرة يـوم  جـنـوب بـغـداد”، فـطـيـسـفـون تـقـع عـلى بـعـد حـوالي ثـلاثـيـن كـيـلـومـتـراً جـنـوب بـغـداد.

فـإن كـان يـقـصـد بـذلـك الـمـسـافـة الّـتي يـمـكـن لإنـسـان عـادي أن يـقـطـعـهـا مـشـيـاً عـلى قـدمـيـه في يـوم كـامـل، أي حـوالي ثـلاثـيـن كـيـلـومـتـراً، فـيـمـكـن أن يـكـون هـذا الـمـكـان قـرب طـيـسـفـون.

وإن كـان يـقـصـد الـمـسـافـة الّـتي يـمـكـنـه هـو أن يـقـطـعـهـا، عـلى صـهـوة جـواده، أي بـحـوالي سـاعـة واحـدة أو أكـثـر قـلـيـلاً، كـمـا تـعـودّ أن يـفـعـلـه في أسـفـاره، فـيـمـكـن أن يـكـون هـذا الـمـكـان أبـعـد بـكـثـيـر مـن طـيـسـفـون، وربّـمـا أقـرب مـن بـابـل.

“حـصـاة مـيـشـو” في فـرنـسـا :

جـلـب أنـدريـه مـيـشـو هـذه “الـحـصـاة” إلى فـرنـسـا بـعـد عـودتـه مـن الـشّـرق عـام 1785. وبـقـيـت في مـجـمـوعـة مـقـتـنـيـاتـه. ولـم تـجـذب انـتـبـاه أحـد مـا عـدا بـعـض الـمـهـتـمـيـن بـ “الآثـار الـبـابـلـيـة” مـثـل جـوزيـف دو بـوشـام الّـذي كـان قـد رافـق مـيـشـو في سـفـرتـه مـن حـلـب إلى بـغـداد، والّـذي تـفـحّـص “الـحـصـاة” وذكـرهـا في مـقـال عـن الآثـار الـبـابـلـيـة نـشـره في “جـريـدة الـعـلـمـاء  Le journal des savants” في كـانـون الأوّل 1790 . (3)

وبـعـد فـتـرة قـصـيـرة مـن رجـوعـه مـن الـشّـرق، أُرسـل أنـدريـه مـيـشـو إلى الـولايـات الـمـتّـحـدة، وبـقي فـيـهـا إحـدى عـشـرة سـنـة، ثـمّ رجـع إلى فـرنـسـا عـام 1796.

وفي بـدايـة عـام 1800، وافـق نـابـلـيـون بـونـابـرت، بـعـد أن أصـبـح “الـقـنـصـل الأوّل” لـفـرنـسـا، عـلى إرسـال بـعـثـة إلى أسـتـرالـيـا لاسـتـطـلاع مـنـطـقـة “هـولـنـدة الـجـديـدة” فـيـهـا.

واقـتـرح رئـيـس الـبـعـثـة عـلى أنـدريـه مـيـشـو  أن يـصـاحـبـهـم كـعـالـم نـبـاتـات. وقـبـل مـيـشـو عـلى شـرط أن يـسـمـح لـه بـتـركـهـا قـبـل رجـوعـهـا إلى فـرنـسـا، فـقـد كـان يـنـوي الـذّهـاب مـن أسـتـرالـيـا  إلى الـهـنـد، ومـنـهـا إلى أمـريـكـا.

ولأنّ أنـدريـه مـيـشـو كـان يـحـتـاج إلى مـبـلـغ مـن الـمـال لـدفـع تـكـالـيـف طـبـاعـة كـتـابـه (بـجـزأيـن) عـن نـبـاتـات أمـريـكـا الـشّـمـالـيـة، فـقـد قـرر أن يـبـيـع لـلـدّولـة الـفـرنـسـيـة “حـصـاتـه” أو “حـجـره الأثـري”، كـمـا كـان يـسـمـيـه في بـعـض الأحـيـان.

وقـبـل وزيـر الـدّاخـلـيـة : “الـحـجـر الـبـالـغ الـقـيـمـة الّـذي أعـطـاه الـمـواطـن مـيـشـو لـيـحـفـظ في مـتـحـف الآثـار Muséum des Antiques، مـقـابـل مـبـلـغ 3 آلاف فـرنـك يـحـتـاجـهـا لـطـبـاعـة كـتـابـه. وسـيـدفـع الـمـبـلـغ بـثـلاثـة أقـسـاط لـصـاحـب الـمـطـبـعـة”.  (4)

وقـد عـرضـت الـحـصـاة بـهـذه الـمـنـاسـبـة، في نـهـايـة شـهـر آب وخـلال شـهـر أيـلـول، في مـكـتـب الآثـار  Le Cabinet de Antiques، وجـذبـت أعـداداً كـبـيـرة مـن الـزّوّار، ونـشـرت عـنـهـا مـقـالات كـثـيـرة في الـصّـحـف، ومـن بـيـنـهـا مـقـال لأنـدريـه مـيـشـو نـفـسـه يـتـكـلّـم فـيـه عـن “الـقـطـعـة الأثـريـة الـقـيّـمـة الّـتي جـلـبـتـهـا مـن بـلاد الـفـرس”، فـقـد كـان الـعـراق آنـذاك يـعـتـبـر جـزءاً مـن بـلاد فـارس.

وأثـارت “الـحـصـاة” حـيـرة الـعـلـمـاء الأوربـيـيـن لأنّ الـكـتـابـة الـمـسـمـاريـة لـم تـكـن قـد حـلّـت طـلاسـمـهـا بـعـد. وتـسـاءلـوا عـن مـعـنى نـصّـهـا الـمـكـتـوب وعـن هـدف نـحـتـهـا وتـصـويـر كـلّ هـذه الـرّمـوز عـلـيـهـا.

وقـد كـتـب أنـدريـه مـيـشـو بـنـفـسـه وصـف هـذه “الـحـصـاة” في مـقـال نـشـره في شـهـر آب مـن عـام 1800 في “الـمـجـلّـة الـمـعـرفـيـة الـشّـامـلـة  Le Magasin encyclopédique”، الّـتي كـان يـتـرأس تـحـريـرهـا لـويـس ـ أوبـان مـيـلان  Louis-Aubin Millin، مـديـر مـكـتـب الآثـار في بـاريـس.

تـرجـمـة نـصّ “حـصـاة مـيـشـو” :

وابـتـداءً بـعـام 1801، نـشـرت عـدّة مـحـاولات لـتـرجـمـة نـصّ “حـصـاة مـيـشـو”، ومـن بـيـنـهـا تـرجـمـة الألـمـاني لـيـشـتـن شـتـايـن Lichtenstein الّـذي ادّعى أنّ الـنّـص مـكـتـوب بـالـلـغـة الآرامـيـة، كـتـبـه في الـحـقـيـقـة  كـاهـن مـعـبـد إلـه الـمـوت ! ولـكـنّ الـمـسـتـشـرق الـشّـهـيـر سـيـلـفـسـتـر دو سـاسي Silvestre de Sacy  فـنّـد هـذه الإدّعـات، مـع نّـه لـم يـسـتـطـع هـو نـفـسـه تـقـديـم تـفـسـيـر لـلـنّـصّ.

وقـد وضـع لـويـس ـ أوبـان مـيـلان رسـمـيـن، واحـد لـكـلّ جـانـب مـن جـانـبَي الـكـودورو، ووصفـاً لـه في كـتـابـه “قـطـع أثـريـة لـم تـنـشـر بـعـد         Monuments antiques inédits ou nouvellement expliqués ” الّـذي صـدر عـام 1802 :

كـمـا شـرع كـمـديـر لـمـكـتـب الـمـدالـيـات بـإرسـال نـسـخ مـن الـجـبـس ورسـومـاً وأعـمـالاً طـبـاعـيـة لـلـكـودورو لـلـعـلـمـاء الأوربـيـيـن الـمـخـتـصّـيـن بـالـشّـرق الـقـديـم لـيـطّـلـعـوا عـلـيـه.

وفي عـام 1848، أهـدى مـتـحـف الـلـوفـر في بـاريـس نـسـخـة جـبـسـيـة مـن “حـصـاة مـيـشـو” إلى الـمـتـحـف الـبـريـطـاني في لـنـدن لـتـعـرض فـيـه.

وطـبـعـاً، فـقـد كـان يـنـبـغي انـتـظـار تـوصّـل الـعـلـمـاء إلى حـلّ طـلاسـم الـكـتـابـة الـمـسـمـاريـة، وهـو مـا تـمّ بـعـد عـدّة عـقـود.

وقـد اقـتـرح الـعـالـم الـفـرنـسـي (مـن أصـل ألـمـاني) جـول أوبـيـر                   Jules Oppert  أوّل تـرجـمـة جـدّيـة لـ “حـصـاة مـيـشـو” عـام 1856، كـمـا قـام الـبـريـطـاني هـنـري فـوكـس ــ تـالـبـوت   Henry Fox-Talbot  بـتـرجـمـة أخـرى لـهـا عـام 1861، مـع أنّـه كـان يـجـهـل أنّ جـول أوبـيـر كـان قـد تـرجـمـهـا قـبـلـه. ورغـم بـعـض الإخـتـلافـات في الـتّـرجـمـتـيـن، فـهـمـا تـتّـفـقـان في فـهـم أغـلـب مـا جـاء في الـنّـصّ.

كـودورو مـيـشـو :

حـددت الأسـطـر الأولى مـن نـصّ الـكـودورو مـوقـع قـطـعـة الأرض الّـتي وهـبـهـا نـيـراح نـاصـر لابـنـتـه  دور شـرّوكـيـنـايـة إتـو.

وقـطـعـة الأرض هـذه زراعـيـة، تـقـع في بـيـت هـامـبـان، ضـمـن الإدارة الـمـحـلّـيـة لـكـار نـبـو، في شـمـال بـلاد بـابـل. وهي عـلى ضـفـة قـنـاة، وسـعـتـهـا 162 فـرسـخـاً، أي كـيـلـومـتـر و 62  مـتـراً مـربـعـاً، وهي مـسـاحـة واسـعـة يـمـكـنـهـا أن تـدرّ مـدخـولاً مـهـمّـاً مـن زراعـة الـحـبـوب.

ولـيـس عـلى “حـصـاة مـيـشـو” ذكـر لـتـاريـخ تـسـجـيـل الـعـقـد، عـلى عـكـس أغـلـبـيـة الـكـودوروات الأخـرى، ولـكـنّ بـعـض مـا ذكـر في الـنّـصّ يـدلّ عـلى أنّـهـا تـعـود إلى زمـن حـكـم مـردوخ ــ نَـديـن ــ أخي، مـلـك بـابـل، الّـذي كـان الـمـلـك الـسّـادس مـن سـلالـة إيـسـن الـثّـانـيـة (1099 ــ  1081).

وقـد جـاء اسـم سـلالـة إيـسـن الـثّـانـيـة مـن أوّل مـلـوكـهـا، مـردوخ كـابـيـت أخّـيـشـو الّـذي حـكـم مـن 1154 إلى 1141، والّـذي كـان أصـلـه مـن مـديـنـة إيـسـن في جـنـوب بـلاد بـابـل. وكـان أهـمّ مـلـوكـهـا ولا شـكّ نـبـوخـذ نـصّـر الأوّل (حـكـم مـن 1125 إلى 1004) [ولا يـنـبـغي أن نـخـلـط بـيـنـه وبـيـن نـبـوخـذ نـصـر الـثّـاني الـشّـديـد الـشّـهـرة] الّـذي شـهـدت بـلاد بـابـل في زمـنـه ازدهـاراً مـهـمّـاً، وتـوسـعـت أراضـيـهـا.

وارتـقى مـردوخ ــ نَـديـن ــ أخي الـعـرش بـعـد أن تـمـرد عـلى الـمـلـك إنـلـيـل نَـديـن أبـلي، إبـن أخـيـه نـبـوخـذ نـصّـر الأوّل، وانـتـصـر عـلـيـه.

وقـد اسـتـطـاع مـردوخ ــ نَـديـن ــ أخي الإحـتـفـاظ بـعـرشـه ثـمـانـيـة عـشـر عـامـاً رغـم عـدّة هـزائـم حـربـيـة، ورغـم تـردي حـالـة الـبـلاد في زمـنـه. ولـكـنّـه رمـم عـدداً مـن الـمـعـابـد. وعـثـر الـمـنـقّـبـون عـلى سـبـعـة كـودوروات نـقـشـت نـصـوصـهـا في زمـنـه.

ويـنـتـهي نـصّ “حـصـاة مـيـشـو” بـقَـسـم الأب والـبـنـت عـلى احـتـرام الـعـهـد الّـذي عـقـداه، وبـالـلـعـنـات الإلـهـيـة الّـتي سـتـحـلّ بـمـن يـخـلّ بـه، وكـذلـك بـمـن يـمـسّ الـكـودورو بـأذى. ويـؤكّـد الـنّـصّ عـلى أنّ الـبـنـت يـحـقّ لـهـا أن تـديـر أمـور أرضـهـا بـنـفـسـهـا وكـمـا تـشـاء، مـن غـيـر أن تـجـبـر عـلى قـبـول تـدخّـل قـوّام عـلى أمـورهـا.

مــنـحـوتـات رمـوز الآلـهـة في “حـصـاة مـيـشـو” :

نـرى في الـجـزء الـعـلـوي مـن الـصّـخـرة الـسّـوداء الـبـيـضـويـة الـشّـكـل، ومـن كـلّ جـانـب مـنـهـا، شـريـطـيـن أفـقـيـيـن مـن الـنّـحـت الـبـارز، يـعـلـو الـواحـد مـنـهـمـا الآخـر، صُـوّر فـيـهـمـا 21 رمـزاً لآلـهـة مـن بـيـنـهـم : أنـو وإنـلـيـل وإنـكي / أيـا ونـيـرح، الّـذي كـان رمـزه الـثّـعـبـان ــ الـتّـنـيـن، والّـذي سـجّـل عـقـد الـهـبـة تـحـت حـمـايـتـه.

Caillou Michaux 10 (2)

Caillou Michaux 3 (2)

ورمـوز الآلـهـة هـذه هي :

  1. ثّـعـبـان طـويـل، رمـز الإلـه نـيـرح، يـدو حـول الـكـودورو مـن جـانـبـه الأيـسر وحـتّى أعـلاه. وكـان الإلـه نـيـرح أحـد آلـهـة الأرض ونـائـب الإلـه إشـتـران. وقـد أسـنـدت إلـيـه في الألـف الـثّـاني قـبـل الـمـيـلاد بـعـض قـدرات الإلـه إشـتـران، فـأصـبـح إلـهـاً مـشـاركـاً لـلـعـدل، ومـتـكـفّـلاً بـالـمـبـادلات الـعـقـاريـة. وكـان أيـضـاً حـامـيـاً لـلـكـودوروات. ولـهـذا وضـع كـخـتـم عـلى عـهـد هـذا الـكـودور :

Caillou Michaux symbole 1

  1. قـلـنـسـتـوان تـحـيـط بـكـل واحـدة مـنـهـمـا سـتّـة أزواج مـن الـقـرون، تـرمـزان لـلألـهـيـن أنـو وإنـلـيـل. وقـد ذكـرا في نـصّ الـكـودور (في الـسّـطـر الـرّابـع مـن الـعـمـود الـثّـالـث) مـع ثـالـثـهـمـا الإلـه أنـكي / إيـا :

Caillou Michaux symbole 2

  1. هـرواة، سـلاح الإلـه إنـكي/ إيـا، إلـه الـمـيـاه الـعـذبـة، عـلى شـكـل رأس كـبـش. وهي في الـغـالـب رمـزه :

Caillou Michaux symbole 3)

والإلـه إنـكي / إيـا، حـسـب الأسـاطـيـر الـسّـومـريـة، هـو الّـذي صـنـع الإنـسـان مـن الـصّـلـصـال. وهـو الّـذي أنـذر الـبـشـر، شـفـقـة بـهـم، مـن نـيّـة الآلـهـة بـمـحـقـهـم، فـهـو الّـذي، في أسـطـورة الـطّـوفـان، اخـتـبـأ وراء الـقـصـب، وحـذّر أوتـا نـفـشـتـيـم، مـن اقـتـراب الـخـطـر. وقـد حـوّل مـؤلّـفـو أسـفـار الـتّـوراة أوتـا نـفـشـتـيـم إلى نـوح.

  1. سُـهـورمـاشـو، مـخـلـوق نـصـفـه سـمـكـة ونـصـفـه الآخـر عـنـزة، تـغـطي جـسـده قـشـرة الـسّـمـكـة ولـه جـنـاحـان صـغـيـران، يـرمـز أيـضـاً إلى أنـكي/ إيـا، إلـه الـمـيـاه الـعـذبـة، والـمـيـاه الـبـاطـنـيـة والـرّي .
  2. شـكـل مـتـمـوّج، يـرمـز إلى الإلـهـة ــ الأمّ نـيـمـة، ويـدلّ عـلى الإزدهـار والـخـصـب. وهي الّـتي في أسـطـورة “إنـكي ونـيـمـة” نـفـثـت الـحـيـاة في الإنـسـان بـعـد أن صـنـعـه أنـكي مـن الـصّـلـصـال. وذكـرت هـذه الإلـهـة في نـصّ الـكـودور (الـسّـطـر الـعـاشـر، الـعـمـود الـثّـالـث) :

Caillou Michaux s. 5

  1. مـسـحـاة نـصـبـت عـلى قـاعـدة، رمـز الإلـه مـردوخ، الّـذي كـان إلـه الـزّراعـة في بـلاد سـومـر، وأصـبـح في نـهـايـة الألـف الـثّـاني قـبـل الـمـيـلاد رئـيـس آلـهـة الـبـابـلـيـيـن، وأسـمـاهـم مـنـزلـة. وبـقـيـت الـمـسـحـاة رمـزاً لـه لـتـذكّـر بـأنّـه مـا زال إلـه الـزّراعـة. ونـعـت مـردوخ في نـصّ الـكـودورو (سـطـر 13 مـن الـعـمـود الـثّـالـث) بـ “الإلـه الـسّـامي” :

Caillou M. (2)

  1. وجـه الـشّـمـس رمـز الإلـه شـمـش، إلـه الـشـمـس والـعـدل. وكـان مـعـبـده الـرّئـيـسي، الـ “أي بـابـار” أي الـبـيـت الـمـشـعّ، في مـديـنـة سـيـبـار. ونـعـت شـمـش في نـصّ الـكـودورو (سـطـر 15 مـن الـعـمـود الـثّـالـث) بـ “أعـظـم قـضـاة الـسّـمـاء والأرض” :

Caillou Michaux symbole 7

  1. الـهـلال، رمـز سـيـن، إلـه الـقـمـر ومـنـازلـه. ونـعـت سـيـن في نـصّ الـكـودورو (سـطـر 1. 18 مـن الـعـمـود الـثّـالـث) بـ “نـور الـسّـمـوات الـصّـافـيـة” :

Caillou Michaux symbole 8

  1. نـجـمـة في وسـطـهـا دائـرة، رمـز عـشـتـار، إلـهـة كـوكـب ديـلـبـات، أي الـزُّهـرة. وعـشـتـار هـو الإسـم الـبـابـلي لـلإلـهـة الـسّـومـريـة إيـنـانـا “سـيّـدة الـسّـمـاء”. وذكـرت في الـسّـطـر 22، مـن الـعـمـود الـثّـالـث مـن نـصّ الـكـودورو كـ “مـلـكـة الـسّـمـوات والأرض” :

Caillou Michaux symbole 9

10 سـلاح الإلـه نـيـنـورتـا، وهـو هـراوة بـرأس نـسـر. وكـان هـذا في الألـف الـثـالـث ق.م. رمـزاً لـلإلـه الـبـطـل  زبـابـا في مـديـنـة كـيـش. ولـكـن مـنـافـسـه نـيـنـورتـا، إلـه مـديـنـة نـيـبـور، سـلـبـه هـذا الـرّمـز في الألـف الـثـاني ق.م. وأصـبـح إلـه الـحـرب والـنّـصـر. وذكـره نـصّ الـكـودورو في الـسّـطـر الأوّل مـن الـعـمـود الـرّابـع. كـمـا ذكـر في الـسّـطـر الـثّـاني مـن نـفـس الـعـمـود كـ “الإبـن الـسّـامي لـلإلـه إنـلـيـل”.

11  كـلـب يـقـعى عـلى قـائـمـتـيـه الـخـلـفـيـتـيـن. وهـو رمـز الإلـهـة غـولـة، إلـهـة الـطّـبّ والشّـفـاء “الّـتي تـعـرف أسـبـاب الأمـراض”، “لأنّ لـديـهـا عـلـم الـنّـبـاتـات والأعـشـاب (أي الأدويـة)”. وذكـرت في الـكـودورو في الـسّـطـر 1.4 مـن الـعـمـود الـرّابـع، كـ “الـسّـيّـدة الـعـلـيـا، رفـيـقـة أوتـو عـلـو” :

Caillou Michaux symbole 11

Caillou Michaux s. 11 (b)

وكـان أوتـو عـلـو إلـه الـعـواصـف، وأصـبـح، في الـفـتـرة الـكـيـشـيـة، إسـمـاً آخـر لـلإلـه نـيـنـوتـا، رفـيـق الإلـه غـولـة.

  1. الـبـرق، رمـز أداد (حـداد)، إلـه الأمـطـار والـعـواصـف والـخـصـب. وقـد وصـفـه الـكـودورو بـ “الّـذي يـسـقي الـسّـمـاء والأرض”، “الإبـن الـبـار لـلإلـه آنـو” :

Caillou Michaux symbole 12

13.  قـلـم عـلى قـاعـدة. رمـز الإلـه نَـبـو، الّـذي حـلّ، مـنـذ الألـف الـثّـاني ق.م. في بـابـل، مـحـلّ نـيـسـابـا، إلـهـة الـكـتـابـة ومـحـاسـبـات حـصـاد الـحـبـوب. وكـان نَـبـو، يـشـارك إبـاه الإلـه مـردوخ، في رمـز الـثّـعـبـان ــ الـتّـنـيـن مـوشـوشـو. وقـد ذكـر نَـبـو في الـكـودورو، في الـسّـطـر الـسّـادس عـشـر مـن الـعـمـود الـرّابـع ووصـف بـ “الـوزيـر الـنّـبـيـل” :

Caillou Michaux 10 (3)

  1. الـثّـعـبـان ــ الـتّـنـيـن مـوشـوشـو، رمـز الإلـه مـردوخ. ولـه جـسـد ثـعـبـان وقـائـمـتـا الأسـد الأمـامـيـتـان ومـخـلـبـا الـنّـسـر كـقـائـمـتـيـن خـلـفـيـتـيـن. وهـو تـنـيـن مـرعـب، دائـم الـغـضـب، ويـسـمى أيـضـاً بـ “دمـوش حـوش” أي الـثّـعـبـان الأحـمـر. وقـد أصـبـح مـنـذ بـدايـة الـسّـلالـة الـبـابـلـة الأولى رمـزاً لـمـردوخ وابـنـه نَـبـو .
  2. الـثّـعـبـان ــ الـتّـنـيـن مـوشـوشـو، ولـكـن هـذه الـمـرّة كـرمـز الإلـه نَـبـو.
  3. سـلاح نِـرغـال، إلـه الـجـحـيـم. وهـو هـراوة بـرأس أسـد لـه أذنـا حـمـار وحـشي.
  4. الـعـقـرب زقـاقـيـفـو، رمـز عِـشـخـارة، الّـتي كـانـت في الألـف الـثّـالـث ق.م. إلـهـة الـحـبّ في شـمـال مـا بـيـن الـنّـهـريـن. وقـد ربـطـت في الألـف الـثّـاني ق.م. بـمـجـمـوعـة نـجـوم الـعـقـرب :

Caillou Michaux symbole 17 a

  1. طـائـر عـلى غـصـن، يـرمـزان إلى شـوقَـمـونـة وشـومـالـيـا، زوج مـن الآلـهـة أدخـلـهـمـا الـكـيـشـيـون في بـلاد بـابـل. وكـان مـلـوك الـكـيـشـيـيـن يـضـعـون شـوقَـمـونـة في نـفـس مـقـام الإلـه مـردوخ :

Caillou Michaux symbole 18

  1. سـهـم شـيـلـتـاحـو، الّـذي يـتّـجـه رأسـه نـحـو الأسـفـل، ويـمـثّـل نـجـمـة سُـهـيـل الّـتي كـان سـكـان مـا بـيـن الـنّـهـريـن يـسـمـونـهـا بـشـيـلـتـاحـو أي الـسّـهـم، وكـانـوا قـد تـفـحّـصـوهـا مـنـذ الألـف الـثّـالـث ق.م. وعـرفـوا مـسـيـرتـهـا في الـسّـمـاء :

Caillou Michaux 19

  1. الـطّـائـر الـسّـائـر، رمـز بـابـسـوكـال، رسـول الآلـهـة، ووزيـر الإلـه آنـو. وأصـبـح في الـفـتـرة الـكـيـشـيـة إلـهـاً حـامـيـاً لـلـبـشـر وشـفـيـعـاً لـهـم عـنـد الآلـهـة لـكي يـتـقـبّـلـوا دعـاءهـم. وكـان حـارس أبـواب الـسّـمـاء :

Caillou Michaux 7 (2)

  1. مـصـبـاح زيـتي، رمـز الإلـه نـوسـكـو، الـضّـوء الـمـنـبـعـث مـن لـهـب الـنّـار. وكـان نـوسـكـو يـحـاول إدخـال الـنّـور في الـظّـلام، ويـبـعـد الـكـوابـيـس في الـمـنـام :

Caillou M. 2 (2)

ولإنّ نـصّ الـكـودورو ذكـر، كـمـا سـبـق أن رأيـنـا، أنّ الـلـعـنـات سـتـحـلّ عـلى كـلّ مـن لا يـحـتـرم بـنـود الـعـقـد، فـقـد نـحـتـت عـلـيـه ، بـعـد رمـوز الآلـهـة، رمـوز الـلـعـنـات :

Caillou M. 2

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)  زار الإيـطـالي بـيـيـتـرو  ديـلّا فـالـيـه بـابـل عـام 1616. كـمـا زار تـلّ الـمـقـيّـر، مـوقـع مـديـنـة أور الـقـديـمـة في عـام 1625، وتـمـعّـن في تـفـحّـصـه والـتـقـط مـنـه شـظـايـا فـخـار وقـطـع طـابـوق عـلـيـهـا كـتـابـات مـسـمـاريـة وأجـزاء مـن أخـتـام أسـطـوانـيـة.

وعـنـدمـا رجع إلى رومـا عـام 1626، أهـدى إلى مـتـحـف Museum Kircherianum  في رومـا مـا كـان قـد جـلـبـه مـعـه مـن بـابـل وأور مـن قـطـع أثـريـة قـديـمـة. وكـان مـن بـيـنـهـا نـصـوص مـسـمـاريـة مـن أوائـل مـا وصـل إلى أوربـا.

أنـظـر مـقـالي : كـتـاب تـأبـيـن الـبـغـداديـة سـتّ مـعـاني زوجـة ديـلّا فـالـيـه

(2) Souvenirs de la Perse safavide et autres lieux de l’Orient (1664-1678), Bruxelles, 1985

(3)  Mémoire sur les antiquités babyloniennes، وأنـظـر مـقـالي : الـبـغـداديـون في الـقـرن الـثّـامـن عـشـر كـمـا رآهـم الـفـرنـسي بـوشـام

(4) يـتـكـلّـم أنـدريـه مـيـشـو في رسـالـة وجـهـهـا إلى أعـضـاء الـمـعـهـد الـعـلـمي في 6 تـشـريـن الأوّل 1800، ونـشـرت في الـمـجـلّـة الـمـعـرفـيـة الـشّـامـلـة، الـجـزء الـثّـالـث، عـام 1800، ص. 86ــ 87، عـن قـرار وزيـر الـدّاخـلـيـة : “إسـتـلـمـت 1200 فـرنـك كـتـقـديـم لـلـثّـمـن. وسـيـدفـع الـبـاقي، أي 3000 فـرنـك لابـني خـلال هـذه الـسّـنـة”، “وسـيـتـكـلّـف ابـني خـلال غـيـابي عـن فـرنـسـا بـطـبـع كـتـابي : “الـتّـاريـخ الـطّـبـيـعي لأمـريـكـا الـشّـمـالـيـة”.

©   حـقـوق الـنّـشـر مـحـفـوظـة لـلـدّكـتـور صـبـاح كـامـل الـنّـاصـري

يـرجى طـلـب الإذن مـن الـكـاتـب قـبـل إعـادة نـشـر هـذا الـمـقـال.